أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

حسم أمريكي؟:

استراتيجية بناء جيش جديد للمعارضة السورية

29 ديسمبر، 2014


إعداد: دعاء الجهيني

لاتزال الأزمة السورية تحظى باهتمام كبير من قبل المُفكرين وصُناع القرار، في ضوء تفاقم هذه المعضلة بشكل يُصعب التنبؤ بتوقيت نهايتها. وقد سعت مراكز الفكر الأمريكية في الفترة الأخيرة إلى طرح حلول لإدارة الرئيس أوباما، بما يسهم في إخماد نار الصراع السوري المشتعل، ومنها "معهد بروكينجر" الذي نشر دراسة في أكتوبر 2014 للخبير في شؤون الشرق الأوسط، كينيث بولاك، تحت عنوان: "بناء جيش سوري أفضل للمعارضة.. كيف ولماذا؟"

تتمثل الفكرة الأساسية التي تتناولها هذه الدراسة في بناء جيش سوري جديد بمواصفات وعقيدة أمريكية ليؤدي دوراً أساسياً - بعد تشكيله - في إسقاط النظام السوري ومحاربة التنظيمات الإرهابية مثل "داعش"، وتسلم مقاليد الحكم في البلاد. ومن ثم يراهن "بولاك" على أن هذه الاستراتيجية حال تنفيذها بنجاح ستساهم في تحقيق الولايات المتحدة عدة أهداف، فمن ناحية لا شك أن بناء جيش للمعارضة السورية يُغني واشنطن عن التدخل المباشر لإنهاء هذه الأزمة، ومن ناحية أخرى فقد تسهم استراتيجية الجيش الجديد في تحقيق الاستقرار الداخلي في الأراضي السورية وإنهاء الصراع الطائفي والتطرف، والدفع بالأطراف إلى طاولة الحوار للوصول إلى حلول لهذه المعضلة.

دوافع التحرك الأمريكي تجاه الأزمة السورية

على إثر خطاب الرئيس باراك أوباما في سبتمبر 2014، والذي تعهد فيه ببناء الجيش السوري الجديد من المعارضة المعتدلة، ليكون قادراً على مواجهة الجماعات المتطرفة ونظام بشار الأسد على السواء؛ يرى بولاك في دراسته أن دوافع تحرك الولايات المتحدة إزاء الأزمة في سوريا تدور حول مستويات ثلاثة، تتمثل في الدوافع الإنسانية والاقتصادية والأمنية.

وأوضح الكاتب أن الأزمة السورية تُمثل أهمية بالغة بالنسبة لمصالح واشنطن الاقتصادية، فرغم عدم وجود ارتباط مباشر بين المصالح الأمريكية والسورية على الصعيد الاقتصادي، فإن شيوع الفوضى في الأراضي السورية تُلقي بتبعاتها وتأثيراتها السلبية على منطقة الشرق الاوسط بأسرها، وتحديداً دول الجوار التي ترتبط بها المصالح الأمريكية الاقتصادية، وفي مقدمتها بالطبع العراق الذي يعد ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك.

وعلى هذا الأساس، تأتي مساعي وتحركات الإدارة الأمريكية في سوريا بدافع الحفاظ على استقرار أسعار النفط من خلال تنفيذ استراتيجيتها المأمولة للحيلولة دون نشوب حروب إقليمية قد يشعلها استمرار تفاقم الحروب الأهلية في سوريا.

ويتمثل الدافع الانساني للولايات المتحدة – من وجهة نظر بولاك - في سعيها نحو منع كوارث بشرية، ووقف العنف الدموي، وإنهاء أزمة نزوح اللاجئين إلى الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن. وجدير بالذكر أن الدافع الإنساني غالباً ما تلجأ إليه واشنطن في كثير من تدخلاتها الخارجية كما حدث في ليبيا عام 2011.

وفي إطار الحديث عن الدافع الأمني، تؤكد الدراسة على سعي إدارة أوباما نحو كبح جماح تطرف التنظيمات الإرهابية التي وجدت من سوريا والعراق تربة خصبة لانتشارها في منطقة الشرق الأوسط.

خطوات تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية الجديدة

تشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة في إطار سعيها لتنفيذ استراتيجية بناء جيش من المعارضة السورية، تعتزم اتخاذ مجموعة من الخطوات، ومنها تدريب 5000 من المعارضين السوريين في بداية الخطة، ثم تجهيز الجيش كاملاً بعد فترة تدريب مناسبة، حيث قد يستغرق الأمر من عام إلى عامين لتدريب قوة أولية قوماها ما بين 2 إلى 3 ألوية عسكرية للسيطرة على بعض الأجزاء من أراضي سوريا. وقد يحتاج اكتمال الجيش الجديد ثلاث سنوات أخرى حتى يتمكن من هزيمة جيش بشار الأسد والميليشيات المسلحة الأخرى، مما يشير إلى أن إعداد الجيش الجديد قد يستغرق 5 سنوات حتى يكتمل.

وتلفت الدراسة الانتباه إلى ضرورة خضوع الجيش الجديد للبرامج العسكرية الأمريكية، وللقواعد التي ترسيها الرؤية الأمريكية في إنشاء هذا الجيش، بحيث يكون من أهم سماته الحيادية والبُعد عن أية تحيزات عرقية أو طائفية، وأن يكون دوره قائماً على تعزيز التعددية، ومُسّخراً لخدمة الطوائف المتنوعة، لا أن يكون أداة للقمع؛ الأمر الذي يحتم عليه ضرورة الالتزام بطمأنة جميع الفئات داخل المجتمع السوري، والتأكيد أن هدفه تحقيق الاستقرار.

وهكذا، يشترط الكاتب لتنفيذ استراتيجية بناء الجيش السوري الجديد، التزام واشنطن بخطة عمل واقعية توفر لها فرصة نجاح معقولة، وأن يتم إعداد هذا الجيش بشكل جيد، ولا يُدفع به إلى ساحات القتال إلا إذا كان جاهزاً ويمتلك المهارات التكتيكية، والأسلحة الخفيفة والثقيلة، والقيادة، والدعم اللوجستي من قبل الولايات المتحدة. وحتى عندما يسيطر على أجزاء من الأراضي السورية، فإنه سيتعين على الإدارة الأمريكية الاستمرار في تطوير إمكاناته ليتولى مهمة تأمين البلاد.

محددات بناء جيش جديد للمعارضة السورية

1- التكلفة المالية:

في سياق ما عرضته الدراسة من تقديرات رقمية حول تكلفة إعداد وتنفيذ خطة بناء الجيش الجديد في سوريا، وذلك بناءً على المقارنة التاريخية لسلسة التدخلات الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق والبوسنة وغيرها، ذكر "بولاك" أن تكلفة تنفيذ هذه العملية يفوق بمراحل تكلفة الفواتير التي دفعتها الولايات المتحدة في تدخلاتها السابقة، وأوضح أن برامج التدريب والتسليح في سوريا قد تُكلف ما بين مليار إلى ملياري دولار سنوياً، و6 إلى 19 مليار دولار سنوياً للدعم الجوي، وربما حوالي مليار ونصف إلى 2.75 مليار دولار سنوياً للمساعدات الإنسانية.

وتعكس هذه التقديرات تحكم عامل التكلفة في مسار تنفيذ استراتيجية بناء الجيش السوري الجديد، ومدى قدرة الولايات المتحدة على توفير الدعم المالي لتغطية التكاليف المطلوبة، فضلاً عن الصعوبات التي قد تواجهها واشنطن في توفير مستشارين في المجال الجوي، وكل ذلك يتطلب ضرورة اعتماد مليارات الدولارات لإتمام تنفيذ الاستراتيجية وتحقيق هدف إنقاذ السوريين من قبضتي نظام بشار الأسد، وتطرف "داعش".

وفي هذا الصدد، يؤكد "بولاك" على أهمية الدعم المالي من الدول الخليجية لنجاح تلك الاستراتيجية، متوقعاً أن تتحمل دول الخليج الجزء الأكبر من فاتورة التكاليف الباهظة لبناء الجيش السوري، وأرجع ذلك إلى أن الحلفاء الخليجيين تتسق مصالحهم مع الأهداف الأمريكية تجاه القضية السورية في إطار رغبتم في تحقيق الاستقرار المنشود هناك. ولذلك، تشدد الدراسة على أن دول مجلس التعاون الخليجي تُعد أهم حليف للولايات المتحدة لإتمام تنفيذ تلك الاستراتيجية بنجاح في مواجهة نظام الأسد والجماعات المتطرفة.

2- الموقفان الروسي والإيراني:

ترى الدراسة أن أهم الدروس المستفادة من التدخلات الأمريكية في أزمات سابقة في بعض الدول الأخرى، تتجلى في أهمية أن يكون هناك دعم إيجابي من جانب الأطراف الدولية لتنفيذ الاستراتيجية الأمريكية. وفي هذا الإطار، يشدد "بولاك" على أهمية حصول الولايات المتحدة على دعم الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة بشأن مبادرة بناء الجيش السوري الجديد، خاصة أن مواقف هذه الدول قد تتفاوت حيال هذه الاستراتيجية وفقاً لاعتبارات المصلحة الخاصة التي تتحكم في مجريات السياسة الدولية دائماً.

وتركز الدراسة على الموقفين الروسي والإيراني تجاه المبادرة الأمريكية في سوريا، معتبرةً أن موقف الدولتين سيعتمد على ما ستقوم به الولايات المتحدة، وعلى وجه الخصوص إذا ما كانت ستوفر الدعم الجوي للمعارضة السورية. فرغم أن موسكو وطهران ترغبان في انتصار نظام الأسد ضد معارضيه، فإن كلتيهما لا تريد أن تدخل في حرب مباشرة مع واشنطن. وفي كل الأحوال، ستلجأ روسيا وإيران إلى توفير قدر من الدعم السري للنظام السوري كما فعل الإيرانيون من دعم للجماعات المناهضة للولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وكما فعل الروس في دول العالم الثالث خلال الحرب الباردة.

وبالتالي، قد يشجع الإيرانيون حزب الله لتقديم مزيد من المساعدة لنظام الأسد، كما قد تحاول روسيا عرقلة الإجراءات الأمريكية في مجلس الأمن، وإن كانت التجربة السابقة في البوسنة وكوسوفو أكدت أن واشنطن قد تنفذ خططها دون الحصول على موافقة الأمم المتحدة، وهو ما أجبر الروس حينها على دعم الموقف الأمريكي.

لذا، يؤكد الكاتب على أن الخطوة الأولى لجعل روسيا وإيران تتجنبان المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة فيما يتعلق باستراتيجية بناء الجيش السوري المعارض، هو أن تلتزم الإدارة الأمريكية بتنفيذ هذا الخيار بشكل كامل وتعكس ذلك في تصرفاتها. ففي هذه الحالة، ستكون كل من موسكو وطهران على استعداد للتخلي عن نظام الأسد، إذا ما ظهر للدولتين أكثر من أي وقت مضى أن الولايات المتحدة مستعدة للقيام بكل ما هو ضروري للإطاحة بهذا النظام. وما يعزز هذا السيناريو، إعلان الإيرانيين في وقت سابق أن سياستهم تجاه سوريا غير مقيدة بالأشخاص؛ مما يعني إمكانية التضحية ببشار الأسد كما فعلوا مع نوري المالكي في العراق، إذا كان ذلك يصب في اتجاه الحفاظ على مصالحهم في سوريا، والتي تقع مع الشيعة العلويين وليس بالضرورة مع الأسد نفسه.

تأثير الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على العراق

يتوقع الكاتب أن تكون استراتيجية بناء الجيش السوري الجديد سبيلاً نحو تحقيق الاستقرار في العراق، خاصةً أن الأزمتين السورية والعراقية هما بمثابة أزمة واحدة تتشابه في تفاصيلها وتبعاتها. لذا، وجدت الإدارة الأمريكية ضرورة تبني استراتيجية جديدة متكاملة تحقق استقرار البلدين بعد تفاقم التمدد "الداعشي" فيهما، وما ترتب عليه من تزايد احتقان الأوضاع في الدولتين وفي عموم المنطقة.

ويُنظر للاستراتيجية الجديدة في سوريا على أنها آلية فعالة قد تحقق المقاصد الأمريكية المرجوة من خلال التناغم والتلاحم المتوقع بين كل من الجيش المعارض الجديد والسنة المعتدلين في العراق، وهكذا فقد يكون هذا الجيش السوري الجديد بمثابة حليف يسهم في إنهاء الصراعات الطائفية والتطرف الذي يهدد الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

خلاصة ما أوردته الدراسة، أنه يتعيّن على الولايات المتحدة انتهاج دور حاسم في سوريا، وهو ما يتطلب عدم تواجد قوات برية أمريكية في سوريا، وتنفيذ استراتيجية مفادها بناء جيش جديد للمعارضة السورية المعتدلة، بحيث يبتعد هذا الجيش عن سياسة الإقصاء لأي سبب كان، مع توفير كافة الإمكانيات المطلوبة والتمويل اللازم له، لإلحاق الهزيمة بكل من نظام بشار الأسد والجماعات الإرهابية، وأن يكون ذلك الجيش قادراً على استعادة القانون والنظام وتأمين عملية تقاسم السلطة وتحقيق المساواة والاستقرار في البلاد.

* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "بناء جيش سوري أفضل للمعارضة: كيف ولماذا؟"، والصادرة عن معهد بروكينجز، أكتوبر 2014.

المصدر:

Kenneth M .Pollak, Building A Better Syrian Opposition Army: The How and Why? (Washington, Brookings Institution, October 2014).