أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

انتكاسة دبلوماسية:

مخاطر تزايد الانتشار النووي على الأمن والسلم الدوليين

16 يوليو، 2024


عرض: أحمد عليبه

أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري" (SIPRI) تقريره السنوي الـ55، في يونيو 2024، والخاص بحالة التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي. ونشر المعهد موجزاً من التقرير تحت عنوان "تزايد دور الأسلحة النووية مع تدهور العلاقات الجيوسياسية"؛ إذ يتبنى اتجاه تزايد حالة الانتشار النووي للأسلحة في حالة التأهب بمعدلات لافتة ما بين عامي 2023 و2024، على خلفية تدهور العلاقات الجيوسياسية بين القوى العظمى النووية. كما واصلت معظم الدول النووية تحديث ترساناتها النووية.

مؤشرات التسلح النووي:

توضح مؤشرات حالة التسلح النووي العالمي ما يلي:

1- ثلث المخزون النووي في حالة انتشار: من إجمالي المخزون العالمي الذي يقدر بُنحو 12121 رأساً حربياً وفقاً لتقديرات "سيبري" في شهر يناير 2024، يوجد حوالي 9585 رأساً حربياً في مخزونات عسكرية للاستخدام المُحتمل، في حين تم نشر ما يُقدر بنحو 3904 من تلك الرؤوس الحربية بالصواريخ والطائرات (أي أكثر بـ60 رأساً مما كانت عليه في يناير 2023)، مع الاحتفاظ بحوالي 2100 رأس حربي منشور في حالة تأهب تشغيلي عالٍ للصواريخ البالستية.


2- معادلة عكسية: بينما يستمر إجمالي الرؤوس الحربية النووية العالمية في الانخفاض مع التفكيك التدريجي لأسلحة حقبة الحرب الباردة، ثمة زيادات سنوية في عدد الرؤوس الحربية النووية العاملة. وترشح تقديرات "سيبري" أن هذا الاتجاه سيستمر وربما سوف يتسارع في السنوات المقبلة؛ وهو أمر مقلق للغاية، وفقاً لتقديرات المعهد. 

3- عودة تأثير التسلح النووي في العلاقات الدولية: كشف ويلفريد وان، مدير برنامج أسلحة الدمار الشامل في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، عن عودة تأثير دور الأسلحة النووية في العلاقات الدولية، وقال: "لم نر الأسلحة النووية تؤدي مثل هذا الدور البارز في العلاقات الدولية منذ الحرب الباردة"، وأنه "من الصعب أن نصدق أنه لم يمر سوى عامين منذ أن أكد زعماء الدول الخمس الكبرى المسلحة نووياً بشكل مشترك أن الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا يجب خوضها أبداً".

4- انضمام الصين لسباق التسلح: أظهرت مؤشرات الصين للمرة الأولى حالة تأهب تشغيلي؛ إذ ارتفعت التقديرات الخاصة بحجم الترسانة النووية الصينية من 410 رؤوس حربية في يناير 2023 إلى 500 رأس في يناير 2024، ومن المُتوقع أن يستمر هذا النمو؛ بل من المُرجح أن تعمل بكين على توسيع ترسانتها النووية بشكل أسرع من أية قوة نووية أخرى. ومن المُحتمل أن تمتلك الصين عدداً من الصواريخ البالستية العابرة للقارات (ICBMs)، مثل: روسيا أو الولايات المتحدة، بحلول نهاية هذا العقد، بالرغم من أن مخزونها من الرؤوس الحربية النووية ربما سيظل أقل بكثير من المخزونات الروسية والأمريكية.

5- زيادة متوالية الانتشار: تسعى كل من الهند وباكستان وكوريا الشمالية إلى اكتساب القدرة على نشر رؤوس حربية متعددة على الصواريخ البالستية، وهو ما تمتلكه بالفعل روسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، ومؤخراً الصين. وهذا من شأنه أن يتيح زيادة مُحتملة سريعة في الرؤوس الحربية المنشورة. 

6- اتساع القوة التشغيلية: ثمة مؤشرات دالة على التوسع في التشكيلات النووية المعنية بعملية التشغيل، في جميع الدول المسلحة نووياً تقريباً، وهناك إما خطط أو مساعٍ كبيرة لزيادة القوات النووية. وكانت القوات التشغيلية ضمن التشكيلات العسكرية في معظم الجيش، لكن الظاهرة الجديدة هي وجود تشكيلات نووية مستقلة. 

7- المناورات النووية: هي أيضاً ظاهرة جديدة وتتمثل في القيام بمناورات نووية خاصة؛ إذ أجرت روسيا تدريبات على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية قرب الحدود الأوكرانية في 21 مايو 2024، وأخرى في 12 يونيو الماضي قرب حدود "الناتو" (النرويج وفنلندا وبولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا).  

8- ترتيبات التقاسم النووي: تزايد النقاش بشكل واسع حول التقاسم النووي، ففي عام 2023 نشرت روسيا أسلحة نووية على الأراضي البيلاروسية، وعلى الرغم من عدم وجود دليل مرئي قاطع على حدوث النشر الفعلي للرؤوس الحربية. فإن الوضع نفسه يحتل مساحة من النقاش في حلف "الناتو"، إضافة إلى زيادة الطلب على استضافة أسلحة نووية استراتيجية.  

9- تراجع الشفافية: تمتلك روسيا والولايات المتحدة معاً ما يقرب من 90% من جميع الأسلحة النووية. ويبدو أن أحجام مخزوناتها العسكرية من الرؤوس الحربية القابلة للاستخدام ظلت مستقرة نسبياً عام 2023. وبشكل عام، انخفضت الشفافية الخاصة بالقوات النووية للحالتين عقب الحرب الروسية الأوكرانية. وأعلنت الحكومة البريطانية أنها لن تكشف علناً بعد الآن عن كميات الأسلحة النووية أو الرؤوس الحربية أو الصواريخ المنشورة. 

10- تحديث الأسلحة النووية التكتيكية: تشير الإشعارات النووية إلى اتجاه معظم القوى النووية إلى تحديث الأسلحة النووية التكتيكية (غير الاستراتيجية). وأشار "سيبري"، نقلاً عن اتحاد العلماء الأمريكيين، إلى أن كوريا الشمالية تركز بشكل جديد على تطوير ترسانتها من الأسلحة النووية التكتيكية، وثمة قلق متزايد من أنها قد تنوي استخدام هذه الأسلحة "في وقت مبكر جداً من الصراع".

انتشار الأقاليم النووية:

أبرز تقرير "سيبري" عدداً من القوى النووية في العالم، من خلال ما يلي:

1- دول أوروبا: على الرغم من أنه لا يُعتقد أن المملكة المتحدة قد زادت ترسانتها من الأسلحة النووية في عام 2023، فإنه من المُتوقع أن ينمو مخزونها من الرؤوس الحربية في المستقبل نتيجة إعلان الحكومة البريطانية عام 2021 أنها سترفع الحد الأقصى من 225 إلى 260 رأساً حربياً. في حين واصلت فرنسا برامجها لتطوير غواصة الصواريخ البالستية من الجيل الثالث التي تعمل بالطاقة النووية (SSBN) وصاروخ "كروز" جديد يُطلق من الجو، بالإضافة إلى تجديد الأنظمة الحالية وتحديثها.

2- الهند وباكستان: قامت الهند بتوسيع ترسانتها النووية بشكل طفيف عام 2023، وواصلت كل من الهند وباكستان تطوير أنواع جديدة من أنظمة إيصال الأسلحة النووية في نفس العام. وبينما تظل باكستان هي المحور الرئيسي للردع النووي الهندي، يبدو أن نيودلهي تركز بشكل متزايد على الأسلحة الأطول مدى، بما في ذلك الأسلحة النووية، وتلك القادرة على الوصول إلى الأهداف في جميع أنحاء الصين.

3- كوريا الشمالية: تواصل بيونغ يانغ إعطاء الأولوية لبرنامجها النووي العسكري كعنصر أساسي في استراتيجية الأمن القومي. وتقوم في المرحلة الحالية بتجميع حوالي 50 رأساً حربياً، وتمتلك ما يكفي من المواد الانشطارية للوصول إلى إجمالي 90 رأساً حربياً، وهي زيادة كبيرة مقارنةً بتقديرات يناير 2023. وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية لم تقم بأية تفجيرات تجريبية نووية عام 2023، فقد أجرت أول اختبار لها لصاروخ بالستي قصير المدى من صومعة بدائية. كما أكملت تطوير نوعين على الأقل من صواريخ "كروز" للهجوم الأرضي (LACM) المصممة لإيصال الأسلحة النووية.

4- إسرائيل: وفق تقديرات "سيبري"، يُعتقد أن إسرائيل، التي لا تعترف علناً بامتلاك أسلحة نووية، تعمل على تحديث ترسانتها النووية، ويبدو أنها تعمل على تحديث موقع مفاعل إنتاج البلوتونيوم في ديمونة. 

تراجع الدبلوماسية النووية: 

أشار تقرير "سيبري" إلى تراجع الدبلوماسية النووية، موضحاً ذلك في النقاط التالية:

1- الولايات المتحدة وروسيا: اعتبر تقرير "سيبري" أن التوترات بشأن حربي أوكرانيا وغزة أدت إلى إضعاف الدبلوماسية النووية، وبشكل عام تعاني دبلوماسية الحد من الأسلحة النووية ونزع السلاح من انتكاسات كبيرة. ففي فبراير 2023، أعلنت روسيا تعليق مشاركتها في معاهدة "ستارت الجديدة" المُوقع عليها عام 2010 بشأن تدابير زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها، وهي آخر معاهدة متبقية للحد من الأسلحة النووية الروسية والأمريكية. وكإجراء مضاد، علقت واشنطن أيضاً مشاركة ونشر بيانات المعاهدة.

وفي نوفمبر 2023، سحبت روسيا تصديقها على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، بحجة "عدم التوازن" مع الولايات المتحدة، التي فشلت في التصديق على المعاهدة منذ فتح باب التوقيع عليها عام 1996. ومع ذلك، أكدت موسكو أنها ستظل من الدول الموقعة وستواصل المشاركة في أعمال منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBTO). 

2- الولايات المتحدة وإيران: يبدو أن الاتفاق غير الرسمي الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة وإيران في يونيو 2023 أدى إلى تهدئة مؤقتة للتوترات بين البلدين، والتي تصاعدت بسبب الدعم العسكري الإيراني للقوات الروسية في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن بداية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في 7 أكتوبر الماضي قلبت الاتفاق رأساً على عقب، ويبدو أن الهجمات بالوكالة التي شنتها الجماعات المدعومة من طهران على القوات الأمريكية في العراق وسوريا، أنهت الجهود الدبلوماسية الإيرانية الأمريكية. كما قوضت الحرب الجهود المبذولة لإشراك إسرائيل في مؤتمر إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط.

3- الولايات المتحدة والصين: الأمر الأكثر إيجابية هو أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى بكين في يونيو 2023، قد زادت من مساحة الحوار بين البلدين حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك الحد من الأسلحة. وفي وقت لاحق من العام الماضي، اتفق الجانبان على استئناف الاتصالات العسكرية بين البلدين. وفي هذا السياق، أوضحت العديد من التقارير الأمريكية أنه على الرغم من ضمانات عدم اللجوء إلى القوة النووية فيما يتعلق بأزمة تايوان، فإن التوتر النووي بشكل عام بين واشنطن وبكين لا يزال قائماً في ظل النمو التدريجي للترسانة النووية الصينية، وما يتعلق بهذا الملف من الناحية التقنية، وهو وجه آخر للسباق في المرحلة الحالية. 

الاستقرار العالمي في خطر:

خلص تقرير "سيبري"، وفق مؤشرات الحالة النووية، إلى أن الأمن والاستقرار العالميين في خطر متزايد، وأن دور الأسلحة النووية ينمو مع تدهور العلاقات الجيوسياسية. فآثار الحربين في أوكرانيا وغزة واضحة في كل جانب تقريباً من القضايا المرتبطة بالتسلح ونزع السلاح والأمن الدولي وفق المؤشر السنوي 2024. وبعيداً عن هاتين الحربين، اللتين احتلتا مركز الصدارة في التقارير العالمية والجهود الدبلوماسية ومناقشة السياسة الدولية على حد سواء، كانت الصراعات المسلحة نشطة في 50 دولة أخرى عام 2023. 

وفي ضوء هذه النتيجة، دعا دان سميث، مدير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، القوى العظمى إلى الحكمة في ظل عالم متوتر، وقال: "نحن الآن في واحدة من أخطر الفترات في تاريخ البشرية، فهناك مصادر عديدة لعدم الاستقرار: المنافسات السياسية، وعدم المساواة الاقتصادية، والاضطراب البيئي، وسباق التسلح المتسارع. إن الهاوية تلوح في الأفق، وقد حان الوقت للقوى العظمى أن تتراجع وتتأمل في آن واحد". 

المصدر:

Role of nuclear weapons grows as geopolitical relations deteriorate—new SIPRI Yearbook out now, The Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Stockholm, 17 June 2024.