أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

وكالة المستقبل:

الساحل الأفريقي: سباق تسلح محموم ونذر حرب بالوكالة يؤججها صراع روسي غربي صامت

22 يوليو، 2024


تشهد منطقة الساحل الأفريقي حاليا سباق تسلح محموما بين عدة دول، من ضمنها موريتانيا ومالي والجزائر والمغرب، وذلك بالتوازي مع ازدياد حدة التوتر في المنطقة التي تشهد نذرا بحروب بالوكالة يؤججها صراع صامت بين روسيا والدول الغربية.

وجاءت الهزات التي شهدتها علاقات مالي وموريتانيا بسبب مطاردات نفذها الجيش المالي مؤخرا بإسناد من ميليشيات فاغنر الروسية، لتلفت الأنظار إلى الحالة العسكرية والأمنية المتوترة جدا بالمنطقة الساحلية التي تثير قلق الاتحاد الأفريقي والدول المجاورة.

فقد شكل اختراق مجموعة فاغنر الروسية للحدود المالية الموريتانية ودخولها إلى أرض موريتانيا، تحديا كبيرا ليس لموريتانيا وحدها بل للدول الغربية التي تعتبر موريتانيا آخر حليف لها مستقر في شبه المنطقة، ولكونه يعتبر ببيان أوضح، «دخولا روسيا إلى بلد متحالف مع الغرب، بل إلى موقع يحسب بلغة التحالفات، منطقة نفوذ بالغة الأهمية بالنسبة للشراكات الغربية مع بلدان ساحل أفريقيا».

وأظهرت المواقف التي عبرت عنها مختلف الأطراف الدولية إزاء اختراق الجيش المالي للمنطقة الحدودية الموريتانية، شدة التنافس على النفوذ بين روسيا والغرب في المنطقة، كما أبرزت حدة الصراع على السيادة والاستقرار الإقليميين.

وقد فسرت هذه الاختراقات بسعي روسي مبطن للوصول إلى المحيط الأطلسي، الذي يشكل بوابة ذات حساسية كبرى بالنسبة للمصالح الغربية.

استعراض موريتانيا لقوتها

ووفقا لمنصة «أتلايار» الإعلامية الدولية، فإن ساسة الغرب يرون أن منطقة الساحل «الحديقة الخلفية لأوروبا» كما يعتبرونها، أصبحت مجالا تدور فيه مقدمات لحروب بالوكالة، وذلك بعد أن تصاعدت مؤخرا التوترات في المنطقة إثر توغلات القوات المالية داخل الأراضي الموريتانية التي كادت أن تؤدي لاشتعال حرب بين البلدين الجارين؛ تلك الحرب التي لو أنها وقعت، لاعتُبِرتْ في عمقها وفي تجلياتها «نمطا من تحارب بالوكالة بين روسيا حليف جمهورية مالي، وموريتانيا التي تصنف حليفةً للغرب».

وعلى مستوى الميدان، قام الجيش الموريتاني لأول مرة بإبراز قوته عبر حزمة جديدة من المعدات العسكرية المتطورة؛ تفقدها الرئيس الغزواني بحضور كبار قادة الجيش والأمن؛ وبهذا الاستعراض تمر موريتانيا بمرحلة تغيير لواجهتها الدفاعية، مع التركيز على الكفاءة وعلى تنوع الأسلحة بدلاً من نهجها القديم القائم على شراء عدد محدود من المعدات العسكرية، وتنفيذ برامج تدريبية ضيقة.

وأدرج مراقبو الشأن العسكري في منطقة الساحل الخطوة الاستعراضية الموريتانية في إطار «خطة أوسع تهدف موريتانيا من ورائها، إلى إظهار قوتها، وإلى كسب المزيد من دعم الحلفاء من أجل منع الأنظمة المستظلة بروسيا والمدعومة، من قبل ذراعها العسكري مجموعة فاغنر، من التغول على موريتانيا ولو تحت ذرائع مكافحة الإرهاب».

سباق التسلح

يُعَد سباق التسلح في منطقة الساحل والصحراء ظاهرة معقدة تشمل عدة دول في المنطقة، بينها موريتانيا ومالي والجزائر والمغرب. فقد دخلت هذه الدول في صفقات لشراء أسلحة حديثة، من ضمنها الطائرات بدون طيار المخصصة للاستطلاع والهجوم، ولحماية المصالح والذود عن السيادة الوطنية وعن طموحات توسيع النفوذ. ويعكس سباق التسلح في حقيقته، تنافسا محموما بين روسيا والغرب في الساحل، وقد يؤدي إلى تصعيد العنف ولزيادة التوترات بين دول المنطقة، بل وإلى تهديد الاستقرار الإقليمي. واستخدمت حكومة جمهورية مالي خلال مطارداتها الأخيرة لمعارضيها المسلحين، طائرات بدون طيار تركية من طراز «بيرقدار» لمكافحة ما تسميه «الحركات الانفصالية». ولسباق التسلح في الساحة الساحلية الصحراوية أيضا، علاقة عضوية بعوامل أخرى بينها الصراع مع المجموعات المسلحة الناشطة وعدم الاستقرار في المنطقة. ومن مظاهر هذا السباق، استخدام حكومة جمهورية مالي خلال مطارداتها لمعارضيها المسلحين، طائرات بدون طيار تركية من طراز «بيرقدار» لمكافحة ما تسميه «الحركات الانفصالية». وأكد استعراض القوة العسكرية الذي قامت به موريتانيا مؤخرا والذي تزامن مع إجراء مناورات حدودية بعنوان «اختبار استعداد الوحدات القتالية وكفاءتها القتالية» أن موريتانيا لن تتسامح أبدًا مع أي محاولة لتوسيع النفوذ الروسي الجديد نحو أراضيها، ذلك النفوذ الذي أصبح حقيقة واقعيةً عبر شراكات موسكو مع حكومات مالي والنيجر وبوركينا فاسو التي أسست مجموعة خاصة بها تسمى «تحالف الساحل». وكشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في الأيام الماضية، عن رغبة موسكو في إرسال المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى بوركينا فاسو، و«ذلك لدعم قدراتها الدفاعية ومساعدتها في مكافحة الإرهاب». ونقلت وكالة «تاس» الروسية عن لافروف قوله إنه «منذ وصول إبراهيم تراوري للسلطة توطدت علاقات بلدينا وشمل تعاوننا مختلف المجالات بما في ذلك تطوير العلاقات العسكرية، والتقنيات العسكرية». وفي إطار هذا السباق، أكد وزير الداخلية في النيجر محمد تومبا «أن بلاده مهتمة بتدريب قوات الأمن المحلية على يد متخصصين عسكريين روس وترغب في شراء أسلحة من روسيا».

تسلح وأرقام

أكد موقع Military Africa وهو موقع متخصص في الشؤون العسكرية الأفريقية، «أن عدد الطائرات بدون طيار في ترسانة الجيش الموريتاني، يبلغ حوالي 4 وحدات، ما يضعها في المرتبة الـ 28 على مستوى أفريقيا والأخيرة على مستوى المغرب العربي». ويشير التقرير إلى «أن المغرب يتصدر دول المغرب العربي من حيث امتلاك الطائرات بدون طيار 233 طائرة، يليه الجزائر بـ 121 طائرة، وتونس بحوالي 59 طائرة. ويستخدم المغرب على نطاق واسع الطيارات بدون طيار في توجيه ضربات إلى الصحراويين في عمليات تضرر منها المنقبون الموريتانيون الناشطون بمحاذاة الحدود الموريتانية الصحراوية.

الحضور الروسي المزداد

لم تتمكن أوروبا، وخاصة فرنسا، من إدارة الوضع بمنطقة الساحل الذي دخل حالة انحراف خطير منذ ما يقرب اثني عشر عامًا، والذي يستمر تدهوره سنة بعد أخرى. وخلال هذه الفترة، استفادت روسيا من الوضع القائم فدخلت على الخط مستغلة خلو المنطقة، حيث واصلت نشاطها بشكل لم يحظَ بالمتابعة الكافية إلى أن لفت النزاع في أوكرانيا الأنظار إليه. وترتكز أسس استراتيجية التدخلات الخارجية الروسية على «عقيدة بريماكوف» التي سميت باسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق يفغيني بريماكوف؛ وعلى الرغم من أن بريماكوف تخصص في العالم العربي لصالح جهاز الاستخبارات السوفيتي «كي جي بي» خلال الحرب الباردة ولصالح جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي «إس في آر» ووزارة الخارجية فيما بعد، فإن سياساته تنطبق على أفريقيا جنوب الصحراء أيضًا. وتقوم هذه العقيدة، التي طُورت في أواخر التسعينيات، على التعددية القطبية، وإسقاط القوة، واستخدام المنافسات الداخلية وصراعات السلطة كوسائل لتحقيق الأهداف.

عودة الدب إلى أفريقيا

تؤكد منصة «افروبوليسي» المتخصصة، في دراسة تحليلية لها عن الوجود الروسي في منطقة الساحل الأفريقي «أن الحضور الروسي في أفريقيا بصفة عامة ليس وليد اليوم؛ بل هو امتداد لعلاقات روسية أفريقية سُجّلت منذ القرون الوسطى عندما حطّت مجموعة من البحارة والمستكشفين الروس رحالهم على مشارف بعض الدول الأفريقية كالكونغو الديمقراطية والمغرب العربي وجمهورية مصر؛ وفي عام 1898 توسّعتْ علاقات روسيا الدبلوماسية لتشمل كل من أثيوبيا، والمغرب وجنوب أفريقيا».

وفي عام 2007 وخلال مؤتمر ميونيخ للأمن، شدد بوتين على أهمية هذه العقيدة «البريماكوفية»؛ مشيرًا إلى «أن روسيا يجب أن تعيد تأكيد نفسها على الساحة الدولية، وأن تتحدى النظام العالمي القائم من خلال إعادة الانخراط في المجالات التي كانت موسكو قد تخلت عنها في التسعينيات».

ولهذه «العودة» إلى القارة الأفريقية هدف اقتصادي واضح، رغم أنه ليس الدافع الوحيد؛ ذلك أن روسيا تحتاج إلى الوصول إلى الموارد الطبيعية الهامة في أفريقيا من خلال استهداف دول ذات حكومات ضعيفة لكنها غنية بموارد ثمينة مثل النفط، والمنغنيز، واليورانيوم، والذهب. وبأسلوب عمل روسي فريد من نوعه، تسعى موسكو، وفقا لمنصة «أتلايار» الإعلامية، بدلاً من الحصول على مقابل ثابت متفق عليه مسبقًا للمساعدة التي تقدمها لهذه الحكومات، للحصول لوصول غير محدود إلى الموارد الطبيعية، أو لتوقيع عقود تجارية، أو لاستغلال منشآت ذات استخدام متعدد مثل القواعد الجوية والموانئ. وبهذه الطريقة، يتم ضمان وصول روسيا إلى النقاط التي توجد فيها هذه الموارد، مع الاستفادة الجيوسياسية من احتلال نقاط ذات أهمية استراتيجية.

الكرملين وتوسيع النفوذ

منذ بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لم تتوقف روسيا عن توسيع نفوذها في أفريقيا. ويمثل هذا التطور قطيعة مع النهج التقليدي التاريخي لموسكو تجاه القارة، والذي كان يركز على التعاون الاقتصادي والمساعدة التقنية. وتتميز الشراكة الجديدة لروسيا مع أفريقيا باهتمام خاص بالمناطق التي تشهد صراعات وأزمات حكومية منذ العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لا سيما في منطقة الساحل، حيث يُلاحظ أيضًا تزايد المشاعر المعادية لفرنسا وأوروبا.

فاغنر الذراع النشط

ولعل العنصر الرئيسي في هذا التغيير هو الأهمية المتزايدة لمجموعة فاغنر، وهي منظمة شبه عسكرية تقدم دعما عسكريا مدفوعا لأنظمة شمولية وهو ما يشكل تحديا أمام بناء الدولة والحوكمة الديمقراطية في البلدان التي تعمل فيها. ويدور الجدل منذ بعض الوقت حول ما إذا كانت هذه المجموعة تتوافق مع المفهوم التقليدي للشركة العسكرية الخاصة أو أنها تعتبر جهة حكومية فاعلة، وقد أثير هذا الجدل من قبل عدد من المحللين؛ ومع ذلك، فإن الرأي السائد هو أن حقيقة فاغنر لا تتفق مع معايير الشركة العسكرية النموذجية الخاصة، لأنها في العادة كيانات غير حكومية تقدم خدمات عسكرية وأمنية للكيانات القانونية وللأفراد ولبعض الدول. وعلى الرغم من أن فاغنر تقدم نفسها كمنظمة خاصة، إلا أنها تمثل إحدى أكثر الوسائل تطوراً لممارسة النفوذ الروسي على القارة، وهي مرتبطة بشكل وثيق بالدولة الروسية على مستوى استراتيجي. وكشفت وثائق داخلية مسربة في عام 2019 عن خطة فاغنر الخاصة بممارسة النفوذ في أفريقيا، أن أحد أهداف المجموعة هو «الضغط» على القوى الغربية لمغادرة المنطقة وتعطيل الحركات السياسية المؤيدة للغرب، وهو ما يبدو أن المجموعة استطاعت تحقيقه بمستوى نجاح يتجاوز المقبول.

وتتمثل استراتيجية المجموعة، كما لوحظ من خلال مهمتها بجمهورية مالي، في تقديم مجموعة من الخدمات التي تهم القادة المستبدين، بما في ذلك توظيف قوات مدفوعة الأجر للمساعدة في تأمين السيطرة على الأراضي، ومحاربة الجماعات الجهادية التي تعمل في المنطقة بسرعة، وذلك بدعم من استراتيجيين سياسيين قادرين على تأجيج الإشاعات التحريضية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى نشر المعلومات المضللة. ولا تقتصر المكافآت التي تتلقاها فاغنر على المنافع التجارية، بل تشمل أيضًا الوصول إلى الموارد الطبيعية، وخاصة تلك المتعلقة بالتعدين. وقد بات من الواضح أن المجموعة ليست شركة عسكرية خاصة تقليدية، بل «أداة من أدوات الترسانة العسكرية غير التقليدية أو «الهجينة» للرئيس بوتين» وفقا لمنصة «أتلايار» الإعلامية.

فغنرة أفريقيا

تتركز أنشطة فاغنر في أفريقيا على ضمان استمرارية الأهداف التاريخية لروسيا، وعلى تحقيق الأهداف الحالية للسياسة الخارجية الروسية المركزة على حماية مصالح روسيا المتجددة في منطقة الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء. وتركز منظمة فاغنر على الدول ذات الحكومات الضعيفة والديمقراطيات الهشة، وتستجيب لمطالب الأمن من حكومات هذه الدول، خاصة عندما تشعر هذه الحكومات بأن الدول الغربية لم تقدم لها الدعم الكافي. وتتدخل المنظمة لمساعدة القادة العسكريين المحليين المدعومين من روسيا ضد الجماعات المتمردة التي تسعى إلى تغيير النظام، بمقابل كبير هو تمكين مجموعة فاغنر من استخراج الموارد لمصلحتها الاقتصادية والوصول إلى المواد الخام والموارد القيمة، والتي توجه في نهاية المطاف إلى روسيا، بما يضمن منع وصول أوروبا إلى هذه الموارد، مما يشكل فائدة مزدوجة لموسكو.

تكالب دولي غير مسبوق من كل ما سبق، يتضح «أن التدافع على النفوذ في منطقة الساحل في عام 2024 يعكس تفاعلاً معقداً بين المنافسة الدولية، في ظل عودة الانقلابات العسكرية وإعادة التنظيم الاستراتيجي للقوى العالمية».

ويؤكد مركز المستقبل للدراسات والبحوث المتقدمة في معالجة تحليلية له «أن الأهمية الجيوسياسية لمنطقة الساحل، إلى جانب المصالح الاقتصادية والديناميكيات المتطورة للقوة العالمية، تشكل ملامح التكالب الدولي الجديد في المنطقة». ومن ناحية أخرى، يضيف المركز، برزت روسيا كفائز كبير، مستفيدة من نهج القوة الناعمة والاستياء المتزايد من السياسات الغربية.

ويسهم موقف موسكو بعدم التدخل، إلى جانب المساعدة في تقديم الأسلحة والأمن والغذاء، في زيادة نفوذها في منطقة الساحل. وتعكس الصين، حليفة روسيا، استراتيجية مماثلة، إذ تضع نفسها كأكبر مستثمر أجنبي في أفريقيا وتكتسب السيطرة على سوق النفط في منطقة الساحل من خلال الاستثمارات الاستراتيجية في تشاد والنيجر.

عبد الله مولود

*لينك المقال في وكالة المستقبل*