أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (خمسة سيناريوهات للتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران)
  • مهاب عادل يكتب: (رسائل الإصلاح: كيف انعكست أزمات الشرق الأوسط في الدورة الـ79 للأمم المتحدة؟)
  • د. هايدي عصمت كارس تكتب: (بين العزلة والانقسام: دوافع تفضيل أوروبا هاريس على العودة المحتملة لترامب)
  • مركز "المستقبل" يُشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (قوة صاعدة: فرص الإمارات في سباق الذكاء الاصطناعي)

"البيتكوين كاش":

هل انقسمت العملة الإلكترونية "الأقوى" على نفسها؟

09 أغسطس، 2017


أثار ظهور عملة البيتكوين كاش كأحد العملات الافتراضية الجديدة العديد من الأسئلة حول تبعيتها لعملة البيتكوين التقليدية وبسبب ظهور البيتكوين كاش ومستقبل العملة الجديدة وأثرها على العملة القديمة، وهو ما يحاول هذا التحليل توضيحه.

ما هي البيتكوين؟

تُعد البيتكوين عملة افتراضية من تصميم شخص مجهول الهوية يُعرف باسم "ساتوشي ناكاموتو"، وتشبه -إلى حدٍّ ما- العملات المعروفة كالدولار واليورو وغيرها من العملات، حيث يمكن استخدامها في عمليات البيع والشراء في العديد من الدول؛ فهناك أكثر من 36 ألف خدمة يمكن الحصول عليها عبر البيتكوين، في 55 دولة في العالم، كما تتوافر 1352 ماكينة ATM لتحويل عملة البيتكوين إلى عملة تقليدية، سواء إلى الدولار أو إلى عملات محلية.

ونتيجة للمميزات العديدة التي تقدمها البيتكوين فقد أصبحت العملة الرسمية لكافة الأنشطة الإجرامية، لما لها من قدرات تشفيرية عالية، كما أنها لا تتطلب البيانات الشخصية للمستخدم، فأي مالك لعملة البيتكوين هو مجرد "رقم" يمثل المحفظة المالية التي سيتم تحويل النقود منها وإليها، وبالتالي فهي توفر خاصية التخفي وعدم التعقب.

كيف يمكن الحصول عليها؟

توجد طريقتان رئيسيتان يمكن من خلالهما الحصول على البيتكوين: الطريقة الأولى شراء العملة مباشرة بالنقود التقليدية -مثل الدولار- من أي من مستخدميها. أما الطريقة الثانية فتتمثل في التنقيب Mining عن البيتكوين عبر برامج خاصة.

ويقصد بعملية التنقيب مجموعة من العمليات الحسابية المعقدة التي يقوم بها المستخدمون (المنقبون) الذين يرغبون في الحصول على البيتكوين عبر أجهزة الكمبيوتر الشخصية الخاصة بهم؛ حيث يقومون بالتأكد من صحة المعاملات المالية التي تمت على عملة البيتكوين بواسطة مستخدمين آخرين، وهذا ما يسمى بمبدأ يسمى مبدأ "إثبات العمل proof of work".

وبمجرد إتمام هذه العمليات الحسابية، وتأكيد المعاملات المالية التي تمت؛ يحصل المنقبون على أجزاء من عملة البيتكوين كمكافآت لهم، وبالتالي فهو ليس تنقيبًا بالمعنى التقليدي، بل هي عملية تدقيق للمعاملات، وقد أراد مصممو البيتكوين استخدام مصطلح التنقيب (Mining) لكي يربطوها بالتنقيب عن المعادن النفيسة مثل الذهب.

ويمكن توضيح هذه العملية من خلال هذا المثال، فإذا أراد عدد معين من مالكي البيتكوين القيام بعمليات التحويل من حساب إلى آخر، فإنهم ينشرون هذه الطلبات عبر الشبكة التي يتم الدخول إليها عبر البرنامج المثبت على الكمبيوتر، وتكمن مهمة المُنقّبين في هذه الحالة في جمع هذه العمليات، والتحقق من صحتها عبر ترك أجهزتهم تقوم بعملية التنقيب لعدد ساعات طويلة.

وهو ما يعني أن أجهزة المنقبين تتحول إلى روبوتات وظيفتها القيام بجمع هذه العمليات، والتحقق منها، وتأكيدها بصورة آلية، وبالتالي فإن المُنقّبين أقرب ما يكونون إلى موظفي الحسابات الذين يتم منحهم أجزاء من البيتكوين مقابل عدد العمليات التي قاموا بالتحقق منها.

وكأي عملة عادية، لا بد أن تكون هناك حاوية لحفظ هذه العملة بداخلها، هذه الحاوية يطلق عليها في البيتكوين المحفظة (Wallet)، وهي عبارة عن حساب يقوم المستخدم بإنشائه على الإنترنت لاستقبال هذه العملة بداخله وبداية إجراء معاملاته المالية من خلاله.

ويُعد هذا الحساب بمثابة عنوان للمستخدم على الإنترنت، مثل البريد الإلكتروني، فإذا أراد أحد المستخدمين إتمام عملية الدفع بالبيتكوين أو استقبال عملات جديدة، فإنه يستخدم هذا الحساب الخاص بالمحفظة التي قام بإنشائها.

ما هي آلية العمل؟

ترتبط جميع المعاملات المالية التي تتم عبر البيتكوين بسلسلة واحدة، أُطلق عليها سلسلة الكتلة أو البلوك تشين (block chain)، فهي بمثابة الجسر الذي يربط جميع التحويلات ببعضها بعضًا لضمان إحكام السيطرة عليها في مكان واحد، حيث تهدف سلسلة الكتلة إلى الحفاظ على توازن البيتكوين، والتحكم في سقف وعدد البيتكوين المتاحة لدى جميع الأفراد في العالم.

ومن المتوقع أن يصل عدد البيتكوين إلى ما يُقدر بحوالي 21 مليون وحدة، وهي إجمالي الكمية التي ستكون متاحة بحلول عام 2140، وذلك حتى لا تنهار قيمة العملة إذا توافرت بصورة حرة بين جميع الأفراد، وبالتالي تفقد قيمتها السوقية.

وقد تم تحديد العدد بـ21 مليون وحدة، نظرًا إلى أن هذا هو العدد المتوقع من البيتكوين الذي سيتم منحه كمكافأة لعملية التعدين التي يقوم بها المنقبون حتى وقف نظام المكافآت تمامًا؛ حيث ينص نظام البيتكوين على خفض المكافآت التي يحصل عليها المنقبون إلى النصف كل أربع سنوات، أي تقليص مكافأة حل شفرة الكتلة إلى النصف كل 4 سنوات، وذلك بهدف الحفاظ على استقرار العملة، وجعلها عملة ذات قيمة، مثل الذهب الذي يتم اعتباره مخزونًا محدودًا، وبالتالي يحتفظ بقيمته مرتفعة.

فمثلاً، ظهر البيتكوين عام 2008، وكانت المكافآت الممنوحة التي حددها مبرمجو العملة على كل بلوك (سجل يحتوي على عدد من المعاملات قيد التنفيذ) تبلغ 50 بيتكوين، وفي عام 2012 بلغ عدد البيتكوين على البلوك الواحد 25 وحدة، وبحلول عام 2020 سيبلغ 12,5 وحدة. وبما أن مجموع الكتلات التي يتم تشفيرها كل 4 سنوات هو 210 ألف بلوك، فقد بلغ إنتاج البيتكوين في السنوات الأربع الأولى 10,500,000 بيتكوين، لتنخفض في الفترة من عام 2012 إلى عام 2016 إلى 5,250,000 بيتكوين، وهكذا ستنخفض كمية البيتكيون إلى النصف ليتم إنتاج آخر مكافأة تنقيب بحلول عام 2140.

لماذا البيتكوين كاش؟

تستقبل "البلوك تشين" في عملة البيتكوين التقليدية مقدار واحد ميجابايت من البيانات كل عشر دقائق، وذلك بهدف حماية هذه المعاملات من محاولات الاختراق ومن هجمات تعطيل الخدمة التي قد تؤدي إلى إغراق "البلوك تشين" بسيل من المعاملات الصغيرة التي تؤدي إلى توقف الخدمة تمامًا.

وأدى هذا إلى تأخير إنهاء بعض المعاملات، حيث احتاج بعضها إلى ثلاثة أيام كاملة لإنهائه، وهو الأمر الذي سبب إزعاجًا شديدًا للمستخدمين، ودفع بعض المطورين والمبرمجين إلى اقتراح حلين لمشكلة الانتظار الطويل، هما: زيادة حجم كل سلسلة كتلة ليتجاوز ميجابايت واحدة، مما يسمح بإجراء مزيد من التعاملات في كل دفعة جديدة، أو تغيير مكان بعض المعلومات الخاصة بسلسلة الكتلة لفصل الملفات التي تتضمنها قواعد البيانات.

وبالفعل هو ما طرحته مبادرة Segwit2x حلاًّ لمشكلة حجم البيانات الذي تتسع له كل سلسلة كتلة، والذي يتم تنفيذه على خطوتين؛ الأولى هي انقسام البيانات وفصلها، وهو ما حدث في أغسطس هذا العام لتظهر لدينا "بيتكوين كاش"، تليها الخطوة الثانية، وهي زيادة حجم سلسلة الكتلة من 1 إلى 2 ميجابايت، والذي يبدأ في نوفمبر القادم. وهو ما يساعد في النهاية في تقليل الوقت المستغرق في إجراءات التعاملات بالعملة الإلكترونية.

وعند إنشاء محفظة "البيتكوين كاش" يكون للشخص نفس العدد الذي يمتلكه في محفظته من البيتكوين أيضًا، لكن دون إمكانية إجراء تحويل داخل نفس المحفظة من البيتكوين العادية إلى البيتكوين كاش للفصل بين العملتين والتمييز بينهما.

معنى ذلك أن ما حدث هو إنشاء عملة جديدة بالفعل، مع الحفاظ على العملة التقليدية لتعمل كما هي وفقًا لخطتها طويلة المدى، وأن نظام العمل لديها لم يتغير حتى الآن، والدليل على ذلك أن الرمز التعريفي للبيتكوين (BTC)، في حين أن الرمز التعريفي للبيتكوين كاش هو (BCH).

ما هو مستقبل البيتكوين كاش؟

مع أول يوم في الانقسام وظهور "بيتكوين كاش"، علقت معظم منصات التداول مثل Coinbase ومحافظ العملات الإلكترونية التعامل بالبيتكوين، وذلك من أجل التأكد من أن كل شيء يعمل وفقًا للخطة، واعتبارًا من 2 أغسطس استأنفت جميع منصات الصرف تقريبًا تداول عملة البيتكوين.

وربحت العملة الجديدة أكثر من 300 دولار بعد اليوم الأول من طرحها، حيث كانت العملة قد بدأت تداولات عند سعر 300 دولار، ووصلت إلى 636,99 دولار في يوم واحد فقط، لكن مع حلول اليوم الرابع شهدت انخفاضًا كبيرًا بنسبة وصلت إلى 31,9% لتصل إلى 270,9 دولارًا، في حين ارتفعت عملة البيتكوين القديمة لتصل إلى 3400 دولار، وهو ما يطرح تساؤلاً حقيقيًّا حول مستقبل العملة الجديدة، وعن ثقة المتعاملين والمستثمرين فيها.

إجمالاً، يمكن القول إن "بيتكوين كاش" عملة ما زالت ناشئة، والمراهنة عليها أمر له تداعيات خطيرة على صغار المستثمرين، وقد تلجأ الشركات إلى المضاربة على سعر العملة الجديدة لكي ترتفع وتحقق أرباحًا ثم تقوم بالتخلص منها لتترك صغار المستثمرين ضحية لهذه العملة، وبالتالي من الأفضل التمهل، وعدم التسرع في الاستثمار في هذه العملة حتى تتضح معالمها النهائية.