أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

حفريات:

ما سرّ الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لآسيا الوسطى؟

12 مارس، 2024


كانت آسيا الوسطى، تاريخياً، والتي تتألف من كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، بمثابة نقطة جيوستراتيجية مفصلية، تربط بين قارتي آسيا وأوروبا من خلال البنية الأساسية والتجارة والطاقة. وتُعد آسيا الوسطى أكبر إقليم مغلق بالعالم، إذ يحيط بالإقليم كل من: روسيا والصين وباكستان وإيران ودول قوقازية أخرى، وهو الأمر الذي يفرض على دول الإقليم تحدياً كبيراً.

وتحت عنوان "إدارة التحالفات الجيوسياسية الجديدة في آسيا الوسطى 2024"، كتبت الباحثة الهندية المتخصصة في الدراسات الآسيوية د. شوبهدا تشودري، بأنه على صعيد السياسة الداخلية والخارجية، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، واجهت دول آسيا الوسطى معضلة كبيرة. فمن الناحية الجيوسياسية، عززت دول الإقليم بنيتها التحتية من خلال زيادة العلاقات مع الصين. ومن الناحية الاقتصادية، استهدفت دول الإقليم الأموال الغربية من أجل جلب الاستثمارات والدعم التنموي. لقد قامت دولتان رئيسيتان في آسيا الوسطى – هما كازاخستان وأوزبكستان- بتنفيذ مبدأ "سياسة خارجية متعددة الاتجاهات" بهدف اتباع نهج عملي غير أيديولوجي. وقد ساعد هذا كازاخستان وجيرانها على الانضمام إلى رابطة الدول المستقلة التي تهيمن عليها روسيا، فضلاً عن الانضمام إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) بقيادة الصين.

لحظة تاريخية

وقالت تشودري، في مقالها المنشور على الموقع الإلكتروني لـ "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" إنه على الرغم من أنّ الجهات الفاعلة الدولية الغربية لم تهتم كثيراً بآسيا الوسطى فيما مضى، فإنّ الوضع قد تغير الآن منذ دخول دول الإقليم المشهد الجيوسياسي، إذ أصبح بؤرة اهتمام الجغرافيا السياسية في المنطقة الأوراسية. ولهذا نجد أنه وللمرة الأولى، يلتقي رئيس أمريكي برؤساء الدول الخمس لآسيا الوسطى (كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان) في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر 2023. وقد وصف رئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، هذا اللقاء بأنه "لحظة تاريخية". وعلى الرغم من أن صيغة الحوار الدولي لمجموعة (C5+1) كانت موجودة بالفعل منذ عام 2015، فإنها كانت دائماً ما تتم على مستوى وزارات الخارجية فقط.

لقد أدى الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة من دولة أفغانستان المجاورة في عام 2021، إلى جانب التنافس الروسي الصيني بالمنطقة، إلى خلق سياقات لتحالفات جديدة في آسيا الوسطى. بمعنى آخر فإنّ الإقليم لم يعد "منطقة منسية"، بل أصبح منطقة ناشئة تتهيأ لـ"لعبة عظيمة". ومع ذلك ما تزال هناك العديد من التحديات بالإقليم، مثل: الاشتباكات على الحدود القيرغيزية الطاجيكية، والنزاعات على المياه مع أفغانستان، فضلاً عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. ولكن على الرغم من وجود كل هذه التحديات فإنّ زعماء دول آسيا الوسطى مستمرون في العمل على إضفاء الطابع المؤسسي على تحالفاتهم، خاصة فيما يتعلق بدول العالم الثالث وكذلك الاجتماعات السنوية لتهيئة الظروف للتجارة والاستثمار.

طريق النقل عبر بحر قزوين

لقد أدت حرب روسيا على أوكرانيا إلى خلق الحاجة إلى ممرات بديلة لإيجاد مرونة اقتصادية وتنويع الروابط التجارية. ونتج عن ذلك ظهور ممر للنقل متعدد الوسائط، يطلق عليه اسم "الممر الأوسط لآسيا الوسطى" (ويسمى أيضاً "ممر الصين الوسطى وغرب آسيا" أو "طريق النقل عبر بحر قزوين")، وهي شبكة عبور تربط الأسواق الأوروبية بآسيا عبر دول إقليم آسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز. ويُعد هذا الطريق منافساً شديداً للطرق التي تسيطر عليها روسيا. 

وعلى الرغم من أنّ الممر الأوسط لآسيا الوسطى ممر إقليمي، فإنه يهدف إلى زيادة تجارة البضائع بنسبة 40% بحلول عام 2030، لتصل إلى 11 مليون طن. ومن شأن السلع ذات القيمة العالية مثل: الأسمدة والمواد الكيميائية والآلات والمعادن أن تعزز معدل حركة البضائع، بحسب الباحثة الهندية.

إحياء "خط أنابيب الغاز D"

تستورد الصين 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي عبر الغاز الطبيعي المسال وخطوط الأنابيب المنقولة بحراً. ويُعد أكبر خط أنابيب بالمنطقة هو خط أنابيب غاز آسيا الوسطى D والذي يمر عبر كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان. وفي الوقت الحالي، تستعد شركة "بتروتشاينا" (PetroChina) - وهي شركة صينية للنفط والغاز- لاستئناف بناء وتشغيل الخط D خلال عام 2024. ويتم تمويل الخط D – الذي تم التخطيط له في البداية للاستفادة من احتياطيات غاز جالكينيش في تركمانستان التي تُعد واحدة من أكبر احتياطيات الغاز في العالم– من بنك التنمية الصيني. وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، قد اقترح إقامة شراكة لتنمية الطاقة بين الصين ودول إقليم آسيا الوسطى خلال قمة الصين وآسيا الوسطى والتي أقيمت في مايو 2023. 

وفي الوقت نفسه، تدرس الصين أيضاً الاقتراح الروسي بإمداد دول آسيا الوسطى بالغاز عبر كازاخستان لتلبية احتياجاتهم المحلية، بحيث يوفر ذلك لخطوط أنابيب الغاز الصيني الاحتياطيات الكافية لتزويد الصين. 

وكان كتاب صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان "خطوط الغاز الروسية: الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية" للباحث مصطفى شلش،  قد عاين صعود روسيا كقوة للطاقة الذي أثار جدلاً عبر جانبي الأطلسي، وانتقدت الولايات المتحدة كثيراً حلفاءها الأوروبيين الغربيين لسعيهم إلى تعزيز علاقات الطاقة مع موسكو، وادعت أنّ تدفق العملات الأجنبية الناتج من مبيعات الطاقة سيساعد الكرملين على تحديث الجيش. كان الجدل الكبير يتعلق دائماً بجهود إيصال إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب. وخشيت واشنطن أن يؤدي الاعتماد الأوروبي المتزايد على إمدادات الغاز الروسي إلى إضعاف العزيمة السياسية لأوروبا.

ويرى الكاتب أنّ العالم يعيش اليوم اضطرابات في شأن تأمين إمدادات الطاقة. وعلى الرغم من انخفاض الطلب العالمي على النفط والغاز من جرّاء الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا، فإن المعروض في سوق الطاقة قليل، والأسعار مُرتفعة بوجه عام. هذا إلى جانب العقوبات الأمريكية والأوروبية التي استهدفت روسيا عقب إعلان الأخيرة عن عملية عسكرية ضد أوكرانيا مطلع عام 2022، وهو ما حجب إمدادات الطاقة الروسية عن السوق العالمية. 

وأحدثت هذه التطورات، بحسب شلش، تغيرات كبيرة في خريطة الطاقة العالمية، إذ يستورد الاتحاد الأوروبي ما يقرب من ثلث نفطه وما يقرب من نصف غازه الطبيعي من روسيا. ويختلف مستوى الاعتمادية على هذه الإمدادات من الطاقة الروسية بين البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في حين يعتمد بعض جيران روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي، وكذلك البلدان غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في غرب البلقان وتركيا بصفة أساسية، على الطاقة الروسية.

قيمة آسيا الوسطى للهند

إنّ الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لآسيا الوسطى لهما قيمة قصوى بالنسبة للهند، هذا إلى جانب الروابط الثقافية والتاريخية العميقة بين الجانبين. فقد عُقدت القمة الهندية المركزية الأولى في 27 يناير 2022 عندما التقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، برؤساء كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان. وأدت هذه القمة إلى التوقيع على "إعلان دلهي" الذي تضمن ثلاثة قرارات رئيسية. أولاً، التضامن من أجل حكومة سلمية وشاملة في أفغانستان. ثانياً، تسهيل خدمات محطة الشهيد بهشتي الواقعة في ميناء تشابهار في إيران لربط آسيا الوسطى بالهند. ثالثاً، إضفاء الطابع المؤسسي على الاجتماعات التي ستعقد كل عامين والتي من شأنها أن تركز على التجارة، والأمن السيبراني، والبنية التحتية الرقمية، وعناصر الأتربة النادرة، والاتصالات، ومكافحة الإرهاب والاتجار بالمخدرات. وفي الوقت نفسه، واجه تحالف الهند المتنامي مع آسيا الوسطى منافسة شديدة من الصين، ومبادرة الحزام والطريق، التي اخترقت بلدان آسيا الوسطى بعمق.

كانت روسيا تمثل "الضامن الأمني" لدول آسيا الوسطى من خلال الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وكذلك منظمة معاهدة الأمن الجماعي. فعلى سبيل المثال، هناك حضور عسكري مكثف لموسكو في قيرغيزستان، فضلاً عن أنّ التحويلات المالية للعمال المهاجرين في روسيا تؤدي دوراً مهماً في اقتصاد دول المنطقة، فهي تمثل حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي لقيرغيزستان. ومن جانبها، قامت روسيا أيضاً بعقد قمة روسيا وآسيا الوسطى بأستانا، عاصمة كازاخستان في 14 أكتوبر 2022. وقد أوضحت روسيا دبلوماسياً أنّ أوروبا والولايات المتحدة لا يمكن أن تكونا شريكتين مجديتين على المدى الطويل لدول إقليم آسيا الوسطى. 

فاقمت الحرب في أوكرانيا الحاجة إلى ممرات بديلة لإيجاد مرونة اقتصادية وتنويع الروابط التجارية. ونتج عن ذلك ظهور ممر للنقل متعدد الوسائط

ولكن كان هناك تحول ملحوظ في السياسة الإقليمية العامة لدول آسيا الوسطى عندما استقبل رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، الرئيس الروسي بوتين في 9 نوفمبر في أستانا، وخاطب الرئيس الزائر باللغة الأم. فقد كانت هذه البادرة الدبلوماسية كافية لإظهار أنّ آسيا الوسطى لم تعد مجرد "الفناء الخلفي لروسيا"، وأنها باتت تهدف إلى إنشاء سيادتها التاريخية والاجتماعية والثقافية الخاصة.

سعي اليابان للتودد لدول آسيا الوسطى

من المثير للاهتمام أن اليابان قد بدأت تسعى هي الأخرى لدخول اللعبة الجيوسياسية المتمثلة في التودد لدول آسيا الوسطى. فعلى الرغم من أن طوكيو ودول آسيا الوسطى لديهما روابط تاريخية مشتركة منذ القدم، فإنه يمكن القول إن اهتمام اليابان بالإقليم بدأ يزداد حديثاً خاصةً مع تخطيط رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، لزيارة آسيا الوسطى في عام 2024 لحضور قمة افتتاحية مع قادة دول مجموعة الخمس (قيرغيزستان وأوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وتركمانستان). وفي الوقت نفسه، قام الرئيس القيرغيزي، صدر جباروف، بزيارة طوكيو في الثاني من نوفمبر 2023، بهدف التقليل من اعتماد دول آسيا الوسطى على روسيا والصين. 

وفي مؤتمر صحفي مشترك، أكد رئيس الوزراء الياباني أهمية تطوير التحالفات مع إقليم آسيا الوسطى، خاصة فيما يتعلق بالتنمية المستدامة، ودعم البنية التحتية، وتنمية الموارد البشرية، وكذلك مختلف التبادلات بين الشعبين. هذا وقد تساعد اليابان مستقبلاً على تطوير طريق النقل في بحر قزوين والذي سيمر عبر روسيا، وقد تقدم طوكيو أيضاً التدابير اللازمة لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة والتخلص من الكربون في دول آسيا الوسطى.

*لينك المقال في حفريات*