أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

أزمة محتملة:

إشكاليات انتقال السلطة حال خسارة "ترامب" الانتخابات

14 أكتوبر، 2020


عرض: وفاء الريحان - باحثة في العلوم السياسية

أثار تجنب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الإجابة عندما سأله أحد المراسلين عما إذا كان سيلتزم بانتقال سلمي للسلطة في حالة خسارته في الانتخابات الرئاسية المقرر لها في نوفمبر المقبل مزيدًا من القلق محليًّا وعالميًّا. وهو ما دفع البعض إلى اعتبار الانتقال الرئاسي الأمريكي خلال هذا العام من بين اللحظات الحاسمة التي  قد تُحْدِث الفوضى في النظام السياسي للبلاد، بعد أن شهد الأمريكيون أول انتقال ديمقراطي للسلطة في العالم منذ أكثر من 220 عامًا.

وفي هذا السياق، يتحدث "تيموثي نفتالي"، المؤرخ في الشأن الرئاسي بـشبكة "سي إن إن" الأمريكية، في مقاله المعنون "الانتقال الرئاسي المحفوف بالمخاطر"، والمنشور بعدد الخريف لمجلة "السياسة الخارجية"، من واقع خبراته في مجال رصد تاريخ عمليات تسليم السلطة بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة والتحديات التي تواجه تلك العمليات، ورؤيته لصعوبة المواجهة الرئاسية الحالية باعتبارها من أسوأ تلك التحديات.

طول فترة الانتقال

يُشير "نفتالي" إلى أنه عندما قدَّمت الولايات المتحدة -كأول ديمقراطية في عصر الدول القومية- مفهوم نقل السلطة من رئيس إلى آخر، فإنها أوجدت بذلك أيضًا فكرة الانتقال السياسي، التي ترمز إلى الفترة الفاصلة بين انتخاب القائد الجديد وممارسة سلفه للسلطة حتى عملية تنصيبه.

ويذكر الكاتب أن طول المدة من الانتخابات إلى تنصيب الرئيس الجديد أفرز عددًا من الإشكاليات، منها عندما خلف الرئيس الأمريكي الثاني "جون آدامز"، "جورج واشنطن" في عام 1797، كان هناك تأخير كبير بين انتخاب "آدامز" من قِبَل الهيئة الانتخابية (المجمع الانتخابي) في أوائل ديسمبر 1796 وتنصيبه في مارس التالي، وقد عكست هذه الفترة الزمنية بالتأكيد بطء وتيرة النقل والاتصالات في القرن الثامن عشر، إلى جانب كونها نتاج عملية التصويت غير المباشر التي تعتمد على فكرة المجمع الانتخابي.

وفي هذا الإطار، تم إجراء التعديل العشرين لدستور الولايات المتحدة الذي تم التصديق عليه في عام 1933، والذي على أساسه تم تحديد يوم التنصيب في 20 يناير. وبعد الحرب العالمية الثانية، عندما أصبحت الولايات المتحدة قوة عالمية ذات تحالفات واسعة، وأنشطة عسكرية كبيرة؛ أضحت تلك المدة التي تصل إلى 11 أسبوعًا طويلة جدًّا، وهو ما يؤدي إلى حدوث الكثير من الأخطاء.

مصادر ثلاثة للاضطراب

يوضّح "نفتالي" كيف أن الأمريكيين عندما قاموا بتعديل الدستور خلال المرحلة الأولى من الحرب الباردة ليقصر مدة الرؤساء على فترتين، لم يدركوا الحاجة إلى تسريع الانتقال بينهم أكثر من تلك المدة، لذا ارتبطت فترات التحولات الرئاسية بالمزيد من الاضطرابات، وكان هناك ثلاثة أسباب رئيسية تُفسر أسباب المتاعب التي يُسببها طول الفترة الانتقالية للولايات المتحدة والعالم، يتمثل أولها في استمرار الرؤساء المنتهية ولايتهم في العمل على بناء إرثهم في الأشهر الأخيرة من ولايتهم، ستكون له انعكاساته بلا شك على السياسة الخارجية، ومن المحتمل أن يتسبب في مشاكل متعددة لخلفائهم. 

وينصرف ثانيها إلى أنه عادة ما تكون هناك اختلافات حادة في الفلسفة أو الأسلوب بين الإدارات المنتهية والقادمة، والتي تؤثر على التزامات الأمن القومي المستمرة. ويتعلق ثالثها بأنه في مناسبات نادرة، يثير الرئيس المستقبلي المتاعب، بينما لا يزال شاغل المنصب يحكم.

ويذكر الكاتب أن الانتقال بين الرئيسين " دوايت أيزنهاور" و"جون كينيدي"، كان يُعبّر عن الحالة النموذجية لبناء الإرث في اللحظة الأخيرة، والتي تولَّد عنها نتائج كارثية وشبه كارثية، فخلال الأشهر العشرة الأخيرة في منصبه، أجاز "أيزنهاور" برامج سرية لتغيير النظام في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والدومينيكان، وكوبا، وقد ورثت إدارة "كيندي" العديد من الأزمات الناتجة عن قرارات الإدارة المنتهية ولايتها في أسابيعها الأخيرة، ولم يكن ذلك المثال الوحيد، بل امتلأ التاريخ الأمريكي بالأمثلة الأخرى على قيام الرؤساء المنتهية ولايتهم باتخاذ قرارات ما بعد الانتخابات التي خلقت تحديات كبيرة لخلفائهم.

إدارة "ترامب" ومصادر الاضطراب

يُحاول الكاتب تصور مسار مصادر الاضطراب المذكورة أعلاه إذا حدث الانتقال الرئاسي في عهد الرئيس "ترامب"، فعندما تم انتخابه في عام 2016 لم ينتظر فريقه حتى يوم التنصيب ليبدأ في تقويض جهود الحكومة الأمريكية لمعاقبة نظام الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لتدخله في الحملة الانتخابية عام 2016، وهو ما تسبب في الكثير من الحرج لإدارة الرئيس "باراك أوباما".

ويتشابه ذلك مع ما حدث في الحملة الرئاسية عام 1968، عندما قوَّض "ريتشارد نيكسون" جهود إدارة " ليندون جونسون" للتفاوض على إنهاء حرب فيتنام، على الرغم من أن "نيكسون" كانت لديه النية لإنهائها بمجرد انتخابه.

ويذكر الكاتب أنه من واقع دراسة شخصية الرئيس "ترامب" فإنه من المحتمل أن تشهد البلاد انتقالًا محفوفًا بعناصر النوعين الأولين من مصادر الاضطراب في حال خسارته، فقد يحاول "ترامب" المهزوم بناء إرث مضطرب قبل ترك منصبه، وهو ما ظهر في قراره في يوليو 2020 بسحب الآلاف من القوات من ألمانيا، واحتضانه الخطاب المناهض للصين فيما يتعلق بفيروس كورونا المستجد، كما يمكن أن يستخدم أيامه المتبقية في السلطة لتقويض حلف الناتو وتفاقم العلاقات مع بكين. ولحسن الحظ، فإن معظم مبادرات المرحلة المتأخرة المحتملة (مثل: الانسحاب العشوائي للقوات، أو فرض المزيد من التعريفات الجمركية على البضائع الصينية) يمكن عكسها، حتى لو كانت تُعقد العملية الطويلة لإعادة بناء الثقة الدولية.

من ناحية أخرى، يعتبر الكاتب أنه بالرغم من ميول الرئيس "ترامب" الانعزالية، فإنه على عكس الرئيس "أيزنهاور" لن يبدأ أي برامج جديدة لتغيير النظام في الخارج يمكن أن تعقد أول مائة يوم من أيام المنافس الديمقراطي "جو بايدن" إذا أصبح رئيسًا، والاستثناء الوحيد المحتمل هو التحرك في اللحظة الأخيرة ضد طهران بالنظر إلى كراهية وزير الخارجية "مايك بومبيو" للنظام الإيراني.

ويزداد الأمر صعوبة في حالة فوز "بايدن" بهامش أصوات قريبة، فمن المحتمل أن تكون هناك أسابيع من الضجيج من "ترامب" حول التزوير الانتخابي المزعوم، إلى جانب عدم الاستعداد لمساعدة فريق "بايدن" الانتقالي بأي شكل من الأشكال.

ويذكر "نفتالي" أن جميع الإدارات الجديدة واجهت -تاريخيًّا- صعوبات -خاصة بعد حملات انتخابية شرسة- لتسريع بداية العهد الجديد. وفي هذا الإطار، يجب أن يتوقع فريق "بايدن" أن يتم استهدافهم من خلال جهود وسائل التواصل الاجتماعي والتسريبات، حيث إن حلفاء "ترامب" في عالم الأمن القومي يرون أن هناك مؤامرة مستمرة ضد الرئيس المنتهية ولايته.

ويتمثّل التحدي الثاني لفريق "بايدن" في تحديد واستئصال انتهاكات إدارة "ترامب"، وهو ما حدث مع إدارة "نيكسون" المنتهية في سبعينيات القرن الماضي، حيث تم الاعتماد على المسؤولين في إدارته الذين ظلوا أكثر التزامًا بالدستور من رئيسهم؛ وشكَّل العديد من هؤلاء الرجال والنساء جوهر إدارة "فورد" وساعدوا في تطهير حكومة الولايات المتحدة من وصمة "نيكسون". لكن في ظل الوضع الحالي لا يُتوقع من الأشخاص الذين يعملون في إدارة "ترامب" أن يقدموا مساعدة مماثلة لفريق "بايدن" أو الكونجرس، بل على العكس سيحاولون إخفاء الأدلة على أفعالهم.

وختامًا، يرى الكاتب أن الفترة الانتقالية الطويلة وعملية استبدال نخبة صنع القرار الأمريكي دائمًا ما يمثلان مصدر اضطراب في السياسة الأمريكية، وهو ما يثير الاهتمام والقلق الدوليين، خاصة أنه إذا خسر الرئيس "ترامب" فسيعمل كل ما في وسعه لعرقلة عملية الانتقال الرئاسي.

المصدر:

Timothy Naftali, “A Perilous Presidential Handoff”, Foreign Policy, September 24, 2020.