أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تهديدات السيادة:

ثلاثة سيناريوات لمستقبل الدولة العربية

02 يوليو، 2016


إعداد: منى مصطفى محمد

تصاعدت تهديدات السيادة في المنطقة العربية نتيجة تصدع بعض الدول، وهيمنة التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة على أجزاء واسعة من أقاليمها، فضلاً عن انتشار التيارات الانفصالية وتزايد الدعوات المطالبة بالحكم الذاتي في بعض الدول.

وفي هذا الإطار، يناقش كل من "إريل أهرام" Ariel I. Ahram، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، و"إلين لوست" Ellen Lust، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جوتنبرج بالسويد، التحولات في مفهوم السيادة بالمنطقة العربية، وذلك في دراستهما المُعنونة: "ضعف وسقوط الدولة العربية".

تطور مفهوم السيادة

يرى العديد من الساسة أن صعود الجماعات الإرهابية في المنطقة العربية وقدرتها على إحكام السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي هو بمنزلة تهديد خطير للسيادة العربية. وفي واقع الأمر يؤكد عالم السياسة الأمريكي "ستيفن كراسنر" Stephen Krasner أن السيادة العربية كانت مهددة طيلة الوقت حتى قبل ظهور هذه الجماعات، فمفهوم السيادة بالنسبة له هو مفهوم خيالي تم وضعه في ظل سياق دولي معين؛ إذ إن السيادة تفترض أن كافة الدول على قدم المساواة، وهو الأمر الذي يتناقض مع الواقع، كما أن قواعد هذه السيادة عادة ما يتم انتهاكها من قِبل دول أخرى لتحقيق مصالحها الخاصة.

وفي هذا السياق، تؤكد الدراسة أن مفهوم السيادة متغير من زمن لآخر؛ فعلى سبيل المثال، أشار الفقيه القانوني الدولي "روبرت لانسينج"، في عام 1914، إلى أن أساس السيادة هو القوة المادية بالإضافة إلى النصوص القانونية، وفي عام 1919 حاول الرئيس الأمريكي حينها "ويلسون" تغيير مفهوم السيادة ليصبح قائماً على حق تقرير المصير الذي تقوم بالفصل فيه عصبة الأمم.

وبحلول عام 1945، تغير مفهوم السيادة كلياً وأصبح يُمنح بموافقة الدول الموجودة في النظام الدولي بناءً على طلب من سكان الدولة، وهو ما يعني أن السيادة قد أصبحت مرتبطة بإرادة المواطنين. غير أن وضع السيادة في الدول العربية كان في ذلك الوقت بيد الدول الاستعمارية التي قامت بتقسيم الحدود بين الدول العربية وفقاً لرؤيتها الخاصة، والتي ساهمت في تأجيج النزاعات والحروب العرقية، وفي هذه المرحلة تشكلت الدول العربية بشكلها الحديث.

وتشير الدراسة إلى أن كلمة السيادة لم تعد مرتبطة بالدولة ذاتها في هذه المرحلة، بل ارتبطت بالحكام العرب الذين كانوا يستخدمون هذا المفهوم من أجل تعزيز شرعيتهم في مواجهة الدول الخارجية وفي مواجهة مواطنيهم أيضاً. وفي مرحلة لاحقة، أصبحت الدول العربية تعتمد على ما يمكن أن يُسمى بالدول الراعية Parent States التي تقوم برعاية مصالحها وتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري لها.

وقد أتاح انهيار الاتحاد السوفييتي للدول الغربية مزيداً من التدخل في شؤون الدول العربية، خاصةً بعد محاولة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي الالتزام بالمعايير الديمقراطية من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وسعي الدول الغربية لتعميم هذه المعايير لتصبح قيماً عالمية، فضلاً عن تدخل الغرب فيما أطلق عليه الدول الفاشلة. وصاحب هذا ظهور مجموعة من الدول الجديدة التي تم تأسيسها بواسطة حركات انفصالية على غرار أرض الصومال وأبخازيا، وقد أدى كل ذلك إلى غموض مفهوم السيادة.

وساهم في زيادة هذا الغموض، الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 والذي مثل انتهاكاً واضحاً لقواعد السيادة، خاصةً أن الولايات المتحدة لم تقم بتعريف هذا التدخل على أنه احتلال، بل اعتبرته تدخلاً من أجل الحفاظ على السلم والاستقرار، وهي الحجة نفسها التي استخدمتها روسيا في تدخلها في جورجيا عام 2008 وأوكرانيا في عام 2014، وصاحب هذا عدد من التطورات التكنولوجية بدايةً من الطائرات بدون طيار، وصولاً إلى الحروب السيبرانية والتي كان لها تأثيرها دون شك على مفهوم السيادة، وهو ما دفع البعض إلى طرح مفهوم بديل أكثر واقعية عن مفهوم السيادة التقليدي.

السيادة العربية بعد الثورات

تجادل الدراسة بأن الثورات العربية في عام 2011 كانت بمنزلة إعادة إحياء لمفهوم السيادة في صورته التقليدية بما تتضمنه من حق تقرير المصير والإرادة الذاتية للشعوب. وفي المرحلة التالية لقيام الثورات، نجحت في تحقيق هدفها بإسقاط رأس النظام أو حتى إضعافه، إلا أنها في الوقت نفسه أدت إلى حدوث تفتيت في سيادة الدولة. فعلى سبيل المثال، حدث انقسام واضح وتنازع للسلطات في ليبيا، كما استغل تنظيم "داعش" هذا الضعف للتمدد في الدول الضعيفة على غرار العراق وسوريا وليبيا، بل وحاول التنظيم فرض نفسه كبديل للدولة.

واستمرت الدول الراعية Parent states في القيام بدورها بشكل مختلف، حيث أصبحت هناك دول تدعم الحاكم الذي يُوصف بأنه الحاكم الشرعي، ودول أخرى تقوم بدعم الجماعات المتمردة أو المعارضة التي تسعى للحصول على الشرعية وتحاول الاستناد إلى المبادئ ذاتها التي تستند إليها الدول الطبيعية في القانون الدولي؛ فعلى سبيل المثال، طالبت المعارضة الليبية في عام 2011 المجتمع الدولي بالتدخل من أجل منع تفاقم الوضع الإنساني، ومازالت الجماعات الليبية المختلفة تحاول حتى الآن الحصول على دعم وتأييد الدول الراعية، كذلك تتنافس المعارضة السورية للحصول على دعم هذه الدول.

على خلاف ذلك، لم يسع تنظيم "داعش" للحصول على دعم هذه الدول الراعية وأبدى منذ البداية عدم تقبله لكافة المعايير الدولية المتفق عليها، بيد أنه حاول في الوقت نفسه الحصول على سيادة شبيهة بسيادة الدول الطبيعية، واعتبر أن ذلك يتحقق عندما يقوم بوظائف الدولة، فقام بوضع نظام لتوزيع الموارد، ونظام للتأمين الاجتماعي والرعاية الاجتماعية للمجاهدين وأسرهم.

من جانب آخر، أصبحت المناطق الطرفية في الدول العربية مهددة من جانب الجماعات الإرهابية، مثل سيناء في مصر. ومن ثم يمكن القول إن وضع السيادة لدى الدول العربية قد تغير بسبب صعود هذه الجماعات المتمردة أو الإرهابية التي حصل بعضها على دعم دولي، يُضاف إلى هذا أن عدداً من الدول العربية سمح للتحالفات الخارجية بالتدخل لمحاربة هذه الجماعات وإعادة الاستقرار، وفي المقابل قامت الجماعات الإرهابية ببناء شبكة تحالفات بين بعضها البعض. وفي ظل كل هذه التغيرات، لم يعد من الممكن القول إن مفهوم السيادة في الدول العربية يتشابه مع مفهوم السيادة لدى الدول الغربية، كما أن هذا يطرح سؤالاً، وهو ما المعيار الذي يمكن من خلاله قياس سيادة الدولة العربية في الوقت الحالي؟

مستقبل الدولة العربية

ترى الدراسة أن السياق المحيط بالدول العربية وإن كان مليئاً بالتحديات، إلا أن هذا لا يعني الانهيار التام لهذه الدول أو اختفاءها، فبتتبع تاريخها يتضح أن هذه التحديات كانت موجودة طيلة الوقت بصيغ مختلفة ومع ذلك استطاعت هذه الدول الاستمرار. وفي هذا السياق، تستعرض الدراسة ثلاثة سيناريوات لمستقبل الدولة العربية كالتالي:

1- السيناريو الأول: يتوقع أن يعود مفهوم السيادة التقليدية لسابق وضعه في الدول العربية، لكن يظل هناك احتمال أن تتعرض بعض هذه الدول للتفكك خاصةً اليمن وليبيا والعراق، وقد يقوم المجتمع الدولي بالمساهمة في إعادة رسم وتشكيل الخريطة الجديدة للمنطقة العربية.

2- السيناريو الثاني: قد تفقد الدول سيادتها تدريجياً بمرور الوقت، لاسيما مع استمرار ظهور جماعات على غرار "داعش" التي تنافس الدول على بسط سيطرتها، وهذا الأمر يهدد باحتمالية تدخل الدول الغربية تحت دعوى الوصاية الدولية.

3- السيناريو الثالث: أن يحاول المجتمع الدولي إيجاد صيغة توافقية تسمح باستمرار الدول الموجودة حالياً، مع السماح للكيانات التي ترغب في أن يتم الاعتراف بها بالظهور، مع التدخل لتوزيع الموارد بين الأطراف بطريقة متوازنة، وتقسيم المساعدات الخارجية عليها. وترى الدراسة أن هذا السيناريو هو الأكثر واقعية وقابلية للتنفيذ. فمن وجهة نظر الكاتبين، هذه الكيانات الراغبة في أن يتم الاعتراف بها سوف تستمر، سواء تم الاعتراف بها أو لم يحدث ذلك، وبالتالي فمن مصلحة المجتمع الدولي أن يسعى للتعاون معها كما تعاون من قبل مع كيانات غير معترف بها على غرار أرض الصومال.



* عرض مُوجز لدراسة صادرة بعنوان: "ضعف وسقوط الدولة العربية، عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في أبريل ومايو 2016.

المصدر:

Ariel I. Ahram, Ellen Lust, The Decline and Fall of the Arab State, Survival: Global Politics and Strategy, vol. 58, no. 2, (London: The International Institute for Strategic Studies, April - May 2016) pp 7-34.