أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

فنزويلا تناقضات الغنى والفقر

31 يناير، 2019


بغض النظر عمن يقف مع أو ضد الرئيس الفنزويلي مادورو، فإن ذلك لا يعنينا هنا، فلكل دولة مصالحها التي تفرض عليها الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك، إلا أن هناك سؤالاً كبيراً ومهماً يتعلق بهذا البلد اللاتيني، إذ ما الذي يجعل دولة غنية جداً تنام على ربع احتياطي النفط في العالم بهذه الحالة المزرية من الفقر والمعاناة؟، ففنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطي للنفط في العالم، والذي يُقدر بـ 300 مليار برميل، وبلغ إنتاجها ذروته في التسعينيات عند 4 ملايين برميل تقريباً، منها 3.2 مليون برميل من الصادرات، وذلك قبل أن يتدهور الإنتاج إلى 2.2 مليون برميل حالياً، هذا إلى جانب ثروات أخرى طائلة من المناطق الزراعية والغابات والجبال التي تحتوي على ثروات طبيعية هائلة.

في المقابل نجد دولة، كسنغافورة لا تملك من ذلك شيئاً، فلا ثروات طبيعية أو زراعية، إلا أنها تتمتع بغنى خرافي، وبواحدة من أعلى مستويات دخل الفرد في العالم، في حين يعاني أكثر من 70% من سكان فنزويلا البالغ عددهم 30 مليون نسمة، الفقر واللجوء إلى دول مجاورة أقل غنى، ككولومبيا للعمل والتسوق بسبب اختفاء المواد الغذائية والاستهلاكية من رفوف المتاجر في وطنهم.

الجواب ببساطة على تساؤلنا السابق، هو الإدارة، وبالأخص إدارة التنمية، ففنزويلا ابتليت بنظام مؤدلج يرفع شعارات بالية، وعفا عليها الزمن، فمع قدوم نظام الرئيس السابق تشافيز بدأ التدهور الاقتصادي ليصل إلى الحضيض، في ظل سلفه الرئيس الحالي مادورو، فعلى الرغم من أن النظام يدعي أنه يمثل مصالح العمال والموظفين، إلا أن هذه الفئات هي أكبر المتضررين بإجراءاته الاقتصادية العقيمة، والتي أدت إلى تدهور الإنتاج، بما في ذلك إنتاج النفط ،وإلى انخفاض كبير في دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي إلى تدني مستويات المعيشة وارتفاع التضخم والبطالة إلى معدلات مخيفة، وذلك بسبب سوء الإدارة والفساد، حيث يحاول النظام إرجاع ذلك إلى مؤامرات خارجية وهمية لتبرير فشله الإداري والتنموي.

لنطرح سؤالاً آخر، ففي نفس الفترة وصل لسدة الحكم رئيس برازيلي من نفس البيئة الاجتماعية للرئيس الفنزويلي، والمقصود هنا الرئيس البرازيلي السابق «لولا سيلفا»، والذي نقل بلده إلى مصاف الدول المتقدمة في العالم في غضون سنوات قليلة لتحتل الآن المركز الثامن متجاوزة إيطاليا، كأكبر اقتصاد عالمي، ولو كانت هناك مؤامرات خارجية كما يدعي نظام فنزويلا لتم عرقلة البرازيل، باعتبارها دولة كبرى متعددة الإنتاج، ومنافساً قوياً في سوق الصادرات الدولي.

من السهل إلقاء اللوم على الخارج، إلا أنه من الصعب الإقرار بالأخطاء وسوء الإدارة، والذي أوصل فنزويلا، كأحد أغنى دول العالم إلى حالة من الفقر الشديد، والاضطرابات التي يمكن أن تتطور إلى حرب أهلية ستأتي على ما تبقى من ثروات.

لقد كان بإمكان الرئيس الفنزويلي الاستفادة من تجربة جاره الكبير – البرازيل - والاستعانة بالخبراء والفنيين والإداريين الذين يمكن أن يضيفوا الكثير من خلال نقل تجربتهم التنموية الناجحة، إلا أن الرئيس مادورو ظل متمسكاً بشعارات سلفه تشافيز في الوقت الذي كان الاقتصاد يسير نحو الهاوية، والتي تتطلب عملية الخروج منها معجزة لا يقوى عليها النظام الحالي، ما يعني ضرورة تكاتف جهود كافة القوى هناك لوضع تصور وطني يتفق عليه ويعمل من أجله الجميع، إلا أن ذلك للأسف مستبعد أيضاً بسبب تعنت النظام وعدم اعترافه بالأخطاء والأزمات التي قاد البلاد إليها، ما يعني أن الأمور تسير نحو المزيد من الصدام والتدهور.

فنزويلا «بلد غني وشعب فقير»، معادلة حزينة تعاني منها دول أخرى مشابهة، أي أنها غنية وشعوبها فقيرة، كإيران وليبيا والعراق والتي ترمي جميعها مشاكلها على الخارج دون أن تنظر إلى داخلها الذي يغلي تحت وطأة سوء الإدارة، وتبديد الثروات لتحقيق شعارات جوفاء وأحلام يقظة، لن تتحقق، لأنها ببساطة بعيدة عن الواقع وعن التوازنات الإقليمية والدولية.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد