أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

"هوية يوروبا":

هل يتمكن "النازيون الجدد" من اختراق حزب ترامب؟

04 نوفمبر، 2018


شهدت الحملات الانتخابية لمرشحي الحزب الجمهوري خلال الفترة السابقة لانعقاد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، ظهورًا لافتًا لجماعات النازيين الجدد واليمين المتطرف، وفي صدارتها جماعة "هوية يوروبا" التي لم يُبدِ قادتها أي تردد في إعلان معتقداتهم العنصرية، وسعيهم لاختراق الحزب الجمهوري، بالإضافة إلى دعمهم القاطع لسياسات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تجاه المهاجرين، وحرية التجارة، وعدائهم المعلن لليبراليين والأقليات والأجانب.

عقيدة "التطرف العنصري": 

تعد "هوية يوروبا" IDENTITY EVROPA  منظمة نازية أمريكية تأسست في مارس 2016، حيث تؤمن هذه المنظمة بتفوق القومية البيضاء على بقية القوميات والأعراق، ويشيد أعضاؤها دومًا بألمانيا النازية، ويدعون صراحة إلى "جعل أمريكا نازية"، ويرفعون رايات الصليب المعقوف، لذا تم تصنيفها من قِبَل رابطة مكافحة التشهير ومركز قانون الفقر الجنوبي أمريكي بأنها "مجموعة كراهية".

كما تدعي هذه المنظمة أنها تهدف إلى الحفاظ على "الهُوية الأمريكية البيضاء، والترويج للثقافة الأوروبية البيضاء"، وتؤكد دائمًا أن أمريكا قد تم تأسيسها من قبل البيض لخدمة البيض، ولم يكن القصد منها أن تكون مجتمعًا متعدد الأعراق أو متعدد الثقافات، وقد تأسست على يد "ناثان داميجو"، وهو من قدامى المحاربين في حرب العراق، كما قضى خمس سنوات في السجن لسرقة رجل يُعتقد أنه عراقي، وتم إطلاق سراحه في عام 2014 وقاد لفترة وجيزة الجبهة الوطنية للشباب في حزب الحرية الأمريكي العنصري، وبعد حل الجبهة قام بتشكيل هذه المنظمة في 2016.

وتحاول هذه الحركة الابتعاد عن الأحداث التي يُمكن أن تشوه صورتهم وتضعهم في مشكلة قانونية، لا سيما بعد مسيرة "توحيد اليمين" في "شارلوتسفيل" التي شاركوا فيها وتسببت في اندلاع أعمال شغب. وفي إطار سعيهم لتحسين صورتهم استقال "ناثان داميجو" في أغسطس 2017 دون توضيح أسباب، وعُيِّن مكانه "إليوت كلاين" الذي لم يستمر سوى ثلاثة أشهر واستقال نتيجة وجود "اختلافات غير قابلة للتسوية" حسبما أعلنوا، ثم تولى بعده "باتريك كيسي" منذ نوفمبر 2017 حتى الآن.

وتقوم المنظمة بنشر أفكارها والدعاية لها عبر الإنترنت، لا سيما من خلال صفحتهم الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، مع توزيع المطبوعات والملصقات واللافتات، خاصة في حرم الجامعات لتجنيد الشباب.

وتتخذ المنظمة من مقولة "لن تحل محلنا" شعارًا رسميًّا لها، وقد اختارت المنظمة "لوجو" لها عبارة عن عين تنين زرقاء أو بيضاء، وهو رمز أوروبي قديم يمثل الخيار بين الخير والشر. كما تستعمل المنظمة صور تماثيل أوروبية قديمة في حملاتها الدعائية، وعادة ما تكون هذه الصور مصحوبة برسائل قومية عرقية مثل: "مصيرنا لنا"، "مستقبلنا يخصنا"، "فقط يمكننا أن نكون نحن"، "دعونا نصبح عظماء مرة أخرى"، "اخدم شعبك"، و"احمِ تراثك".


وهو ما يعكس أحد أبرز معتقدات المنظمة الذي يتمثل في أنه ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية ضد الآخر غير الأمريكي وغير الأبيض، فإن العرق الأبيض محكوم عليه بالانقراض بسبب تزايد أعداد الملونين في أمريكا بمن فيهم اليهود، حيث سبق وأن صرح مؤسس المنظمة "ناثان داميجو" بأن "قوة ونفوذ اليهود كانت لها تأثيرات سلبية غير عادية على الشعوب الأوروبية الأصل".

كذلك تتخذ المنظمة موقفًا معاديًا للمسلمين والمهاجرين، حيث شاركت في العديد من الاحتجاجات ضدهم رافعة شعارات "أمريكا أولًا" و"أنهوا الهجرة"، وفي محاولة لزيادة عدد المنضمين لها تحالفت المنظمة مع بعض الحركات اليمينية المتطرفة في أوروبا، بيد أنه في مارس 2018 شهدت المنظمة انخفاضًا حادًّا في العضوية نتيجة لردود الفعل الشعبية واسعة النطاق ضد النازية الجديدة والتفوق الأبيض منذ مسيرة شارلوتسفيل.

اختراق "الحزب الجمهوري":

يؤمن "باتريك كيسي" وزملاؤه في المنظمة بأن التنوع العرقي قد أضر بالبلاد، حيث أشارت المنظمة أكثر من مرة إلى أن العديد من الدراسات تؤكد أن التنوع العرقي ضار جدًّا بالتماسك الاجتماعي ورأس المال الاجتماعي، وذلك على حد زعمهم، لذا فإن المنظمة تدعو إلى السماح للقوقازيين فقط بالهجرة إلى الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على "أغلبية عظمى بيضاء".

ومنذ تولي "باتريك كيسي" قيادة المنظمة في نوفمبر 2017، سعى إلى تركيز نشاط المنظمة على الداخل وتراجع قليلا عن التعاون مع الجماعات القومية في الخارج، وذلك لتحسين صورة المنظمة لدى الرأي العام الأمريكي، وفي هذا الإطار، سعى بعض أعضاء المنظمة إلى محاولة الدخول للحزب الجمهوري والتأثير على سياساته.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، حث "كيسي" أعضاء المنظمة على التوجه للجامعات والمدارس في مختلف الولايات الأمريكية والتقرب من شباب الحزب الجمهوري، وحضور اجتماعاتهم، والمشاركة في نواديهم، والتفاعل مع أنشطتهم ونقاشاتهم، وهو ما يعني محاولتهم زرع أعضاء المنظمة وسط شباب الجامعات الجمهوريين والتأثير على أفكارهم. فعلى سبيل المثال، تمكنوا من التأثير على "جايمس أولسوب" الرئيس السابق لجمعية "الطلاب الجمهوريين" في جامعة ولاية واشنطن، والذي تولى بعد ذلك منصب مسئول مقاطعة منتخب للحزب الجمهوري في مقاطعة ويتمان بواشنطن، وهو ما اتضح من خلال آرائه التي أصبحت متطرفة ضد الأقليات، وقيامه ببناء نموذج لـ"جدار ترامب" داخل الحرم الجامعي.

وهو ما أدى إلى توبيخ قوي له من قبل بعض المسئولين الجمهوريين المحليين، وهو ما دفع واحدة من كبار مسئولي الحزب في مقاطعة سبوكان بواشنطن بعدما ظهر لها فيديو وهي تدافع عن "أولسوب" في أحد اجتماعات الحزب. وقد اعتبر "باتريك كيسي" رئيس المنظمة أن ما قام به "أولسوب" خطأ فادح، حيث عبر عن أفكاره بشكل علني، وأن ما يهم في الوقت الحالي هو حصول أعضاء المنظمة على مناصب داخل الحزب الجمهوري دون معارضة، وذلك على حد تعبيره.

ومن ثمّ، يتضح أن استراتيجية "كاسي" للولوج داخل الحزب الجمهوري تعتمد على تجنيد شباب الجامعات والمدارس من خلال اتباع فلسفة قائمة على الاعتزاز بالهُوية الأمريكية، والتأكيد عليهم بأنهم أصحاب هوية Identitarians وليسوا عنصريين Racist، وعليهم أن يسعوا لاختراق الحزب الجمهوري وتولي مناصب بداخله، دون الإعلان صراحة عن وجهات النظر المتطرفة التي تتبناها المنظمة حول المهاجرين وغير البيض، وإنكار انتمائهم لهذه المنظمة حتى لا يتم رفضهم.

احتمالات "اختطاف اليمين": 

في أعقاب أحداث شارلوتسفيل، أصدر الحزب الجمهوري بيانًا يتبرأ فيه من أعمال هذه المنظمة وغيرها، حيث أكد أن "المعتقدات العنصرية للنازيين الذين يميلون إلى التفوق الأبيض، وغيرها من الجماعات ذات العقلية المتشابهة، لا تتفق تمامًا مع برنامج الحزب الجمهوري الذي ينص على أن جميع الأمريكيين متساوون أمام القانون، وأن أجندتهم العنصرية ليس لها مكان في الولايات المتحدة"، وبالرغم من ذلك فإن هذه المنظمة لا تزال تسعى بشكل مكثف لاختراق الحزب الجمهوري لتنفيذ أفكارها المتعلقة بالهجرة وتفوق العرق الأبيض.

كما تحاول استغلال السياق العام الاستقطابي، وتقوم بدعم الخطاب الإقصائي، مع تنظيم حملات دورية تدعو لبناء الجدار على الحدود الأمريكية، ووقف الهجرة بكافة أشكالها، مع استخدام مصطلحات تخاطب المشاعر القومية العنصرية، وتثير التخوفات العرقية. فعلى سبيل المثال، أشار "كاسي" في أحد خطاباته إلى "أنه من المتوقع بحلول عام 2045 أن يصبح البيض هم الأقلية".

من جانب آخر، تعتمد المنظمة على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل مكثف، حيث يتابع صفحة المنظمة على تويتر أكثر من 30 ألف شخص، ويتم من خلال هذه الصفحة نشر أفكار المنظمة، وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" في أحد تقاريرها المنشورة في أكتوبر 2018 إلى أن المنظمة بدأت تعتمد على بعض الشبكات المؤيدة لليمين للترويج لأفكار هذه المنظمة.

ويتصاعد نشاط المنظمة في الفترة الأخيرة مع قرب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر 2018، حيث يرغبون في حصول الحزب الجمهوري على أكبر عدد ممكن من المقاعد، بيد أن تأثير هذه المنظمة لا يزال محدودًا، لا سيما وأن العديد من الجمهوريين مستاءون من هذه الآراء شديدة التطرف والعنصرية، كما أن الحزب لا يرحب بالعنصرية العلنية التي قد تؤدي لخسارته عددًا كبيرًا من مؤيديه، بيد أنه يتضح من خلال مراجعة برامج بعض المرشحين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي تبنيهم لخطاب أكثر تشدداً فيما يتعلق بالهجرة والأقليات، والتجارة الخارجية إلى درجة تقاربه مع خطاب اليمين المتطرف.

يضاف إلى هذا أن معظم المنتمين لهذه المنظمة لهم سوابق إجرامية بمن فيهم مؤسس المنظمة نفسه، وكذلك الرئيس الحالي لها، وليس من المرجح أن يقبل الحزب الجمهوري بأن يضم داخله أعضاء لهم سوابق إجرامية قد تؤثر على مصداقيته وشعبيته في الداخل الأمريكي، كما ستثير عاصفة من الانتقادات ضده هو في غنى عنها.

من ناحية أخرى، كان لأحداث شارلوتسفيل دور هام في تقويض شعبية تلك المنظمة، خاصة مع ما أدت إليه من أعمال شغب أسفرت عن العديد من الإصابات، وهو ما أثار القلق من تزايد شعبية جماعات الكراهية وأفكارها العنصرية التي تعزز من الاستقطاب المجتمعي، وتؤدي للإضرار بالنموذج التعددي الأمريكي.

ختاماً على الرغم من التأثير التنظيمي المحدود لجماعات اليمين العنصري والنازيين الجدد على الحزب الجمهوري وعدم قدرتهم على الهيمنة عليه كمؤسسة إلا أنهم تمكنوا بالفعل من إعادة هندسة العقائد السياسية السائدة بالحزب بحيث أصبح بعض أعضاء الحزب في انتخابات التجديد النصفي أكثر تشدداً في قضايا الهجرة والتجارة الخارجية والتعامل مع الأقليات، كما تم إدماج أفكار وأطروحات اليمين المتطرف ضمن الأجندة السياسية والبرامج الانتخابية للحزب الجمهوري وهو الأثر الذي سوف يتسبب في تحولات عميقة في بنية الحزب على المدى البعيد.

* تم الاعتماد في استخلاص طريقة نطق المنظمة "يوروبا" على تصريحات قادتها لوسائل الإعلام، وتغطية وسائل الإعلام الأمريكية، ولمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي:  

https://goo.gl/N7UXpo