أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

دور أنقرة:

لماذا فشلت مبادرات التهدئة بين أرمينيا وأذربيجان؟

18 أكتوبر، 2020


لم تدم الهدنة الإنسانية التي توصلت إليها أرمينيا وأذربيجان، في 18 أكتوبر الجاري، أكثر من ساعات، حيث تجدد التصعيد مرة أخرى، وتبادلت الدولتان اتهامات بانتهاكها. ويمثل ذلك أحد انعكاسات إخفاق اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته الدولتان برعاية روسية في 10 من الشهر نفسه، والذي لم يستمر تطبيقه سوى 48 ساعة فقط. ويمكن تفسير ذلك في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في التدخل المباشر من جانب تركيا لصالح أذربيجان، التي حرصت على استعراض قدراتها العسكرية وإبراز التفوق العسكرى على أرمينيا، من خلال الدعم التركي.

إشكالية مستمرة:

تبادلت كل من أرمينيا وأذربيجان اتهامات بانتهاك الهدنة الإنسانية التي أعلن عنها في إقليم ناجورني قره باغ في 18 أكتوبر الجاري، وهو ما حدث أيضاً بعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار قبل ذلك بنحو أسبوع، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن ذلك يعود، في قسم منه، إلى أن آلية "مينسك"، التي تشكلت بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا للتوسط في الصراع، لم تضع خطة عمل حاسمة للانتقال إلى مسار تفاوضي ينهي الأزمة بين الطرفين، على نحو أدى إلى وضع سقف للمعطيات التي يمكن أن يفرضها اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما يتوازى مع الجهود التي بذلتها كل من إيران وتركيا من أجل توسيع قاعدة المشاركة في الترتيبات الأمنية التي يجري العمل على صياغتها في الإقليم.

وتطرح هذه التطورات دلالات عديدة يتمثل أبرزها في عدم قدرة المسار الدبلوماسي على إنهاء التصعيد، فانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تبادل الطرفان الآذري والأرميني الاتهامات بشأنه، تزامن مع زيارة وزير الخارجية الأرميني زوراب مناتساكانيان إلى موسكو، في 12 أكتوبر الجاري، بدعوة من نظيره سيرجي لافروف الذي شدد على ضرورة "الاحترام الصارم" للهدنة المتفق عليها، ومع عقد لقاء ثلاثي بحضور ممثل مجموعة "مينسك"، وذلك بعد أسبوع من زيارة قام بها نظيره الآذري جيهون بيراموف وعقد خلالها اجتماعاً ثلاثياً مماثلاً.

وفي هذا السياق، من المتصور أن صعوبة الالتزام بوقف إطلاق النار واستمرار التصعيد، حتى بعد الوصول إلى الهدنة الإنسانية، يعود إلى عدة عوامل، يتمثل أبرزها في: 

1- الإصرار التركي على تغيير الوضع فى قره باغ: لا تريد تركيا، على الأرجح، التوصل إلى اتفاق سلام يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبيل اندلاع الاشتباكات. وقد عملت في السنوات الأخيرة على تغيير ميزان القوة العسكرية لصالح أذربيجان، وبالتالي فالاستعدادات لهذه المواجهة ليست وليدة المرحلة الحالية، على نحو يرجح صحة ما يقوله المراقبون بأن تركيا ترسم خطاً استراتيجياً من خلال دورها في أذربيجان للوصول إلى بحر قزوين كهدف استراتيجي وبما يخالف اتجاه خط الغاز الروسي في تلك المنطقة، وهو الرابط الرئيسي في السياسة التركية من ليبيا إلى شرق المتوسط ومن أذربيجان إلى قيرغيزيا.

2- التطورات الميدانية: والتي تفرض بدورها عدداً من الإشكاليات، فحينما أعلنت روسيا عن اتفاق وقف إطلاق النار، لم يقترن ذلك على الفور بنشر قوات حفظ السلام، ومع تجدد التصعيد سيطرت باكو على 8 قرى جديدة في المنطقة المتنازع عليها، وإن كانت تقارير إعلامية تقول إن العدد يزيد عن ذلك، الأمر الذى يعني أن ترتيبات عملية وقف إطلاق النار ومسار التسوية سيواجه تحدي التعامل مع هذا المتغير الميداني. 

وهناك تحدي رئيسي آخر يتعلق بالتعقيدات التي فرضها الانخراط التركي في الأزمة، فبالإضافة إلى التسليح النوعي الذي قدمته تركيا إلى أذربيجان، والذي سيتعين على روسيا في المقابل نشر المزيد من المنظومات الاعتراضية مثل بانستير S-1 للتعامل معه، فإنها بدأت، وفقاً لتقارير عديدة، عملية لنقل مرتزقة من ليبيا وسوريا، وهي الآلية التي تعتمدها أنقرة في كافة الصراعات المنخرطة فيها، والتي تستعين بها لزيادة مستوى التوتر والإرباك. 

3- اصطفافات جديدة: يعكس المتغير الخاص بالتحالفات التي تتشكل في ضوء الأزمة اتجاهاً نحو المزيد من التعقيد فى مسار التسوية السياسية، حيث توجه روسيا اتهامات علنية إلى تركيا بتهديد الترتيبات الأمنية في الجمهوريات السوفيتية السابقة، على نحو يؤثر على التفاهمات بين الطرفين. وفى أول اتصال مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 14 أكتوبر الجاري، على ضرورة أن تعمل تركيا على تسوية الأزمة، في مقابل تركيز أردوغان على الحديث عن تسوية نهائية، وبالتالي رفض العودة إلى ما كانت عليه الأوضاع عشية اندلاع المواجهة الحالية في 27 سبتمبر الفائت.

وعلى الرغم من انخراط الولايات المتحدة الأمريكية في مجموعة "مينسك"، إلا أن روسيا وجهت إليها هى الأخرى اتهامات بالانحياز لأذربيجان لتصعيد الموقف، وهو ما يتوازى مع تدخل أطراف أخرى مثل إسرائيل التي تدعم أذربيجان عسكرياً. ومع اقتراب المعارك من الحدود الإيرانية، فإن طهران أصبحت إحدى القوى التي تقول أنها متضررة من تداعيات المعركة، وبالتالي يعيد الصراع تشكيل اصطفافات جديدة بين الحلفاء والفرقاء في مناطق أزمات أخرى في الشرق الأوسط وشرق المتوسط.

السيناريو التالي: 

وفق التطورات الميدانية الحالية، فإن أغلب السيناريوهات المرجحة، على المدى القريب، تشير إلى صعوبة التوصل إلى تسوية في ظل تعارض مصالح الأطراف حول آفاق هذه التسوية والعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل اندلاع المواجهة، خاصة بعد محاولات أذربيجان، بدعم تركي، فرض أمر واقع جديد على الأرض.

لكن من المهم القول بأن تلك المتغيرات ليست نهائية، فعلى سبيل المثال، تمكنت أرمينيا، في 15 أكتوبر الجاري، من إسقاط طائرة من دون طيار تابعة لأذربيجان للمرة الأولى، ما يعني أنها بدأت، وعلى الأرجح بدعم روسي، في تعزيز دفاعاتها لوقف المزيد من تقدم القوات الآذرية في عمق منطقة النزاع.

ويزيد ذلك من احتمال استمرار تعثر المسار السياسي حتى مع زيادة التحركات من كافة القوى المعنية بدعوى تعزيز فرص الوصول إلى تسوية، بالتوازي مع استمرار الدعم العسكري لطرفى النزاع على الأرض.