أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

مصالح متداخلة:

دوافع انفتاح إيطاليا على شرق ليبيا بعد زيارة حفتر لروما

11 مايو، 2023


قام قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، في 3 مايو 2023 بزيارة لروما، استمرت ثلاثة أيام، عقد خلالها لقاءات مطولة مع رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، ومسؤولي الحكومة الإيطالية، ومن بينهم وزير الخارجية، أنطونيو تاياني، والداخلية، ماتيو بيانتيدوزي، والدفاع، غويدو كروسيتو. 

ملفات عديدة

جاءت زيارة حفتر إلى روما بناءً على دعوة من الحكومة الإيطالية، وتُعد الزيارة هي الأولى لقائد الجيش الوطني الليبي إلى إيطاليا منذ نوفمبر 2018. وتتمثل أبرز الملفات التي ناقشها حفتر في روما في التالي: 

1- تفاقم أزمة الهجرة غير الشرعية: يشكل ملف الهجرة غير الشرعية أحد أبرز أولويات ميلوني، منذ وصولها للسلطة نهاية 2022. وتزايد اهتمام روما بهذا الملف بسبب تصاعد وتيرة تدفق المهاجرين غير الشرعيين من سواحل شمال إفريقيا، ولاسيما ليبيا التي باتت تمثل نقطة العبور الرئيسة الثانية بعد تونس، لموجات الهجرة نحو القارة الأوروبية. وهناك مخاوف من زيادة المهاجرين بسبب الصراع الجاري في السودان، ناهيك عن الزيادة الملحوظة في تدفقات الهجرة من منطقة الساحل والصحراء.

ورصدت تقارير إيطالية زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادمين من السواحل الليبية، ولاسيما من شرق البلاد، فوفقاً لتقارير وزارة الداخلية الإيطالية، وصل حوالي 16600 مهاجر غير شرعي إلى إيطاليا من السواحل الليبية، وذلك منذ بداية عام 2023 وحتى مطلع مايو من نفس العام، مقارنة بنحو 6200 فقط في الفترة ذاتها من عام 2022، في زيادة تقدر بنحو 166%. وأعلن المكتب الإعلامي لحفتر أن الأخير ناقش مع وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوزي، تعزيز التعاون المشترك بين الجانبين في الملف الأمني ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

2- تأمين حدود ليبيا الجنوبية: ركزت مباحثات حفتر – ميلوني أيضاً على الصراع الجاري في السودان، وانعكاساته على ليبيا، فثمة قلق غربي متنامٍ من تمدد القتال الراهن في الخرطوم نحو دول الجوار السوداني، خاصة ليبيا، حيث يعاني الجنوب الليبي من حالة سيولة أمنية حادة تجعله بيئة مواتية للعناصر المتقاتلة في السودان للتوسع نحوه واتخاذه ركيزة لهجماتها. 

وأجرى حفتر نقاشات مع وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروسيتو، بشأن تشكيل لجان مشتركة تتولى مسؤولية تأمين ومراقبة الحدود الجنوبية لليبيا، ورأى البعض أن هذه المناقشات تتعلق بالأساس بالقوات المشتركة التي يسعى قادة شرق وغرب ليبيا إلى تشكيلها في الجنوب لفرض الأمن هناك، وذلك كخطوة تمهيدية لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، لذا تتوقع هذه التقديرات أن تسعى روما للانخراط في دعم هذه القوة المرتقبة، في محاولة لإيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة. 

3- التحضير للانتخابات الليبية: أعلنت روما دعمها الجهود الأممية الراهنة، والتي تستهدف إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال العام 2023، إلا أن هناك شكوكاً إيطالية متزايدة في مدى نجاح هذه المساعي الأممية. ومع ذلك، سوف تسعى روما لدعم أي ترتيبات مقبلة تتعلق بملف الانتخابات، وذلك بهدف ترسيخ سلام دائم في ليبيا يضمن حماية مصالح روما هناك.

مصالح متشابكة

ربطت العديد من التقارير الإيطالية زيارة حفتر إلى روما بشبكة المصالح المتشابكة التي تربط إيطاليا بحفتر، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- توطين محتمل للمهاجرين بالجنوب: تزامنت زيارة حفتر إلى إيطاليا مع إعلان منظمة "آرا باتشي للسلام" الإيطالية عن تدشين مركز الصحراء للسلام بمدينة سبها في جنوب ليبيا، بغية تعزيز اندماج المهاجرين داخل السكان المحليين في جنوب ليبيا. 

وأثارت هذه الخطوة سخطاً محلياً، حيث عدها الليبيون بمثابة مساعٍ إيطالية لتوطين المهاجرين غير الشرعيين في جنوب ليبيا، خاصة وأنها تأتي بعد قرابة شهر واحد من تحذير روما بشأن استعداد آلاف المهاجرين الأفارقة الموجودين في ليبيا لشق طريقهم نحو السواحل الإيطالية، ما دفع الحكومة الإيطالية إلى إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أسابيع لصد تدفقات الهجرة غير الشرعية المتوقعة.

ومن جهة أخرى، هناك مخاوف إيطالية متزايدة من نشاط "فاغنر" الروسية في ليبيا، وهو ما وضح في تصريح وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروسيتو، بأن هناك حرباً هجينة تشنها "فاغنر" ضد روما، تستهدف زيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيين نحو إيطاليا، لذا تسعى الأخيرة إلى التنسيق مع الجيش الليبي لضبط وتأمين حدودها.

2- تسوية أزمة العوائد النفطية: هناك انزعاج من جانب حفتر بشأن نقص التمويل الناجم عن التوزيع غير العادل لعائدات النفط والغاز، وهو ما عكسته تصريحاته الأخيرة التي حذر خلالها من تداعيات ذلك. 

وعلى الرغم من علاقة حفتر الوثيقة برئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، بيد أن المعضلة تتعلق بالأساس بالمصرف المركزي في طرابلس، برئاسة محافظه الصديق الكبير، الذي يشكل حجر عثرة أمام توافر السيولة الكافية لقائد الجيش الليبي. 

ويعول حفتر على إقناع روما للضغط على حكومة الدبيبة ومصرف ليبيا المركزي لتوفير التمويل اللازم للجيش الليبي، في ظل الشراكة الاقتصادية الواسعة التي تربط إيطاليا بقوى الغرب الليبي.

3- ترسيخ دور حفتر في الملف الليبي: تأتي زيارة حفتر إلى روما في إطار مساعي الأول لترسيخ دوره في الملف الليبي، خاصة بالنسبة لأوروبا، وهو ما يتزامن مع التحركات الأمريكية المكثفة خلال الفترة الأخيرة لإقناع حفتر بفك الارتباط بـ"فاغنر" الروسية. وأسهم انفتاح واشنطن على حفتر في تعزيز نفوذه. ويبدو أن حفتر يسعى لمواصلة انفتاحه على القوى الغربية الفاعلة في الملف الليبي. 

4- انفتاح إيطالي على شرق ليبيا: تعكس زيارة حفتر إلى إيطاليا تحوّلاً نسبياً في سياستها إزاء ليبيا، فقد ركزت خلال السنوات الأخيرة على تعزيز علاقاتها بطرابلس، غير أن ميلوني تتبنى سياسة مغايرة تقوم على الانفتاح على كافة الأطراف الليبية، وهو ما يفسر دعوة ميلوني حفتر لزيارة روما، في محاولة لتجنب إظهار دعم إيطالي كامل لحكومة الدبيبة في غرب ليبيا على حساب قوى الشرق والجيش الوطني، خاصة وأن ميلوني كانت قد أجرت زيارة إلى طرابلس في يناير 2023، التقت خلالها برئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته، عبدالحميد الدبيبة. وكان يفترض أن تعقد ميلوني أيضاً اجتماعاً مع حفتر أثناء هذه الزيارة، بيد أن هذا الاجتماع تم تأجيله لأسباب غير معلنة.

5- تأمين إمدادات الطاقة لروما: تمتلك روما مصالح اقتصادية واسعة في ليبيا، خاصة فيما يتعلق بصفقات النفط والغاز التي أبرمتها إيطاليا مع حكومة الدبيبة، حيث تعول روما كثيراً على إمدادات الغاز من ليبيا لتعويض إمداداتها السابقة من روسيا. وكانت شركة "إيني" الإيطالية وقعت على اتفاق جديد بشأن الغاز مع شركة النفط والغاز الوطنية الليبية باستثمارات تبلغ حوالي 8 مليارات دولار، وذلك خلال زيارة ميلوني الأخيرة إلى ليبيا.

لذا تستهدف إيطاليا تأمين هذه الإمدادات والحيلولة دون تعطيل عملية التصدير بسبب التوترات الداخلية التي تشهدها ليبيا بشكل متكرر، واحتمالية أن يعمد حفتر إلى تكرار محاصرة الموانئ النفطية لإجبار حكومة الدبيبة على زيادة نصيبه من الموازنة الليبية، الأمر الذي سيؤثر كثيراً في إمداداتها من الطاقة.

انعكاسات محتملة

في إطار زيارة حفتر الأخيرة إلى إيطاليا، هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تتمخض عن هذه الزيارة، ويمكن عرضها على النحو التالي:

1- تصاعد التنافس الفرنسي الإيطالي: يرجح أن تفضي الزيارة إلى تصاعد التوتر الإيطالي الفرنسي في ليبيا، وهو ما انعكس في اتهام وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، للحكومة الإيطالية بالفشل في التعامل مع الهجرة غير الشرعية، وذلك في أعقاب اللقاءات التي عقدها نظيره الإيطالي مع حفتر، كما ألغى وزير الخارجية الإيطالي زيارته المقررة إلى باريس في 4 مايو 2023.

وتأتي هذه التوترات بالتزامن مع استعداد باريس لاستضافة مؤتمر ليبي يجمع القادة العسكريين من شرق وغرب البلاد، في محاولة لتعزيز الدور الفرنسي هناك، عبر دعم الجهود الراهنة لتشكيل جيش ليبي موحد. 

كما عمد الملحق العسكري الفرنسي في ليبيا إلى عقد اجتماع مع رئيس أركان الجيش الوطني الليبي، عبدالرزاق الناظوري، وهو ما يُعد مؤشراً آخر على احتدام التنافس الإيطالي الفرنسي في ليبيا. ويبدو أن هناك قلقاً فرنسياً متنامياً من تحركات روما لتعزيز نفوذها في ليبيا، حيث تنظر باريس إلى هذه التحركات باعتبارها تهديداً لجهود مبعوث فرنسا في طرابلس، بول سولير، لتعزيز النفوذ الفرنسي في ليبيا ومحيطها الإقليمي. وثمة قناعة فرنسية أن زيارة حفتر إلى روما تأتي في إطار مساعي روما لإضعاف النفوذ الفرنسي هناك.

2- اتفاق محتمل لضبط الهجرة غير الشرعية: رجحت تقارير إيطالية احتمالية اتجاه حكومة ميلوني لتوقيع اتفاق مع حفتر لضبط الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من سواحل شرق ليبيا، على غرار اتفاق حكومة الوفاق الوطني السابقة مع وزير الداخلية الإيطالي السابق، ماركو مينيتي، عام 2017، حيث تم الاتفاق آنذاك على تشكيل غرفة مشتركة بين الجانبين لمكافحة الهجرة غير الشرعية.

وفي الختام، يبدو أن المتغيرات الإقليمية الراهنة في السودان والساحل الإفريقي ربما تدفع الفواعل الدولية إلى إعادة هيكلة علاقاتها بأطراف الأزمة الليبية والانفتاح على مختلف الأطراف الداخلية لتأمين مصالحها، وهو ما قد يفضي إلى بلورة توازنات جديدة، فضلاً عن تكثيف التحركات الغربية لتأمين وجود لها في جنوب ليبيا، وذلك لحصار النفوذ الروسي في ليبيا والسودان.