أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

دروس الجائحة:

عوامل تزايد أعداد الإصابات بكورونا في الدول الأفريقية

02 يونيو، 2020


على الرغم من أن إفريقيا لا تزال واحدة من المناطق الأقل تأثراً بفيروس كورونا، فإنه وفقاً لمنظمة الصحة العالمية قد تواجه القارة "جائحة صامتة" إذا لم يتم التدخل بسرعة، والنظر إلى اختبارات الكشف عن المرض كأولوية كبرى، حيث صرح المبعوث الخاص لمنظمة الصحة العالمية سامبا سو، ‏إن "القضية الأولى بالنسبة إلى إفريقيا –وهي مبعث قلقي الأساسي– هي أن عدم وجود اختبارات يؤدي إلى انتشار وباء صامت في إفريقيا. لذلك يجب أن نستمر في حث القادة الأفارقة على إعطاء الأولوية للاختبارات".

ويركز الاقتراب الآمن الشائع الذي ينصح به خبراء الصحة العامة، على زيادة نسبة الاختبارات للكشف عن المصابين بهدف التغلب على الفيروس التاجي الجديد. بيد أن البلدان الإفريقية تجد نفسها في نهاية الركب العالمي من حيث امتلاكها أجهزة الفحص والاختبار، وغيرها من المواد الأخرى اللازمة لإدارة الاختبارات التشخيصية. وطبقاً لإحصاءات يوم 26 مايو 2020، تم رصد 115 ألفاً و346 حالة من المصابين بفيروس كورونا المستجد و3 آلاف و471 حالة وفاة في 54 دولة إفريقية. ويمثل ذلك نحو 2٪ من جميع الحالات المُبلَّغ عنها عالمياً. كيف يمكن تفسير ذلك في سياق التزايد المستمر في أعداد المصابين وبعيداً عن الخبرة السابقة في مجال التعامل مع الأوبئة والأمراض المتوطنة في إفريقيا؟

تحديات الفحوصات الشاملة:

على الرغم من أن الاختبار الشامل يُنظر إليه على أنه مُكوِّن رئيسي لإبطاء انتقال العدوى؛ فإن السلطات الصحية الإفريقية تجاهد ‏للتنافس مع البلدان الأكثر ثراءً والأكثر قوةً عندما يتعلق الأمر بشراء مواد الاختبار النادرة في السوق العالمية، وعلى حد قول مجلة لانست العلمية فإنه "حتى في حالة وجود أموال كافية، فإن العديد من السلطات الصحية الإفريقية غير قادرة على الحصول على ‏الإمدادات الكافية من أجهزة الاختبار والفحص"‏، وتتمثل أهم تحديات الفحص والاختبارات الشاملة في إفريقيا فيما يلي:

1- يشكل الحصول على مجموعات الاختبار في القرى النائية والمناطق العشوائية المكتظة بالسكان، وحتى في بعض المناطق الحضرية؛ عقبة رئيسية في أجزاء كثيرة من القارة؛ فخلال موسم الأمطار تصبح الطرق الترابية صعبة، وتشكل عقبة أمام الوصول إلى المجتمعات الريفية والنائية. وإذا كان الاختبار في المناطق الريفية بعيد المنال، تقوم معظم الدول –بحكم الضرورة– بقصر الاختبار على المناطق الحضرية. وعلى أي حال، فإن الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية مع اكتظاظها بالسكان، يصعب الوصول إليها بسبب افتقار السكان إلى العناوين والسجلات المادية. ولعل ذلك كله يجعل مشكلة التوثيق والمعلومات من التحديات الكبرى التي تواجه النظام الصحي في إفريقيا.

2- تفرض البنية التحتية الصحية المتهالكة، وقلة الموارد البشرية وضعف التمويل؛ قيوداً إضافية على نجاح توزيع مجموعات الاختبار. وعادةً ما تكون معظم العيادات المحلية وحتى المستشفيات الإقليمية في إفريقيا غير مجهزة جيداً لاستقبال المرضى الذين يعانون من الأعراض، والمخالطين الذين يتطلعون إلى الاختبار. وفي ظل احتمالات تزايد معدلات تفشي فيروس كورونا، فإن انهيار النظام الصحي المحتمل في كثير من الدول، قد يصبح أمراً لا مفر منه. ووفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، لا يزال عدد أسرَّة المستشفيات في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى متخلفاً بدرجة مثيرة للصدمة عن باقي مناطق العالم. وتمتلك 21 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء ثمانية أسرَّة مستشفى أو أقل لكل عشرة آلاف شخص. وفي الوقت الذي طورت فيه بعض الدول –مثل كوريا والإمارات العربية المتحدة– طريقة مبتكرة لاختبار مواطنيها من خلال محطات اختبار القيادة عبر السيارات؛ فإن هذا الحل –ببساطة– غير ممكن في معظم أنحاء إفريقيا، وخاصةً في القرى الريفية أو المناطق الحضرية المزدحمة للغاية.

3- أزمة الثقة والخوف من الآثار الاجتماعية المرتبطة بالمرض، والاستجابة الصحية المصاحبة له، وتشكُّك العديد من المجتمعات الإفريقية في السلطات الحكومية والجهات الخارجية والعاملين في القطاع الصحي؛ ما يؤدي إلى تفاقم المشاكل اللوجستية المتعلقة بإرسال موظفي الصحة إلى المناطق الحضرية المكتظة بالسكان أو القرى النائية. لقد أدى ذلك إلى إعاقة معالجة حالات تفشي فيروس إيبولا الأخيرة في غرب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث تعرض العاملون في مجال الرعاية الصحية لأعمال عنف وهجمات من قبل المدنيين. من جهة أخرى، يعاني المصابون بفيروس إيبولا وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) من وَصْمهم بالعار من قِبل مجتمعاتهم في جميع أنحاء القارة. وعليه، قد يتردد الأفراد في الخضوع لاختبار فيروس كورونا إذا كانوا يخشون النبذ أو الأعمال الانتقامية الأخرى من مجتمعاتهم. ومثلما أطلق على فيروس الإيدز من قبل اسم "مرض الرجل الأبيض"، فقد أدت جائحة فيروس كورونا إلى تأجيج مشاعر كراهية الأجانب، ليس ضد مواطني شرق آسيا فقط، بل وضد الأوروبيين والأمريكيين بوتيرة متزايدة. وعليه، فإن وجود العاملين في مجال المساعدات الأجنبية في المجتمعات التي يوجد فيها انعدام الثقة، سيثير الخوف ويلامس التوترات الموجودة من قبل. لذلك، يجب دمج الاعتبارات الأمنية في الاستجابات الأوسع نطاقاً، وهو ما يعني مزيداً من التكلفة والتعقيد.

انكشاف النظم الصحية:

أظهرت جائحة كورونا المشكلات الكبرى التي تعاني منها معظم البلدان الإفريقية؛ فقد تم تسليط الضوء على انعدام الأمن الغذائي، ‏والنظم الصحية المتهالكة بالفعل، والتكلفة المرتفعة للأمراض المعدية والمتوطنة بحسبانها عواملَ من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم انتشار ‏فيروس كورونا الذي لا يرحم. وقبل تفشي هذه الجائحة، استطاعت بعض الدول تحقيق تقدُّم كبير في معالجة بعض هذه العوامل، ومع ذلك ‏ربما تتراجع هذه المكاسب أمام قسوة وسرعة انتشار هذا الفيروس التاجي، وستترتب على تدابير الإغلاق والحجر الصحي عواقبُ ‏اقتصاديةٌ واجتماعيةٌ غير مقصودة وغير مرغوب فيها.‏

ويمكن أن يؤثر انتشار فيروس كورونا سلباً على تقديم الخدمات الصحية الروتينية، التي تشمل مكافحة الأمراض المتوطنة مثل ‏الملاريا. إن الحظر المفروض على الحركة سيؤثر على وصول العاملين الصحيين إلى المرافق الصحية وسلامتهم من التعرض ‏لخطر العدوى، كما أن صعوبة الوصول إلى الأدوية الفعالة المضادة للملاريا بسبب عمليات الإغلاق، يمكن أن تؤدي إلى مضاعفة ‏وفيات الملاريا إلى 769 ألف حالة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هذا العام. وتتوقع أحدث نماذج منظمة الصحة العالمية أن ‏يصاب ما بين 29 مليون و44 مليون إفريقي في السنة الأولى من انتشار فيروس كورونا –إذا فشلت إجراءات الاحتواء– مع زيادة ‏حالات الوفاة لتصل إلى ما بين 83 ألف وفاة و190 ألفًا.‎

ويوجد نقص متزايد في الدراسات المتعلقة بفيروس كورونا في القارة؛ فمن بين 2032 تجربة سريرية مُسجَّلة بحلول 14 مايو من هذا العام تتعلق بالفيروس، نجد 35 دراسة فقط أُجريت في إفريقيا. منها 23 في مصر و12 فقط استخدمت تجارب سريرية في دول أفريقية جنوب الصحراء الكبرى. وكان من بين الدراسات الاثنتي عشرة، سبعٌ شاركت فيها دول متعددة. أما الدراسات الخمسة الباقية فقد أجريت في كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التجارب السريرية الاثنتي عشرة التي تشمل إفريقيا جنوب الصحراء محدودة للغاية؛ حيث يركز معظمها على عقار هيدروكسي كلوروكوين، بينما يبحث بعضها في مجالات الطب التقليدي. وعلى سبيل المثال، أعلن معهد مدغشقر للأبحاث التطبيقية اكتشاف علاج عشبي من الشيح أطلق عليه اسم "كوفيد أورجانيكس". هذا النمط يُبقي إفريقيا مستهلِكةً للمعرفة والحلول التي تم التوصُّل إليها في مكان آخر. وخلال هذه الفترة من الجائحة العالمية مع النقص الحاد في الموارد المُنقِذة للحياة، تخسر إفريقيا لا محالة؛ لأنها تفتقر إلى القدرة على إنتاج ما تحتاجه لمواجهة هذه التحديات الجِسَام.

دروس "الجائحة":

ما الإجراءات الرئيسية التي يجب اتخاذها والدروس التي يتعين على الأفارقة تعلُّمها لمواجهة هذه الجائحة؟ لعل الدرس الأول ‏لإفريقيا يكمن في أنها لا تستطيع الاستمرار في الاعتماد على الخارج لتحديد المسار الذي تسلكه لتحقيق التنمية والخروج من المأزق.. ‏يجب على الأفارقة استخدام الاستثمارات المحدودة في مؤسسات البحث العلمي والجامعات الوطنية والإقليمية، كما يجب على البلدان ‏الإفريقية أن تفعل ما بوسعها لاستقطاب أفضل العقول لديها، الذين اضطر معظمهم، على مر السنين، إلى مغادرة إفريقيا. ستكون ‏الاستثمارات في تعزيز المؤسسات المحلية والإقليمية القائمة على المعرفة أساسيةً لتعزيز الأهمية العالمية للقارة وقدرتها على المنافسة، ‏ولا سيما في عالم ما بعد كورونا. أما الدرس الثاني فيتمثل في ضرورة الفهم والتفسير بحيث يتم تقييم وضع إفريقيا الحقيقي في سياق ‏هذه الجائحة القاتلة.

 ولعل ذلك يتطلب توضيح أسباب المستويات المنخفضة الحالية للإصابات والوفيات المُبلَّغ عنها.. قد تبدو الأرقام ‏مضللة، وهو ما يتطلب إجراء مزيد من الفحوصات، ولا سيما في البلدان الأكثر عرضةً للإصابة بالفيروس. أما الدرس الثالث ‏فيتمثل في ضرورة القيام بمسوحات وطنية عن الأجسام المضادة من خلال اختيار عينات من مواطنين يمثلون جميع السكان ‏واختبار تلك المسوحات؛ فمثل هذه المسوحات سوف تظهر مدى انتشار العدوى بين السكان، ومن ثم تحدد الاستجابات المناسبة لمواجهة الفيروس. 

ختاماً ثمة إشكالية كبرى تتعلق بالخبرة الإفريقية، وترتبط بالتعميم والصور الذهنية السائدة ومخاطر القصة الواحدة كما وصفتها الكاتبة ‏النيجيرية "تشيماندا نجوزي أديتشي". ولا يخفى وجود نقاط قوة ملحوظة في إفريقيا تختلف من بلد إلى آخر، وغالباً ما يتم تجاهلها في السرديات ‏الإعلامية السائدة عن إفريقيا. فعلى سبيل المثال، تمتلك رواندا نظاماً صحياً يعد الأكثر ابتكاراً على المستوى القاري، كما أنه يكاد يوفر ‏التغطية الكاملة للمواطنين.

 ومن جهة أخرى، استفادت أوغندا من الخبرة السابقة في التعامل مع تفشي الأمراض والأوبئة واتخذت العديد ‏من التدابير اللازمة للكشف عن الفيروس التاجي والوقاية منه وتتبُّعه. ولا يخفى كذلك أن جنوب إفريقيا تمتلك أفضل نظام للصحة ‏العامة في القارة؛ حيث يعمل العديد من الأطباء المرموقين ذوي السمعة الدولية على توفير أفضل رعاية ممكنة لمرضاهم. وفي السنغال ‏تم تطوير جهاز تشخيص بكلفة دولار واحد للكشف عن الفيروس. ومع ذلك، لا نقرأ ولا نسمع عن نقاط القوة هذه بقدر ما نسمع ‏عن لعنة إفريقيا وبلدانها وفقاً للمنظور التشاؤمي الغربي.

وفي الواقع، قد تكون البلدان الإفريقية أكثر عرضةً للمعاناة من تأثيرات التطور الصامت لفيروس كورونا الكارثية، ولكن ليس من العدل أن نصِفَ الخبرة الإفريقية بأنها قصة عجز جسيم عن إدراك هذه المخاطر؛ فمشكلات الاكتظاظ السكاني، وعدم القدرة على التباعد الاجتماعي، والحاجة الماسة إلى العمل، على الرغم من المخاطر، ‏هي تحديات موجودة بدرجة أو بأخرى في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حتى في الولايات المتحدة نفسها.‏