أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

حركة البندول:

أربعة أنماط للتحولات الفكرية والعملياتية للتنظيمات الإرهابية في آسيا

22 نوفمبر، 2024


استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يوم 11 نوفمبر 2024، الدكتور أبو الفضل الإسناوي، مدير تحرير مجلة السياسة الدولية بمؤسسة الأهرام المصرية، والخبير في شؤون الحركات الإسلامية، في حلقة نقاشية تحت عنوان "الاتجاهات والتحولات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية في آسيا". وقد أدار الحلقة الأستاذ حسام إبراهيم، المدير التنفيذي لمركز المستقبل، وشارك فيها خبراء وباحثو المركز.

ناقشت الحلقة اتجاهات التنظيمات الإرهابية في قارة آسيا، من حيث الانحسار والتنامي، وكذلك من حيث تحولاتها في السلوك التنظيمي والفكري وقدراتها العسكرية وانتقالاتها الجغرافية، ومستويات الاستهداف، وما يرتبط بذلك من تحولات في بنية القيادة في هذه التنظيمات. وخلصت الحلقة النقاشية إلى رصد وتحليل أهم الاتجاهات الأساسية على النحو التالي:

أولاً: الاتجاهات العامة للتنظيمات الإرهابية في آسيا

أخذت التنظيمات الإرهابية، سواءً المحلية أو الإقليمية أو العالمية، الموجودة في آسيا، اتجاهيْ الانحسار والتنامي، وذلك كما يلي:

1 - منطقة الشرق الأوسط:

يمكن التطرق إلى اتجاهات الانحسار والتنامي للتنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط في ثلاث دول هي سوريا والعراق واليمن، كحالات واضحة تشهد تغيراً بين الحين والآخر. ففي سوريا، تظهر حدود التغيير في اتجاهات التنظيمات الإرهابية من خلال رصد الاختفاء والبقاء في التنظيمات الإرهابية ومسمياتها من ناحية، وتحديد مستوى التراجع والتقدم في عدد العمليات الإرهابية من ناحية أخرى، حيث توقَّف تأثير أغلبية التنظيمات الإرهابية المحلية، بينما شهدت التنظيمات الإرهابية العالمية إما اندماجات أو انشقاقات، وتزايدت العمليات الإرهابية التي قام بها تنظيم داعش الإرهابي خلال النصف الأول من عام 2024، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2023.

وعلى نقيض الحالة السورية، شهدت العراق انحساراً كبيراً للتنظيمات الإرهابية المحلية والعالمية على السواء، وتراجعت أعداد عمليات تنظيم "داعش" في جميع أنحاء العراق خلال النصف الأول من عام 2024.

أما اليمن؛ فقد شهدت ثباتاً نسبياً في خريطة التنظيمات الإرهابية خلال عام 2024 لمقارنة بما قبله، حيث ظلت التنظيمات الإرهابية الثلاثة على حالها تقريباً من دون تغييرات جوهرية، وهي: تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وولاية "داعش" باليمن، وجماعة أنصار الله "الحوثيين".

2 - دول جنوب آسيا:

تُعتبَر دول جنوب آسيا هي الأكثر دلالة على حدوث تغيُر في اتجاهات التنظيمات الإرهابية، من حيث نشاط التنظيمات وانتقالاتها الجغرافية؛ فقد شهدت أفغانستان منذ عودة حركة طالبان لتولي مقاليد السلطة تغيراً في اتجاهات التنظيمات الإرهابية الناشطة، وهو ما انعكس على باكستان؛ فخلال عام 2024، زادت عمليات تنظيم "داعش" خراسان، وتوسَّعت البنية اللوجستية لتنظيم القاعدة في أفغانستان. كما يحاول تنظيم "جيش تحرير بلوشستان" الاستفادة من واقع حركة طالبان لتعزيز وجوده في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان وإيران.

وفي باكستان، التي تعرف وجود عدة تنظيمات إرهابية، يلاحظ أنها تشهد تحولات بين التنامي والانحسار خلال عام 2024، حيث يوجد في نطاقها الجغرافي وفي أطرافها 6 تنظيمات محلية، مثل "طالبان باكستان، و"داعش خراسان"، و"حركة الأحرار الباكستانية"، و"الجهاد الباكستانية". وقد استمر تنامي معدل الهجمات التي نفذتها حركة طالبان باكستان على وجه خاص في العامين الأخيرين.

ومع التغيرات السياسية التي حدثت في بنجلاديش مؤخراً، تشير اتجاهات التنظيمات الإرهابية فيها إلى تحوُل كبير قد يؤدي إلى انعكاسات مستقبلية، خاصةً بعد إلغاء الحظر المفروض على الجماعة الإسلامية بعد 11 عاماً من تطبيقه؛ وهو ما يشجع على عودة ظهور بعض الحركات الأكثر تطرفاً.

3 - دول آسيا الوسطى:

استمر الكمون في حركة وجغرافيا التنظيمات الإرهابية في آسيا الوسطى، سواءً الحركة الإسلامية في أوزبكستان أو حركة أنصار الله وحزب المقاومة في طاجيكستان، أو جند الخلافة في كازاخستان أو الحركة الإسلامية في قرغيزستان. ورغم كمون هذه التنظيمات من حيث تنفيذ عمليات أو هجمات في السنوات الأخيرة، إلا أن بعضها قام خلال 2024 بتنقلات جغرافية مثل الحركة الإسلامية في أوزبكستان وحركة أنصار الله الطاجيكية، حيث انتقلت عناصر التنظيمين إلى المنطقة الجغرافية الواقعة بين طاجيكستان وأفغانستان، خاصة في ولاية بدخشان، للعمل تحت إدارة جهاز الاستخبارات التابع لحركة طالبان أفغانستان.

وثمة ملاحظة أخرى تتمثل في الاستهداف الناعم من تنظيم داعش لدول آسيا الوسطى من خلال التجنيد عَبْرَ وسائل التواصل الجديدة، فهناك تقديرات تشير إلى أن أغلبية عناصر داعش خراسان هم من سكان جمهوريات آسيا الوسطى، ويمثل الطاجيك منهم حوالي 5%؛ وبالتالي يمكن القول إن دول وسط آسيا تصدَّرت تجنيد عناصر داعش خلال سنة 2024، وهو ما قد يُشكِّل خطورة مستقبلية على دول المنطقة ودول الجوار، فعلى سبيل المثال، استهدف داعش خراسان عَبْرَ مقاتلين من الطاجيك، روسيا في مارس 2024، وهو ما يُمثِّل تحولاً في قدرات التنظيم الذي قتل ما يقرب من 144 شخصاً في هذا الاستهداف.

كما شهدت إيران عملية إرهابية نفذها تنظيم داعش في يناير 2024 أدت إلى مقتل 84 شخصاً وإصابة 284 آخرين، ثم شهدت إيران عملية أخرى نفذها جيش العدل الناشط على الحدود الباكستانية، وأدت إلى مقتل 11 من أفراد الأمن الإيرانيين.

4 - دول جنوب شرق آسيا:

استمر الهدوء في جنوب شرق آسيا فيما يخص النشاط الإرهابي في عام 2024، فقد كان آخر هجوم شهدته هذه المنطقة في ديسمبر 2023 من جانب تنظيم داعش في الفلبين، وتم ضبْط خلية إرهابية تتبَع نفس التنظيم في ماليزيا في يونيو 2024، وسبق ذلك ضبْط خلية أخرى للتنظيم في سنغافورة خلال شهر فبراير 2023. ويذكر أن القوات الفلبينية قامت بقتل قائد تنظيم داعش في منطقة جنوب شرق آسيا، أبو زكريا، في يونيو 2023.

وعليه، يمكن القول إن تنظيم "داعش" والتنظيمات المحلية التابعة له في جنوب شرق آسيا، مثل أنصار الخلافة وجماعة ماوتي في الفلبين، وكذلك جماعة خلافة المسلمين وجماعة مجاهدي شرق إندونيسيا، تعيش حالة من الكمون، ربما بسبب تصاعُد اهتمام تنظيم داعش بمنطقتي شرق وغرب إفريقيا كمطقتين أكثر ملاءمة لاستعادة قوة التنظيم خلال الفترة المقبلة.

ويبقى التحول الأهم الذي شهدته خريطة التنظيمات الإرهابية في جنوب شرق آسيا، هو قيام الجماعة الإسلامية، بقيادة أبو بكر باعشير، والتي توجد في دول المنطقة، خاصة في إندونيسيا، بحل نفسها والإعلان عن تبنيها المسار السلمي منذ نشأتها في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي.

ثانياً: التحولات الرئيسية في التنظيمات الإرهابية وانعكاساتها:

بقراءة خريطة التنظيمات الإرهابية في آسيا والاتجاهات الرئيسية التي اتخذتها هذه التنظيمات من حيث مستوى التنامي والانحسار، يمكن رصد أربعة أنماط للتحول في هذه التنظيمات خلال الفترة الأخيرة، وهي كالتالي:

1 - التحول إلى النشاط السلمي والسياسي:

يُعتبَر ترْك التنظيمات الإرهابية للعنف سلوكياً وفكرياً، أهم التحولات التي يمكن أن تشهدها الجماعات المتطرفة التي تنسب نفسها للإسلام، لكن قياس التحول من العمل المُسلَّح إلى السلمي لا يعني في كل الوقت انتقالاً كاملاً للتنظيم من العنف إلى السلمية، بل هناك ثلاثة مستويات يمكن أن أي تنظيم متحول يكون واحداً منها، وهي:

أ - التحول الشامل: يعني أن عملية التحول التي يقوم بها التنظيم من العنف إلى السلمية تتضمن تحقيق ثلاثة شروط هي: تحوُل أيديولوجي أو فكري، بمعني أن يدين التنظيم العمل المُسلَّح في أدبياته الفكرية، وتحوُل في السلوك يتضمن تخلي التنظيم عن سلاحه، وتحوُل في الهيكل من حيث تفكيك التنظيم لأجنحته وبنيته التنظيمية والعسكرية. وبتطبيق هذه الشروط، يلاحظ أنها تنطبق على حالة واحدة هي الجماعة الإسلامية في دول جنوب شرق آسيا، والتي قررت حل نفسها، ورفضها للعنف، وإلقاء السلاح.

ب - التحول البراجماتي: يعني التحول في التنظيم والسلوك مع تمسُّك التنظيم بأدبياته الفكرية، وبالتالي يتخلى التنظيم ذاته عن العمل المسلح سلوكياً، ولكن يدين هذا العمل إذا ارتكبه تنظيم غيره. وينطبق هذا النوع من التحول على الجماعة الإسلامية في بنجلاديش، حيث قامت السلطة الجديدة بعد تنحي الشيخة حسينة في أغسطس 2024، بفك حظر الجماعة التي أعلنت عن مشاركتها في الانتخابات المقرر إجراؤها في ديسمبر 2024، حيث لا تقوم الجماعة بأعمال إرهابية، ولكنها لا تدين التنظيمات الأخرى الأكثر تطرفاً والتي تَستخدِم الوسائل العنيفة.

ج - التحول الفصائلي: يتضمن هذا النوع تطبيق البعد الفكري والسلوكي دون تطبيق البعد التنظيمي، أي يقوم فصيل من التنظيم -وليس التنظيم كله- بالتخلي عن العمل المُسلَّح ونبذه ويتوقف عن شرعنته فكرياً. وربما يكون من أمثلة ذلك "هيئة تحرير الشام" وانفصالها عن القاعدة، حيث تبنت الحركة العمل السياسي، وقدَّمت نفسها على أنها حركة سورية وطنية تهتم بالشأن السوري فقط وترغب في تأسيس العلاقات مع الدول المجاورة والقوى الدولية، ونأت بنفسها عن "الحركة الجهادية العالمية" من منطلق تحقيق قدر من رضا الدول الغربية.

2 - بنية القيادة والتماسك الداخلي:

يُشكِّل الترابط بين عناصر التنظيم وقياداته، بالإضافة إلى استقرار القيادة عاملاً رئيسياً في تنامي جغرافيا التنظيم وانتشاره عملياتياً، مع عدم تغافُل تأثير عامل المواجهات الدولية للتنظيمات المتطرفة. وعلى العكس تؤدي الانقسامات الداخلية والصراع على القيادة إلى تعرُّض التنظيم للانشقاقات، وهو ما يصاحبه انحسار أو اختفاء للتنظيم الأصلي والفصائل المنشقة عنه.

وبالتطبيق على واقع التنظيمات الإرهابية في آسيا، نجد حالات تأثرت بالتغير في القيادة أو بالانقسامات الداخلية، فطالبان باكستان شهدت انتقالاً من الانحسار إلى التنامي بعد وفاة الملا "فضل الله" وتولي "نور والي محسود" في سنة 2018، حيث وحَّدت صفوفها الداخلية وضمَّت العديد من الفصائل المسلحة التي تتبنى أفكارها، خاصة بعد تولي طالبان أفغانستان السلطة، مثل "جماعة شهريار محسود، وجماعة الأحرار، ومجموعة أمجد فاروقي، ومجموعة عسكر جنجوي"، وغيرهم.

3 - أولوية الأهداف ونطاق ومستوى الاستهداف:

يُقصَد بأولويات الأهداف والاستهداف، ترتيب التنظيمات الإرهابية لأهدافها بين الفكرية واللوجستية المتضمنة جلْب الأموال؛ من أجل البقاء وكسْب المساحات من أجل الانتشار وتطبيق الأهداف الفكرية التي تعني بالنسبة لداعش خلافة المسلمين، وبالنسبة للقاعدة قتال الصليبيين والحكام، وبالنسبة للتنظيمات المحلية قتال أنظمة الحكمة المخالفة للشريعة.

وبالنظر إلى التنظيمات الإرهابية في آسيا، يلاحظ أنها شهدت تحولات في أولويات الأهداف والاستهداف، ففي سوريا أعطت بعض التنظيمات مثل "هيئة تحرير الشام" أولوية لقتال التنظيمات الإرهابية مثل داعش وتنظيم "حراس الدين" على قتال الحكومة السورية، وهذا قد يكون من منطلق براجماتي ومحاولة لتغيير صورتها في الداخل والخارج.

وبالمقابل، أضحى تنظيم داعش في سوريا أكثر محلية لناحية استهداف ما يعتبره العدو القريب، وبالتالي نفذ التنظيم منذ مطلع عام 2024 حوالي 33 هجوماً استهدف فيها صهاريج نقل النفط التابعة لكل من قوات سوريا الديمقراطية وقوات القاطرجي العاملة ضِمن قوات الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري، والمتخصصة في نقل النفط من مناطق قسد إلى مناطق سيطرة النظام، بواقع 24 عملية ضد قسد، و9 عمليات ضد ميليشيا القاطرجي.

وهنا يلاحظ أيضاً أن التنظيمات الإسلامية الجهادية في تايلاند تتخذ طابعاً محلياً صرفاً، فهي تَستهدِف قوات الحكومة في الجنوب؛ بينما استهدفت التنظيمات المماثلة في جنوب الفلبين التحول إلى طابع إقليمي وعالمي، وهو ما أدخلها في حرب مع السلطات بعدما قام بعضها بتأييد تنظيم داعش في سنتيْ 2014 و2015.

4 - القدرات العسكرية والاتصالية:

يُظهِر عام 2024 استمرار تحوُل التنظيمات الإرهابية في آسيا من استخدام المدافع الرشاشة والقذائف الصاروخية، إلى استخدام الطائرات بدون طيار والذخيرة المُوجَّهة والصواريخ الباليستية، وهو ما يمثل تحولاً نوعياً، حيث تجاري التنظيمات الإرهابية التطورات التكنولوجية بسرعة كبيرة وتسعى إلى إيجاد بدائل في أساليب وأدوات تنفيذ عملياتها الإرهابية.

أخيراً، يخلص الإسناوي إلى أن التغير في اتجاهات وتحولات التنظيمات الإرهابية في آسيا، من حيث الانحسار أو التنامي، فيما يشبه حركة البندول، يعتمد إلى حد كبير إلى تطوُر طرق المكافحة من قِبَل دول وسط وجنوب آسيا على وجه خاص، خاصة وأن هذه الدول - رغم تطبيع علاقتها التجارية مع طالبان أفغانستان باستثناء طاجيكستان – تتخوف من تصدير طالبان لنموذجها خارج حدود أفغانستان. كما أن تمكين حزب الجماعة الإسلامية في بنجلاديش، وهو حزب ينتمي لتنظيم الإخوان المسلمين، والذي سوف يشارك في انتخابات ديسمبر 2024، قد يعني تمكين موازٍ لجماعات وتنظيمات متطرفة وعنيفة في بنجلاديش ودول الجوار، ربما في تكرار لما حدث في مصر وليبيا وبعض دول الشمال الإفريقي وغيرها من الدول العربية بعد مرحلة الثورات في سنة 2011.