أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

استكشاف الفرص:

هل تنجح تركيا في وساطتها بين طاجيكستان وقرغيزستان؟

07 فبراير، 2024


أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، زيارتيْن إلى كل من قرغيزستان وطاجيكستان، يوميْ 9 و10 يناير 2024، في محاولة لإنهاء النزاع الحدودي بينهما، وقد أعلن الوزير التركي أن هذا النزاع سوف ينتهي رسمياً في مارس المقبل، من خلال التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود؛ بما يحقق الأمن والاستقرار في منطقة آسيا الوسطى.

وقد التقى فيدان، خلال الزيارتيْن، كلاً من الرئيس القرغيزي صادر جباروف، ورئيس البرلمان القرغيزي نورلان بيكشاكيف، والرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان، ووزير الخارجية الطاجيكي سراج الدين مهر الدين.

فرص الوساطة:  

ثمّة فرص تلوح في أُفُق الوساطة التركية بين طاجيكستان وقرغيزستان، قد تكون السبب في إنجاحها، تتمثل أبرزها فيما يلي:

1- قواسم ثقافية مُشتركة: لطالما حاولت تركيا أن تكون طرفاً فاعلاً في التنافس في منطقة آسيا الوسطى والتي تضم أوزبكستان، وكازاخستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان، وتركمانستان. فعلى الرغم من عدم وجود ارتباط جغرافي بالمنطقة، استغلت أنقرة أوراقاً أيديولوجية وثقافية تستخدم القواسم اللغوية والتاريخية المشتركة بينها وبين أغلب شعوبها في تلك المنطقة لتقوية علاقاتها بها.

فباستثناء طاجيكستان، ذات العرق الفارسي، والتي اعتمدت أنقرة في تعزيز علاقاتها معها على العلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني، ولاسيما في مكافحة تهريب المخدرات والإرهاب، ينحدر سكان دول آسيا الوسطى وتركيا من أصول عرقية تركية، وقد اكتسبت تلك العلاقة شكلاً مُؤسسياً في عام 2009، بإنشاء مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية، والذي تم تغيير اسمه إلى منظمة الدول التركية في عام 2021.

هذا وقد انتشرت بدءاً منذ 1992 المدارس التركية في آسيا الوسطى بحيث وصل عددها إلى عشرات المدارس، ما أسهم في بناء جسر ثقافي بين تركيا ودول آسيا الوسطى، وأدى إلى بناء نخب جديدة تركية الثقافة بدلاً من النخب السوفيتية القديمة، الأمر الذي قد يُعزز فرص نجاح الوساطة التركية بين بين طاجيكستان وقرغيزستان. 

2- روابط اقتصادية قويّة: كان المسار الثاني الذي اتبعته أنقرة لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى، هو المسار الاقتصادي، إذ تنمو التجارة بين تركيا وآسيا الوسطى بشكل مُطّرد، ففي عام 2022، وصل إجمالي حجم التجارة بينهما إلى مستوى تاريخي بلغ 12.33 مليار دولار أمريكي، فيما تعمل ما تقرب من 4000 شركة تركية في المنطقة، إذ استثمرت تركيا أكثر من 85 مليار دولار أمريكي في اقتصاد آسيا الوسطى.

ومن جهة أخرى، فقد شهد التعاون الاقتصادي بين الجانبين تنسيقاً وتعاوناً في مجال النفط والغاز، الذي له أهمية استراتيجية بالنسبة لتركيا، وبالنسبة لآسيا الوسطى، إذ تقدم تركيا نفسها كسوق رئيسية ومركز عبور لتصدير النفط والغاز من آسيا الوسطى إلى الدول الأوروبية، وفي الأعوام الأخيرة، شهدت آسيا الوسطى وتركيا نشوء التعاون العسكري ولاسيما في مجال الطائرات من دون طيار.

3- تراجع أهمية الدور الروسي: مع تركيز موسكو على الحرب في أوكرانيا، تراجع نفوذها في مناطق عدّة، ومن أبرز تلك المناطق؛ منطقة آسيا الوسطى، التي لطالما اعتبرها الكثيرون بأنها البوابة الخلفية لروسيا، وقد فتح ذلك المجال أمام تزايد حدّة التنافس الدولي والإقليمي على المنطقة. كما أن تجدد التوتر الحدودي بين طاجيكستان وقرغيزستان مؤشر آخر على تراجع الدور الروسي في آسيا الوسطى؛ فلجوء الدولتين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو الوساطات الإقليمية والدولية، رغم كونهما أعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تقودها روسيا، يُشير إلى تراجع دور الأخيرة، في تسوية الخلافات بين دول المنطقة.

تحديات ماثلة: 

بالرغم من الفرص العديدة للوساطة التركية بين طاجيكستان وقرغيزستان، فإن مُستقبل تلك الوساطة ما يزال محاطاً ببعض التحديات، والتي يمكن تناول أبرزها فيما يلي:

1- زيادة التنافس الدولي والإقليمي: قد يقوّض التنافس الدولي والمواجهة الشرسة على آسيا الوسطى، فرص نجاح الوساطة التركية بين طاجيكستان وقرغيزستان، ولاسيما وأن التنافس لم يُعد بين القوى الكبرى فقط على تلك المنطقة، فبالإضافة للتنافس الصيني والغربي على آسيا الوسطى، ظهرت مساعٍ إقليمية لتعزيز النفوذ هناك، ومنها على سبيل المثال، الهند، والتي تحظى دول آسيا الوسطى بأهمية استراتيجية واقتصادية قصوى بالنسبة لها، هذا إلى جانب الروابط الثقافية والتاريخية العميقة بين الجانبين، وتدرج الهند آسيا الوسطى في سياسة الجوار الموسعة التي تنتهجها.

وفي هذا السياق، فقد عُقدت القمة الهندية المركزية الأولى في 27 يناير 2022 عندما التقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، برؤساء الدول الخمس لآسيا الوسطى، تبعه الاجتماع الأول لكبار المسؤولين الأمنيين في الهند وآسيا الوسطى في ديسمبر 2022، فضلاً عن ذلك، فقد بدأت اليابان تسعى هي الأخرى لدخول اللعبة الجيوسياسية المتمثلة في التودد لدول آسيا الوسطى، إذ بدأ اهتمام اليابان بالإقليم يزداد حديثاً خاصةً مع تخطيط رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، لزيارة آسيا الوسطى في عام 2024 لحضور قمة افتتاحية مع قادة دول مجموعة الخمس.

وبجانب ذلك، فقد سعت باريس إلى توطيد علاقاتها بدول آسيا الوسطى، إذ أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جولة في آسيا الوسطى، شملت كلاً من كازاخستان وأوزبكستان، وقد أكّد خلالها ما وصفه بـ"الاتجاه الاستراتيجي الجيد الذي تم اتخاذه في علاقات بلاده مع آسيا الوسطى، والحاجة إلى استكماله وتسريعه". 

2- تمسك موسكو بنفوذها في المنطقة: على الرغم من تراجع دورها نسبياً، ما تزال موسكو تتمتع بنفوذ لا يستهان به في آسيا الوسطى، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن دول آسيا الوسطى ستحافظ على علاقات وثيقة مع روسيا، خلال الفترة المتوقعة (2024-2028)، كما تجدر الإشارة إلى أن روسيا تحتفظ بقواعد عسكرية في كل من طاجيكستان وقرغيزستان. 

هذا إلى جانب ما كشفت عنه تقارير أمريكية، من ازدياد أهمية منطقة آسيا الوسطى بالنسبة لروسيا منذ أن تعرضت الأخيرة لحصار غربي شامل عقب حرب أوكرانيا، ما دفع موسكو لتعزيز وجودها العسكري في قرغيزستان، من خلال توقيع بوتين، في مايو 2023، قانوناً يصادق على الاتفاقية بين روسيا وقرغيزستان بشأن إنشاء نظام دفاع جوي إقليمي مُشترك، من أجل ملاحقة نفوذ واشنطن وحلفائها في المنطقة، الأمر الذي قد يقوّض فرص الوساطة التركية في المنطقة، ولاسيما مع تكثيف موسكو جهودها للضغط على قرغيزستان وطاجيكستان للتوصل إلى اتفاق. 

أهداف أنقرة:

يهدف أردوغان وحكومته لتحقيق العديد من المصالح، من خلال الوساطة بين طاجيكستان وقرغيزستان، أبرزها ما يلي:

1- تعزيز المصالح الاقتصادية: من المحتمل أن تفرز الوساطة التركية بين طاجيكستان وقرغيزستان، تحقيق مصالح اقتصادية لأنقرة، ولاسيما وأن وزير الخارجية التركي قد أكّد خلال زيارته البلدين، أن بلاده ستعمل مع دوشنبه لتحسين التعاون خاصة في المسائل الاقتصادية والأمنية، وفي محادثاته مع القادة الطاجيك، ناقش فيدان أيضاً الفرص المتاحة لرجال الأعمال الأتراك في طاجيكستان، والضغط من أجل إزالة العقبات أمام التجارة والاستثمار، وتحدث في هذا الصدد عن قرب انعقاد لجنة اقتصادية مشتركة بين البلدين. 

ومن جهة أخرى، فقد توّظف أنقرة وساطتها في المنطقة من أجل تعزيز التعاون في مجال الطاقة، ولاسيما مع السعي لتحويل بلاده لمركز طاقة عالمي. وجدير بالذكر أن منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين تمتاز باحتياطيات كبرى من الموارد الطاقوية إذ يوجد فيها حوالي 16 حوضاً رسوبياً رئيسياً، بما في ذلك 10 أحواض لإنتاج النفط والغاز موزعة على الدول المطلة على بحر قزوين ككازاخستان، وأوزبكستان وتركمانستان. وقد مكنت الاحتياطيات الطاقوية الكبيرة من نفط وغاز دول منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين من البروز كفواعل مهمة في معادلة الطاقة العالمية، فضلاً عن ذلك فقد تستفيد أنقرة من خلال احتمالات انضمامها لمشروع الغاز المشترك بين أوزبكستان وقرغيزستان، الذي تم الإعلان عنه بعد أيام من إتمام الدولتين ترسيم حدودهما المشتركة العام الماضي. 

2- استكمال مشروع "الممر الأوسط": قد يهدف أردوغان إلى تأمين الممر الأوسط؛ الذي يُعد شبكة عبور تربط آسيا بالأسواق الأوروبية عن طريق آسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز، وأنقرة طرف من أطرافه، والذي يكتسب زخماً دولياً واسعاً، فالتوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود بين طاجيكستان وقرغيزستان من شأنه أن يقلل من خطر نشوب صراع أكبر بين البلدين في السنوات المقبلة، وهو ما من شأنه أن يعزز في نهاية المطاف الآفاق الاقتصادية الإقليمية واتصالات العبور. 

3- توطيد دور منظمة الدول التركية: قد تسعى أنقرة من وراء وساطتها بين طاجيكستان وقرغيزستان، إلى تعزيز دور منظمة الدول التركية؛ والتي تسعى لأن تصبح المنصة الرائدة في آسيا الوسطى، وذلك من خلال تعزيز علاقاتها - بعد نجاح الوساطة التركية- مع طاجيكستان؛ التي لم تنضم للمنظمة، ما قد يشجعها على ذلك، الأمر الذي قد يعزز دور المنظمة الإقليمي والدولي. 

4- سوق للأسلحة التركية: تصبو أنقرة، إلى تعزيز سوق الأسلحة التركية في منطقة آسيا الوسطى، وقد أصبحت أنقرة مُصدراً رئيسياً للطائرات من دون طيار إلى آسيا الوسطى، وتُعد قرغيزستان أحد العملاء الرئيسيين للمعدات التركية. وقد استخدمت الطائرات المسيرة التركية ضد طاجيكستان خلال اشتباكات 2022، وربما يسهم أداء تركيا دور الوساطة، المُشار إليه، في تعزيز هذا الاتجاه.

سيناريوهات مُستقبلية: 

في ضوء استعراض الفرص والتحديات وأهداف تركيا من وساطتها بين دوشنبه وبيشكيك، يُمكن استعراض أبرز السيناريوهات المُستقبلية لتلك الوساطة، كما يلي:

1- السيناريو الأول: نجاح الوساطة: يُرجح هذ السيناريو، نجاح أنقرة في أداء دور الوسيط بين البلدين لإتمام اتفاقية ترسيم الحدود بينهما، وسط تأكيد الرئيس الطاجيكي، بعد لقائه مع وزير الخارجية التركي، أن توسيع التعاون الثنائي بين بلاده وتركيا يتسق مع مصالح البلدين، فيما تبع ذلك انعقاد الاجتماع الدوري لمجموعات العمل الطبوغرافية حول القضايا القانونية لوفود حكومتي قرغيزستان وطاجيكستان بشأن ترسيم الحدود في مقاطعة باتكين، إحدى المناطق المتنازع عليها بين البلدين واندلع بسببها صراع أكثر من مرة. 

2- السيناريو الثاني: فشل الوساطة: يرى هذا السيناريو فشل الوساطة التركية بين دوشنبه وبيشكيك، ويستند إلى احتمالية تجدد الصراع بين البلدين، ولاسيما وسط استمرار سباق التسلح بينهما؛ إذ قامت قرغيزستان بتعزيز تسليحها من طائرات "بيرقدار" التركية من دون طيار، وحصلت طاجيكستان على طائرات من دون طيار من إيران، بل وتُشير بعض التقارير إلى بناء مصنع للطائرات المسيرة الإيرانية في طاجيكستان. كما أن البعض يرى في التنافس الإقليمي والدولي على المنطقة، سبباً لاستمرار النزاع بين الدولتين، وفشل الوساطة التركية.

3- السيناريو الثالث: إتمام الاتفاق مع تجاهل الوساطة التركية: يعتقد هذا السيناريو؛ وهو الأكثر ترجيحاً، أن البلدين قد يصلان لإتمام اتفاق ترسيم الحدود بينهما، من دون وساطة تركية في ذلك الأمر، ولاسيما مع تكثيف موسكو لمساعي وساطتها بين البلدين العضوين معها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وربما يُدلل على ذلك الإعلان بالفعل عن الاتفاق بين البلدين على عدة أقسام حدودية أخرى، خلال الأيام الأخيرة. 

وفي التقدير، يمكن القول إنه من غير المرجح أن تترك روسيا المجال أمام تركيا، أو غيرها من الأطراف الإقليمية والدولية، لأداء دور وساطة بين طاجيكستان وقرغيزستان، ولاسيما مع تمسك روسيا بالنفوذ السياسي والعسكري في الدولتين، ومنطقة آسيا الوسطى عموماً، والتي تعتبرها موسكو مجالاً حيوياً لها، خاصة وأنها تتحسب لتزايد الفواعل الإقليمية والدولية التي باتت تتنافس على تلك المنطقة. إلّا أن تركيا، ومن خلال عرضها لدور الوساطة، سوف تزيد من فرص قبولها لدى البلدين، وهو ما يمكن استثماره في تحقيق مصالح سياسية واقتصادية مُستقبلية.