أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

خيارات محدودة:

كيف تتعامل "هيئة تحرير الشام" مع تطورات إدلب؟

12 سبتمبر، 2018


فرضت التطورات الميدانية والسياسية التي تشهدها مدينة إدلب السورية ضغوطًا قوية على "هيئة تحرير الشام" الإرهابية، لا سيما مع استمرار احتمال شن هجوم عسكري عليها من جانب النظام السوري وروسيا وإيران إلى جانب الميليشيات الموالية لها، رغم انعقاد القمة الثلاثية في طهران، والتي مثلت هذه التطورات محور المحادثات فيها بين رؤساء إيران وروسيا وتركيا. إذ ما زال النظام السوري يرى أن السيطرة على إدلب سوف تؤدي إلى حسم الصراع العسكري لصالحه وستعزز موقعه في أية مفاوضات مستقبلية مع فصائل المعارضة، وهو ما تدعمه روسيا وإيران. ورغم المساعي التي تبذلها تركيا لتجنب شن هذا الهجوم عبر آليات عديدة منها محاولة إقناع "الهيئة" بحل نفسها، إلا أن ذلك لم يحسم بعد، في ظل عدم استقرار الأخيرة على المسار الذي ستتجه إليه في الفترة القادمة.

تحديات مختلفة:

يمكن القول إن ما يزيد من تأثير الضغوط التي تتعرض لها "هيئة تحرير الشام" في الوقت الحالي، هو أنها تتزامن مع اتساع نطاق التحديات التنظيمية والسياسية التي تواجهها، والتي يتمثل أبرزها في:

1- انقسامات متواصلة: شهدت "الهيئة" خلال الفترة الأخيرة انقسامات كبيرة بين قياداتها، خاصة عقب انتشار تقارير تفيد باقتراب إعلان قيادة الحركة عن حل التنظيم بالكامل، وهو ما دفع عددًا من الكوادر إلى إبداء رفضهم لذلك. بل إن بعض المجموعات بدأت في الانشقاق عنها والانضمام إلى تنظيم "حراس الدين" القريب من "القاعدة".

2- تحالفات ضعيفة: بدأت التحالفات التي كونتها التنظيمات الرئيسية داخل "الهيئة" في الانهيار، لا سيما وأنها اعتمدت بشكل أساسي على التوافق الذي توصلت إليه "جبهة النصرة" وبعض المجموعات الإرهابية الأخرى مثل "لواء الحق"، و"جبهة أنصار الدين"، و"جيش السنة"، حيث أدت الأحداث الأخيرة إلى انفصال بعض تلك المجموعات عن "الهيئة"، على غرار ما قام به ما يسمى بـ"جيش الأحرار"، الذي يعتبر ثاني أكبر مجموعات "الهيئة"، ويضم أكثر من ألفى إرهابي حسب بعض التقديرات.

وتشير تقارير مختلفة إلى أن ما يسمى بـ"الجبهة الوطنية للتحرير"، التى تحظى بدعم من جانب تركيا وتضم مجموعات مثل "حركة أحرار الشام" و"فصيل نور الدين زنكي"، سعت في الفترة الأخيرة إلى إقناع الفصائل المتحالفة مع "القاعدة" بالابتعاد عن "الهيئة"، والانضمام إليها، من أجل تقليص احتمالات شن ضربة عسكرية على مدينة إدلب من جانب النظام وحلفاءه. وقد نجحت بالفعل في دفع بعض الفصائل إلى اتخاذ تلك الخطوة.

3- تعقد الوضع في إدلب: دخلت "الهيئة" في مواجهات مسلحة، خلال فترات مختلفة، مع بعض المجموعات الإرهابية الأخرى، على خلفية التباين في التعامل مع بعض القضايا الفكرية والسياسية، على نحو ساهم في إضعاف قدراتها التنظيمية، وهو ما حاولت تنظيمات أخرى، مثل "داعش"، استغلاله لتعزيز قدرتها على توسيع نطاق نشاطها مرة أخرى بعد الضربات القوية التي تعرضت لها في المرحلة الماضية وأدت إلى انتزاع مناطق واسعة كانت قد سيطرت عليها قبل ذلك.

4- تصاعد الخلاف حول "القاعدة": تشير تقارير عديدة إلى أن ثمة انقسامًا يتسع نطاقه داخل "الهيئة" حول الانفصال أو الاستمرار في الانضواء تحت لواء تنظيم "القاعدة"، على نحو قد يتسبب في تفكك الهيكل التنظيمي الذي كونته "الهيئة" في الأعوام الأخيرة. بل إن ذلك يشير إلى أن هذا الهيكل كان ضعيفًا من البداية، بدليل استمرار وتصاعد الخلافات بين أركانه منذ تأسيسه وحتى الآن.

مساران رئيسيان:

لا تمتلك "هيئة تحرير الشام" خيارات متعددة للتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضتها هذه التطورات. إذ أنها لم تحسم موقفها من المبادرة التي طرحتها تركيا وتقضي بحل نفسها من أجل تجنب الهجوم العسكري، وهو ما يعود، في قسم منه، إلى الانقسامات الحادة التي نشبت بين قادتها وكوادرها حول ذلك القرار.

كما أن هذه الخطوة من شأنها دفع بعض المجموعات التي انضمت إليها في الفترة الماضية إلى الانضمام لتنظيمات منافسة، فضلاً عن أنه سيُعرِّض قادتها للاستهداف من جانب الأخيرة، في ظل اتساع نطاق المواجهات بين تلك التنظيمات خلال الفترة الماضية. إلى جانب أن بعض عناصرها، خاصة الأجانب الذي ينتمون لدول مثل بريطانيا وهولندا وألمانيا، قد يحاولون الهروب من إدلب والانتقال إما إلى بؤر أخرى تتواجد فيها تنظيمات إرهابية أو العودة إلى بلادهم من جديد، وهو ما باتت تقارير إعلامية غربية تحذر منه في الفترة الأخيرة.

فضلاً عن أن استمرار الوضع على ما هو عليه في إدلب يعزز من احتمال تعرضها لهجوم عسكري من جانب النظام السوري وروسيا. إذ كان لافتًا أن قمة طهران لم تصل إلى توافق بين الدول الثلاث على وقف ذلك الهجوم، بسبب التباين الملحوظ في مواقفها.

وهنا، لا يمكن فصل دعم إيران لهذا الهجوم، على نحو بدا جليًا في الزيارات التي قام بها وزيرا الخارجية والدفاع محمد جواد ظريف وأحمد حاتمي إلى دمشق في الفترة الماضية، وبين التصعيد المستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية، عقب انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات أمريكية على إيران، حيث تسعى الأخيرة إلى استغلال نفوذها داخل سوريا في مواجهة الضغوط التي تفرضها السياسة الأمريكية تجاهها.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن "هيئة تحرير الشام" تواجه تحديات لا تبدو هينة سوف تؤثر بدرجة كبيرة ليس فقط على تماسكها الداخلي، وإنما أيضًا، وربما يكون ذلك هو الأهم، على موقعها داخل خريطة التنظيمات الإرهابية التي تبدو مقبلة على تغييرات كبيرة خلال الفترة القادمة.