أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تحولات أردوغان:

هل تتجه تركيا نحو "الديكتاتورية"؟

06 أغسطس، 2014


لاتزال تركيا بحاجة إلى سنوات طويلة فيما يبدو حتى تتمكن من إرساء ديمقراطية حقيقية، بالرغم من أن تاريخ إقرار التعددية الحزبية يعود إلى عام 1950. وإذا كانت تركيا قد مرت بتجارب مختلفة للحكم منذ هذا التاريخ، فإن جميعها قد فشل في إنضاج الشروط والممارسات التي تقود للديمقراطية، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الذي أمل الأتراك أن يتحول ببلدهم للأمام، فإذ به بعد مضي نحو 12 عاماً منذ وصوله للسلطة يجنح صوب الاستبداد، لتبقى محنة الديمقراطية التركية تواجه تحديات كبيرة.

مؤشرات غير ديمقراطية

شهدت تركيا مؤخراً خطوات تنتقص من الممارسات الديمقراطية، لعل من أبرز ملامحها قيام رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، بحظر موقعي التواصل الاجتماعي يوتيوب وتويتر. فبدلاً من الاكتفاء بتكذيب الأخبار، والإجابة على اتهامات الفساد المتعلقة بحزبه، قام بإغلاق الموقعين بشكل كامل لإسكات من يقدمون على هذا النوع من الادعاءات.

لقد تحول أسلوب أردوغان الهادئ عامة إلى حدة في الخطابات تتسم برد فعل قاس لمعارضيه ومحاولته تضخيم المسائل الصغرى واستخدامها لصالحه، وهو ما يساهم في إظهاره كإنسان حاد وعنيف، ويقوي من اتهامات الاستبداد الموجهة له، وثمة أمثلة كثيرة على ذلك، مثل قمع المتظاهرين في حديقة غيزي، وكارثة انفجار منجم صوما الذي خلف 301 قتيل، والأحداث التي تلتهما، ففي كلا الحدثين استخدم أردوغان أساليب استبدادية لإسكات وتخويف منافسيه.

ومن جهة أخرى، فإن الضغوط والتقييدات التي تواجهها المنظمات غير الحكومية، وانتهاكات حقوق الإنسان الأساسية، وإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي، وتقييد حرية الصحافة، واعتقال الصحفيين المناوئين لأردوغان، وتهميش المثقفين، وظهور صحفيين مهمتهم مدح حزب العدالة والتنمية ورئيسه، وقيامهم دائماً بوظيفة توجيه الاتهامات للطرف الآخر، كلها مؤشرات تدل على أن الدولة التركية تنجر إلى طريق الاستبداد.

لماذا يتحول أردوغان للاستبداد؟

يمكن القول إن هناك عدداً من العوامل التي تحول أردوغان إلى شخص متعنت، وفي بعض الأحيان تجعله مدافعاً عن تصرفات غير ديمقراطية، وهو ما يمكن إرجاعه إلى الأسباب التالية:

• اقتناعه بوجود مؤامرة تستهدفه: إذ يعتقد أردوغان منذ عام 2010 أن التطورات التي تمر على الساحات الدولية والإقليمية والداخلية تشكل تهديداً لحكومته، إذ يبدو أنه على قناعة بأن هناك تحالفاً داخلياً يضم جماعات مصالح غير راضية عن سياساته الاقتصادية، وأن هناك دولاً خارجية تحاول القضاء عليه، بل ويربط جماعات الداخل المعارضة أحياناً بمؤيدي الرئيس السوري بشار الأسد، وأحياناً أخرى بمحبي إسرائيل أو بؤر الشر التي تحاول إدخال البلاد في الفوضى بالرغم من توجه حكوماته لإحياء العلاقات التركية القوية مع تل أبيب.

وبالتالي تعود التوجهات الاستبدادية لرئيس الوزراء في الفترة الأخيرة إلى هذه الذهنية، ودون اكتراث جدي لمدى صحة قناعاته، فهو يكاد يؤمن بأن أغلب الأحداث التي تعيشها المنطقة تستهدف تركيا في الأصل وتحاول إضعاف حكومة حزب العدالة والتنمية، مثل أحداث حديقة غيزي، وقضايا الفساد المثارة ضده منذ 17 ديسمبر 2013، والإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر، والتطورات التي تشهدها سوريا... فكل هذا يزيد من حدة أسلوبه ويجعله يتخذ أحياناً قرارات تخالف مبادئ القانون، ولذلك قام بإحكام سيطرته على الحزب، وقام باستهداف المجموعات التي يعتقد أنها تشكل الدولة العميقة في البيروقراطية التركية دون النظر إلى مدى قانونية ما يقوم به.

• اختزال أردوغان الديمقراطية في صندوق الانتخابات: إذ يعتبر أردوغان أن حصوله على 42.87 % من أصوات الناخبين الأتراك في الانتخابات البلدية التي أجريت في أوائل العام الجاري 2014 بمثابة دعم شعبي كبير له، ولذلك فهو يضع قانونية الخطوات التي يقوم بها في المرتبة الثانية ويهاجم خصومه السياسيين والمتظاهرين بحدة بالغة.

• اعتقاد أردوغان بأن الدولة بمؤسساتها تعيش حالة طوارئ: وهو سبب كاف بنظره لاتخاذ خطوات تتناقض مع القانون والحريات، ولذا فهو لا يكتفي فقط بمحاولة انتهاك استقلالية القضاء والتدخل في عمل المؤسسات البيروقراطية من أجل الحفاظ على حكمه، بل إنه يثير أيضاً الانقسامات التي تعتبر خطراً على البلاد منذ زمن كالنزاع العلماني– الإسلامي، والعلوي– السني، والتركي– الكردي، الأمر الذي قد يُنذر بتصاعد الانقسامات الطائفية والعرقية.

• زيادة التوجهات الشعبوية لدى مناصري أردوغان: والذين يتصرفون بشكل يجعلهم مسار سخرية من الآخرين، وأقرب مثال على ذلك اتهامهم للقوى الخارجية بالقيام بحادثة منجم صوما بهدف تخريب البلاد.

• كاريزمية أردوغان: مثلت أهم الأسباب الأساسية التي ساعدت على نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المتتالية، لكن كان لها بالمثل تداعياتها السلبية، فالشخصية الكاريزمية غالباً لا تتقبل بسهولة الإجراءات التي يسير عليها، ولا تتقبل ترقيات تستند إلى القواعد القانونية، ولا تهتم بأن يكون مساعدوها من أصحاب الخبرات، بل ربما لا تعترف بأجهزة بيروقراطية مستقلة عن الأشخاص، كما أنها شخصية عادة ما تتصرف حسب قناعتها، ويتوقف مدى نجاحها على مدى تقبل الناس لها واقتناعهم بأن القائد صاحب كاريزما تنفع البلاد، وبالتالي فإن صفة القيادة تستمر طالما أنه تمكن من إثبات قدرته على القيادة، ولعل ذلك يفسر لماذا لم تَلق قضايا الفساد المثارة ضده الصدى المتوقع سوى من قبل المجموعات المعارضة، ولم تصل إلى الجزء الأكبر من المجتمع؟.

عوامل كابحة

بالرغم من هذه الممارسات التي تنتقص من الديمقراطية المنشودة في تركيا، يمكن القول إن هناك كوابح تحد من هذه الممارسات الديكتاتورية، أبرزها استمرار الآليات الديمقراطية في البلاد، خاصة الفصل بين السلطات وتماسك مؤسسة القضاء التي يسعى أغلب من ينتمون لها إلى الحفاظ على استقلالية القضاء، وهو ما وضح في قيام المحكمة الدستورية برفع الحظر عن تويتر ويوتيوب بعد انتهاء الانتخابات البلدية، وإن كان هذا لا ينفي أن استقلالية القضاء تضررت في الفترة الأخيرة بشكل لم يشهده التاريخ التركي من قبل بعد فضائح الفساد الأخيرة لأردوغان.

يضاف إلى ما سبق وجود نخبة سياسية في تركيا غير راضية عن القيود المفروضة على حقوق وحريات الإنسان، فضلاً عن وجود تاريخ من مقاومة الاستبداد، وهو ما يجعل من الصعب على قائد يمتلك ميولاً استبدادية النجاح في القضاء على الديمقراطية في تركيا، وهو ما فشلت فيه الانقلابات العسكرية أيضاً.

أخيراً، فإن قبول حزب العدالة والتنمية الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات، وقبوله ترك الحكم من خلال الانتخابات أيضاً يدل كذلك على أن تركيا دولة لا تدار بنظام استبدادي مطلق، وهو ما يعد من ضمن العوامل التي تحول دون تحوّل تركيا إلى دولة ديكتاتورية كاملة.

إن ما تعيشه تركيا اليوم هو عبارة عن أزمة، وللأسف فإن مثل هذه الأزمات تكاد تكون معتادة، فمنذ عام 1950، وهناك تطبيق غريب يتم في فترة الأزمات يقود إلى تعليق الممارسة الديمقراطية. وتعد تقوية المجتمع المدني، ودعم استقلاليته في مواجهة أي نظام حاكم، وحصول المثقفين على حرية حركة، وتحمل المعارضة مسؤولياتها بتقديم حلول اجتماعية، والعمل في إطار منظم، هي الطرائق الوحيدة للحد من ذلك.

وفي النهاية، لا يمكن إغفال حقيقة أن أهم مسؤول عن الأزمة التي تواجهها تركيا اليوم هو الحزب الحاكم ومواقفه المتشددة، كما لا يمكن إغفال دور المعارضة التي لا تقوم بواجبها بشكل كامل وتتهرب من مسؤولياتها، ولذلك فقد آن الأوان لقيام المعارضة بالبدء في التفكير في الاستعداد كبديل سياسي محتمل.

 ** نشر هذا المقال في دورية (اتجاهات الأحداث) الصادرة عن مركز المستقبل، العدد الأول، أغسطس 2014.