أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الأمن المتوسطي:

ديناميات متغيرة وفاعلون جدد في البحر المتوسط

19 يونيو، 2015


إعداد: مروة صبحي

تعد الولايات المتحدة فاعلاً اقتصادياً ودبلوماسياً وأمنياً في منطقة البحر المتوسط, كواحدة من أكثر المناطق استدامة للتدخل الأمريكي لأكثر من قرنين ماضيين. وتؤكد التطورات في المشهد الأمني في جنوب أوروبا على مركزية البحر المتوسط في اهتمامات حلف الناتو. وبالإضافة إلى التحديات المُلحة فى العلاقات مع روسيا, يعتبر أمن البحر المتوسط منطقة اختبارات رئيسية لكل من استراتيجية حلف الأطلسى والاتحاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة.

وقد نشر "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة" GMF تقريراً أعده "إيان ليسر" Ian O.Lesser، وهو مدير بارز في شؤون السياسة الخارجية والأمنية في صندوق مارشال، تحت عنوان: "الولايات المتحدة ومستقبل أمن البحر المتوسط"، تطرق خلاله إلى التحديات والديناميات الجديدة أمام كل من حلف الناتو والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة للحفاظ على أمن البحر المتوسط.

ديناميات جديدة في البيئة الاستراتيجية

أصبح حوض البحر المتوسط منطقة محاطة بالأزمات والانتقال الثوري، متأثرة بما حدث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, والجنوب الأوروبي.

وتتمحور الديناميات الجديدة في هذه المنطقة في عدد من المحاور التالية:

1 ـ تتشكل البيئة الاستراتيجية في البحر المتوسط بصورة متزايدة من خلال قوى منبثقة من خارج المنطقة، أي من بلاد الشام والمناطق الأوروآسيوية والأفريقية, ومن البحر الأسود وحوض الأطلسي. ويوجد عدد من الأمثلة الدالة على الطبيعة العابرة للإقليمية لأمن البحر المتوسط، حيث تعد كثافة انتقال المقاتلين الأجانب من أوروبا إلى بلاد الشام تحدياً أمنياً مُلحاً لجزء كبير من أوروبا, كما تأكد ذلك في الهجمات الإرهابية في فرنسا والدنمارك وبلجيكا. ويضع عبور المقاتلين الأجانب إلى سوريا عبر تركيا، الضغط على أنقرة في سياق علاقاتها المضطربة بالفعل مع شركائها في حلف الناتو.

2 ـ يمكن أن يُشكل احتمال طول أمد الصراع في سوريا والعراق واحتمال انتشار تطرف الجماعات الجهادية مثل "داعش"، إلى أجزاء أخرى من الجوار الأوروبي، بيئة تهديدات أمنية جديدة لمنطقة البحر المتوسط في السنوات المقبلة.

3 ـ يمكن أن يؤثر فشل الدولة وسيادتها المعطلة بشكل سلبي على منطقة البحر المتوسط. ففي أسوأ الأحوال, يؤدي انتشار الإرهاب والعنف السياسي في منطقة الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا إلى انعدام الأمن لمنطقة المغرب العربي وأوروبا.

وفي هذا الصدد، أدى التدخل الفرنسي في مالي إلى عواقب الفوضى داخل الجزائر وغرب البحر المتوسط، كما يأتي تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب العربي" وتنظيمات أخرى مماثلة في شمال وغرب أفريقيا، في صدارة المخاوف الغربية.

4 ـ نشأت تحديات جديدة شكلها المحيط الأطلسي أمام الأمن المتوسطي, من خلال طرق التهريب الجديدة للمخدرات والأسلحة والأموال من أمريكا اللاتينية إلى غرب أفريقيا, ومنها إلى أوروبا.

5 ـ أوجدت ظروف الصراع والفوضى المنتشرة من أفريقيا جنوب الصحراء إلى باكستان، موجات من المهاجرين لأسباب اقتصادية وسياسية. فقد فرَّ أكثر من 2 مليون لاجئ عبر تركيا منذ بداية الحرب على سوريا، وعبر مئات الآلاف عبر البحر المتوسط؛ منهم 6 آلاف إلى إيطاليا, ولقى أكثر من 3 آلاف مهاجر مصرعهم في منطقة البحر المتوسط خلال عام 2014 وحده.

ومن ثم، تقع منطقة البحر المتوسط في غمار أزمة أمن إنساني لم يسبق لها مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويقع عبء التصدى لهذة الأزمة بشكل أساسي على عاتق حكومات ومجتمعات جنوب أوروبا.

بزوغ فاعلين جدد في البحر المتوسط

لم تعد البلدان المطلة على البحر المتوسط وشركاء أوروبا وأمريكا الشمالية, وروسيا، هم أصحاب المصلحة الوحيدين في الأمن المتوسطي، فقد ظهر فاعلون جدد، إذ اكتسبت القوى الصاعدة في آسيا مصلحة قوية في التنمية السياسية والاقتصادية والأمن الإقليمي. وكانت الصين في مقدمة هذه القوى، فأثناء السقوط العنيف لنظام "القذافي", اضطرت بكين إلى إجلاء نحو 30 ألف عامل من ليبيا، كما تشارك الصين في صناعة الطاقة وغيرها من قطاعات الاقتصاد في الجزائر, وكان العمال الصينيون من ضحايا هجوم الجماعات الإرهابية على منشآت الغاز فى جنوب الجزائر.

أيضاً أصبحت الصين المستثمر البارز في البنية التحتية للموانئ المطلة على البحر المتوسط، أبرزها في ميناء بيرايوس اليوناني. كذلك، فإن دور قناة السويس في التجارة البحرية بين آسيا والأسواق الأوروبية قد أعطى الصين ومُصدرين آسيويين آخرين حصة هامة للوصول إلى هذا الشريان الحيوي.

ويتطرق التقرير إلى دور دول مجلس التعاون الخليجي في منطقة البحر المتوسط, فعلى الرغم من أنه ليس دوراً جديداً, بيد أنه يتزايد في نواح هامة. فقد أسست السعودية وقطر وباقي دول الخليج حضوراً قوياً كمستثمرين وجهات مانحة في هذه المنطقة. وفي السنوات الأخيرة, أصبحت الدول الخليجية فاعلاً أكثر وضوحاً من الناحية الأمنية. ومن أمثلة ذلك, مشاركة قطر في التحالف الدولي الذي أطاح بالقذافي في ليبيا.

كما يمثل دور إيران ووكلائها في كل من العراق وسوريا ولبنان وغزة, أهمية جديدة في ظل ظروف الفوضى والصراعات التي طال أمدها في بلاد الشام؛ فقد أدى التدخل المتزايد لإيران في هذه الدول إلى أن أصبحت طهران فاعلاً متزايد الأهمية على الساحة الأمنية في منطقة شرق البحر المتوسط.

محفزات المصلحة الأمريكية في الأمن المتوسطي

لا يعير المسئولون الأمريكيون اهتماماً لاستراتيجيات الأمن المتوسطي بالقدر الذي يعيره  نظراؤهم عبر الأطلسي. ولكن في السنوات الأخيرة, أصبحت أزمات البحر المتوسط تحتل قدراً ملحوظاً من اهتمامات صانعي السياسة الأمريكية.

ويرتكز الاهتمام الأمريكي باستراتيجيات الأمن المتوسطي، على ثلاثة محفزات أساسية، وهي:

1 ـ ستكون الولايات المتحدة مهتمة بمنطقة البحر المتوسط كفاعل هام في الأمن الأوروبي. وقد مثَّل ذلك هدفاً هاماً لواشنطن أثناء الحرب الباردة, ولكن لم يكن لها دافع حينها لتكون ذو أولوية في الاستراتيجية الأمريكية. وقد يتغير ذلك مع تصاعد تهديد "داعش" ومشكلة الدول الفاشلة في جنوب المتوسط, والتي تأتي في طليعة جدول أعمال الأمن الأوروبي.

وفيما يتعلق بالأمن، سترتبط المشاركة الأمريكية بشكل وثيق بالمخاوف الدفاعية الأوروبية. فعلى سبيل المثال, ترتبط المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة في مجال الدفاع الصاروخي الباليستي حالياً بتخطيط حلف الناتو.

ومع تصاعد مكافحة الإرهاب كمصدر للتهديد بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا, ستشكل منطقة البحر المتوسط مسرحاً للعمليات العسكرية, خاصةً مع تزايد تهديدات "القاعدة" و"داعش" إزاء القوات البحرية وعمليات الشحن التجاري في البحر المتوسط.

ومن الناحية السياسية أيضاً, قد تشغل أوروبا المزيد من الاهتمام الأمريكي كجزء من العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا عامةً في السنوات المقبلة.

2 ـ تسعى الولايات المتحدة إلى أن يكون لها تواجد في البحر المتوسط كطريق إلى مناطق حيوية أخرى. وبالرغم من أنه تم تخفيض حجم الأسطول السادس عما كان عليه أثناء الحرب الباردة, فإن قدرة واشنطن على عبور البحر المتوسط وقناة السويس ونقل القوات والمواد بين المحيط الأطلسي والخليج العربي والمحيط الهندي، لايزال مهماً, وربما يصبح أكثر أهمية مع المطالب المتزايدة للتواجد البحري الأمريكي في آسيا.

3 ـ تشهد منطقة حوض البحر المتوسط عدداً هائلاً من الأزمات وبؤر التوتر؛ بدءاً من الساحل إلى بلاد الشام, ومن ليبيا ومصر إلى أزمات الحدود في تركيا مع سوريا والعراق. وبالتالي, تطول قائمة مطالب الدفاع والمساعدات الأمريكية. ويضاف إلى ذلك، أزمة قبرص التي لم تصبح مشلكة أمنية في حد ذاتها, ولكنها باتت عائقاً استراتيجياً أمام التعاون الأمني بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وكذلك العلاقات مع أنقرة.

خاتمة وتوصيات

اقترح التقرير عدداً من التوصيات والاستنتاجات لتعزيز أمن البحر المتوسط؛ من أبرزها ما يلي:

1 ـ يشكل الانكشاف الأمني لمنطقة الجنوب الأوروبي دافعاً أساسياً لاستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي منطقة البحر المتوسط، حيث يجب أن تصاغ الاستراتيجية الأمريكية وفقا لمتطلبات الأمن الأوروبي.

2 ـ ثمة حاجة لأساليب مبتكرة لتعويض المستويات المنخفضة من التواجد الأمريكي في المنطقة، حيث سيدفع انتشار الأزمات وبؤر التوتر في جميع أنحاء البحر المتوسط والمخاوف الأوروبية في هذا الصدد، نحو المزيد من المطالب بالتواجد العسكري الأمريكي, خاصةً القوات البحرية والجوية. وبالتالي, لم تعد قضايا الدفاع التقليدي هي التحدي الحقيقي الآن, لكن سيكون لقضايا (الأمن البحري، ومكافحة الإرهاب، والأمن الإنساني) الأولوية في ذلك الشأن.

3 ـ تعد تركيا ودول الجنوب الأوروبي شركاء استراتيجيين, ودورهم لا يمكن أن يكون أمراً مفروغاً منه. فمن الصعب تصور سياسة أطلسية فعَّالة تجاه الفوضى في سوريا والعراق بدون مشاركة نشطة لأنقرة. وبالمثل, سيكون حلف الناتو والأعضاء من الجنوب الأوروبي شركاء أساسيين في التصدي للمخاطر متعددة الأبعاد النابعة من جنوب المتوسط. وفي كلتا الحالتين, ستكون إسهامات الشركاء سياسية واقتصادية وعسكرية.

ولكن، يرى الكاتب أن تركيا ودول الجنوب الأوروبي- ولأسباب عديدة - لديها قدرات محدودة للقيام بدور نشط في مجال الأمن المتوسطي. كما يتضح عدم الثقة في تركيا بشأن الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية تجاه جوارها، ويتمثل ذلك في التوجهات الجيوسياسية البديلة لتركيا، والتوتر المستمر مع إسرائيل، فضلاً عن تردد أنقرة في السماح لاستخدام قاعدة "إنجرليك" الجوية في العمليات الجوية ضد "داعش".

وبالتالي, يتعين أن تقود بلدان جنوب أوروبا استراتيجية الناتو والاتحاد الأوروبي تجاه منطقة البحر المتوسط، وإن كان التقشف الاقتصادي والاضطرابات السياسية يؤثران على سلوك الحكومات الأوروبية من لشبونة إلى أثينا. ومن ثم، يجب على واشنطن أن تكون صاحبة مصلحة استراتيجية في انتعاش الجنوب الأوروبي.

4 ـ سياسة حلف الناتو والاتحاد الأوروبي تجاه منطقة البحر الأبيض المتوسط، سوف تستفيد من جلب المؤسسات الأخرى في هذا الأمر. وتقريباً جميع المؤسسات المتعددة الأطراف في البحر الأبيض المتوسط تراجع استراتيجياتها، فالناتو يناقش بنشاط "استراتيجية الجنوب" الجديدة بما في ذلك سبل إعادة تشكيل إطار للشراكة المتوسطية، والحوار المتوسطي. وقد شرع الاتحاد الأوروبي في إعادة صياغة سياسة الجوار الأوروبي, كما تحاول منظمة الأمن والتعاون الأوروبي صياغة مبادراتها المتوسطية.

وتؤكد المراجعات الاستراتيجية السابقة على ضرورة العمل عبر الحدود المؤسسية في منطقة تتتوع فيها الأدوات من المساعدات والاستثمارات إلى الأدوات الدبلوماسية والعسكرية.

ختاماً، يؤكد التقرير أن معطيات البيئة الأمنية الحالية في منطقة البحر المتوسط تستدعي تعميق التعاون بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن في مجال الإنذار المبكر والتواجد والاستجابة السريعة للمخاطر الأمنية في منطقة البحر المتوسط.

* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "الولايات المتحدة ومستقبل أمن البحر المتوسط"، الصادر في أبريل 2015 عن "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة" GMF، وهو مؤسسة بحثية أمريكية مستقلة مقرها واشنطن تأسست عام 1972 كمنحة من الحكومة الألمانية، وتهدف إلى تعزيز التعاون الأطلسي لمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية.

المصدر:

Ian O. Lesser, The United States and the Future of Mediterranean Security (Washington: The German Marshall Fund of the United States, April 2015).