أخبار المركز
  • أحمد نظيف يكتب: (بين داعش والغرب: هجوم موسكو الإرهابي.. دلالات التوقيت والتنفيذ والمصلحة)
  • د. محمد بوشيخي يكتب: (بعد قيادة "العولقي": مستقبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بين التشرذم والتبعية)
  • د. هايدي عصمت كارس تكتب: (الطريق الثالث: ماذا لو خرج بايدن أو ترامب من السباق الانتخابي 2024؟)
  • يوسف ورداني يكتب: (هشاشة عالمية: خارطة التهديدات والتوقعات من منظور الاستخبارات الأمريكية 2024)
  • د. أيمن سمير يكتب: (فرصة أمريكية: هل تستهدف "عسكرة" البحر الأحمر النفوذ الصيني في المنطقة؟)

مزايا خليجية:

كيف توظف الدول الثورة الصناعية الرابعة في خدمة اقتصاداتها؟

03 مايو، 2017


مرّ العالم بثلاث ثورات صناعية أدَّت إلى تغيرات هيكلية في الاقتصاد وأساليب الإنتاج، ونتجت عنها تغيرات ديموجرافية غير مسبوقة، وأخرى في توزيع الدخول والثروات. وعلى الرغم من هذه التأثيرات، فإن ما يشهده العالم في الفترة الأخيرة من ابتكارات يُنبئ بقدوم ثورة صناعية رابعة قد تكون آثارها أقوى بصورة ملموسة من أي تغيرات شهدها العالم تاريخياً. 

وكما أوضح كلاوس شواب، مؤسس ومدير المنتدى الاقتصادي العالمي ومروج فكرة الثورة الصناعية الرابعة، فإن الابتكارات الجديدة يُنتظر أن تؤدي إلى آثار غير مسبوقة بسبب ثلاث خصائص رئيسية: أنها واسعة المجال بصورة غير مسبوقة، وتتميز بسرعة عالية في الظهور والتطبيق، وتؤثر بصورة قوية على النظم القائمة كافة.

مجالات واسعة 

تغطي الابتكارات المؤدية للثورة الصناعية الرابعة، العديد من المجالات، ومنها على سبيل المثال ما يلي: الذكاء الصناعي والتعلّم الذاتي للآلات، وإنترنت الأشياء (Internet of Things) التي تربط جميع الآلات في نظم متكاملة عبر الفضاء الإلكتروني، والحوسبة المبنية على ميكانيكا الكمّ (Quantum Computing) التي سترفع من سرعة الحواسيب وقدراتها بصورة غير مسبوقة، وتطوير تقنية الاتصالات اللاسلكية من الواي فاي (Wi-Fi) المعتمدة على موجات الراديو التي وصلت تقريباً لطاقتها القصوى حالياً، إلى اللي فاي (Li-Fi) المعتمدة على الضوء والتي تعتبر طاقتها غير محدودة من الأساس.

ويُضاف إلى ذلك، الواقع الافتراضي (Virtual Reality)، والواقع المُعزز (Augmented Reality)، ودمج الإنسان بالآلة، وتقنية النانو (Nanotechnology)، والتقنية الحيوية (Biotechnology)، وعلم المواد (Materials Science) الذي تطور ليعطينا مواد جديدة مثل الجرافين (Graphene) ويُنتظر أن يؤدي في المستقبل القريب إلى تطور ملموس في مجالات مثل تخزين الطاقة، وعلى الجانب المالي والمحاسبي والاقتصادي والتحليلي مجالات مثل البيانات الكبيرة (Big Data)، والحوسبة السحابية (Cloud Computing) وسلسلة الكُتل (Blockchain) التي يمكن أن تؤدي مستقبلاً إلى تغييرات جذرية في طبيعة وسرعة الوساطة المالية.

تطورات متسارعة

لا يقتصر الأمر فقط على المجال الواسع للتغيرات المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة، لكن الأمر يرتبط أيضاً بالتسارع غير المسبوق لتطبيق الاكتشافات والتقنيات الجديدة. ولإدراك تسارع هذه التطورات التقنية، فيما يلي بعض الأمثلة لما تم الإعلان عنه فقط خلال الأشهر الأولى من عام 2017:

1- تأسيس "إلون موسك"، صاحب شركتي تسلا للسيارات الكهربائية وسبيس إكس للاكتشافات الفضائية، شركة Neuralink لربط العقل البشري بالذكاء الصناعي.

2- إعلان "آي بي إم" عن إنشاء IBM Q كأول نظام للحوسبة الكمية (Quantum Computing) بأساس تجاري.

3- إعلان "مارك زوكربيرج" عن أول قاعدة واسعة النطاق للواقع المعزز (Augmented Reality) من خلال فيسبوك.

4- إعلان إمارة دبي عن تشغيل أول تاكسي طائر ذاتي القيادة في صيف 2017.

5- بدء اختبارات السيارة ذاتية القيادة في لندن.

6- تطوير جوجل نطاقاً جديداً للتعلم الذاتي للآلات.

7- قيام شركة أمازون بأول تجربة لتوصيل البضائع عبر الطيارات ذاتية القيادة (Drones).

تأثيرات اقتصادية

نظراً لأن التوجهات التكنولوجية الراهنة تعمل على إحداث تغييرات هيكلية كبيرة في أنماط الإنتاج والتوزيع والدخل، فإن لها تأثيراً قوياً على الأنظمة الاقتصادية القائمة. فعلى سبيل المثال، تشير تقديرات شركة "ماكينزي" الاستشاريةMcKinsey  إلى أن نصف العمالة القائمة حالياً يمكن استبدالها بالأتمتة في ضوء التكنولوجيا المتاحة، وهو ما يمكن أن يوفر نحو 16 تريليون دولار من الأجور، كما يُتوقع أن ترتفع الإيرادات من الذكاء الاصطناعي من نحو 8 مليارات دولار في الوقت الراهن إلى نحو 47 مليار دولار في عام 2020.

ومثل هذا التوجه نحو الأتمتة والذكاء الصناعي يهدد بصورة كبيرة فرص العمل بالنسبة لتخصصات متعددة، ويثير البعض المخاوف مما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من مزيد من الاضطرابات السياسية والتوجهات المتطرفة في بعض دول العالم، بل ويرون أن التوجه اليميني المتطرف السائد حالياً في العمل السياسي والعداء للأجانب ما هو إلا بداية لهذه الظاهرة.

ونتيجة لذلك الأمر، بدأ عدد من الدول التفكير في حلول اقتصادية غير تقليدية، مثل اختبار تطبيق ما يُعرف بالدخل الأساسي العالمي (Universal Basic Income) الذي يتمثل في قيام الحكومة بدفع راتب أساسي مُوحد لكل مواطن بصرف النظر عن وضع العمل أو البطالة أو مستوى دخله، ليحل محل المدفوعات الاجتماعية الأخرى التي تقوم بها الحكومات. وقد بدأت فنلندا بالفعل في اختبار هذا النظام الجديد في مطلع العام الحالي، بتطبيق نظام اختباري لمدة عامين تقوم فيه بتقديم دخل شهري أساسي يبلغ 560 يورو لنحو 2000 مواطن فنلندي عاطل في سن ما بين 25 و58 عاماً، بدلاً من المدفوعات الاجتماعية الأخرى، مع استمرار هذا الدخل حتى لو استطاع المستفيد منه الحصول على عمل جديد.

كذلك، يُلاحظ تأثر قطاعات كبيرة بالتطورات التكنولوجية الراهنة، بحيث بدأت تعاني الأفول. فعلى سبيل المثال، أدى انتشار التسوق الإلكتروني (وتخيَّل ارتباطه مستقبلاً بالتوصيل من خلال الطائرات ذاتية القيادة واستغلال تطور الواقع الافتراضي لإنشاء خبرة تسوق شبه واقعية من منزلك!) إلى تراجع شديد في مراكز التسوق بمناطق في الولايات المتحدة.

متطلبات عديدة

من المتوقع أن تؤدي الثورة الصناعية الرابعة إلى عدد من التحديات والمتطلبات لكل من الحكومات والأعمال والمواطنين. فبالنسبة للحكومات، سيكون عليها إيجاد الأسلوب الأمثل لتقنين وتنظيم الأنظمة الجديدة، ووضع سياسات اقتصادية واجتماعية (بما فيها المرتبطة بالجوانب الضريبية والإنفاق الاجتماعي والتعليم) بما يعظم فوائدها ويحد من آثارها السلبية. 

وبالنسبة للأعمال، سيكون عليها تطوير نماذج أعمال جديدة تتلاءم مع التطورات التكنولوجية، وتُراعي أن النماذج الراهنة ليست المُثلى في ظل التغيرات القائمة. أما بالنسبة للمواطنين، فسيكون عليهم اكتساب مهارات وتعليم مختلف عن التقليدي، بحيث يعتمد بدرجة أكبر على الابتكار وبدرجة أقل على المهارات الحرفية التقليدية من أجل زيادة فرص مساهمتهم في أسواق العمل المستقبلي.

فرص خليجية

على الرغم مما يراه البعض من آثار سلبية اقتصادية واجتماعية للثورة الصناعية الرابعة، فإنها تنطوي على إيجابيات عديدة لمن يُحسن توظيفها وحسب ظروف كل دولة، ومن هذه الإيجابيات خلق فرص استثمارية جديدة، وتخفيض تكاليف الإنتاج، وتحقيق معدلات عالية من التنمية الاقتصادية، واختصار الكثير من الوقت في عملية التطور.

وإقليمياً، تعطي معطيات الثورة الصناعية الرابعة مزايا كبيرة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تنتهج استراتيجيات قائمة على التنويع الاقتصادي، خاصةً بعد تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014. وتتسم غالبية دول الخليج العربية بضعف الكثافة السكانية، وصغر متوسط سن السكان، وهو ما يعطيها أفضلية في تأهيل غالبية القوة العاملة المستقبلية بصورة تتأقلم مع التطورات التكنولوجية الراهنة، من دون ظهور إشكاليات في ضخامة التكلفة المادية للتعامل اجتماعياً مع أي آثار سلبية قد تظهر مستقبلاً.

أيضاً، قامت غالبية دول الخليج في السنوات الماضية بتطوير النظم التعليمية، والبنى التحتية التكنولوجية لتكون من أفضل المتوافرة عالمياً، مع استمرارية التطوير والاعتماد على إدخال أحدث الأساليب والتقنيات الجديدة، سواء على المستوى الخاص أو الحكومي، وهو ما سيسهل استيعاب التقنيات المستحدثة، ويجعل هذه الدول قادرة على الاستفادة منها بصورة رائدة عالمياً.

وتأكيداً على الريادة الخليجية، أعلنت دولة الإمارات، خلال استضافتها اجتماعات مجالس المستقبل العالمية بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي في نوفمبر 2016، عن خطة تنفيذية لتبني تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، ومن أبرز عناصرها إنشاء حكومة الإمارات أول مجلس للثورة الصناعية الرابعة على مستوى العالم، حيث ستكون دولة الإمارات أول مختبر عالمي مفتوح لتطبيق تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة وتسريع خلق أسواق عالمية لها ضمن الإطار الصحيح، وذلك بناءً على ما تم اتخاذه من خطوات فعلية من خلال التزام الحكومة بتطبيق مجموعة من الاستراتيجيات ذات البعد المستقبلي في مجالات مثل التنقل ذاتي القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها.

حاصل القول، يُتوقع أن تؤدي الثورة الصناعية الرابعة إلى تغيرات كبيرة تتجاوز ما أحدثته الثورات الصناعية الثلاث السابقة، وإذا كان بعض هذه التغيرات ينطوي على آثار سلبية محتملة، فإن الثورة الصناعية الرابعة يمكن استغلالها بشكل إيجابي في خدمة اقتصادات الدول، والمساهمة في خلق فرص جديدة للتنمية الاقتصادية، ولكن ذلك يتوقف على إمكانيات الدول وما تتمتع به من بنى تكنولوجية، وقدرتها على تطوير نُظمها التعليمية وتوظيفها في خدمة المستقبل، وتعزيز مهارات موظفيها وإكسابهم الخبرات التي تساعدهم على التعامل مع هذه التطورات التكنولوجية.