أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تمديد المناورات:

أهداف التحركات العسكرية للصين حول جزيرة تايوان

16 أغسطس، 2022


على الرغم من أنه كان من المفترض أن تنهي الصين المناورات العسكرية حول تايوان، في 7 أغسطس، فإنها أعلنت تمديدها، وذلك من دون تحديد سقف زمني لها، كما أن المتحدث باسم وزارة الدفاع، وو كيان، أكد، في 8 أغسطس، أن المناورات بمنزلة "تحذير ضروري" للولايات المتحدة وتايوان، وهو ما أثار المخاوف من هدف الصين النهائي من هذه المناورات، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والذي أكد في نفس اليوم قلقه من "تحركات الصين".

تصعد قائم:

يلاحظ أن التصعيد بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان لم ينته، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- تمديد المناورات العسكرية الصينية: قامت الصين بمناورات عسكرية حول تايوان، في الفترة من 4 وحتى 8 أغسطس، غير أنها أعلنت في يوم الأخير تمديدها بدلاً من الانتهاء منها. ويلاحظ أن هذا التدريب يهدف إلى فرص حصار بحري على سواحل الجزيرة من كافة الاتجاهات تقريباً، وهو ما يعد الخطوة التي قد تسبق أي هجوم بحري عليها من جانب الصين.

ولذلك أبدت واشنطن مخاوفها من استمرارية المناورات، فقد اعتبر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن الرد الصيني "غير متكافئ بتاتاً"، وذلك في 8 أغسطس، كما نشر مع نظيريه اليابان والأسترالي بياناً دعا فيه الصين إلى وقف التمارين العسكرية، بينما أكد جوزيف وو، وزير خارجية تايوان، في اليوم التالي، مخاوفه من التدريبات الصينية بشكل أكثر، إذ رأى أن بكين تجري تدريبات جوية وبحرية تطوق الجزيرة استعداداً لغزو تايوان وتغيير الوضع الراهن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ويلاحظ أن الصين تسعى من وراء نشر قواتها البحرية في شرق الساحل التايواني إلى استهداف القواعد العسكرية في هوالين وتايتونج. أما القوات البحرية المنشورة في جنوب تايوان، فتهدف إلى ضمان السيطرة الفعلية على عملية الدخول والخروج من مضيق باشي، وتهدف قوات البحرية الصينية المنتشرة في الجنوب الغربي إلى تطويق القواعد العسكرية في كاوشيونج. 

ويلاحظ أن الصين أعلنت أن الهدف من تمديد المناورات هو القيام بعمليات لمكافحة الغواصات وصد الاعتداءات البحرية، في إشارة إلى الولايات المتحدة، والتي قامت بنشر إحدى حاملات طائراتها بالقرب من تايوان، كما يتوقع أن تكون واشنطن نشرت كذلك غواصات. ويلاحظ أنه لم يتم إصدار "إخطارات للطيارين" بالتدريبات الجديدة، والتي تهدف إلى إبلاغ السفن والطائرات بالمناطق التي يجب تجنبها لإجراء مناورات فيها، وهو ما تهدف بكين من ورائه إلى تعزيز حالة اللايقين من هذه المناورات.

2- تعليق المحادثات الصينية – الأمريكية: دافع وو كيان، عن قرار الصين بتعليق المحادثات العسكرية مع الولايات المتحدة، في 9 أغسطس، مؤكداً أن على الأخيرة أن تتحمل "عواقب وخيمة". ولاشك أن قرار تعليق المحادثات العسكرية يعني أنه لن يكون بمقدور القوات الأمريكية الوجود قرب القوات الصينية حول تايوان، إذ إن ذلك الأمر يتطلب التواصل والتنسيق، لمنع أي خطأ عسكري ناتج على احتكاك غير مقصود بين القوات البحرية للبلدين. كما أنه يعني أنه في حال قررت بكين غزو تايوان، فإن الأخيرة لن تكون قادرة على الاتصال بشكل مباشر بالقيادة الصينية لتوضيح موقفها، أو محاولة تجنب التصعيد. 

وأكدت مصادر مطلعة من داخل البنتاجون، في 6 أغسطس، أن الصين ترفض الرد على اتصالات عديدة لكبار العسكريين الأميركيين، منذ ذلك الوقت. ويلاحظ أن حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس ريجان" بالإضافة إلى مدمرات أمريكية تنتشر بالقرب من تايوان. 

3- رفض واشنطن التراجع: استمرت الولايات المتحدة في سياستها الرامية إلى التبرؤ من تداعيات الزيارة، والتأكيد على أن بكين تستخدم الزيارة كذريعة، بل وتأكيد ذلك من خلال مجموعة السبع، فقد أكد وزراء خارجية دول مجموعة السبع، في 3 أغسطس، أنه "لا مبرر" لكي تستخدم الصين زيارة بيلوسي "ذريعة" لإجراء مناورات عسكرية، بل وحملت دول المجموعة الصين مسؤولية زيادة التوتر وزعزعة استقرار المنطقة.

ردود فعل تايبيه وواشنطن: 

بدأت تايوان وواشنطن للرد على التحركات الصينية، وذلك من خلال السياسات التالية: 

1- إجراء تايوان مناورات عسكرية: كشفت السلطات في تايوان عن نيتها إجراء تدريبات عسكرية على مدى الأسبوع الحالي "لمحاكاة أي غزو صيني للجزيرة"، وبدأت تايوان تدريباً بالذخيرة الحية في 9 أغسطس، وهي المناورات التي تحمل اسم تدريبات "تيان لي"، وتم الإعلان عنها في أواخر يوليو 2022، أي قبل زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، لتايوان الأسبوع الماضي. 

ويلاحظ أن هذه المناورات مصممة لمحاكاة دفاع تايوان ضد هجوم للجيش الصيني، وهو ما يعني أن تايبيه باتت قلقة من أن تكون المناورات الصينية مجرد غطاء لعمليات عسكرية. 

2- استئناف التجارة من تايوان: أكدت وكالة بلومبيرج نقلاً عن بيانات حركة السفن، إن السفن التجارية استأنفت حركة المرور عبر مضيق تايوان، على الرغم من الوضع المتوتر في المنطقة بسبب التدريبات العسكرية الصينية. وأضافت الوكالة أنه، "منذ يوم الأحد، مرت أكثر من 30 سفينة عبر المناطق الست لتدريبات جمهورية الصين الشعبية جنوب الميناء الرئيسي لتايوان.. وتظهر أحدث بيانات عن مواقع السفن أن أربع من المناطق الست قد تم تجاوزها". وتهدف هذه الخطوة إلى التأكد من أن بكين لا تقوم بفرض حصار بحري كامل على الجزيرة. 

3- تنفيذ عمليات حرية الملاحة: أعلن كولين كال، نائب وزير الدفاع الأمريكي للشؤون السياسية، أنه من المتوقع أن تجري البحرية الأمريكية بعض عمليات حرية الملاحة في المناطق حول تايوان في الأيام المقبلة، وأكد أنه من المهم أن تفهم بكين أن الولايات المتحدة ستستمر في الإبحار في المياه الدولية، وستواصل الوقوف إلى جانب حلفائها وشركائها في إشارة إلى تايوان.

وقالت وزارة الدفاع الصينية إن هناك ما يقرب من 13 سفينة حربية صينية بالقرب من تايوان. كما أبلغت وزارة الدفاع عن قرابة 40 طلعة جوية بالقرب من الجزيرة. ويلاحظ أن الهدف من هذه العمليات هو الوجود بالقرب من جزيرة تايوان، حتى لا تشعر الأخيرة بأن واشنطن عاجزة عن الوقوف بجانبها، غير أن بكين قد تنظر إلى هذا السلوك في هذا التوقيت على إنه استفزاز، ولذلك يبدو أن الغرض من إطلاق التصريحات الأمريكية هو اختبار رد فعل الصين، خاصة أن واشنطن لم تحدد موعداً محدداً بعد للقيام بمثل هذه العمليات.

ويلاحظ أن الولايات المتحدة، وإن لم تقم علاقات دبلوماسية مع تايوان، فإن لديها التزاماً بحماية تايوان عسكرياً ضد كل التهديدات، بما في ذلك منع فرض حصار بحري عليها، ولذلك، فإن التحرك الأمريكي يهدف إلى التأكيد على أنها لاتزال تلعب دوراً مهماً في تأمين الجزيرة في مواجهة التهديدات الصينية. 

تفسير السلوك الصيني: 

يمكن فهم اتجاه الصين إلى تمديد المناورات العسكرية حول تايوان بالرجوع إلى التفسيرات التالية:

1- الاكتفاء بترهيب تايوان: قد تسعى الصين إلى التأثير على معنويات سكان الجزيرة من خلال هذه المناورات العسكرية، ولذلك قد تكتفي بهذه المناورات وتنسحب. ولعل أحد العوامل التي قد تدفع بكين لعدم السيطرة على الجزيرة عسكرياً هو محاولة توحيدها سلماً، خاصة أن استطلاعات الرأي العام في تايوان تكشف على إنهم يدركون جيداً لمخاطر الانفصال عن الصين صراحة، فقد أكد 1.3% من الشعب التايواني يرغب في الوحدة مع الصين، في حين أن 5.1% يرغبون في الانفصال بشكل كامل عن الصين. أما النسبة الباقية فيرغبون في الحفاظ على الوضع الراهن.  

2- فرض حصار بحري: قد يكون الهدف من المناورات الصينية الاكتفاء بفرض حصار بحري حول الجزيرة، ومن ثم التشكيك في مصداقية المظلة الدفاعية الأمريكية للجزيرة، بالإضافة إلى التأثير سلباً على الأوضاع الاقتصادية للجزيرة، سواء بسبب المخاوف من إقدام الصين على ضم الجزيرة بالقوة العسكرية، أو من خلال محاولة إعاقة وصول بعض السفن، خاصة ناقلات النفط إلى الجزيرة، وإن كان من الملحوظ أن بكين لم تقدم على ذلك حتى الآن.

3- الإعداد لاكتساح الجزيرة: تكشف التصريحات الصادرة عن الولايات المتحدة وتايوان عن وجود مخاوف جدية بأن تكون الصين تسعى من توظيف المناورات كغطاء لشن هجوم على الجزيرة، خاصة أن روسيا اتبعت هذا التكتيك حول أوكرانيا، إذ قامت بحشد قواتها حول أوكرانيا، قبل اندلاع الحرب في أواخر فبراير 2022. ومن جهة أخرى، فإن الصين ترى أن استعادة الجزيرة سوف تؤهل بكين لمنافسة القوى الكبرى، وفق التصورات الصينية. ويلاحظ أن الرئيس الصيني، شي جين بينج، قد أكد في 2019 أنه يأمل في استعادة السيطرة على الجزيرة سلماً، غير أنه لم يستبعد تماماً الخيار العسكري.

ويلاحظ أنه، وفقاً لأغلب تقديرات المحللين العسكريين، فإنه في حالة وقوع أي اشتباكات عسكرية، فإن الجيش التايواني سوف يكون قادراً على محاولة إبطاء الهجوم الصيني، ومحاولة منع القوات الصينية من القيام بإنزال بري على الجزيرة، بالإضافة إلى اللجوء إلى تكتيكات حرب العصابات، وذلك حتى تتمكن تايوان من الحصول على دعم عسكري غربي. ويستبعد أن تتدخل الولايات المتحدة لمنع الهجوم الصيني ضد تايوان بشكل مباشر، وهو ما يعني أنه في حالة اكتساح الصين تايوان، فإن الجزيرة لن تكون قادرة على الصمود طويلاً بمفردها.

وفي الختام، يمكن القول إنه من الصعب التنبؤ بدقة بالسلوك الصيني، غير أن استمرار المناورات البحرية الصينية حول تايوان لفترة طويلة قد يكون مؤشراً على أن الصين قد تتجه في النهاية لتنفيذ إما حصار بحري على الجزيرة، أو ضمها بالقوة العسكرية. ولعل قيام كل من الصين وتايوان بمناورات عسكرية، فضلاً عن تخطيط واشنطن للقيام بعمليات حرية الملاحة قد يفتح الباب أمام وقوع حوادث، أو تصعيد عسكري بالخطأ بما يرتبه ذلك من شن الصين لهجوم عسكري ضد تايوان في النهاية.