تزايد لجوء عدد من دول الشرق الأوسط إلى فرض أو تعليق رسوم على عبور الأفراد والبضائع، فيما يطلق عليه "ضريبة الحدود" أو "ضريبة المغادرة"، ليس بهدف تقنين إجراءات عبور الخطوط الفاصلة بين حدود دولة وأخرى فحسب، وإنما أيضًا بهدف توظيف تلك الإجراءات لاعتبارات مختلفة، منها التنقل بين المناطق داخل الدولة الواحدة، وتدبير موارد مالية إضافية للتنظيمات الإرهابية، والتخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية وتنشيط الحركة السياحية، والإسهام في تطوير البنية التحتية، والمعاملة المماثلة لضرائب الجوار المباشر، وخصخصة التوجهات الطائفية، واتخاذ إجراءات عقابية ضد القوات الدولية.
إجراءات متعددة
وقد اتخذت خطوات متعددة من جانب الفاعلين الرئيسيين في مسألة ضرائب الحدود خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ظهر جليًّا بين تونس والجزائر، وسوريا ولبنان، والأردن وسوريا، والعراق والأردن، والإمارات وسلطنة عُمان، وباكستان وأفغانستان، والتي ارتبطت بشكل رئيسي بتداعيات الحراك الثوري وتفاقم حدة الصراع الداخلي المسلح في البؤر المزمنة العربية، الأمر الذي يجعل السياق الداخلي والإقليمي المصاحب لفرض ضرائب الحدود مختلفًا عما كان قائمًا في فترات سابقة، وهو ما توضحه النقاط التالية:
مُحفزات العبور:
1- تقنين التنقلات بين المناطق الداخلية "المتوترة"، على نحو ما تشير إليه الحالة السورية بعد عام 2011؛ إذ يتنقل سائقو الشاحنات بين مناطق تخضع لسيطرة مختلف الفاعلين الرئيسيين على الساحة السورية (وهم: نظام الأسد، والمعارضة المسلحة، والأكراد، وتنظيم "داعش"). وفي ظل السيادة متعددة الأطراف، يضطر السائقون إلى دفع مقابل مادي كـ"رشوة" تصل إلى ما يعادل 250 دولارًا في مناطق سيطرة نظام الأسد، وهو ما يحدث أيضًا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، في حين يتم دفع تعريفة الجمارك بمبلغ رمزي في مناطق السيطرة الكردية. أما في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، فيتم فرض الضرائب على الشاحنات المحملة بالبضائع والسلع، ويتحمل هذه النفقات التجار على جانبي خطوط الحدود، فيما يتم فرض زكاة سنوية على السائقين.
2- تدبير مصادر تمويل إضافية للتنظيمات الإرهابية، إذ بات أحد مصادر التمويل الرئيسية لتنظيم "داعش" في مناطق نفوذه الرئيسية على الحدود السورية- العراقية هو فرض ضرائب على السائقين العابرين للمناطق المسيطر عليها بما يتراوح بين 300 إلى 1000 دولار، وفقًا لأحد التقديرات السائدة، وبعد دفع المبلغ المستحق يُمنح السائقون استمارة مختومة بشعار التنظيم، وهو ما يتكرر أيضًا على الحدود العراقية- الأردنية، ويضطر السائقون إلى التخلص من هذا الختم حتى لا يتم اكتشافه من قبل الضباط والجنود العراقيين الذين يُديرون نقاط التفتيش قرب بغداد. ويعتمد تنظيم "داعش" على هذه الضرائب في سد العجز الذي تعرضت له رواتب مقاتليه بسبب ضربات قوات التحالف الدولي التي عرقلت عمليات تهريب النفط واستهدفت نقاط التفتيش التي يؤسسها التنظيم على الحدود بين سوريا والعراق.
إنعاش السياحة:
3- التخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية، وهو ما يشير إليه قرار الحكومة التونسية بفرض ضريبة على السيارات المغادرة للأراضي التونسية بقيمة تعادل 15 دولارًا، وهو ما يُسهم في الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية، وزيادة عوائد صندوق المداخيل بتونس؛ إذ إن السياحة تعد عصب الاقتصاد التونسي الذي يُعاني من تداعيات ما يسمى بـ"ثورة الياسمين" وأزمات الانتقال السياسي وتهديدات الإرهاب العابر للحدود، على نحو أدى إلى تراجع السياحة الأوروبية (وخاصة القادمة من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا) رغم الإجراءات الحكومية التونسية الرامية لدعم السياحة، ومنها إعادة جدولة ديون المؤسسات السياحية، ومنحها قروضًا جديدة، وإقرار منحة مالية لعمال المؤسسات الذين يدخلون في إطار "البطالة الفنية".
4- تنشيط الحركة السياحية، إذ تضطر بعض الحكومات إلى إعفاء جنسيات محددة من رسوم عبور حدودها، وهو ما ينطبق على مراجعة الحكومة التونسية لقانون المالية لعام 2014 الرامي لفرض الضريبة السابق ذكرها بهدف إنعاش قطاع السياحة التونسي.
ووفقًا للإحصاءات الصادرة عن مديرية الأمن العام التونسي لعام 2016 فإن شرطة الحدود سجلت ارتفاع عدد المسافرين الجزائريين إلى تونس منذ بداية أغسطس 2016، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إذ ارتفع عدد المسافرين من 10 آلاف إلى 17 ألف مسافر يوميًّا، وذلك على مستوى معبرين حدوديين فقط، وهو ما يعكس الإقبال المتزايد للسياح الجزائريين على تونس، خاصة في ظل فشل برامج السياحة المحلية، وارتفاع التكاليف المالية لقضاء بضعة أيام في إحدى المدن الساحلية الجزائرية، مقارنة بما هو متوافر في تونس من مرافق سياحية وأسعار أقل، حيث يعتبر السياح الجزائريين من أكثر السياح القادمين إلى تونس بمعدل سنوي يتجاوز خمسة ملايين سائح، وفقًا لبعض التقديرات.
تنمية داخلية:
5- تطوير البنية التحتية، حيث تستخدم بعض الحكومات في دول الإقليم عائدات تلك الضرائب في تطوير شبكة الطرق، وهو ما صرح به المهندس أحمد الذيب وكيل وزارة التجارة والصناعة في سلطنة عُمان في 15 ديسمبر 2013 بأن الغرض من الرسوم التي تفرض على الشاحنات العابرة للحدود العُمانية هو توفير الموارد اللازمة للحكومة لصيانة الطرق العُمانية، حيث قررت الحكومة العُمانية فرض رسوم على الشاحنات المُحمَّلة بمنتجات الكسارات والمحاجر العابرة للمنافذ الحدودية البرية للسلطنة، وتبلغ قيمة الرسوم 40 ريالا عُمانيًّا للشاحنة الواحدة، على أن يتم تحصيل الرسوم في المنافذ الحدودية. وقد جاء قرار الحكومة العُمانية مماثلا للقرار الذي طبقته الإمارات منذ ثلاث سنوات بفرض رسوم على شركات النقل البري، بواقع 100 درهم على حافلات الركاب، وخمسة دراهم عن كل مقعد فيها، و100 درهم على قافلة البضائع، وعشرة دراهم عن كل طن.
6- المعاملة المماثلة لضرائب الجوار المباشر، فقد اتخذت السلطات الليبية قرارًا بالمعاملة بالمثل تجاه تونس، إذ فرضت ضريبة مغادرة على الرعايا التونسيين لدى دخولهم أو خروجهم، وهو ما أثار غضب سكان المناطق الحدودية في تونس الذين يعيشون على التجارة مع المناطق الليبية الحدودية، وهو السلوك المتوقع من الجزائر تجاه تونس، لا سيما أن خطوط الحدود تحمل مخاطر وفرصًا معًا.
وفي هذا السياق، اتفق وزير الداخلية التونسي محمد الناجم الغرسلي مع نظيره الجزائري الطيب بلعيز خلال زيارته لتونس في 9 فبراير 2016 على تشكيل لجانٍ مشتركة بالمناطق الحدودية بين الدولتين تتولى وضع استراتيجية مشتركة لدفع التنمية في تلك المناطق من ناحية ومحاربة الجماعات الإرهابية من ناحية أخرى.
خصخصة الطائفية:
7- اقتصاديات التوجهات الطائفية، يبدو أن الطائفية تتحول تدريجيًا إلى أحد المحددات الاقتصادية الحاكمة لبيئة الصراعات الداخلية العربية المسلحة، إذ لم يعد تنظيم "داعش" هو الخطر الوحيد الذي يواجهه العابرون للحدود بين سوريا والعراق، والأردن وسوريا، وسوريا ولبنان؛ بل إن ثمة مخاطر نابعة من الميليشيات الشيعية التي قد تستهدف السائقين ومعظمهم من السنة. فعلى سبيل المثال، قد ينتمي أحد سائقي الشاحنات إلى إدلب (وهي منطقة سنية في سوريا) فيتم التعامل معه بشكل طائفي، حيث يقف على الكثير من حواجز ونقاط التفتيش ضباط علويون، وتسيطر على حواجز أخرى باتجاه لبنان ميليشيات شيعية، وهو ما يدفع الجهة المسيطرة على الحدود إلى رفع قيمة الرسوم المقرَّرة بحق من هو مختلف طائفيًّا وسياسيًّا.
8- اتخاذ إجراءات عقابية تجاه قوات دولية، وهو ما تشير إليه حالة باكستان التي أوقفت مرور شاحنات الإمدادات والوقود التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في ديسمبر 2011 احتجاجًا على غارة جوية أمريكية أسفرت عن مقتل 24 من القوات الباكستانية عند نقطة تفتيش قرب الحدود الأفغانية. وفي هذا السياق، صدرت تصريحات باكستانية رسمية بأن إسلام أباد تدرس تحصيل ضرائب على وقود وتموين القوات التابعة لحلف الناتو، إضافة إلى رسوم عبور ورسوم تخزين أيضًا.
وفي 4 يوليو 2012، أقر مجلس الوزراء الباكستاني إعادة فتح المعابر الحدودية بعد إغلاقها لمدة سبعة أشهر، واستئناف إمدادات قوات الناتو العاملة في أفغانستان عبر أراضيها، بعد اعتذار واشنطن، ورفع سعر عبور الشاحنات.
نتائج عكسية
على الرغم من أن هناك مكاسب للمعابر بين دول الشرق الأوسط، فإن هناك بعض التأثيرات السلبية قد تنجم عنها، مثل نشوء حركات احتجاجية من السياح على نحو ما فعله السياح الجزائريون على الحدود المشتركة مع تونس، إذ تم إغلاق عدة مراكز حدودية في محافظة "تبسة" وكان آخرها معبري "لحدادة" و"بتيتة"، أو قد يُنظم الاحتجاج من جانب قاطني المناطق الحدودية، وهو ما تعبر عنه حالة مواطني تونس وليبيا، بما يقود إلى تحالف بين جماعات الإرهاب وعصابات التهريب فيما يطلق عليه "العصابات الإسلاموية"، إذ يقوم مهربون تونسيون، حسب تقارير عديدة، بتأجير عناصر ليبية مسلحة لمرافقتهم أثناء التسلل "غير الشرعي" للدخول إلى الأراضي التونسية، ولعل هجوم تنظيم "داعش" في 7 مارس 2016 للسيطرة على مدينة بن قردان الحدودية وتأسيس إمارة إسلامية خير معبر عن خطورة هذا التهديد.
وقد يؤدي فرض ضرائب الحدود إلى انخفاض حركة السياحة، وهو ما ظهر في إطلاق دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة الدولة التي تقوم بفرض رسوم العبور؛ حيث تسبب فرض الضريبة التونسية على الحافلات الجزائرية -مؤخرًا- في شن حملة على موقع "فيس بوك" لمقاطعة التوجه إلى تونس، وهو ما تداركته الأخيرة، لا سيما بعدما امتد ذلك إلى حدوث توتر طارئ في العلاقات الثنائية بعد استدعاء وزارة الخارجية الجزائرية القائم بالأعمال في السفارة التونسية شكري لطيف، في 19 أغسطس 2016، حيث تتجه الحكومة التونسية إلى تعليق فرض ضريبة الدخول إلى أراضيها بالنسبة لمواطني الدول المغاربية، وذلك تماشيًا مع معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي المُصدَّق عليها في عام 1989، مع استمرار تطبيقها على القادمين من جنسيات أخرى.
خلاصة القول، إن الدول والفواعل العنيفة المسلحة من غير الدولة تلجأ إلى تطبيق أو تعليق ضرائب الحدود بما يحقق مصالحها التي تشابكت فيها الاعتبارات الاقتصادية بالتداخلات الديموغرافية بالأبعاد السياسية بالمخاطر الأمنية في ظل تهديدات حادة لموجة أمن الحدود في منطقة الشرق الأوسط.