أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

إعادة ضبط العلاقات:

هل تنجح الصين في استقطاب أوروبا بعيداً عن واشنطن؟

16 مايو، 2023


قام وزير الخارجية الصيني تشين غانغ، خلال الفترة من 8 إلى 12 مايو 2023، بجولة أوروبية، شملت ألمانيا وفرنسا والنرويج، وذلك بدعوة من نظرائه في الدول الثلاث، أنالينا بيربوك، وكاثرين كولونا، وأنيكن هويتفيلدت، على الترتيب، وجرى خلالها مناقشة سُبل تعزيز العلاقات الثنائية الدبلوماسية والاقتصادية بين الجانبين، والخلاف بشأن تايوان، فضلاً عن تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.

مؤشرات توتر العلاقات 

جاءت جولة وزير الخارجية الصيني الأوروبية، في ضوء تصاعد مؤشرات التوتر بين الجانبين، والتي يمكن توضيح أبرزها على النحو التالي:

1- تقليص التعاون مع الصين: برزت في الفترة الأخيرة أصوات أوروبية تطالب بتقييد علاقات الاتحاد الأوروبي مع الصين، مع عدم الفصل الكامل معها. وتجسد ذلك النهج في مصطلح "إزالة المخاطر"، والذي تمت صياغته بواسطة ألمانيا، والاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى تقليل الاعتماد على بكين، مع عدم فصل الاقتصاد الأوروبي عن الاقتصاد الصيني وأسواقه الكبيرة بشكل كامل، كما دعت دير لاين دول الاتحاد الأوروبي إلى التوصل إلى استراتيجية جديدة موحدة حول كيفية التعامل مع الصين. 

ويلاحظ أنه ليس هناك موقف أوروبي موحد تجاه الصين، فقد أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عقب عودته من زيارة إلى الصين، في 8 إبريل 2023، ضرورة ألا يكون الاتحاد الأوروبي تابعاً لواشنطن في قضية تايوان، في مؤشر على دعوته لتبني موقف أكثر تفهماً لوجهة النظر الصينية حيال الجزيرة. وفي المقابل، حث المستشار الألماني، أولاف شولتس، الاتحاد على تقليص اعتماده على بكين، متهماً الحكومة الصينية بالتصرف بشكل متزايد كمنافس بدلاً من شريك. وكذلك ألمحت الحكومة الإيطالية إلى احتمال تراجعها عن التعاون مع بكين في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية، على الرغم من سعيها للحفاظ على علاقاتها التجارية القوية مع الصين.

ومن جانبه، أثنى وزير الخارجية الصيني على دعوات عدم فك الارتباط مع الصين، غير أنه أبدى قلقاً من سعي بعض دول الاتحاد لتبني نهج "إزالة المخاطر" مؤكداً أنه في الواقع يقلص فرص التنمية التي قد تتحقق في حال استمرار التعاون مع الجانب الصيني.

2- أزمة تصريحات السفير الصيني: أدلى السفير الصيني لدى باريس، لو شاي، بتصريحات نفى فيها صفة "السيادة" عن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وهو ما أثار انتقادات حادة في أوكرانيا، والجمهوريات السوفيتية السابقة، علاوة على العديد من العواصم الأوروبية، حيث قامت باريس باستدعاء السفير، وأعربت عن صدمتها من تصريحاته. كما رآها مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، "غير مقبولة". ودفع ذلك بكين إلى المسارعة لاحتواء تلك الأزمة بتأكيد احترامها لسيادة هذه الدول. 

3- التلويح بفرض عقوبات على الصين: أشارت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أن الاتحاد الأوروبي اقترح للمرة الأولى فرض عقوبات على شركات صينية تواجه اتهامات ببيع تجهيزات يمكن استخدامها في أسلحة تدعم الجهد العسكري الروسي. وتُشير المصادر إلى أن هذه الشركات تقدر بحوالي ثماني شركات في الصين وهونغ كونغ، وتشمل العقوبات تقييد إمكانيات التصدير من قبل هذه الشركات.

4- تنامي الخلافات بشأن تايوان: تسببت بعض المواقف الصادرة أخيراً عن الاتحاد الأوروبي بشأن مسألة تايوان في إثارة أزمة في العلاقات مع الصين، ومنها دعوة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل، في 23 إبريل 2023، أوروبا إلى تكثيف دورها إزاء قضية تايوان، لأهميتها الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية بالنسبة للقارة. كما دعا القوات البحرية للدول الأعضاء في التكتل إلى القيام بدوريات في مضيق تايوان.

ولا شك أن هذه المواقف أغضبت الصين بشدة، خاصة وأنها لا تبدي أي مؤشر على التراجع عن مواقفها السابقة بشأن تايوان، وهو ما وضح في تهديد الصين، في 16 مايو 2023، بسحق الحكم الذاتي في تايوان، وذلك رداً على التقارير التي تتحدث عن تسريع الولايات المتحدة الأمريكية وتيرة توريد أسلحة دفاعية وإرسال مستشارين إلى الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي.

تقارب رغم الخلافات

عكست الجولة الأوروبية لوزير الخارجية الصيني العديد من الدلالات، يمكن توضيح أبرزها على النحو التالي:

1- تجاوب بكين مع الانفتاح الأوروبي: عكست الجولة نهجاً صينياً مفاده تفعيل التواصل مع أوروبا دبلوماسياً، وذلك رداً على الزيارات رفيعة المستوى لمسؤولين أوروبيين لبكين، والتي كان أبرزها زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في الفترة من 5 إلى 8 إبريل 2023، وزيارة وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، في الفترة من 13 إلى 15 إبريل 2023.

ومن شأن هذا التواصل بين مسؤولي الجانبين مساعدة أوروبا على بناء رؤية موضوعية حول الصين، واستكشاف إطار جديد للتعاون بين الصين وأوروبا في المستقبل. ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة زيارة العديد من المسؤولين الأوروبيين للصين لتفعيل الحوار بين الجانبين، وهو ما يُشير إلى حرصهما على الحفاظ على الاتصالات والحوار على الرغم من وجود بعض الملفات الخلافية بينهما.

2- محورية الأزمة الأوكرانية: تمثل هذه الأزمة، منذ اندلاعها، أحد المحاور الرئيسية للعلاقات الدبلوماسية بين الجانبين الصيني والأوروبي، حيث استحوذت على جزء كبير من محادثات غانغ خلال جولته الأوروبية، والتي حرص خلالها على توضيح أسس وركائز موقف بلاده تجاه الأزمة بصفتها دولة كبيرة مسؤولة، ومطالبتها أوروبا بأداء دور مهم لحل الأزمة من خلال الحوار والتفاوض.

توافقات لصالح الصين:

أسفرت جولة غانغ عن العديد من التوافقات المهمة، سواءً فيما يتصل بمستقبل العلاقات الصينية الأوروبية، أو بمواقف الجانبين إزاء القضايا التي تمت مناقشتها، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1- دعم الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا: أكدت بكين دعمها للتوجهات الأوروبية الهادفة إلى تعزيز الاستقلال الاستراتيجي. ويعكس هذا الموقف من جانب الصين دعماً واضحاً لرؤية الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المطالبة بالاستقلال الاستراتيجي لأوروبا، والتخلي عن التبعية لسياسات واشنطن. 

ويتوقع أن يثير هذا الموقف غضب الولايات المتحدة تجاه فرنسا، لتعارضه مع توجهات واشنطن الرامية إلى إبقاء أوروبا تدور في فلك السياسات الأمريكية، ولاسيما تلك التي تستهدف بكين.

2- تأييد أوروبي لخطة السلام الصينية: أيّدت ألمانيا وبريطانيا جهود الصين لإيجاد تسوية سياسية لأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وبذلك انضمتا إلى فرنسا التي كانت أول دولة أوروبية رئيسية تؤيد مبادرة السلام الصينية التي طُرحت في فبراير 2023. 

ويُشير هذا التطور إلى أن الخطة الصينية ستكتسب زخماً كبيراً في الفترة المقبلة، بما يجعل الدور الصيني أساسياً في أية مفاوضات مستقبلية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، خاصة وأن بكين أعلنت في 26 إبريل 2023، عن تعيين مبعوث صيني خاص للأزمة الأوكرانية تتمثل مهمته في تسهيل مفاوضات السلام. ومن المرتقب أن يقوم المبعوث الصيني لي هوي بزيارة أوكرانيا وبولندا وفرنسا وألمانيا وروسيا بداية من 15 مايو 2023، للتشجيع على إجراء محادثات سلام بين موسكو وكييف.

وعلى الرغم من ذلك، فقد رهن الاتحاد الأوروبي مستقبل علاقاته مع الصين بنجاح الأخيرة في استخدام نفوذها لدى روسيا لإنهاء الحرب الأوكرانية، وإلا فإن التكتل الأوروبي لن يكون "صديقاً جيداً" لبكين، باعتبار أن الأزمة الأوكرانية تُعد تهديداً وجودياً بالنسبة لأوروبا، طبقاً لتصريحات جوزيب بوريل، ممثل السياسة الخارجية بالاتحاد، في 13 مايو 2023، خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد بستوكهولم لمناقشة كيفية إعادة تقييم العلاقات مع الصين. 

ويؤشر ذلك على رغبة القوى الأوروبية الرئيسية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، في أن تدفع الصين روسيا لتبني خطة سلام تكون مقبولة أوروبياً، وهو طرح غير واقعي، خاصة وأنه من المستبعد أن ترضى موسكو بتقديم أي تنازلات، وهي منتصرة، وأوكرانيا، عاجزة، حتى الآن، عن شن الهجوم العسكري المضاد. 

ومن جانب آخر، فإن العلاقات الروسية الصينية هي علاقات مصلحة متبادلة، وليست علاقة اعتماد كامل من روسيا على الصين، كما يرغب الاتحاد الأوروبي في أن يصورها، حيث ستتحول موسكو إلى مصدر آمن للنفط والغذاء بالنسبة للصين، خاصة إذا ما قررت بكين استعادة تايوان عسكرياً، إذ أن أهم الخطط الأمريكية لمواجهة مثل هذا  السيناريو هو فرض حصار بحري على الصين، وإبعادها عن المحيط الهندي، والذي تمر من خلاله معظم التجارة الصينية، ومن ثم تهديد إمداداتها من النفط والغذاء، وهو الأمر الذي سوف تتمكن روسيا من تعويضه دون أن تتمكن واشنطن من منعها. ولا شك أن تصاعد الدعم العسكري الأمريكي لتايوان قد يدفع الصين إلى الإسراع بعملية عسكرية ضد تايوان.  

ومن جهة أخرى، لا يجب تجاهل أن نتائج الحرب الروسية الأوكرانية سوف تسهم في تشكيل شكل النظام الدولي، إذ أن أي تسوية تقبل بجانب من المطالب الروسية في الأراضي الأوكرانية سوف تعني حتماً تراجع النفوذ الأمريكي، وهو ما يصب في تحول النظام الدولي إلى نظام متعدد الأقطاب، كما أنه سوف يرسل رسالة إلى تايوان مفاداها أنه لا يمكنها الرهان على الدعم الأمريكي، ومن ثم، فإن محاولة الحفاظ على علاقات تعاونية مع الصين، وعدم استفزازها قد يكون أفضل خيار متاح. 

3- تراجع أوروبا عن العقوبات: مثلت مسألة احتمال قيام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات ضد شركات صينية بزعم تعاونها مع روسيا في الحرب ضد أوكرانيا، أحد محاور النقاش بين غانغ ونظيرته الألمانية، حيث نفى المسؤول الصيني قيام بلاده ببيع أسلحة للأطراف المشاركة في الحرب، مؤكداً أن بكين تتعامل بحكمة مع مسألة تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج، ولوحت بكين بالرد بالمثل في حالة استهداف شركاتها. 

ومن الجدير بالذكر أن باتريك رايدر، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، أكد، في مايو 2023، أنه ليس هناك أدلة على أن الصين تزود روسيا بالأسلحة، وهو نفس الأمر الذي أكدته رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في مارس 2023، وهو ما يعني أن أوروبا قد تتراجع عن فرض العقوبات على الشركات الصينية المتهمة، بلا دليل، على تصدير أسلحة إلى روسيا. 

وفي التقدير، يمكن القول إن الجولة الأوروبية الأخيرة لوزير الخارجية الصيني قد تنجح في تهدئة مسببات التوتر التي شابت العلاقات الصينية الأوروبية خلال الفترة الأخيرة، غير أن ذلك سيظل مرهوناً باتخاذ الاتحاد الأوروبي سياسات أكثر استقلالاً عن واشنطن، وعدم إثارة الملفات الخلافية مع الصين، والتي يأتي على رأسها قضية تايوان، فضلاً عن خفض سقف توقعاتها للدور الصيني في إحلال السلام في أوكرانيا. وفي المقابل، فإن واشنطن سوف تعمل جاهدة على تعزيز القضايا الخلافية بين بكين وبروكسل، وذلك لضمان انضمام الدول الأوروبية لتحالف مناهض للصين، خاصة في جنوب شرق آسيا.