أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

الشروق:

احتمال إحياء الاتفاق النووى الإيرانى.. «مرونة بطولية» أم «حافة هاوية»؟

14 يوليو، 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب شريف هريدى، تناول فيه دوافع إيران التى جعلتها تعلن عن استعدادها الانخراط فى المفاوضات الدولية مجددا، وفقا لما صرح به سفيرها لدى الأمم المتحدة قبل أيام قليلة، كما تحدث الكاتب عن العقبات التى تعوق هذه الخطوة... نعرض من المقال ما يلى:

أكد سفير إيران ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، سعيد إيروانى، فى 9 يوليو 2023، أن طهران مُستعدة لاستئناف المفاوضات فى أقرب فرصة مُمكنة لاستعادة خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووى)، وضمان تنفيذها بالكامل من قبل الجميع.

ويتزامن ذلك مع تجدد حديث المرشد الأعلى فى إيران، على خامنئى، عن «المرونة البطولية»؛ وهو مصطلح كان قد استخدمه أيضا قبيل توقيع الاتفاق النووى المؤقت بين إيران ومجموعة (5+1)، عام 2013، عندما أكد حينها أن «المرونة البطولية أمر ضرورى ومفيد فى ظروف معينة»، وهو ما أفضى فى النهاية إلى التوصل لاتفاق عام 2015.•

ثمّة عوامل دفعت إيران لقبول الانخراط مجددا فى مباحثات حول برنامجها النووى، من أبرزها:

1ــ الضغوط الاقتصادية بسبب العقوبات: أدت العقوبات التى تم فرضها على القطاعات الرئيسية للاقتصاد الإيرانى، إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية، فقد ارتفعت مستويات التضخم والبطالة وتراجع النمو إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، كما تراجعت معدلات التصدير والاستثمار، بسبب تخوف الأطراف الخارجية من أن يؤدى التعامل مع إيران إلى وقوعها تحت مقصلة العقوبات الأمريكية. وعليه، وجدت إيران أنه لا بديل لإنعاش اقتصادها ودخول الاستثمارات إليها إلا من خلال إحياء الاتفاق النووى مع الغرب.

2ــ دفع جهود عودة وتحسين العلاقات مع دول المنطقة: لا ينفصل سعى إيران إلى الانفتاح على دول المنطقة مع استئناف المفاوضات مع الغرب، إذ توظف طهران التباحث حول برنامجها النووى فى إيصال رسائل طمأنة إلى دول المنطقة، وقد طالبت، فى أكثر من مرة، بإشراكها فى المباحثات الخاصة بهذا الشأن، وكان آخرها، مطالبة وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى، فى اجتماعهم الذى انعقد فى 11 يونيو 2023، إلا أن هذه المطالب كانت تواجه برفض إيرانى.

وللتقليل من وقع ذلك على مساعى تحسين العلاقات الإيرانية مع دول المنطقة، فقد حرصت طهران على أن تطلع دول الخليج على تفاصيل مباحثاتها مع الأطراف الغربية، وقد تجلى ذلك فى قيام وزير الخارجية الإيرانى بجولة خليجية شملت أربع دول هى قطر وعُمان والكويت والإمارات، وذلك خلال الفترة من 19 حتى 22 يونيو الماضى.

3ــ تعزيز شرعية النظام الإيرانى داخليا: يسعى النظام الإيرانى إلى معالجة الشرخ الذى تعرض له، خلال الفترة الأخيرة، والذى تمثل فى الاحتجاجات التى اندلعت نتيجة وفاة الشابة مهسا أمينى، فى منتصف سبتمبر 2022، من خلال تحقيق إنجاز على المستوى الخارجى، مثل التوصل إلى اتفاق مع الغرب.

على الرغم من تعدد المؤشرات، فإن هناك عقبات عديدة ما زالت تقف حائلا أمام ذلك، ويمكن استعراضها فيما يلى:

1ــ استمرار تصعيد إيران النووى والصاروخى: بالرغم من انخراط طهران فى المباحثات مع واشنطن والغرب، فإن ذلك لم يمنعها من مواصلة تصعيدها فى برنامجيها النووى والصاروخى البالستى، إذ كشف التقرير الأخير لوكالة الطاقة الذرية، الصادر فى يونيو الماضى، أن مخزون إيران من اليورانيوم المُخصب ارتفع بمقدار 23 مرة عن المنصوص عليه فى اتفاق 2015، بحيث وصل إلى 4774.5 كيلوجرام، كما زاد مخزونها من اليورانيوم المُخصب بنسبة 60% إلى 114 كيلوجراما، وهى الكمية التى يمكنها صناعة ثلاث قنابل نووية إذا ما تم رفع تخصيبها إلى 90%، وهذا الأمر لا يحتاج إلا إلى أسابيع، وفق تقديرات أمريكية. فى حين أن الاتفاق قد حظر على إيران إنتاج يورانيوم مُخصب بنسبة أكثر من 3.67%. كما أشارت تقارير استخبارية غربية، نشرت فى 9 يوليو الحالى، إلى أن إيران تتجه نحو اختبار مُحتمل للقنبلة النووية، فى وقت قريب.

وفيما يتعلق بالتصعيد الصاروخى، فقد أعلن الحرس الثورى الإيرانى، فى 6 يونيو الماضى، عن إنتاج أول صاروخ فرط صوتى أطلق عليه اسم «فتّاح»، بمدى مُعلن يبلغ 1400 كيلومتر، وكشفت وزارة الدفاع الإيرانية عن إنتاج الجيل الرابع من الصاروخ البالستى «خرمشهر»، باسم «خيبر»، بمدى يصل إلى ألفى كيلومتر. ويقف هذا التصعيد حائلا أمام مساعى إحياء الاتفاق النووى، إذ سيصعب من مهمة التخلص من التراكم الكمى والمعرفى من المخزونات النووية والصاروخية لدى طهران.

2ــ إبقاء أوروبا العقوبات على برنامج طهران الصاروخى: أشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية، فى تقرير لها نُشر يوم 2 يوليو الحالى، إلى أن مسئولى «الترويكا» الأوروبية فى المفاوضات النووية مع طهران، أبلغوا نظراءهم الإيرانيين، أن بلدانهم تنوى الإبقاء على العقوبات المفروضة على برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، والتى كان من المُقرر أن تنتهى فى أكتوبر 2023، بموجب الاتفاق المُوقع فى 2015؛ على أساس أن طهران قد انتهكت بنود الاتفاق المُشار إليه. ويُعد هذا الإجراء، حال تنفيذه، أول خرق أوروبى لبنود الاتفاق مع إيران، ليكون بذلك الموقف الأوروبى متطابقا مع نظيره الأمريكى فى هذا الأمر.

ويأتى هذا الموقف من جانب «الترويكا» الأوروبية على خلفية إمداد إيران لروسيا بالطائرات المُسيّرة من طراز «شاهد 136» فى الحرب ضد أوكرانيا، واستعدادها لتزويدها بصواريخ. ويعنى ذلك الأمر أنه حتى فى حال تم التوصل إلى اتفاق مع إيران، فإن العقوبات على برنامجها الصاروخى ستظل سارية، وهو أمر من المرجح أن ترفضه طهران، التى تطالب برفع العقوبات عنها كافة (النووية والصاروخية والمتعلقة بحقوق الإنسان) من أجل العودة للاتفاق.

3ــ ممانعة إسرائيل توقيع الاتفاق بين إيران والغرب: أعلنت إسرائيل أنها غير مُلزمة بأى اتفاق قد يُوقع بين طهران والغرب، وأنها ستفعل كل ما فى وسعها من أجل الدفاع عن نفسها، فيما يؤشر إلى إمكانية توجيهها ضربات للمنشآت النووية الإيرانية. وبغض النظر عن تقييم مدى جدية التهديدات الإسرائيلية لإيران، وذلك فى ضوء افتقار تل أبيب ربما للقدرات الفنية اللازمة لضرب تلك المنشآت والتى صارت على أعماق بعيدة تحت الأرض من ناحية، فضلا عن قدرتها على تحمل التكلفة الأمنية والسياسية لذلك؛ فإن موقف إسرائيل من شأنه أن يضغط على الإدارة الأمريكية بما يحد من تجاوبها مع المطالب الإيرانية خلال المفاوضات مع إيران، وربما يكون تجميد عمل المبعوث الأمريكى الخاص لإيران، روبرت مالى، والمعروف عنه أنه من أشد المؤيدين لتوقيع اتفاق مع طهران، أولى ثمار الضغط الإسرائيلى على البيت الأبيض فى هذا الشأن.

إجمالا، يمكن القول إن قبول إيران باستئناف المفاوضات حول برنامجها النووى، هو تطبيق لسياسة «حافة الهاوية»، التى اعتادت تبنيها مع الغرب، خاصة إذا ما أدركت أن الأمور سوف تتجه إلى ما لا يمكن تحمل تكلفته. وقد تقبل كل من واشنطن وطهران باتفاق مؤقت يحقق مصلحة الأولى فى الحد من تصعيد إيران النووى، دون الدخول فى مواجهة مباشرة معها، وتجنى الثانية بعض ثماره بما ينعش اقتصادها المأزوم. بيد أن هذا الأمر لن يتحقق بسهولة، فى ضوء حرص الجانبين على الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من أوراق الضغط، التى تُعظم مكاسب أحدهما فى الاتفاق المُحتمل، وتجعله يقدم أقل قدر ممكن من التنازلات.

*لينك المقال في الشروق*