أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

المحرك الصامت:

كيف أثر العامل النفطي على تفاعلات "الدول المضطربة"؟

10 أبريل، 2017


تجاوزت تأثيرات العامل النفطي في تفاعلات الدول المضطربة، خلال الفترة القليلة الماضية، أبعاده الاقتصادية، وامتدت إلى تداعياته السياسية وانعكاساته الأمنية. فقد برز تأثير متصاعد للنفط في تأجيج بعض الصراعات الداخلية المسلحة في تلك الدول، وتخريب التنظيمات الإرهابية البنية التحتية، وإدراك فجوة التنمية غير المتوازنة داخل الدولة الواحدة، وإجراء استفتاء على تبعية أحد الأقاليم الجغرافية، واحتكار الشركات الخاصة ضخ الموارد النفطية إلى السوق المحلية. في حين برزت تأثيرات إيجابية للنفط في حالات أخرى كان من شأنها زيادة الإيرادات المالية للحكومة، ومواجهة فشل السياسات الاقتصادية، ومحاولة دعم المكانة الاقتصادية الإقليمية للدولة.

وقد تمثلت تأثيرات النفط، خلال تفاعلات الشهور الأربعة الأولى من عام 2017، على المستويين الداخلي والخارجي، بالنسبة للدول المضطربة في الآتي:

وقود الصراعات:

1- تصعيد حدة الصراعات الداخلية المسلحة: وهو ما عبرت عنه المواجهات الميدانية بين الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وقوات "سرايا الدفاع عن بنغازي"، خلال النصف الأول من مارس 2017، والتي انتهت باستعادة الأول سيطرته على موانئ "الهلال النفطي". 

ولم تكن هذه المواجهات هي الأولى من نوعها، وربما لا تكون الأخيرة في سياق المواجهة بين الأطراف والفصائل المختلفة، بل كان العامل النفطي محركًا بارزًا لتنظيم "داعش"، خاصة أن السيطرة على الثروة النفطية تعني تعزيز مركز القوة، لا سيما أن النفط هو المورد الوحيد للثروة في البلاد. لذا، طلبت المؤسسة الوطنية النفطية الليبية من حكومة طرابلس سحب قرار المجلس الرئاسي بتولي الإشراف على استثمار الثروة النفطية واستغلالها بما يشمل التصديق على العقود أو إلغاءها، في حين حدد اختصاص المؤسسة الوطنية للنفط بالمسئولية عن عمليات الإنتاج. وقد صارت عملية توزيع سلطات الإشراف من صلاحيات مجلس النواب فقط منذ 15 مارس الماضي. 

الأرض المحروقة:

2- تخريب التنظيمات الإرهابية البنية التحتية: يلجأ كوادر وقيادات تنظيم "داعش" إلى استهداف المنشآت النفطية ضمن نهج تخريب البنية التحتية في سوريا والعراق على نحو يؤدي إلى ازدياد الخسائر لدى حكومتي البلدين. فعلى سبيل المثال، أمر قادة التنظيم المقاتلين بتدمير حقول النفط والغاز حول تدمر بعد قيام قوات الأسد والفصائل المسلحة المتحالفة معها بدعم جوي روسي بملاحقة كوادر التنظيم.

وفي هذا السياق، قال التنظيم في إحدى المقالات التي نشرت في مجلته الرسمية (النبأ) على شبكة الإنترنت: "إن أى ضرر يلحقه التنظيم بمصالح الحكومتين سوريا والعراق الاقتصادية أو الخدمية من شأنه إضعافها، ولو كان برج كهرباء في ديالي، أو بئر نفط في كركوك، أو شبكة اتصالات في بغداد، أو موقعًا سياحيًّا في أربيل".

معضلة الأطراف:

3- إدراك فجوة التنمية غير المتوازنة داخل الدولة: تزداد مؤشرات الاحتجاج في المناطق التنموية المهملة، مثل جنوب تونس، حيث تقع معظم حقول النفط، على نحو يدفع السكان المحليين للمطالبة بالمزيد من فرص العمل وتدفق الاستثمار وتعزيز النمو. فعلى الرغم من مرور ما يزيد عن ستة أعوام على ثورة "الياسمين"، لا يزال غياب المساواة الاجتماعية أحد مسببات عدم الاستقرار في تونس، من حيث تزايد معدلات البطالة والفقر، خاصة في المناطق الداخلية، مع الأخذ في الاعتبار أن عملية الاستثمار في قطاعي النفط والغاز تواجه معوقات نتيجة الاضطرابات السياسية والاجتماعية بالبلاد.

فقد اضطرت بعض الشركات الاستكشافية العالمية في تونس، خلال عام 2016، إلى الإعلان عن خطط للانسحاب من الاستثمار في البلاد، وهي "بي إيه ريسورسز" ومقرها السويد، و"كوبر للطاقة" ومقرها أستراليا، و"ديولكس للطاقة" ومقرها كندا، مع الوضع في الاعتبار وجود شركات دولية خاصة نمساوية وإيطالية لا تزال تواصل عملها في البلاد.

وفي هذا السياق، عقد مجموعة من الوزراء، في 4 إبريل 2017، لقاءات بممثلين عن قوى الاحتجاج في مدينة تطاوين بجنوب البلاد لتحديد أولويات احتياجاتهم، وهو ما يأتي في أعقاب قطع ساكني المنطقة للطرق واعتراض شاحنات تابعة لشركات نفطية، إذ يعاني قاطنو تلك المنطقة من التهميش رغم ثرواتها، الأمر الذي يفسر تعهد المتحدث باسم الحكومة التونسية إياد الداهماني اعتماد شفافية أكبر في التعاقد مع الشركات النفطية العاملة في المنطقة.

استقلال إقليمي:

4- إجراء استفتاء على تبعية الأقاليم الجغرافية: أقر مجلس محافظة كركوك، في 4 إبريل الجاري، إجراء استفتاء في المحافظة بشأن الانضمام إلى إقليم كردستان العراق أو الإبقاء عليها تابعة لبغداد، الأمر الذي يعكس تصاعد الأزمة بين الحكومة والإقليم بشأن تبعية محافظة كركوك الغنية بالنفط. ويبدو ذلك جليًّا في انسحاب النواب الأكراد من جلسة البرلمان العراقي، على خلفية إصدار قرار بإنزال علم كردستان في محافظة كركوك والاكتفاء بالعلم العراقي فقط، على الرغم من تحذير بعثة الأمم المتحدة بالعراق من الإقدام على تلك الخطوة، باعتبار أنها تهدد التعايش السلمي بين المجموعات الدينية والإثنية في كركوك.

ووفقًا للإحصاءات المتوافرة، يتواجد في كركوك ستة حقول نفطية. ويعتبر حقل كركوك ثاني أكبر حقل نفطي في العراق بعد حقل الرميلة، ويوجد به نحو 337 بئرًا، كما يعتبر هذا الحقل خامس أكبر حقل في العالم. ويُقدر حجم الثروة النفطية في كركوك بنحو 13.8 مليار برميل، مشكلا 12% من إجمالي الاحتياطي العراقي من النفط. وتخضع أغلب الحقول النفطية في كركوك لسيطرة شركة "كار" التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. ويتم تصدير نفط كركوك عن طريق أنبوب يربط بين كركوك وميناء جيهان التركي. 

خصخصة المحروقات:

5- احتكار الشركات الخاصة ضخ الموارد النفطية إلى السوق المحلية: وهو ما ينطبق على حال مدينة عدن في اليمن في يناير 2017، حينما امتنعت شركة "رأس عيسى لخدمات النفط والطاقة" عن ضخ مواد نفطية إلى السوق المحلية، لا سيما بعدما طلبت شركة رجل الأعمال أحمد العيسى (المورد الوحيد للمشتقات النفطية لعدن والمحافظات المجاورة لها) من شركة النفط الحكومية المختصة بتوزيع الوقود محليًّا في المحافظات الجنوبية أسعارًا عالية، وهو ما رفضته الشركة الحكومية، الأمر الذي دعا ناصر بن حدور مدير شركة النفط بعدن إلى التقدم بطلب رسمي لرئيس الوزراء اليمني لكسر احتكار استيراد النفط أسوة بالمحافظات اليمنية.

رئات التمويل:

6- توفير الإيرادات المالية: توظف بعض الحكومات العربية العائدات النفطية في تدبير الرواتب، والإنفاق على الصفقات التسليحية، حيث أشار وزير المالية في جنوب السودان، في تصريحات صحفية في 27 يناير 2017، إلى أن بلاده تعتزم زيادة إنتاج النفط إلى أكثر من المثلين ليصل إلى 290 ألف برميل خلال العام المالي 2017-2018، وهو ما يعود إلى رغبة الحكومة في توفير موارد مالية تحتاجها بعد تراجع الإنتاج وهبوط أسعار النفط.

كما أفاد تقرير حديث صادر عن منظمة الأمم المتحدة في مارس 2017 بأن حكومة جنوب السودان تنفق قسمًا ضخمًا من عائداتها من بيع النفط على شراء أسلحة لقوات الجيش وأجهزة الأمن وميليشيات مسلحة، إذ يحصل جنوب السودان على 97% من مداخيله من مبيعات النفط. ووفقًا لآخر تقديرات متوافرة (أكتوبر 2016)، بلغت عائدات النفط لحكومة جنوب السودان نحو 243 مليون دولار.

مراجعة السياسات:

7- مواجهة فشل السياسات النفطية: وجه بعض المسئولين والبرلمانيين العراقيين دعوات لمراجعة السياسات النفطية، لا سيما في ظل غياب دور الشركات الوطنية، وإعادة العمل بشركة النفط الوطنية، بما يؤدي إلى زيادة الإيرادات المالية، خاصة بعد تدني أسعار النفط في الأسواق العالمية، وارتفاع النفقات المالية المتعلقة بالحرب ضد تنظيم "داعش" في مناطق شمال وغرب البلاد.

ويعود هذا التوجه الحاكم للحكومة العراقية لمراجعة سياستها النفطية إلى إهدار ما يقرب من عشرة ملايين دولار يوميًّا، نظرًا لعدم استثمار الغاز الطبيعي المصاحب للحقول النفطية، إذ تغيب الخطط الاستراتيجية عن أجندة الحكومة، على الرغم من شراء الأخيرة الغاز الطبيعي من دول مجاورة.

منصة إقليمية:

8- دعم المكانة الاقتصادية الإقليمية للدولة: يُساهم العامل النفطي في تحسين أوضاع اقتصاديات بعض الدول. وهنا تجدر الإشارة إلى تصريحات وزير النفط العراقي جبار علي اللعيبي، في 27 فبراير 2017، التي أكد فيها أهمية الخروج للمياه الإقليمية لتحديد الاحتياطيات الهيدروكربونية، وبما يُعزز قدرة العراق ومكانتها الاقتصادية إقليميًّا ودوليًّا. ومن الواضح أن الحكومة العراقية رغم ضخامة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها، تضع خططًا لتطوير إنتاج الحقول الكبرى وتجديد أسطول الناقلات الذي تعرض للتدمير منذ عام 1991.

نقاط الاختناق:

خلاصة القول، يُعد النفط محركًا بارزًا في مسار تفاعلات الدول المضطربة، بتأثيره الدافع للتنمية أو المعرقل لبلوغها، يُضاف إلى ما تُعانيه تلك الدول من تفكك نظم، وتمدد فواعل مسلحة عنيفة من دون الدولة، واشتعال صراعات محلية، وتنامي الحروب بالوكالة، وانخفاض أسعار النفط، وتفرض هذه العوامل مجتمعة مخاطر تهدد عبور كميات النفط التي تتدفق من وإلى منطقة الشرق الأوسط، على نحو دعا بعض الكتابات إلى إطلاق تعبير "نقاط الاختناق" عليها، لا سيما أنها معرضة على نحو محتمل للتعطيل بحكم أن خطوط الأنابيب تمر في أراضٍ عدة تُسيطر عليها مجموعات قبلية ومحلية، وقد تستهدف تلك الخطوط جماعات إرهابية، بل يتصاعد اللجوء إلى ما يسمى "مال الحماية" من الجيوش الموازية التي تجول عبر خطوط حدود المنطقة.