أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

دليل العمل:

كيف يدير مجلس الأمن القومي الأمريكي الأزمة الأوكرانية؟

04 مارس، 2022


يعتبر التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، هو الأزمة الثانية الأكثر حدة وتعقيداً التي يواجهها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، منذ توليه منصبه، بعد أزمة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس 2021. والأزمة الحالية وضعت لها الإدارة الأمريكية الاستعدادات والترتيبات كافة قبل نشوبها. وبغض النظر عن النتائج التي تم تحقيقها في إدارة الأزمة الأوكرانية، وهل نجحت في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية أم لا؛ فقد عمل مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي يلعب دوراً محورياً في إدارة السياسة الخارجية، على وضع الخطط والبدائل للتعامل مع هذه الأزمة، وتجنب المفاجآت الاستراتيجية فيها منذ وقت مبكر، وذلك من خلال التخطيط والتنسيق بين الأجهزة والوكالات الأمريكية المختلفة المعنية بالأمن القومي، وتشكيل فريق متخصص للتعامل مع الأزمة، ووضع "خطة عمل" أو "دليل استرشادي"، وتطوير الاستجابة الأمريكية لتلك الأزمة حسب تغير المواقف على الأرض، وإطلاع الرئيس بايدن على الوضع أولاً بأول.

فريق الأزمة:

يضم فريق عمل مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذي يدير الأزمة الأوكرانية، عدة مسؤولين من مختلف الوزارات والوكالات المعنية بالأمن القومي. وينقسم هذا الفريق إلى 3 مستويات: الأول المستوى الأعلى الذي يضم الرئيس وبعض طاقم الإدارة الأمريكية، والثاني المستوى الأدنى ويضم بعض المسؤولين من العاملين في مجلس الأمن القومي، والمستوى الثالث الفريق المتخصص الذي تم تشكيله للأزمة، وذلك على النحو التالي: 


1- المستوى الأعلى: يضم المسؤولين الرئيسيين في هيكل مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذين يشاركون بصفة دائمة أو دورية في اجتماعات المجلس، وأبرزهم الرئيس بايدن الذي يترأس اجتماعات المجلس، وأنتوني بلينكن وزير الخارجية، ولويد أوستن وزير الدفاع، والجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الذي يضطلع بدور المستشار العسكري للمجلس، وأفريل هاينز مديرة مكتب الاستخبارات الوطنية التي تضطلع بدور المستشار الاستخباراتي للمجلس، وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي، وجوناثان فينر نائب مستشار الأمن القومي، ورون كلين رئيس موظفي البيت الأبيض، ووليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية.

2- المستوى الأدنى: يضم بعض المسؤولين العاملين في مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذين يضطلعون بالمهام الرئيسية في مساعدة مستشار الأمن القومي، جيك سليفان، في إتمام مهام المجلس المرتبطة بالأزمة، وأبرزهم أريانا بيرنجوت كبير مستشاري الأمن القومي، ويوهانس أبراهام رئيس موظفي مجلس الأمن القومي والسكرتير التنفيذي للمجلس، وإميلي هورن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، والكسندر بيك مدير التخطيط الاستراتيجي بالمجلس، وكاترين الليدج مديرة روسيا. 

3- الفريق المتخصص: أدت مؤشرات الحشد العسكري الضخم للقوات الروسية على حدود أوكرانيا في أكتوبر 2021، إلى قلق داخل مجلس الأمن القومي الأمريكي. وللتعامل مع الموقف، كلف جيك سوليفان مستشار الأمن القومي، الكسندر بيك مدير التخطيط الاستراتيجي بالمجلس في شهر نوفمبر الماضي بتشكيل فريق عمل متخصص لدراسة السيناريوهات المُحتملة للأزمة الأوكرانية، وقام الأخير بتشكيل الفريق الذي أطلق عليه "فريق النمر" من مجموعة متنوعة من الخبراء والمتخصصين من الوزارات والوكالات الأمريكية المختلفة، خاصة من وزارات الدفاع والخارجية والطاقة والخزانة والأمن الداخلي، وأجهزة الاستخبارات الأمريكية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وقام هذا الفريق بوضع السيناريوهات والبدائل المُحتملة للتعامل مع الأزمة. 

مهام المجلس: 

يضطلع مجلس الأمن القومي الأمريكي باعتباره الجهاز المعني بإدارة شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية، والذي يعتبر ذراع الرئيس، بالعديد من المهام خلال إدارة الأزمة الأوكرانية. وهذه المهام يُناط بها المجلس بشكل كامل، وتشمل ما يلي:  


1- وضع الخطة الاستراتيجية: تمثلت المهمة الأولى والرئيسية لفريق مجلس الأمن القومي الأمريكي، في وضع الخطة الاستراتيجية للتعامل مع الوضع الذي ستخلقه الأزمة الأوكرانية بتداعياتها كافة، خاصة ما يتعلق بالتدخل العسكري الروسي، على أن تشمل السيناريوهات المُحتملة وبدائل التعامل مع الموقف، وكيفية الاستجابة السريعة لتطوراته. بالإضافة إلى أن تتضمن الخطة محاور استراتيجية حول بعض الجوانب الرئيسية مثل تأمين السفارة الأمريكية في كييف وكذلك الرعايا الأمريكيين في أوكرانيا، وكيفية التحرك لتقديم الدعم السياسي والعسكري لأوكرانيا، وحشد ودعم الحلفاء الأوروبيين، والتأييد الدولي للتحركات الأمريكية خاصة في المنظمات الدولية (الأمم المتحدة، ومجلس الأمن)، بالإضافة إلى دراسة الموارد والاحتياجات التي تتطلبها إدارة الأزمة والتحركات الأمريكية ذات الصلة بها.  

2- تنسيق الاتصالات الداخلية والخارجية: يقوم مجلس الأمن القومي الأمريكي بتنسيق الاتصالات والتواصل خلال الأزمة الأوكرانية، سواء على المستوى الداخلي مع الوزارات والوكالات الأمريكية المعنية بمتابعة الأزمة، أو مع الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، أو مع الجهات الخارجية ممثلة في الجانب الروسي، والحلفاء الأوروبيين، وبقية دول العالم. مع تحديد طبيعة هذه الاتصالات وتوقيتها والمشاركين فيها، وتنسيق الجوانب كافة المرتبطة باجتماعات فريق مجلس الأمن القومي لإدارة الأزمة. 

3- شرح الموقف وإدارة التواصل الإعلامي: هناك جانب رئيسي لعمل فريق مجلس الأمن القومي خلال الأزمة الأوكرانية، تمثل في كيفية التحرك لشرح الموقف لدوائر الرأي العام الأمريكي في الداخل، وصياغة الرسائل الإعلامية التي يتم توجيهها. وفي هذا الإطار، تم تكليف فريق مجلس الأمن القومي، كجزء تقليدي من مهامه، بصياغة بيانات البيت الأبيض عن الأزمة، وخطب الرئيس بايدن الرئيسية ذات الصلة، سواء خطاب يوم 24 فبراير 2022 الذي أدلي به بايدن بعد ساعات من بدء التدخل العسكري الروسي في الأراضي الأوكرانية، أو ما ورد عن الأزمة في خطاب حالة الاتحاد الذي أدلي به بايدن يوم الثلاثاء 1 مارس 2022. علاوة على إدارة التواصل مع المؤسسات الإعلامية، وفريق مراسلي كبريات الصحف وقنوات الاخبار الأمريكية التي تغطي البيت الأبيض. 

الجدير بالذكر أن وضع الخطة الاستراتيجية وتنسيق الجوانب المرتبطة بها، يضطلع به مجلس الأمن القومي الأمريكي بالتنسيق مع الرئيس والوزارات والجهات المعنية، ويقوم المجلس من خلال الأعضاء العاملين فيه وإداراته المختلفة، خاصة إدارات روسيا وأوروبا، بإدارة تفاصيل الأزمة اليومية من داخل البيت الأبيض، وتنسيق المسائل المرتبطة بالإعلام والاتصال، ومساعدة مستشار الأمن القومي في. اطلاع الرئيس على تطورات الموقف، وتحضير وتنسيق اجتماعات الرئيس مع مجلس الأمن القومي، الذي يقوم فيه كل مسؤول بعرض الموقف المرتبط بمسؤوليات وزارته أو الوكالة التي يرأسها في الأزمة. فوزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان معنيان بالجانب العسكري في الأزمة، ووزير الخارجية مسؤول عن الجانب الدبلوماسي، ومدير مكتب الاستخبارات الوطنية ومدير وكالة الاستخبارات المركزية مسؤولان عن الجانب الاستخباراتي. ويضطلع هؤلاء بمهام مساعدة الرئيس بايدن في اتخاذ القرارات المرتبطة بالأزمة. ويُذكر أن بايدن عقد اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن القومي شارك فيه هؤلاء المسؤولين يوم 20 فبراير الماضي، وتم خلاله مناقشة الاستعدادات العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية.  

آليات العمل:

بعد تشكيل الفريق المتخصص للتعامل مع الأزمة الأوكرانية في مجلس الأمن القومي في نوفمبر 2021، عكف الفريق على وضع "خطة" أو "دليل عمل استرشادي" للتعامل مع الموقف المُحتمل في الأزمة، وعقد اجتماعات مكثفة في يناير 2022؛ تم خلالها دراسة أداء القوات الروسية خلال أزمات سابقة خاصة في القرم عام 2014، وسوريا عام 2015، وشخصية الرئيس بوتين، وتحديد التهديدات الرئيسية التي يمكن أن تخلقها الأزمة الحالية، لتطوير الاستجابات المختلفة لها. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى الجوانب التالية: 


1- نماذج المحاكاة: أجرى الفريق المتخصص تدريبين كبيرين في يناير 2022، لمحاكاة تطور وتسلسل الأزمة الأوكرانية، والاستجابات المختلفة للتعامل معها. وكان الهدف دراسة سيناريوهين رئيسيين مُحتملين للأزمة وأنماط الاستجابة لهما؛ الأول سيناريو قيام القوات الروسية بهجوم محدود على أوكرانيا تستولي فيه على جزء منها، والثاني قيام القوات الروسية بتدخل عسكري واسع النطاق في أوكرانيا بهدف السيطرة على جزء كبير من البلاد والإطاحة بحكم الرئيس "فولوديمير زيلينسكي". ووفقاً لطريقة عمل نماذج المحاكاة، تم تقسيم فريق العمل خلال التدريبات إلى مجموعات تمثل الأطراف الرئيسية في الأزمة (روسيا، أوكرانيا، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي) لدراسة ردود فعل واستجابة كل طرف، وتم بناء نماذج المحاكاة لدراسة أنماط الاستجابة لكل سيناريو من اليوم الأول وعلى مدار أسبوعين من تطورات الأزمة. 

2- سيناريو "البجعة السوداء": ركز جزء من تدريبات فريق العمل، ودراسة السيناريوهات المُحتملة، على سيناريو "البجعة السوداء"؛ وهو وقوع أحداث غير مرجحة للغاية في الأزمة، ولكنها شديدة التأثير، حيث إن حدوثها قد يُعقد من نمط استجابة الإدارة الأمريكية للأزمة. وطُرح خلال التدريب نماذج كثيرة لهذا السيناريو؛ بعضها ربما يتعلق بالداخل الأمريكي، لكن أبرزها سيناريو "أزمة طاقة كبرى" تنشأ بشكل مستقل عن الوضع في أوكرانيا، وسيناريو "ظهور سلالة جديدة" شديدة العدوى من فيروس كورونا، وربما من المحتمل أيضاً أن الفريق درس السيناريو الأكثر قتامة وهو نشوب أزمة نووية كبرى. 

3- التهديدات: خلال تدريبات نماذج المحاكاة سواء على سيناريو "التدخل العسكري الروسي المحدود"، أو "التدخل العسكري الشامل"، أو "البجعة السوداء"؛ تم تحديد عدد من التهديدات الرئيسية التي يجب وضع استجابة محددة لها، وشملت طبيعة العمليات العسكرية نفسها على الأرض ومدى اتساق نطاقها، والعمليات العسكرية لدول الجوار الأوروبي خاصة دول حلف "الناتو" واحتمالية تطورها، وحدوث أزمة إنسانية بسبب تدفق الأوكرانيين على الدول المجاورة، وشن هجمات إليكترونية خاصة ضد البنية التحتية والمنشآت الحيوية الأمريكية، وتهديدات الدعاية المُضادة الروسية لتبرير العمليات العسكرية، وتهديد أمن السفارة الأمريكية في كييف، وتهديدات تتعلق بالرعايا الأمريكيين في أوكرانيا وروسيا، وتهديد يتعلق بالرد الروسي على التحركات الأمريكية للتعامل مع الموقف، وتحديداً أنماط الانتقام الروسي من العقوبات الأمريكية والغربية. 

4- دليل عمل استرشادي: استناداً إلى ردود الفعل التي تم استنباطها في نماذج المحاكاة في السيناريوهات المختلفة للأزمة الأوكرانية، خاصة "تدخل عسكري روسي محدود"، و"تدخل روسي شامل"، وسيناريو "البجعة السوداء"؛ تم تطوير عدد من الاستجابات الأمريكية للتعامل مع الأزمة، وتشمل فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ووضع بدائل تتعلق بوجود أزمة إنسانية نتيجة تدفق اللاجئين الأوكرانيين إلى دول الجوار، وبدائل للتعامل مع طوارئ تتعلق بأزمة طاقة، ومواجهة الهجمات السيبرانية المُحتملة، وتأمين السفارة الأمريكية في العاصمة كييف والرعايا الأمريكيين في أوكرانيا. وتم وضع الخلاصات الرئيسية في "دليل عمل" ضم 30 ورقة، تحدد التهديدات وأنماط الاستجابة لها، وتم توزيع هذا الدليل على مختلف الوكالات والمسؤولين الأمريكيين المعنيين بالأزمة، خاصة وزارة الدفاع التي كانت تقوم بالتوازي مع جهود فريق العمل المتخصص بوضع خطط عسكرية لنشر قوات إضافية في دول "الناتو"، وأيضاً وزارة الخارجية التي كانت تضع خطط الطوارئ للتعامل مع الأزمة الإنسانية للاجئين الأوكرانيين. وتم إطلاع الرئيس بايدن على "دليل العمل"، والخطط التي وضعتها وزارتا الدفاع والخارجية، وقام البيت الأبيض بوضع اللمسات النهائية حول كيفية التعامل مع الموقف بشكل كامل، وإفادة بايدن بالتطورات في الاجتماع الذي عقده مع مجلس الأمن القومي يوم 20 فبراير 2022. 

الخلاصة أنه بعد حشد روسيا قواتها على الحدود الأوكرانية في أكتوبر 2021، بدأ مجلس الأمن القومي الأمريكي الاستعداد المُبكر للتعامل مع أزمة تدخل عسكري روسي مُحتمل في أوكرانيا، وتم تشكيل فريق عمل متخصص داخل المجلس في نوفمبر 2021، وقام الفريق بوضع الخطط والسيناريوهات للموقف المُحتمل وبدائل التعامل معه في يناير 2022، وتضمنت هذه الخطط تحديد التهديدات المُحتملة في الأزمة الحالية، وأنماط الاستجابة لها. وفي هذا السياق، فإن الإجراءات التي أعلنتها إدارة الرئيس بايدن خلال الأزمة من فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وإرسال مساعدات عسكرية وإنسانية إلى أوكرانيا، والحشد والتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين؛ جاءت نتيجة جهود وتخطيط فريق عمل مجلس الأمن القومي.