أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

سيناريوان محتملان:

مستقبل تركيا في ظل نتائج الانتخابات المبكرة

29 أكتوبر، 2015


تنطلق الانتخابات البرلمانية التركية المبكرة في الأول من نوفمبر المقبل عقب انتهاء تصويت الأتراك بالخارج في 25 أكتوبر الجاري.

ويخوض هذه الانتخابات حوالي 20 حزباً تركياً من بينهم الأحزاب الأربعة الرئيسية، وهي حزب العدالة والتنمية، والذي يسعى لتحقيق الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً (276 مقعد) بزيادة 18 مقعداً عن مقاعده في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي أجريت في يوليو الماضي، من خلال إدخال مجموعة من التغييرات الجوهرية على قوائمه الانتخابية باستبدال حوالي 188 من مرشحيه في الانتخابات الأخيرة؛ وأحزاب الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي، والتي تسعى للمحافظة على النتائج التي حققتها في الانتخابات الأخيرة أو زيادتها لمنع حزب العدالة والتنمية من الانفراد بالحكم.

في هذا الإطار سيتم تناول التكتيكات الانتخابية للأحزاب في الانتخابات المقبلة والهدف منها والسيناريوهات المحتملة لتلك الانتخابات.

تكتيكات حزب العدالة والتنمية الانتخابية

أدخل حزب العدالة والتنمية تغييرات كبيرة على قوائمه الانتخابية، خاصة في المحافظات التي لم يحقق فيها نتائج إيجابية، حيث دفع بـ 188 مرشحاً جديداً، وذلك في مسعى لحصد الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً. ويمكن تناول هذه التغييرات وهدف الحزب منها، فيما يلي:

  • دفع حزب العدالة والتنمية بحوالي 24 مرشحاُ من القيادات القديمة للحزب ذات الشعبية والقدرة على حشد الجماهير، عقب إقرار المؤتمر العام الخامس للحزب تعطيل قاعدة الثلاث ولايات للدورة الانتخابية الحالية، والتي كانت تمنعهم من خوض الانتخابات، ومن أبرزهم نائب رئيس الوزراء السابق عن الشؤون الاقتصادية "علي باباجان"، و"جميل تشيشك" رئيس البرلمان التركي السابق. ويراهن الحزب على نجاح تلك القيادات في استعادة الأصوات التي خسرها في الانتخابات الأخيرة.
  • أدخل الحزب تغييرات على قوائمه الانتخابية في المدن ذات الغالبية الكردية، وذلك في مسعى لتعويض خسارته بتلك المناطق واستعادة الصوت الكردي، خاصة اليميني المحافظ، حيث رشح الحزب عدداً من الشخصيات الكردية البارزة ذات النفوذ القبلي في المناطق الكردية، وبعض الشخصيات الكردية البارزة في المدن الكبرى ذات التواجد الكردي مثل ترشيح وزير الزراعة السابق "مهدي أكار" على قوائم الحزب في مدينة إسطنبول التي يتواجد بها أكثر من مليون كردي. كما تم ترشيح "بشير أتالاي" أحد القادة الذين أشرفوا على عملية السلام مع الأكراد في السنوات السابقة على رأس قائمة مدينة "فان" الكردية التي لم يحصل فيها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة إلا على مقعد واحد.
  • رشح الحزب "توغرول تركيش" على قوائمه الانتخابية في مدينة أنقرة، وهو العضو المفصول من حزب الحركة القومية بعد قبوله منصب نائب رئيس الوزراء التركي في حكومة الانتخابات المؤقتة بالمخالفة لقرار الحزب، وهو من أهم الشخصيات في حزب الحركة القومية؛ فهو ابن مؤسس الحزب الراحل "ألب أرسلان توركيش"، وكان أحد المنافسين الدائمين للزعيم الحالي لحزب الحركة القومية "دولت بهشلي"، ويستهدف حزب العدالة والتنمية من هذه الخطوة جذب مزيد من الأصوات القومية لصالحه.
  • ضمت القوائم الانتخابية للحزب أيضاً "إسماعيل كاهرامان" القيادي بحزب السعادة، وأحد أهم الشخصيات في حركة القيادي الإسلامي الراحل "نجم الدين أربكان" ووزير الثقافة في حكومته، وذلك في مسعى لجذب أصوات مؤيدي حزب السعادة البالغة حوالي 2% في الانتخابات الأخيرة وأصوات المتدينين الأتراك بصفة عامة. وقد لجأ حزب العدالة والتنمية لتلك الخطوة عقب تعثر دخوله في تحالف انتخابي مع حزب السعادة.
  • وإضافة إلى التغييرات السابقة التي شهدتها القوائم الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، يركز الحزب في دعايته الانتخابية على إعادة الأمن والاستقرار إلى تركيا والحفاظ على الإنجازات الاقتصادية من خلال تمكينه من تشكيل الحكومة منفرداً، واستمرار التصعيد ضد الأكراد لجذب أصوات القوميين.

التكتيكات الانتخابية لحزب الشعب الجمهوري

أدخل حزب الشعب الجمهوري تغييرات على قوائمه الانتخابية في حوالي 17 محافظة لم يستطع الحصول فيها على أي نائب، وأبقى على حوالي 128 اسماً من الشخصيات الفائزة بالانتخابات السابقة من مجموع 131 نائب.

ويركز حزب الشعب الجمهوري في دعايته الانتخابية على نقاط ضعف حكم حزب العدالة والتنمية، سواء داخلياً حيث عودة المواجهات الدموية مع الأكراد وتعهد الحزب بحل القضية الكردية بإيجاد حل سلمي لها من خلال تعزيز الديمقراطية في تركيا، أو خارجياً حيث انتقد الحزب السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية التي رأى أنها ليست إلا مجرد سياسة أيديولوجية لا تعبر عن مصالح الدولة التركية، مما أوقع تركيا في العديد من المشكلات الإقليمية. وتعهد رئيس الحزب "كليجدار أوغلو" بإعادة علاقات تركيا مع كل من مصر وإسرائيل وإعادة فتح السفارات التركية في هذه الدول في حال تشكيله للحكومة.

تحديات تواجه حزب الحركة القومية

تعرض حزب الحركة القومية لضربة قوية قد تفقده بعض الأصوات القومية عقب فصله لنجل مؤسس الحزب والنائب عن مدينة أنقرة "تورغل توركش" عقب مشاركته في الحكومة الانتخابية، ثم ترشحه بعد ذلك على قوائم حزب العدالة والتنمية، فضلاً عن استقالة حوالي 150 عضواً من حزب الحركة القومية وانضمامهم لحزب العدالة والتنمية في 20 أكتوبر الجاري، أي قبل أيام من الانتخابات، وتعد هذه التطورات أحد نقاط الضعف للحزب في الانتخابات المبكرة.

ويسعى الحزب أيضاً إلى إبعاد تهمة إفشال تشكيل حكومة ائتلافية في تركيا عنه، وما قد يسببه ذلك من تداعيات سلبية على الحزب في الانتخابات المقبلة، وذلك عقب رفضه الدخول في ائتلاف حكومي مع حزب العدالة والتنمية والمعارضة، مما تسبب في وجود وزراء أكراد في الحكومة الانتخابية التركية (قبل استقالتهم) واستمرار حالة عدم الاستقرار في تركيا، حيث صرح رئيس حزب الحركة القومية "دولت بهتشلي" خلال إعلانه البرنامج الانتخابي للحزب باستعداد الحزب للمشاركة في الحكومة الائتلافية حال عدم تمكن أي حزب من الأحزاب الحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة منفرداً باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي مع تمسكه بشروطه السابقة للدخول في أي ائتلاف حكومي. ويتنافس الحزب مع حزب العدالة والتنمية على جذب أصوات القوميين من خلال التصعيد ضد الأكراد.

تكتيكات حزب الشعوب الديمقراطي الكردي

يخوض حزب الشعوب الديمقراطية الانتخابات بنفس قوائمه الانتخابية السابقة التي تتكون من أقليات دينية وإثنية مختلفة مثل العلويين والأرمن، كما تضم يساريين وليبراليين وعلمانيين، لجذب أصوات الأقليات العرقية والدينية في تركيا وأصوات المعارضين لسياسات أردوغان من اليساريين الذين شاركوا في احتجاجات واسعة ضد الحكومة التركية بعد دعوته لتعديل قانون الأمن الداخلي الذي يفرض عقوبات غليظة على المتظاهرين.

ويعتمد الحزب على مجموعة من التكتيكات الانتخابية تتمثل في:

  • مشاركة الحزب في الحكومة الانتخابية المؤقتة برئاسة "داوود أوغلو" في خطوة تظهر الحزب وكأنه يتمتع بالمسؤولية السياسية وأنه حزب لكل تركيا وليس قاصراً على الأكراد، ولإبعاد أية شبهة انفصالية عنه، ثم جاء سحب الحزب لوزرائه من الحكومة مؤخراً في إطار استعداده للانتخابات كحزب معارض للحكومة وأردوغان وسياسات حزب العدالة والتنمية التي حملها مسؤولية تصاعد العنف وتدهور الأوضاع في تركيا.
  • يسعى الحزب لتوظيف التفجير الإرهابي الذي استهدف عدداً من الناشطين اليساريين والأكراد بالعاصمة التركية أنقرة في 10 أكتوبر الجاري، موقعاً أكثر من 100 قتيل، لزيادة شعبيته وسط الكتلة الكردية والأقليات والجماعات اليسارية المعارضة لأردوغان، خاصة أن هذا التفجير جاء عقب إعلان حزب العمال الكردستاني إيقاف المواجهات مع الجيش وقوات الأمن التركية حتى 1 نوفمبر المقبل لتهدئة الأجواء قبل الانتخابات، مع الاحتفاظ بحق الرد على أية هجمات من قبل قوى الأمن، متهماً حكومة أوغلو بالسعي نحو التصعيد، وهو ما يمثل إحراجاً لحزب العدالة والتنمية في ظل الاتهامات التي تلاحق أردوغان والحكومة التركية بالتراخي في حماية المواطنين الأكراد.
  • يركز الحزب في دعايته الانتخابية على اتهام أردوغان وحزب العدالة والتنمية بتصعيد الأوضاع في تركيا وإجراء انتخابات مبكرة لإبعاد الأكراد عن البرلمان، في مسعى لحشد الكتلة الكردية خلفه، وهو ما انعكس في الشعار الذي اتخذه الحزب "بالبرلمان رغم أنفهم"، في إشارة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية. وتعهد الحزب في برنامجه الانتخابي بتحقيق السلام في تركيا وإدخال تعديلات واسعة على صلاحيات رئيس الجمهورية بما يحقق مبدأ الفصل بين السلطات، وضمان أن يكون لكافة المواطنين الأتراك خاصة المضطهدين دوراً في عملية صنع القرار.

سيناريوان محتملان

في ضوء الظروف التي تشهدها تركيا في الوقت الحالي ونتائج استطلاعات الرأي المختلفة - رغم تباينها الشديد - يمكن استخلاص سيناريوين أساسيين حول مستقبل نتائج الأحزاب التركية في الانتخابات المبكرة وتداعياتها على المشهد الداخلي في تركيا، وهما:ـ

السيناريو الأول: نجاح حزب العدالة والتنمية في الحصول على الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً (276 مقعداً) حوالي 43-45% من أصوات الناخبين، مع تزايد بسيط في نسبة حزب الشعب الجمهوري لتبلغ حوالي 26-27%، وتراجع في نسبة حزب الحركة القومية لتصبح حوالي 13- 14%، وكذلك تراجع نسبة حزب الشعوب الديمقراطية الكردي إلى 10-11%.

وسوف يتحقق هذا السيناريو في حال نجاح حزب العدالة والتنمية في إقناع الناخبين بأن التردي في الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تشهدها تركيا منذ انتخابات 7 يونيو الماضي هو نتيجة لعدم حصوله على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً، ومن ثم الاستمرار في تحقيق الإنجازات التي حققها على مدار ال ـ13 عاماً الماضية، ما سيدفع الناخبين الأتراك الذي امتنعوا عن التصويت أو صوتوا تصويتاً عقابياً إلى التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية على أمل استعادة الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي الذي شهدته تركيا في عهد حكومات العدالة والتنمية.

وسيؤدي تحقق هذا السيناريو إلى تزايد هيمنة أردوغان على عملية صنع القرار في تركيا والاستمرار في سياساته الداخلية والخارجية، فضلاً عن ممارسته المزيد من الصلاحيات والاختصاصات الرئاسية دون انتظار تعديل الدستور، فضلاً عن لجوء معارضيه وحزب العدالة والتنمية إلى سياسات الشارع كالاحتجاجات للتعبير عن رفضهم لسياساته، مما يعزز من استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في تركيا، خاصة أن الانتخابات الأخيرة ستتترك تباينات واستقطابات قومية (تركية/كردية) وسياسية (علمانية/إسلامية) سيصعب معالجتها سريعاً خلال الفترة المقبلة.

السيناريو الثاني: تكرار نفس النتائج السابقة تقريباً، أي محافظة الأحزاب على النسب التصويتية التي حصلت عليها في انتخابات في 7 يونيو.

وسوف يتحقق هذا السيناريو في حال نجاح أحزاب المعارضة في إقناع الناخب التركي أن الظروف السيئة التي تشهدها تركيا هي نتاج لسياسات حزب العدالة والتنمية، وتحميل المسؤولية لقيادات الحزب مثل أردوغان وأوغلو، وهو ما سيدفع الناخبين للاستمرار في سلوكهم التصويتي أو التصويت لصالح أحزاب أخرى غير العدالة والتنمية.

وسيؤدي تحقق هذا السيناريو إلى ضعف موقف حزب العدالة والتنمية في مواجهة الأحزاب الأخرى، وسيكون مجبراً لقبول شروطها وتقديم تنازلات كبيرة من أجل تشكيل حكومة ائتلافية، فضلاً عن القضاء بشكل نهائي على طموحات أردوغان في تحول النظام التركي للنظام رئاسي، وتقليص نفوذه وسيطرته على عملية صنع القرار، بالإضافة إلى التداعيات السلبية على مستقبل تماسك حزب العدالة والتنمية.