أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

خيارات بديلة:

ماذا لو أوقفت الجزائر إمدادات الغاز عن المغرب؟

08 سبتمبر، 2021


ألمحت الجزائر، في 26 أغسطس 2021، إلى إمكانية وقف تشغيل خط أنابيب الغاز "المغربي العربي-أوروبا" الذي يمر بالأراضي المغربية، في خطوة تصعيدية من جانبها على خلفية تصاعد التوترات مع الرباط جراء الاتهامات المتبادلة بينهما بشأن دعم كل منهما لحركات انفصالية لدى الأخرى. كما نقلت وسائل إعلامية عن مصادر جزائرية، يوم 6 سبتمبر الجاري، تأكيدها أنه لا نية لدى الجزائر في تجديد عقد توريد الغاز لإسبانيا عبر الأنبوب الذي يعبر المغرب، مضيفة أن عقد التوريد عبر الأراضي المغربية ينتهي في 31 أكتوبر المقبل.

وأقرت الجزائر بإمكانية تحويل كامل إمدادات الغاز إلى خط الأنابيب "ميد غاز" الذي يصل حقل حاسي الرمل الجزائري للغاز بألميريا الإسبانية مباشرة، من دون العبور بالأراضي المغربية، وهو أمر يضر بأمن الطاقة المغربي، حيث يلبي الغاز الجزائري حوالي عُشر احتياجات القطاع الكهربائي، لاسيما إذا لم تتمكن المغرب من إيجاد بدائل لتعويض النقص المحتمل بشكل سريع. 

وفي الوقت ذاته، يمثل نقل الإمدادات الجزائرية إلى السوق الإسباني من خلال منفذ واحد جديد خطراً كبيراً؛ نظراً لأنه عُرضة بطبيعة الحال لأن يتعطل لأسباب فنية أو أخرى في المستقبل. وعلى الأرجح أن تتحوط إسبانيا لهذا التحرك، من خلال زيادة الاعتماد على شحنات الغاز المُسال في تلبية احتياجاتها؛ تحسباً لأي تطورات مفاجئة.

تصاعد الخلافات: 

تصاعدت حدة الخلافات السياسية بين الجزائر والمغرب في الأشهر الأخيرة، إلى أن بلغ الأمر ذروته بحدوث القطيعة رسمياً بين الدولتين في 24 أغسطس الماضي. وفيما يلي أبرز أسباب الخلافات بينهما:

1- اتهامات تاريخية: تتهم المغرب جارتها الجزائر بأن الأخيرة تُعرقل تسوية قضية الصحراء، وأنها تواصل منذ عقود طويلة تقديم كافة أشكال الدعم المالي والسياسي واللوجستي لجبهة "البوليساريو" التي تنادي باستقلال الصحراء عن المغرب.  

2- حظر التعاون: حالت الخلافات التاريخية بين الجزائر والمغرب من دون تطور التبادل التجاري بينهما خلال العقدين الماضيين، أو وجود تعاون استثماري ملحوظ بين البلدين. وسبق أن دعا المسؤولون الجزائريون، في مايو الماضي، لإنهاء التعاقدات القائمة، وهي محدودة بالأساس، بين الشركات الجزائرية ونظيرتها المغربية في الأنشطة المالية والتأمين، في ظل مخاوف من احتمالية تسرب معلومات جزائرية حساسة للشركات المغربية.    

3- ذروة الخلافات: اشتد التوتر مجدداً بين الجزائر والمغرب في شهر يوليو الماضي، عندما دعا ممثل المغرب لدى الأمم المتحدة إلى ضرورة نظر المجتمع الدولي إلى قضية استقلالية منطقة القبائل الجزائرية، وأعقب ذلك استدعاء الجزائر سفيرها بالرباط للتشاور حول هذا الأمر. وتتابعت أحداث التوتر بين البلدين، ففي الشهر التالي، اتهمت الجزائر مجموعتين انفصاليتين وهما "رشاد الإسلامية" و"الماك"، والمدعومتين من المغرب، على حد ذكرها، بالتورط في إشعال الحرائق بمنطقة القبائل.

4- القطيعة الرسمية: في ضوء التطورات السابقة، أعلنت الجزائر في 24 أغسطس الماضي قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب على خلفية "الأعمال العدائية" من طرف المغرب، على حد وصف الأولى. وليس بجديد أن يعلن أحد الطرفين قطع العلاقات، ولكن يأتي ذلك في ظل متغيرات إقليمية جديدة، قد تكون لها ارتدادات أمنية وسياسية على منطقة شمال أفريقيا. 

5- وقف إمدادات الغاز: مع حدوث القطيعة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، أصبح وجود أي شكل من التعاون الاقتصادي بينهما أكثر صعوبة. وبدورها ألمحت الجزائر لإمكانية عدم تجديد عقد خط أنابيب "المغرب العربي - أوروبا" الذي يمر بالأراضي المغربية، على أن تُحول الإمدادات كافة إلى خط الأنابيب "ميد غاز"، الذي يربط مباشرة بين الجزائر وإسبانيا. 

خيارات المغرب:

يترك تهديد الجزائر بوقف تشغيل خط أنابيب "المغرب العربي - أوروبا"، عدداً من التداعيات المحتملة على أمن الطاقة المغربي، ويتضح ذلك على النحو التالي:

1- قطع الإمدادات: يمثل قطع إمدادات الغاز الجزائري، حال حدوثه، تهديداً حيوياً لقطاع الكهرباء المغربي، لاسيما إذا لم تتمكن الحكومة المغربية من تعويض النقص المحتمل سريعاً. وتزود الجزائر جارتها المغرب بكميات من الغاز الطبيعي قدرها مليار متر مكعب سنوياً عبر خط الأنابيب، ونصفها كرسوم عبور لخط الأنابيب عبر الأراضي المغربية، فيما النصف الآخر مدفوع الثمن. وتُلبي هذه الكميات في المجموع ما نسبته 10.5% من قدرة توليد الكهرباء المغربية والبالغة نحو 10627 ميجاوات بنهاية عام 2020.   

2- البحث عن مصادر أخرى: من المحتمل أن تلجأ الحكومة المغربية لتعويض النقص المحتمل في توريد الغاز الجزائري، من خلال رفع معدل استخدام الطاقة الإنتاجية للمحطات الكهربائية العاملة بوقود الديزل أو زيت الوقود، وكذلك محطات الطاقة الشمسية والرياح. 

3- استيراد الغاز المُسال: تسعى المغرب منذ سنوات لتطوير البنية تحتية لاستيراد الغاز المُسال، وقد طرحت الحكومة عطاءً في أبريل الماضي لبناء محطة دائمة لاستيراد الغاز المُسال بطاقة أولوية قدرها 1.1 مليار متر مكعب، ولكن الانتهاء من تدشينها قد يستغرق سنتين أو أكثر. ولذا يبدو الحل الواقعي حالياً لاستيراد الغاز المُسال هو الاعتماد على السفن العائمة لتخزين وتغويز الغاز المُسال، وذلك لحين الانتهاء من بناء المحطة الدائمة.

4- الإسراع من البرنامج الوطني للغاز: بدأت المغرب منذ سنوات برنامجاً لتطوير الإنتاج المحلي من الغاز والنفط والطبيعي، بدعم من موارد الهيدروكربونات المحتمل وجودها براً وبحراً على طول سواحلها المطلة على البحر المتوسط. بيد أنها لم تحقق اكتشافات كبيرة وذات جدوى تجارية حتى الآن، باستثناء مكمن تندرارة للغاز الطبيعي، الذي يحوي احتياطيات تُقدر بنحو 20 مليار متر مكعب من الغاز، ومن المتوقع أن تبدأ شركة "ساوند إنيرجي" تشغيل الحقل والإنتاج منه في المستقبل القريب، ويمكن أن يقلص واردات المغرب من الغاز. 

حسابات إسبانيا:

سعت الجزائر في الفترة الأخيرة للتأكيد على أنها مورد موثوق رئيسي للغاز ليس لإسبانيا فقط، وإنما للعديد من دول العالم. ووجهت الجزائر رسائل طمأنة متكررة لإسبانيا بأن إمدادات الغاز الجزائرية لن تتأثر بأي حال من الأحوال بالقطيعة مع المغرب، حيث سيتم نقل إمدادات الغاز إلى خط أنابيب "ميد الغاز" المباشر الذي يصل بين حقل غاز حاسي الرمل الجزائري وألميريا الإسبانية. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن يترك هذا التهديد الجزائري عدداً من التداعيات المحتملة على إسبانيا، وهي كالتالي: 

1- اعتماد مفرط على الإمدادات الجزائرية: تعتمد إسبانيا على الجزائر في تزويدها بما نسبته 29% من واردات الغاز، وبكميات بلغت 9.1 مليار متر مكعب عبر خطوط الأنابيب، ونحو نصف مليار متر مكعب من شحنات الغاز المُسال عام 2020. ولذا، فإن أي انقطاع لهذه الإمدادات سوف يتسبب في مشكلة نقص للطاقة لدى قطاعي الصناعة وتوليد الكهرباء الإسبانيين، وذلك ما لم تنجح إسبانيا في تعويضها من خلال التوسع في مصادر الطاقة الأخرى. 

2- خطر المنفذ الواحد: نظرياً، يمكن لخط أنابيب "ميد غاز" أن ينقل كميات الغاز كافة المتعاقد عليها بين الجانبين الجزائري والإسباني، لاسيما بعد أن زادت الحكومة الجزائرية من الطاقة الاستيعابية له حديثاً من 8 إلى 10 مليارات متر مكعب، وبدعم من مشروع لتطوير القدرة الفنية لخط الأنابيب، وتم الانتهاء منه في مايو 2021. ومع ذلك، يحمل اعتماد نقل الغاز الجزائري إلى السوق الإسباني من خلال منفذ واحد خطراً كبيراً على السوق الإسباني، حيث إن خط الأنابيب عُرضة لأي أعطال فنية محتملة أو الحاجة لوقف لتشغيل لإجراء الصيانة الموسمية أو غيرها من الأسباب، وعلى نحو قد يهدد بانقطاع إمدادات الغاز الجزائري إلى إسبانيا.

3- زيادة واردات الغاز المُسال: ربما تضع الحكومة الإسبانية في حساباتها خلال الفترة المقبلة، في ضوء التوتر الجزائري - المغربي، زيادة الاعتماد على واردات الغاز المُسال من مصادر متنوعة؛ تحسباً لأي انقطاع مفاجئ غير محسوب من الإمدادات الجزائرية، ويساعدها على ذلك وجود بنية تحتية قوية لاستيراد الغاز المُسال تتمثل في 6 محطات استيراد بطاقة تصل إلى 60 مليار متر مكعب سنوياً، وعلى نحو سوف يزيد من أهمية الغاز المُسال في تلبية احتياجات إسبانيا من خام الغاز. وفي العام الماضي، بلغت واردات إسبانيا من الغاز المُسال نحو 20.9 مليار متر مكعب، أي ما يمثل 62.9% من إجمالي واردات الغاز (عبر خطوط الأنابيب وشحنات الغاز المُسال).


ختاماً، يمكن القول إن التهديد بوقف تشغيل خط أنابيب "المغرب العربي - أوروبا" هو بمنزلة "لعبة صفرية" لن تترك سوى تداعيات مؤقتة على الأطراف المشاركة في الخط. وبإمكان المغرب وإسبانيا تعويض أي انقطاعات محتملة في الإمدادات الجزائرية بشكل سلس في الأجلين المتوسط والطويل؛ لكن الأخطر من ذلك، يمثل هذا التحرك تطوراً مباغتاً قد يزيد من تفاقم التوترات الأمنية والسياسية في منطقة شمال إفريقيا.