أخبار المركز
  • يشارك مركز "المستقبل" في الدورة الـ33 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في الفترة (29 إبريل - 5 مايو 2024)، وجناحه رقم C39 في القاعة 9
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد 36 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • صدور العدد السادس من "التقرير الاستراتيجي" بعنوان "حالة الإقليم: التفاعلات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط 2024"
  • محمد خلفان الصوافي يكتب: (منتدى الخليج وأوروبا.. دبلوماسية جماعية للتهدئة الإقليمية)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)

تحدي التمويل:

دور مجموعة العشرين في سد فجوات التنمية في إفريقيا

07 نوفمبر، 2023


عرض: سالي يوسف

تواجه الدول الإفريقية تحديات عديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة من قبيل انكماش الاقتصاد العالمي وتضاءل معدلات النمو الاقتصادي والتغيرات المناخية، فضلاً عن ارتفاع كلفة رأس المال والقيود الحكومية. في هذا الإطار، تستعرض مجموعة العشرين في تقريرها الصادر في يونيو 2023 دور التعاون والشراكات الدولية في تحسين الأثر الإنمائي وسياسات الاستدامة الذاتية في إفريقيا. إذ يبلور التقرير، الذي كتبه باكاري تراوري وريتا داكوستا ودافنا مزاوزي، معاناة الدول الإفريقية من تزايد عبء الديون بشكل متسارع، وتحملها لتكاليف اقتراض أعلى في ظل تضاءل النمو الاقتصادي العالمي، وتحديات مواجهة تغير المناخ.

وسلط التقرير الضوء على التباينات الدولية المستمرة في تقديم التمويل المالي لإفريقيا لدعم سياسات التنمية، وعلى الدعوات الأخيرة التي أطلقها الزعماء الأفارقة لتحسين قواعد الحوكمة العالمية، والتي من شأنها أن تعزز قدرات إفريقيا على الاستفادة من أدوات التمويل الحالية. وتناول التقرير أيضاً دور مجموعة العشرين في تحقيق التعاون والشراكات الدولية، والحد من تصور المخاطر الزائد، هذا بالإضافة إلى دور وكالات التصنيف الائتماني في رسم صورة أفضل لمستقبل إفريقيا نحو التنمية المستدامة. 

تمويل التنمية المستدامة:

تناول التقرير التغير الواقع على أجندة التنمية والتمويل العالمي منذ توافق آراء مونتيري عام 2002، مشيراً إلى أن العام 2015 كان علامة بارزة في تطور الإطار العالمي لتمويل التنمية المستدامة، خاصة مع التوقيع على خطة عمل أديس أبابا، والاستراتيجية الموجهة للتنمية المستدامة، والأهداف الإنمائية (SDGS)، واتفاقية باريس للمناخ. مؤكداً أنه خلال هذا التطور، اتحدت آليات التعاون الدولي التقليدية مع الآليات الجديدة، بهدف تطويع الدعم المالي للتحديات العالمية الجديدة، ولاسيما مع تزايد ظهور الجهات الفاعلة الإضافية خلال فترة وباء "كورونا".

فعلى الصعيد العالمي، أكد التقرير أن فجوة تمويل أهداف التنمية المستدامة، منذ تفشي الوباء، اتسعت على الأقل من 2.5 تريليون دولار إلى 3.9 تريليون دولار سنوياً، ومن المتوقع أن تزداد بمقدار 400 مليار دولار بين عامي 2020 و2025 بالنسبة لإفريقيا وحدها. كما أشار إلى وصول متوسط فجوة التمويل السنوي لأهداف التنمية المستدامة إلى 192.4 مليار دولار سنوياً بين عامي 2020 و2021، مقارنة بـ200 مليار دولار في عام 2015. وأكد صعوبة تحصيل تلك المبالغ الهائلة من المساعدة الإنمائية الرسمية (ODA) أو من التمويل العام المحلي.

وذكر التقرير أنه بالرغم من اعتماد خطة عمل أديس أبابا، والتي أسهمت في توفير العديد من أدوات التمويل المبتكرة، مثل، أطر التمويل الوطنية المتكاملة (INFFS)، وأطر تنفيذ مبادئ مجموعة العشرين لتوسيع نطاق التمويل المختلط، ومبادرة أديس أبابا الضريبية (ATI) -والتي تهدف لدعم جدول أعمال تعبئة الموارد المحلية (DRM) في البلدان النامية- فإن ضمان التمويل الكافي لتحقيق التنمية المستدامة في البلدان الأشد فقراً والأكثر ضعفاً ما يزال بعيداً عن الأفق ويصعب تحقيقه.

إذ إن آليات وقنوات الحصول على الدعم والتمويل المالي ليست عادلة أو متوازنة لأنها تعتمد بالأساس على تفضيلات مقدمي التمويل وليس احتياجات المقترضين لتحقيق التنمية. ولا تُعد خيارات تحسين تقييم وتصور المخاطر كافية، كما أن هناك عجزاً لعدم كفاية أو غياب نهج للتعامل مع العدد المتزايد من البلدان النامية ذات الدخل المتوسط.

تحديات أساسية:

أشار تقرير مجموعة العشرين إلى أن هناك ثلاثة تحديات أساسية تشكل عبئاً كبيراً على أغلب البلدان الإفريقية:

1. محدودية الوفرة المالية: إذ تناول التقرير معاناة الدول الإفريقية من ضغوط الديون التي ما زالت كبيرة وتثير الكثير من القلق، مشيراً إلى أن متوسط الدين بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلدان الإفريقية بلغ نحو (72%) في عام 2020، لكنه كان أعلى بكثير في بعض البلدان متوسطة الدخل مثل زامبيا، والتي بلغ فيها (140%)، وكابو فيردي (الرأس الأخضر) (158%)، وأنغولا (136%). كما أشار التقرير إلى أن صندوق النقد الدولي اعتبر منذ إبريل 2023 أن هنالك ثمانية بلدان إفريقية تواجه أزمة في الديون، وذلك من أصل تسع دول على مستوى العالم، بالإضافة إلى 13 دولة أخرى معرضة لمخاطر الديون، وذلك من أصل 27 دولة على مستوى العالم.

واستند التقرير لرأي الخبراء تجاه أزمة ارتفاع ديون إفريقيا المستمرة، والتي تعود لغياب السيولة المالية، وأكد الخبراء أن السبب في ذلك يعود إلى الصدمات الخارجية التي تواجهها تلك الدول بدءاً من وباء "كورونا" إلى الارتفاع الحالي في أسعار المواد الغذائية وارتفاع أسعار الفائدة. وأكد التقرير حاجة إفريقيا إلى ما يتراوح ما بين 130 و170 مليار دولار سنوياً لسد فجوة تمويل البنية التحتية على الأقل.  

وبالرغم من بعض الجهود الملحوظة التي بُذلت لدعم الدول الإفريقية، فإن المبادرات الدولية الحالية أثبتت أنها غير كافية لتلبية احتياجات إفريقيا من السيولة الفورية. وفي هذا السياق، ذكر التقرير مبادرة مجموعة العشرين ونادي باريس المؤقتة لتعليق خدمة الديون (DSSI) في مايو 2020، والتي علقت نحو 12.9 مليار دولار من مدفوعات خدمة الديون بين عامي 2019 ومايو 2020 وديسمبر 2021 لـ48 دولة مشاركة من أصل 73 دولة. إلا أن المبلغ الإجمالي الذي تم حجزه خلال مبادرة تعليق خدمة الديون لمجموعة العشرين ما يزال متواضعاً إلى حد ما مقارنة باحتياجات الدول من السيولة المالية. 

2. تكلفة رأس المال غير المتكافئة: أكد التقرير أن تكلفة القروض في الأسواق الدولية تعتمد بشكلٍ مفرط على الأحكام المسبقة والصادرة عن وكالات التصنيف الدولية والمعنية بالتخلف عن السداد، والتي تتسم بأنها سلبية، فعلى سبيل المثال، فإن تكاليف رأس المال في مشروعات الطاقة النظيفة كانت أعلى بخمسة إلى عشرة أضعاف في جنوب إفريقيا ونيجيريا مقارنة بالولايات المتحدة. 

كما استند التقرير لتقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والتي أكدت أن التكلفة المبالغ فيها والمترتبة على التحيز السلبي في التصنيفات الائتمانية (ما يسمى "علاوة المخاطر الإفريقية") تقدر بنحو 74.5 مليار دولار للسندات بالعملة المحلية والدولية، وهي الصادرة عن 16 اقتصاداً إفريقياً بين عامي 2007 و2020.

3. غياب التمثيل الإفريقي العادل في المؤسسات المالية الدولية: تناول التقرير غياب التمثيل الكافي للبلدان النامية، ولاسيما البلدان المتوسطة الحجم والصغيرة، في اللجان النقدية والمالية الدولية ولجنة التنمية، فضلاً عن الهيئات الرئاسية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو ما لا يساعدها على أن تحظى بقوة تصويتية معقولة داخل تلك اللجان، كما انتقد التقرير القوانين التي وضعها المقرضون، والتي لا تتناسب في الأغلب مع احتياجات وظروف البلدان النامية. فعلى سبيل المثال، فضَّلت بعض البلدان الإفريقية في عام 2020 عدم التقدم بطلب للحصول على دعم مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين، لأنها كانت تخشى تقييماً سلبياً محتملاً قد يضر بقدرتها على متابعة نشاطها في الأسواق الدولية مستقبلاً.

وأكد التقرير أن هذه القضية أصبحت عقبة أمام تحقيق التنمية لأن أي صدمات عالمية تتعرض لها الأسواق الدولية -كحدوث نشاط اقتصادي أو تدفقات مالية معينة، أو تغير في أسعار السلع الأساسية، وعدم استقرار أسعار صرف العملات الرئيسية- تُعرضها بشكل تلقائي للعديد من الأزمات والمسارات غير المتكافئة مع العالم الخارجي.

على أساس تلك التحديات، تناول التقرير ما يتم من سياسات لتحديد مقدار التمويل الميسر المقدم لمختلف الدول النامية وذلك بناءً على مؤشر متوسط مستوى الدخل القومي، منتقداً بذلك هذا الفعل لأنه لا يعكس بشكل كامل التنمية الحقيقية للبلدان، كما أنه لا يأخذ في الاعتبار أوجه عدم المساواة داخل البلد، أو الأبعاد الأخرى ذات الصلة برفاهية الإنسان، وأكد التقرير أن الدعم المباشر للميزانية سيظل ضرورة حتمية للحكومات في البلدان النامية لتحسين إدارتها لمخاطر الكوارث وإدارة الأصول العامة وتجنب الأزمات المالية والائتمانية.

وأشار إلى ما حدث بين عامي 2015 و2020، إذ حشد أعضاء لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية ما يقرب من 310 ملايين دولار سنوياً وخصصوها لإدارة المخاطر والكوارث، إلا أن ذلك الرقم اتضح أنه بعيد عما كان مستهدفاً، بمضاعفة المساعدات الإنمائية الرسمية المخصصة لإدارة مخاطر الكوارث في نفس الفترة، والتي كان يفترض أن تكون 441.1 مليون دولار.

مقترحات لمجموعة العشرين:

ذكر التقرير بعض التوصيات الموجهة لمجموعة العشرين، والتي قد يكون لها دور في تعبئة الموارد المالية نحو تحقيق التنمية المستهدفة، وجاءت كالتالي:

1. تقديم مساهمات مباشرة أو الاستفادة من جزء صغير من حقوق السحب الخاصة بمجموعة العشرين، كضمان لتعبئة الموارد وتخصيصها للمشروعات القارية الكبيرة. ويمكن أن تأخذ هذه المساهمات شكل "صندوق مخصص لدراسات الجدوى" أو "مرفق إعداد مشروعات مجموعة العشرين" ليتم تخصيصها لمشروعات التنمية الأكثر جدوى. وفي حالة إفريقيا، يمكن توجيه هذا الدعم، من خلال آلية تقديم الخدمات (SDM) التابعة لوكالة تنمية الاتحاد الإفريقي (AUDA-NEPAD)، وحملة "أجندة 5%" التي تهدف للاستفادة من 5% من الأصول المالية الخاصة في إفريقيا.

2. إعادة توزيع المساعدات المالية الإنمائية ومن خلال قنوات أكثر، وبالإشارة لمناشدة رئيس الاتحاد الإفريقي السنغالي ماكي سال عام 2022، لا بد وأن يحظى الاتحاد الإفريقي بمقعد دائم في مجموعة العشرين لتعويض الغياب الإفريقي بين مؤسسات صناعة واتخاذ القرار الدولية.

3. في ظل القيادة الهندية خلال الفترة المقبلة، يجب أن تدفع مجموعة العشرين بقوة من أجل تمثيل أكثر ملاءمة للبلدان النامية داخل هيكل حوكمة المؤسسات المالية والدولية، وتنشيط دورها في القرارات المالية على المستوى الإقليمي.

4. استخدام سبل تخفيف المخاطر لتقليل ارتفاع تكلفة رأس المال؛ وذلك من خلال إتاحة بند توفير الضمانات، خاصة وأنها المنتج المالي الأكثر مباشرة في توافره وإمكانية إعادة تقييمه حال تغير احتياجات التنمية الاقتصادية. كما يؤكد التقرير أنه عندما يكون الإقراض قائماً على أساس قبول الضمانات فإن له التأثير الأكبر في تسهيل المساعدات الإنمائية الرسمية لتمويل المشروعات المختلفة ومواجهة تغير سعر العملة، كما يمكن أن يحفز المزيد من الاستثمار الخاص في القطاعات المؤثرة مثل البنية التحتية.

5. الوقوف على التباينات الحالية في الهيكل المالي الدولي وتحسين سبل وصول رؤوس الأموال للبلدان النامية؛ بما يعني أهمية التوزيع العادل لرؤوس الأموال على أجندة بنوك التنمية متعددة الأطراف. ويؤكد التقرير في هذا السياق أنه بفضل المجهودات الحثيثة لمجموعة العشرين منذ عام 2017، يمكن أن يكون عام 2023 عاماً تاريخياً في توفير الدعم المالي اللازم لتحقيق أجندة التنمية المستدامة.

6. في عام 2022، قامت مجموعة العشرين بتكليف لجنة خبراء مستقلة بمراجعة واقتراح خطة عمل لإصلاح أطر توفير رأس المال في بنوك التنمية متعددة الأطراف. وإذا تم تنفيذها، فمن الممكن أن تساعد خطة العمل هذه بشكل جماعي على تحرير رأس مال في حدود 500 مليار إلى تريليون دولار.

7. الاستعاضة عن معيار نصيب الفرد في الدخل لدى لجان تمويل البلدان النامية بمقياس أكثر شمولاً للتنمية؛ مثل معيار الشفافية أو معيار جودة الحياة، وذلك لتحقيق معدلات استجابة أفضل نحو سد احتياجات البلدان النامية للتمويل الميسر.

8. إتاحة معلومات أكثر اتساقاً وتفصيلاً للجمهور أول بأول مهما كانت المسافات لإعلام المستثمرين بكافة الفرص الاستثمارية المتاحة، ومردودها الاجتماعي والاقتصادي المتوقع، والعوائد المالية منها.

9. يمكن لمجموعة العشرين أيضاً تفويض منظمة دولية لتقييم الممارسات الاستثمارية الإيجابية وتصميم ملحق تابع لمجموعة العشرين لتسريع عملية تعبئة المؤسسات الاستثمارية لتمويل أهداف التنمية المستدامة في إفريقيا.

ختاماً، أكد التقرير أهمية استمرار التدفقات المالية ذات الفائدة المنخفضة لتصبح متاحة للبلدان على مدى السنوات المقبلة لمواجهة الأزمات المتعددة، خاصة وأن العالم ما زال بعيداً كل البعد عن الوفاء بالتزاماته لتحقيق التنمية المستدامة أو دعم السلع الأساسية أو مواجهة التغيرات المناخية والتأهب لانتشار الأوبئة. 

المصدر: 

Bakary Traoré, Rita Da Costa, Daphine Muzawazi, Rethinking International Cooperation and Partnerships for Improved Development Impact and Self- Sustainability in Africa, Observer Research Foundation, July 2023.