أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

قوة الردع:

دوافع الدعم العسكري الغربي للجيش اللبناني

25 يوليو، 2018


كثفت الدول الغربية منذ مطلع العام الجاري دعمها العسكري واللوجستي للجيش اللبناني لعدة اعتبارات، على رأسها تعزيز سيادة الدولة، خاصةً في مواجهة تنامي قدرات "حزب الله" العسكرية، بالإضافة إلى ضبط الحدود "الرخوة" مع سوريا، بما يحقق أمن إسرائيل، ويقلص في الوقت نفسه من حركة العناصر المسلحة بين سوريا ولبنان، بهدف منع تكرار النموذج السوري. كما يستهدف ذلك الدعم تعديل مواقف السياسة الخارجية اللبنانية، مثل عدم رفض صفقة القرن، وتعديل موقفها المندفع تجاه اللاجئين السوريين، الأمر الذي يعكس التطلع لزيادة دور المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي اللبناني، بجانب إرساء الأمن والاستقرار. 

شهدت الفترة الأخيرة تزايد الدعم العسكري الغربي للجيش اللبناني، ومن شواهد ذلك ما يلي:

1- تسلم الجيش اللبناني في 25 يونيو من العام الجاري عددًا من الصواريخ المضادة للدروع مقدمة من فرنسا، بالإضافة إلى كمية من العتاد العسكري والأسلحة والذخائر مقدمة من قبرص.

2- تسلم الجيش اللبناني هبة مقدمة من قوات "اليونيفيل" العاملة في لبنان في 29 يونيو الماضي، تضمنت منشآت مسبقة الصنع، وسيارة إطفاء، وقطع غيار مولدات كهربائية.

3- تنظيم اليونيفيل دورة تدريبية مشتركة لعدد من ضباط الجيش اللبناني والكتيبة الإيطالية التابعة لليونيفيل، في الاتصالات التكتيكية والمصطلحات اللغوية اللا سلكية، وذلك ضمن عدد من الدورات التي تنظمها القوة الإيطالية لتعزيز دور اليونيفيل في دعم وتعزيز قدرات الجيش اللبناني في الجنوب، وفق القرار 1701.

4- عدد من الزيارات المتبادلة لمسئولين رفيعي المستوى بين الجانبين، وذلك على النحو التالي: 

أ- زيارة وزير الدولة البريطاني لشئون الشرق الأوسط "أليستر بيرت" لبنان في 29 يونيو الماضي للقاء عدد من المسئولين، معلنًا بدء بناء مركز تدريب للجيش اللبناني بتمويل من المملكة المتحدة في البقاع، حيث سيتيح إنشاء مرفق جديد ومتخصص لتدريب أفواج الحدود البرية، والمساهمة في التزام المملكة المتحدة بتدريب 11000 عنصر في الجيش اللبناني بحلول عام 2019، و14000 بحلول عام 2021.

ب- زيارة وزيرة الدفاع الإسبانية "مارغريتا روبلس" لبنان في 28 يونيو الماضي، حيث التقت وزير الدفاع اللبناني "يعقوب الصراف" لبحث التعاون في المجالين الدفاعي والعسكري، وتداولا سبل تعزيز هذا التعاون وتطويره عبر اتفاقيات تطال مجالات عدة، كما بحثا التنسيق في المجال الاقتصادي وتطورات المنطقة، بالإضافة إلى تفقدها الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

ج- زيارة قائد الجيش اللبناني العماد "جوزف عون" على رأس وفد عسكري الولايات المتحدة الأمريكية في 26 يونيو الماضي، حيث التقى عددًا من المسئولين في الجيش الأمريكي لبحث العلاقات بين الجيشين، وتقييم المساعدات العسكرية الأمريكية، ووضعِ تصوّرٍ جديد للحاجات المستقبلية للجيش. 

د- زيارة مقررة لوزيرة الدفاع الفرنسي في النصف الأول من يوليو الجاري، لبحث برنامج المساعدات الفرنسية للأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية، في ضوء نتائج قمة "روما 2" التي اتخذت قرارات بدعم الجيش وسائر الأجهزة الأمنية، وأشارت المصادر إلى أن تلك الزيارة تم ربطها بتأليف الحكومة الجديدة، على أن تلتقي وزيرة الدفاع نظيرها وليس وزيرًا في حكومة تصريف أعمال.

محركات دافعة:

يمكن إرجاع دوافع الدعم العسكري الغربي الأخير للجيش اللبناني إلى الأسباب التالية:

1- تعزيز سيادة الدولة: مع بدء تنامي نفوذ "حزب الله" وقدراته العسكرية، وتحسبًا من استخدامها في وجه الدولة اللبنانية بناءً على تجارب سابقة، اتجهت الدول الغربية، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، لتعزيز سيادة الدولة اللبنانية عبر تعزيز قدرات القوات المسلحة وقوات الأمن اللبنانيين، وهو ما تم التعبير عنه في العديد من تصريحات المسئولين بالتشديد على أهمية الحفاظ على سيادة الدولة ضد السلاح غير الشرعي لحزب الله الذي يهدد الاستقرار الداخلي. 

وفي السياق نفسه، تعزز الولايات المتحدة من قدرات الجيش اللبناني لمواجهة التهديدات الخارجية المتمثلة في التنظيمات المتطرفة، والتي نجحت في خلق كيانات وموالين لها في الداخل اللبناني، خاصة المناطق الحدودية، مما دفع الجيش للقيام بعمليات نوعية لتطهير أراضيه، من أبرزها عملية تطهير جرود عرسال من داعش وجبهة النصرة في يوليو 2017.

2- ضبط الحدود "الرخوة": تسعى الدول الغربية لتعزيز قدرات الجيش اللبناني لضبط الحدود البرية تحديدًا، وهو ما دللت عليه نوعية المعدات والأسلحة المقدمة، وذلك استهدافًا للتالي:

أ- منع تسلل العناصر المسلحة بين سوريا ولبنان، خاصة قوات "حزب الله"، في إطار سعيها لإضعاف نظام بشار الأسد الذي يعتمد على القوات الأجنبية من سوريا وإيران. ويُشار في هذا الصدد إلى ما تم تداوله مؤخرًا عن السماح للإيرانيين بالدخول للبنان عبر مطارها الجوي بدون ختم جوازاتهم بالتأشيرة اللبنانية، مما يسهل انسياب المقاتلين والمسئولين العسكريين من إيران إلى سوريا، وهو الأمر الذي توليه الولايات المتحدة أولوية في حصارها لإيران، وتقليص نفوذها العسكري في المشرق العربي.

ب- سعي الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي أثار توترًا بين الجانبين إثر إعلان بيروت تلزيم مناطق امتيازات لشركات بترول أوروبية وروسية في مياهها الإقليمية بالبحر المتوسط، وإعلان تل أبيب أن تلك المناطق متنازع عليها، وبالتالي كثفت واشنطن من تحركاتها لتسوية ذلك الملف، كان آخرها تلقي لبنان في مطلع يونيو الماضي عرضًا أمريكيًّا بحل النزاع البري والبحري مع إسرائيل بما فيه مزارع شبعا المحتلة، وهو الأمر الذي لم يتم استكماله، ولا يزال قيد التفاوض. 

3- تعزيز أمن إسرائيل: تسعى تل أبيب لخلق مناطق آمنة على حدودها، سواء مع لبنان أو سوريا، خاصة بعد تزايد نشاط القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، وعلى رأسها "حزب الله"، وهو ما دفع روسيا للتأكيد على ضرورة إخلاء سوريا من الميليشيات غير الشرعية لتمكين سيادة الدولة، وبما يمنع التهديدات الموجهة إلى الأراضي الإسرائيلية عقب تصاعد التوتر مع طهران. وفي هذا السياق، يُعد تسليح الجيش اللبناني عنصرًا مهمًّا في تلك الخطة الساعية لتأمين إسرائيل، وللوقوف ضد أي ممارسات في هذا الصدد من الميليشيات المسلحة التي تتسلل عبر الحدود اللبنانية السورية، ودرء أي محاولات من الداخل اللبناني لتوجيه ضربات عسكرية للأراضي الإسرائيلية، الأمر الذي سيجر القوات النظامية اللبنانية الإسرائيلية لمواجهة عسكرية مباشرة. 

4- منع تكرار النموذج السوري: خلق تهديد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 23 يونيو 2017، بفتح الحدود اللبنانية لاستقدام آلاف المجاهدين والمقاتلين من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي ليكونوا شركاء في المعركة ضد إسرائيل، تحفظًا غربيًّا من إعادة استحضار النموذج السوري في لبنان، خاصة أن ذلك التصريح قد تبعته العديد من زيارات قيادات الميليشيات الشيعية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي أثار الرأي العام الداخلي والخارجي، كان أبرزها زيارة "قيس الخزعلي" زعيم جماعة عصائب أهل الحق العراقية المنضوية ضمن قوات الحشد الشعبي للحدود الجنوبية للبنان، مرتديًا لباسًا عسكريًّا، في ديسمبر 2017.

5- تغيير الموقف من اللاجئين السوريين: تُولِي دول الاتحاد الأوروبي الاهتمام بتعديل موقف لبنان المندفع نحو تسوية ملف اللجوء السوري على أراضيها عبر ترحيلهم على دفعات لسوريا، مما أثار حفيظة بعض المنظمات الدولية باعتبار أن ما يحدث تهجير قسري وليس طوعيًّا، ويهدد حياة اللاجئين. ومن جانب آخر، ترى بعض الدول الأوروبية أن الإجراءات اللبنانية قد تزيد من الهجرة غير الشرعية إلى أراضيها. وفي هذا السياق، كثفت الدول الأوروبية من مساعداتها العسكرية والاقتصادية مؤخرًا لتسوية ذلك الملف بما لا يضر بالمصالح الأوروبية، وتخلل ذلك زيارات رفيعة المستوى إلى لبنان كان آخرها زيارة المستشارة "أنجيلا ميركل" إلى لبنان في 21 يونيو الماضي، بالإضافة للمؤتمرات التي عُقدت لتعزيز قدرات الجيش اللبناني على رأسها مؤتمر "روما-2" الذي عُقد في 15 مارس 2018 بمشاركة 41 دولة، إضافة إلى حلف الناتو بصفة مراقب.

6- مواجهة التقارب اللبناني الروسي: ظهر منذ مطلع العام الجاري بوادر تقارب لبناني روسي في المجال العسكري، ومن دلالات ذلك تكليف الحكومة الروسية وزارة الدفاع بإجراء مباحثات مع لبنان، والتوقيع على اتفاقية حول التعاون العسكري، وذلك طبقًا لقرار نُشر في موقع رسمي روسي متخصص في نشر الوثائق والقرارات الحكومية (في 6 فبراير 2018)، وهو الأمر الذي تتحسب منه الدول الغربية الساعية لوقف تغلغل النفوذ الروسي في المشرق العربي، وإحلال لبنان السلاح الروسي كبديل عن نظيره الغربي، بالإضافة إلى رفض الدول الغربية ترسيخ الوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط التي تُعد منطقة نفوذها التقليدية.

تغيير الموازين:

خلاصة القول، تتطلع الدول الغربية إلى دور أكبر للمؤسسة العسكرية اللبنانية نظرًا لما تتمتع به من تقدير من كافة القوى السياسية في الداخل اللبناني، وستكون الدعائم الأساسية لذلك الدور ترجيح كفة الردع العسكري للدولة في مواجهة تنامي قدرات "حزب الله" العسكرية، لمنع أي ضغوط من الحزب لتحقيق مصالح سياسية في الداخل اللبناني، أو تجاه ملفات إقليمية مثل: التقارب مع سوريا، وحرية انتقال المقاتلين عبر الحدود، فضلًا عن ممارسة الجيش لدوره في تحقيق السلم والأمن وضبط الحدود مع دول الجوار، الأمر الذي يزيد من نفوذ المؤسسة العسكرية، وبالتالي تغيير موازين القوى في الداخل اللبناني، ويُحيِّد أثر السلاح غير الشرعي كورقة يستخدمها "حزب الله" للضغط من أجل تحقيق مصالحه السياسية ذات الأبعاد الإقليمية.