أخبار المركز
  • مصطفى ربيع يكتب: (إخفاقات متكررة: هل تنجح استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالرئاسة الأمريكية 2024؟)
  • د. رامز إبراهيم يكتب: (الحل الثالث: إشكاليات إعادة توطين اللاجئين بين التسييس وإزاحة الأعباء)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (التكنولوجيا العمياء: كيف وظفت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في حرب غزة ولبنان؟)
  • د. أيمن سمير يكتب: (خمسة سيناريوهات للتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران)
  • مهاب عادل يكتب: (رسائل الإصلاح: كيف انعكست أزمات الشرق الأوسط في الدورة الـ79 للأمم المتحدة؟)

مصالح متناقضة :

تداعيات الرفض الروسي صفقة الطائرات المسيرة التركية إلى أوكرانيا

13 ديسمبر، 2021


أعلنت وكالة بلومبيرج الأمريكية، في 3 ديسمبر 2021، أنه وفقاً لعدد من المسؤولين في شركة بايكار الدفاعية التركية، والتي تربطها علاقات وثيقة بالرئيس رجب طيب أردوغان، فإن تركيا صدرت إلى أوكرانيا طائرات مسيرة من طراز "بايرقدار 2" أكثر من العدد المعلن عنه سابقاً، وأشارت بلومبيرج إلى رفض الحكومة التركية وشركة بايكار المصنعة لتلك الطائرات، التعليق على عدد الطائرات المباعة لأوكرانيا، حتى الآن.

ووقع وزير الدفاع الأوكراني، أندري تاران، في أواخر سبتمبر 2021 مع شركة بيرقدار المنتجة للطائرات مذكرة لإنشاء مركز تدريب وصيانة مشترك للطائرات من دون طيار في أوكرانيا، كما أعلن عن صفقة للحصول على 24 طائرة بقيمة 69 مليون دولار، كما تبني أوكرانيا مصنعاً لإنتاج طائرات تركية مسيرة، وسوف يكون جاهزاً للعمل خلال أشهر. كما أشارت المصادر إلى أن البلدين يجريان حالياً مباحثات تتعلق بالإنتاج المشتركة للصاروخ الحامل الأوكراني زينيت 2، في مؤشر على سعي البلدين لإقامة شراكة عسكرية في مجال التصنيع العسكري.

أبعاد الصفقة الأخيرة

أبدت موسكو رفضها بيع تركيا طائرات مسيرة لأوكرانيا، وذلك في ظل تصاعد التوتر بين موسكو وكييف في مطلع ديسمبر الجاري، ومخاوف غربية من اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين مطلع العام القادم، ويمكن توضيح الخلاف الروسي – التركي على النحو التالي:

1- ليست الصفقة الأولى: لا تعد صفقة الطائرات المسيرة التركية إلى أوكرانيا بالأمر الجديد. فقد بدأ التعاون العسكري بينها منذ عام 2019، حين باعت أنقرة حوالي 12 طائرة مسيّرة إلى أوكرانيا، فضلاً عن مجموعة من الصواريخ ومحطات التحكم والتوجيه. ويلاحظ أنه وقت إتمام الصفقة لم تعترض موسكو على هذه الصفقة، أو تهدد أنقرة في حالة إتمامها. 

2- تبدل الموقف الروسي: قامت أوكرانيا في أكتوبر، ولأول مرة، باستخدام الطائرة المسيرة "بيرقدار" في دونباس جنوب شرق أوكرانيا، حيث دمرت عدداً من مدافع الهاون" لقوات دونيتسك الشعبية الانفصالية، المدعومة من موسكو، وذلك على الرغم من انتهاك ذلك اتفاقات مينسك لعام 2015، التي تحظر استخدام الطائرات المسيرة سوى لأغراض الاستطلاع. 

ويبدو أن موسكو بدأت تضع قيوداً على بيع طائرات مسيرة تركية بعد هذه الواقعة، إذ أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في 3 ديسمبر، وأطلعه على كيفية استخدام طائرات بيرقدار، معتبراً أن ذلك يعكس إصراراً تركياً على اتباع سلوك "مدمر"، وهو ما سعت أنقرة للتهرب منه من خلال التأكيد على عدم تحملها مسؤولية نشر كييف طائرات تركية. كما أكد بوتين خلال الاتصال نفسه على حاجة كييف إلى التخلي عن أنشطتها العدائية، في تلميح على رفضه لأي صفقات جديدة تهدف لتزويد أنقرة لها بمزيد من المسيرات العسكرية.

فهم الرفض الروسي: 

يلاحظ أن الموقف الروسي تجاه تركيا بدأ يطرأ عليه تغيير، ويمكن فهم أبعاد هذا الموقف على النحو التالي:

1- الحسابات التركية الخاطئة: أشار مسؤول دبلوماسي تركي رفيع المستوى إلى أن الطائرات المسيرة التركية لا يمكنها تغير قواعد اللعبة في أي صراع روسي – أوكراني، في إشارة إلى أن الطائرات التركية لا تمثل أي تهديد للجيش الروسي. كما عبّر عن قناعته بأن "الروس لن يرغبوا في إفساد تعاونهم الدفاعي الاستراتيجي مع تركيا من أجل عدد قليل من الأنظمة التسليحية التي تبيعها شركاتنا إلى أوكرانيا".

ويبدو أن هذه الحسابات كانت خاطئة، إذ باتت روسيا ترى أنه لا يجب عليها منح أنقرة حرية الحركة، وبصورة تسمح لها بالإضرار بالمصالح الروسية، خاصة أن أنقرة تسعى لتطوير صناعاتها الدفاعية بالتعاون مع موسكو، وذلك عبر إنتاج نظم الدفاع الجوي "إس 400". وبالتالي، فإن موسكو باتت ترى أنها تمتلك نفوذاً أكبر على تركيا، وليس العكس، ومن ثم، فإنه لا ينبغي لها أن تتغاضى عن تعاون أنقرة مع كييف، والتي تناصبها موسكو العداء. 

2- استياء روسي من الدور التركي: تجدر الإشارة إلى أن الخلافات بين تركيا وروسيا باتت تتصاعد في ملفات أخرى. وقد وضح ذلك في الملف السوري، على سبيل المثال، فقد هددت أنقرة مراراً بالقيام بعمليات عسكرية ضد الأكراد في شمال سوريا في أكتوبر 2021، بل وحشدت قواتها بالقرب من مناطق سيطرة أكراد سوريا لتأكيد صدقية تهديداتها، غير أن أنقرة في النهاية عجزت عن تنفيذ العملية بسبب الرفض الروسي – الأمريكي لهذه العملية. 

ومن ثم بات من الواضح أن السياسة التركية القائمة على اللعب على التناقضات المصلحية بين واشنطن وموسكو لم تنجح هذه المرة، خاصة في ظل دعم الطرفين لأكراد سوريا في مواجهة أنقرة. ويلاحظ أن موسكو تسعى لإضعاف الوجود التركي في سوريا. وفي المقابل، أعلنت تركيا دعمها انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهو الأمر الذي يمثل خطاً أحمر بالنسبة لروسيا، فضلاً عن استمرار معارضة أنقرة لضم موسكو لشبه جزيرة القرم. 

دوافع التعاون مع أوكرانيا

تسعى أنقرة عبر تعزيز تعاونها الدفاعي مع أوكرانيا إلى تحقيق عدد من الأهداف، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- تطوير القدرات العسكرية التركية: أبرمت أوكرانيا صفقة منفصلة مع تركيا بقيمة 7 ملايين دولار، والتي بموجبها سوف تقوم شركة محركات الطيران الأوكرانية "موتور سيش" بتزويد بايكار (Baykar)، وهي الشركة التركية الرئيسية التي تنتج الطائرات المسيرة التركية، بـ 30 محركاً توربينياً لاستخدامها في طائراتها المسيرة آقنجي (Akinci).

ويلاحظ أن شركة "روتاكس" النمساوية، المملوكة لشركة "بمباردير" الكندية، قد قررت وقف تصدير محركات الطائرات المسيرة من طراز "روتاكس 914" إلى تركيا في أكتوبر 2020، والتي تستخدمها الأخيرة في الطائرة المسيرة "بيرقدار". وأرجعت الشركة ذلك إلى غياب الشفافية فيما يتعلق باستخدامها. 

كما أوقفت شركة "أند آير إل تي دي" البريطانية تزويد شركة بايكار التركية للطائرات المسيرة بمضخات الوقود المستخدمة في الطائرات المسيرة التركية "بيرقدار تي بيه 2"، بعد اكتشاف استخدام مكوناتها في صراع ناجورنو كاراباخ، وذلك في يناير 2021. وتعرضت شركة كندية لضغوط مماثلة في 2019، عندما تم اكتشاف استخدام مكوناتها في الطائرات المسيرة التركية التي استخدمت ضد الأكراد في شمال سوريا. 

ولا شك أن مثل هذا الحظر يضر بإنتاج تركيا للطائرات المسيرة، ولذا، فإنها تسعى عبر تعاونها مع أوكرانيا إلى تفادي الحظر الغربي على تصدير مكونات مهمة لبرنامج طائرات تركيا المسيرة، خاصة عندما تتدخل في صراعات لا تخدم المصالح الغربية. 

2- تعزيز الاقتصاد التركي: تسعى أنقرة دوماً إلى تعزيز صادراتها العسكرية، وتوظيف ذلك للنهوض بأوضاع الاقتصاد التركي. ولذا، تسعى تركيا لإبرام صفقات عسكرية جديدة لبيع مزيد من الطائرات المسيرة إلى أوكرانيا وغيرها من الدول، في إطار مساعيها لتوسيع أسواق بيع أنظمتها الدفاعية. 

ويعاني الاقتصاد التركي تقلبات كبرى، تتمثل في انهيار العملة التي فقدت نحو 45٪ من قيمتها مقابل الدولار منذ مطلع العام الجاري، فضلاً عن ارتفاع التضخم بصورة كبيرة. 

3- مدخل للتقارب مع الغرب: تتصاعد العلاقات المتوترة بين أنقرة من ناحية، وواشنطن والقوى الأوروبية من ناحية أخرى. وربما تسعى أنقرة إلى توظيف الرفض الروسي لبيع الطائرات المسيرة التركية إلى أوكرانيا باعتباره دليلاً على أن أنقرة تدعم الموقف الغربي حول أوكرانيا في مواجهة روسيا، ومن ثم محاولة الحصول على دعم الغرب في مواجهة روسيا، بما يستتبعه ذلك من تخفيف الضغط الغربي على أنقرة، غير أنه من الملحوظ أن تركيا قد لا تنجح في تحقيق ذلك، نظراً لاستمرار تعاونها مع روسيا في مجال إنتاج نظم الدفاع الجوي "إس 400"، وهو الأمر الذي لايزال يلاقي معارضة أمريكية واسعة.

وفي الختام، فإنه يمكن القول إنه بات من الواضح أن الملفات الخلافية بين تركيا وروسيا في تصاعد. وقد تجد تركيا نفسها في مأزق، نظراً لأن تعاونها العسكري مع أوكرانيا يساعدها في تحقيق الاستقلالية عن الغرب في الحصول على المكونات العسكرية المهمة لطائراتها المسيرة، خاصة المحركات، ولذا، فإنه يتوقع أن تسعى أنقرة للحفاظ على تعاونها العسكري مع أوكرانيا، وأن تلجأ لاستيعاب الغضب الروسي، وإن كان من غير الواضح ما إذا كانت ستنجح هذه السياسة أم لا.