أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

ارتدادات إقليمية:

ماذا لو تفجرت الحرب بين حزب الله وإسرائيل؟

23 يناير، 2019


تصاعدت توقعات مراكز التفكير الغربية والإقليمية باحتمال تفجر حرب بين حزب الله وإسرائيل. فعلى الرغم من التداعيات الإقليمية والتكلفة التي قد تترتب على هذه المواجهة، لم يعد لدى إسرائيل ما يمنعها من القيام بالمجازفة بخوض مواجهات عسكرية على أكثر من جبهة في ظل سقوط سياسة "الخطوط الحمراء" في سوريا، وتمكن إيران من الحفاظ على وجودها العسكري هناك، وهو ما دفع "معهد دراسات الأمن القومي" بجامعة تل أبيب إلى ترجيح احتمالية تفجر حرب في جبهة الشمال الإسرائيلي مع حزب الله في المسح الاستراتيجي السنوي الصادر في يناير 2019.

دوافع الحرب القادمة:

يرى العديد من المحللين أن هناك مجموعة من الدوافع التي قد تؤدي إلى نشوب حرب قادمة بين إسرائيل وحزب الله، والتي تتمثل فيما يلي: 

1- انسحاب القوات الأمريكية: قد يؤدي انسحاب القوات الأمريكية من سوريا إلى تزايد احتمالات قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد حزب الله اللبناني، حيث إن الدور الإيراني سوف يتصاعد بعد الانسحاب الأمريكي، وهو ما ربما سوف يتم استغلاله في توسيع هامش الحركة لتأمين خطوط التدفقات العسكرية عبر الممر البري الذي يربط بين إيران ولبنان، وترى إسرائيل أن هذا الممر بمثابة "تهديد استراتيجي" لأمنها، وهو ما أكدته بعض تقارير مجلة "الدفاع الإسرائيلية" التي رأت أن "هذا الممر يمنح إيران فرصة ذهبية لتعزيز دورها في المنطقة، ويساهم في تعميق سيطرتها على سوريا ولبنان حتى في حال سقوط الأسد".

2- الاتفاق النووي الإيراني: من ناحية أخرى ترى بعض التحليلات الغربية أن القيادة الإيرانية قد تتشدد في فتح باب التفاوض مجددًا على ملفها النووي في ظل وجود تيارات معارضة لهذا داخل النظام الإيراني، وتذهب بعض التوقعات بعيدًا إلى القول بأن طهران قد تعمل على إحياء مشروعها النووي العسكري، حيث إن تخصيب اليورانيوم يعتبر أحد حقوقها السيادية وفقًا لتصورها، وهو ما قد يدفع إسرائيل للقيام بعمل عسكري استباقي لاحتواء تفاقم "التهديدات الوجودية".

وقياسًا على ما قامت به إسرائيل في عام 2007، وهو ما كشفه تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست" في عام 2017، حينما قامت بتدمير المفاعل النووي الذي كان قيد الإنشاء في سوريا قبل البدء بتشغيله في منطقة الكبر في دير الزور، فإنها قد تعمد إلى التخطيط للقيام بشن حرب على حزب الله قبل تزايد التهديدات الناتجة عن هذا الممر البري، في محاولة لعزل لبنان عن امتداد الجبهة التي تعمل إيران على إقامتها، وإضعاف المخططات الإيرانية الهادفة لاستعمال تمركز حزب الله في لبنان كعامل ردع وتهديد لإسرائيل في حال قررت إيران إحياء مشروعها النووي.

3- تسليح حزب الله: تتصاعد المخاوف الإسرائيلية من تطوير إيران لترسانتها الصاروخية الموجودة في لبنان خصوصًا، وهو ما يتضح من الاستهدافات الجوية المتكررة للمنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا. وفي هذا السياق، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، في 19 ديسمبر 2018، بأنه "منذ انتهاء حرب لبنان الثانية كان لدى حزب الله 15 ألف صاروخ في لبنان، معظمها في الجنوب، واليوم لديه 110 آلاف صاروخ"، كما صرح حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في سبتمبر 2018 بقوله: "أقول لإسرائيل مهما فعلت في قطع الطريق، لقد انتهى الأمر، وتم الأمر، وأُنجز الأمر، وباتت المقاومة تملك من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة ومن الإمكانيات التسليحية ما إذا فرضت إسرائيل على لبنان حربًا فستواجه إسرائيل مصيرًا وواقعًا لم تتوقعه في يوم من الأيام".

وفي هذا الإطار، قام "أوريليان لو شوفالييه" الموفد الخاص للرئيس الفرنسي "ماكرون"، في نوفمبر 2018، بنقل رسالة مفادها أن إسرائيل ستتعامل بحدة مع مصانع الأسلحة التابعة لحزب الله، وأنها طلبت من فرنسا نقل "رسالة تحذير" إلى الحكومة اللبنانية بشأن هذه المصانع، وضرورة إغلاقها، وأنها ستتحرك في حال استمرار الأمر. كما طالب "نتنياهو" (رئيس الحكومة الإسرائيلية)، في ديسمبر 2018، "مايك بومبيو" (وزير الخارجية الأمريكي)، بضرورة أن يقوم بنقل رسالة إلى لبنان مفادها "إذا لم توقف تسلح حزب الله، فإن إسرائيل ستفعل ذلك بنفسها".

4- انتهاكات القرار "1701": يتم انتهاك القرار 1701 الصادر من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أغسطس 2006 من قبل إسرائيل وحزب الله، حيث أشار الرئيس اللبناني "ميشال عون" في ديسمبر 2018 إلى "أن إسرائيل تواصل انتهاك السيادة اللبنانية بمعدل 150 خرقًا كلّ شهر"، وعلى الرغم من ذلك تزعم إسرائيل أن هذه الانتهاكات تتم من قبل حزب الله وحده، وبالتالي قد تتذرع تل أبيب بمثل هذه الانتهاكات لشن حرب جديدة، مثل قضية الأنفاق التي حفرها "حزب الله" والتي أطلقت الحكومة الإسرائيلية على إثرها عملية "درع الشمال" لتدميرها بعد تقدمها بشكوى لمجلس الامن.

5- البلوك رقم "9": قد تشتعل حرب بين الطرفين نتيجة تصاعد الخلاف على الحدود البحرية، مع تأكيد لبنان ضرورة حفر أول بئر تنقيب عن النفط في البلوك رقم 9 المتنازع على جزء منه بين إسرائيل ولبنان، وتهديدات حزب الله بقصف المنشآت النفطية الإسرائيلية كدفاع عن النفس في حال قيام إسرائيل بمنع لبنان من الاستفادة من مواردها البحرية، وهو ما دفع إسرائيل إلى تبني خطة عسكرية لتعزيز أمن منشآتها النفطية في الحقول المتاخمة للحدود المائية اللبنانية وخاصة في حقل تمار.

قواعد اشتباك جديدة:

قد تختلف تداعيات الحرب المحتملة على الداخل اللبناني حسب الذريعة التي سوف تستخدمها إسرائيل. فعلى سبيل المثال، في حرب عام 2006 تعاطف البعض مع حزب الله على أساس أنه يحارب لاسترجاع ما تبقى من أسرى لبنانيين في السجون الإسرائيلية، فيما انتقده البعض الآخر على أساس أنه أتاح لإسرائيل الفرصة عبر قيامه بعملية خلف الخط الأزرق دون الرجوع إلى الحكومة اللبنانية. بيد أنه سيبدو من الصعب في عام 2019 قيام حزب الله بتبرير انخراطه مجددًا في الحرب أمام الرأي العام اللبناني، حيث إن هذه الحرب المحتملة قد ترتبط في الأغلب بدعمه لمصالح إيران في المنطقة.

وسيكون من الصعب أيضًا على القوى المسيحية المتحالفة مع حزب الله أن تستمر في تبرير امتلاك حزب الله لهذه الترسانة العسكرية الضخمة، وذلك على خلاف ما حدث في عام 2014 حين استغلت هذه القوى مخاوف الأقليات الناتجة عن تمدد تنظيم داعش، واحتمال وصوله إلى لبنان لتبرير انخراط حزب الله في سوريا متخطيًا السيادة اللبنانية.

كما أن البعض سيتخوف من تكرار سيناريو عام 2006 الذي وصل فيه عدد النازحين إلى حوالي مليون شخص بحسب بعض التقديرات، مع الخسائر المادية والإنسانية، خصوصًا مع عدم قدرة لبنان على مقاضاة إسرائيل على كمية العنف غير المبرر التي تبررها بأنها "أضرار جانبية"، مدعية أنها لا تتعمد استهداف المدنيين بشكل مباشر، معتبرة أن حزب الله يجب أن يتحمل هذه المسئولية لأنه يقيم منشآته العسكرية في مناطق سكنية، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من قيام "نتنياهو"، في سبتمبر 2018 في خطابه في الأمم المتحدة، بعرض خرائط لملاعب في المناطق السكنية مدعيًا أن حزب الله يتخذها مخابئ لصواريخه.

بينما ستحاول القوى المعتدلة في لبنان المطالبة مجددًا بحياد لبنان الإيجابي، وضرورة عدم الزج به في سياسة المحاور، وتسليم حزب الله ترسانته للجيش اللبناني بعدما أصبح قادرًا بمفرده على تأمين وحماية لبنان، خصوصًا بعد خوضه معركة "فجر الجرود" ضد التنظيمات الإرهابية في أغسطس 2017.

وفيما يتعلق بحزب الله فإنه سيسعى لخوض المعركة لفرض "قواعد اشتباك جديدة" مع إسرائيل، حيث قد يحاول إعادة التموضع جنوب الليطاني، وهي المنطقة التي خسر فيها انتشاره بناء على القرار رقم 1701 الذي أنهى الحرب في عام 2006. أما في حالة تكبد حزب الله خسائر فادحة عسكريًّا وسياسيًّا فقد يتم إجباره على إخلاء جنوب لبنان، ودفعه إلى التراجع أكثر نحو البقاع تحت رقابة قوات اليونيفيل التي ربما سيتم توسيع صلاحياتها إلى درجة السماح لها بمراقبة الحدود اللبنانية - السورية لمنع تدفق الصواريخ مجددًا إليها.

تداعيات الحرب المحتملة:

تتمثل أهم تداعيات الحرب المحتملة بين إسرائيل وحزب الله على الصعيد الإقليمي والدولي فيما يلي:

1- انخراط الميليشيات الإيرانية: ستؤدي محاولات إقحام الميليشيات الشيعية من العراق وباكستان وأفغانستان التي أعدتها إيران استعدادًا للحرب المقبلة المحتملة، إلى حالة غضب واستنكار على المستوى الإقليمي والدولي، إذ لم يستبعد "حسن نصر الله" في خطاب سابق له أن تجد إسرائيل نفسها في مواجهة كل محور المقاومة، أي الميليشيات التابعة لحزب الله، حيث إن الجانب الإيراني يفضل عدم الدخول في حروب تقليدية وإدارة الحروب بالوكالة، وربما تعمد إسرائيل إلى قصف قوافل عبور هذه الميليشيات للالتحاق بالجبهة اللبنانية.

2- الدعم الأمريكي الكامل: ستحظى إسرائيل بغطاء أمريكي كامل لها وهو ما يمكن الاستدلال عليه من انتقادات "مايك بومبيو" (وزير الخارجية الأمريكية) لامتلاك حزب الله ترسانة ضخمة من الصواريخ، بالإضافة إلى تصريح وكيل وزير الخارجية الأمريكية للشئون السياسية "ديفيد هيل" خلال زيارته الأخيرة لبيروت في يناير 2019: "من غير المقبول وجود ميليشيا خارجة عن سيطرة الدولة ولا تحاسب من كل أطياف الشعب اللبناني، وتقوم بحفر أنفاق هجومية عابرة للخط الأزرق إلى إسرائيل، وبتجميع 100 ألف صاروخ تهدد الاستقرار في المنطقة"، ويكشف ذلك عن مدى تطابق الرؤية الأمريكية مع نظيرتها الإسرائيلية. 

3- تراجع الدور الأوروبي: فيما سيقل انخراط دول الاتحاد الأوروبي الحليفة للبنان في هذه الحرب المحتملة، حيث إنها أصبحت غير قادرة على تحمل تكاليف المشاركة في إعادة إعمار لبنان مجددًا، واستقبال موجة جديدة من اللاجئين مثلما حدث في عام 2006 في ظل تصاعد أزماتها الداخلية، وارتفاع عدد اللاجئين القادمين من سوريا.

4- الدور الروسي الموازن: قد تحاول روسيا ممارسة دور الموازن، حيث ستحاول الضغط على الجانب الإيراني لكبح حزب الله، ومنعه من السير في مواجهة مكلفة قد تؤدي إلى امتداد المعارك من لبنان إلى سوريا وربما إشعال جبهات أخرى داخل فلسطين.

5- صعود الدور الإسرائيلي: قد تستغل إسرائيل هذه الحرب لزيادة مستوطناتها في أراضي السلطة الفلسطينية في ظل تشتت انتباه الدول المهتمة بالسلام في الشرق الأوسط، كما أن بعض هذه الدول قد تتساهل مع الجانب الإسرائيلي تحت مبرر ضرورة الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الإيرانية، حيث سبق لإسرائيل استغلال تمدد إيران العسكري داخل سوريا لإنتزاع اعتراف أمريكي بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان.