أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

«بينس».. وكارثة الشرق الأوسط

28 يناير، 2018


لم يكن الهجوم الأخير من قبل نائب الرئيس الأميركي «مايك بينس» على السياسة في الشرق الأوسط أقل من كارثة، ولأنه يرى العالم من خلال عدسات الإنجيليين اليمينيين، فقد تجاوز الواقع الإقليمي، مخلفاً من ورائه فوضى عارمة.

وقد كان المرء يأمل أن يدرك القادة السياسيون في أميركا مخاطر السياسات الخارجية المدفوعة أيديولوجيّاً بالتعلم من إخفاقات رئاسة جورج بوش الابن، إذ قاد الرئيس الأسبق، الذي كانت رؤيته للعالم، مزيجاً من مذهبي الإنجيليين والمحافظين الجدد، الولايات المتحدة إلى غزو كارثي للعراق. وقادته الأيديولوجيا أيضاً إلى اعتقاد أن الحرب معركة ضرورية بين الخير والشر، وسينتصر فيها «الخير» في نهاية المطاف.

وكان الإطار الذي وضعته إدارته للحرب هو: الإطاحة بالطاغية، والاحتفاء بأميركا باعتبارها محررة العراق، وغرس دعائم الديمقراطية، ومن ثم نشرها في ربوع الشرق الأوسط. وبالنسبة لأنصار الإدارة، كان الأمر من المسلّمات، لكن الواقع تكشّف خلاف ذلك.

فما لم يدركه المؤدلجون في رؤيتهم المجردة هو الواقع الإقليمي المعقد، وخصوصاً التاريخ والأطياف الاجتماعية التي يتألف منها الشعب العراقي، وطموحات الدول المجاورة له. وفي غضون فترة قصيرة، انزلق العراق في حرب أهلية طائفية، وعززت إيران موطئ قدمها، وتورطت القوات الأميركية في حرب طويلة ومميتة ومحبطة، دون تحقيق النتائج المرجوة حتى الآن.

والخطر الحقيقي في مشاهدة العالم من عدسة أيديولوجية ضيقة هو أنه في حين أن تلك العدسة قد تكون عدستك، ولكن العالم الذي يُنظر إليه ليس عالمك للتحكم فيه. وما تراه قد يكون «مناسباً» لفهمك للطريقة التي «ينبغي أن تكون عليها الأمور»، ولكن الواقع الذي تحجبه عدستك، لن «يتصرف» أو «يتحرك» لأنك أنت تنكره ببساطة، أو لا تقر بأنه موجود من الأصل.

وهكذا كشفت زيارة «بينس» الأخيرة إلى الشرق الأوسط، عن ذلك العمى الأيديولوجي، فقد احتفى باعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، لأنه يتصور أن إسرائيل تحقق النبوءة الإنجيلية والشرط الضروري لـ«الأيام الأخيرة» التي تفضي إلى نزول المسيح، وتحول اليهود.

وفي كثير من الأحيان، بدت زيارة «بينس» إلى إسرائيل كما لو كانت حجّاً دينياً أكثر من كونها بعثة دبلوماسية، وخطابه أمام «الكنيست» كان مليئاً بالإشارات الإنجيلية والصور الدينية، فذكر الخليل إبراهيم ونبي الله داود، وتحدث عن «تيه اليهود»، ومجيئهم إلى «أرض الميعاد»، واختتم كلمته قائلاً: «إن إسرائيل مثل شجرة ضربت بجذورها في تربة الأجداد، وبينما تنمو، تصل بفروعها إلى عنان السماء! واليوم وكل يوم، تشهد دولة إسرائيل اليهودية، والشعب الإسرائيلي أجمع، على صدق الإله، فقد كانت عقيدة الشعب اليهودي هي التي جمعت شتات ضعاف الناس، وجعلت منهم جميعاً كياناً مرة أخرى، وقد كانت تلك العقيدة هي التي أعادت بناء أطلال القدس، وجعلتها قوية مرة أخرى.. إن معجزة إسرائيل تلهم العالم»!

ولم يكن ذلك التصريح المفعم بالنشوة هو كل ما قاله نائب الرئيس، فقد أوضح بصورة لا لبس فيها «أن أبناء إسحاق وإسماعيل يجتمعون اليوم في قضية مشتركة كما لم يحدث من قبل»! وبلغة شبه إنجيلية، تعهد بـ«اجتثاث الإرهاب المتطرف من على وجه الأرض»، وأشار أيضاً إلى أن الولايات المتحدة «أعادت توجيه» التمويل من منظمات المساعدة التقليدية (التي تقدم مساعدات الإغاثة وإعادة الإعمار إلى الفئات المتضررة من الحرب كافة)، وللمرة الأولى، سيقدم الدعم مباشرة إلى المسيحيين (الذين أشار إليهم بـ«إخواننا المسيحيين») والأقليات الأخرى في العراق.

بيد أن أيديولوجية «بينس» منعته من إدراك أنه باعتناقه الكامل للنسخة الإنجيلية لإسرائيل، فإنه يضع المسمار الأخير في نعش عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة، فلم يأت نائب الرئيس على ذكر الفلسطينيين سوى مرة واحدة في خطابه. ولأنه لا يستطيع رؤية أي خطأ من جانب إسرائيل، لذلك لم يذكر الاحتلال القاسي أو التوسع الاستيطاني، وحتى المسيحيين الفلسطينيين، الذين رفضوا لقاءه احتجاجاً على نقل السفارة، لم يذكرهم من بين «إخواننا المسيحيين المنكوبين» الذين يحتاجون إلى الدعم الأميركي!

وأود أن أقول كلمة أخيرة حول جهود «بنيس» الرامية إلى إعادة برمجة المساعدات الأميركية لصالح المسيحيين في الشرق الأوسط، ففي حين احتفى الإنجيليون في الولايات المتحدة بهذه الخطوة، إلا أن قيادات الكنائس المسيحية في الشرق الأوسط انتقدتها، وعلى رغم معاناة جميع المجتمعات الدينية من عنف تنظيم «داعش» الإرهابي، فلا شك أن المسيحيين العرب وأبناء الأقليات الدينية الأخرى قد أفردهم المتطرفون بأقسى أنواع المعاملة وأكثرها وحشية، غير أن قيادات المسيحيين في المنطقة تخشى من التقرب للولايات المتحدة عن كثب أو قبول إفرادها بمعاملة خاصة، ولا سيما أن ذلك سيفاقم من التوترات الطائفية، ويضعهم في خطر أكبر داخل دولهم.

وأخيراً، ثمة مجموعة واحدة احتفت بحج «بينس» إلى المنطقة هي عناصر «اليمين المتطرف في إسرائيل»، لأنه اعتنق رؤيتهم للدولة اليهودية في «أرض الميعاد» وتجاهل حقوق الفلسطينيين.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد