أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

اهتمام بارز:

لماذا تحسنت حركة السياحة التونسية في الآونة الأخيرة؟

11 يوليو، 2018


تشهد حركة السياحة الوافدة إلى تونس انتعاشًا قويًا منذ بداية العام الماضي، بعد أن تعرضت لركود ممتد لعدة أشهر نتيجة الأحداث الإرهابية التي وقعت في البلاد عام 2015، حيث زادت أعداد السياح الوافدين إليها من الأسواق التقليدية في أوروبا إلى جانب الجزائر. ويتوازى هذا التعافي مع اتجاه عدد من الدول الأوروبية إلى رفع حظر سفر مواطنيها إلى تونس، في الوقت الذي عملت فيه وزارة السياحة التونسية على جذب سياح من أسواق جديدة مثل روسيا والصين، مع اتخاذ إجراءات إضافية لإعفاء دول أخرى من التأشيرات للدخول للأراضي التونسية. ورغم ذلك، تتمثل المخاوف الرئيسية في تصاعد حدة المخاطر الأمنية مجددًا، وهو ما قد يسبب متاعب جديدة للقطاع السياحي. 

مؤشرات مختلفة 

استعاد القطاع السياحي في تونس عافيته بداية من عام 2017، وذلك بعد أن تعرض لهجمات إرهابية مؤثرة طالت منشآت سياحية في عام 2015، أبرزها منتجع سياحي بمدينة سوسة ومتحف باردو الوطني، وبما أدى إلى ركود شديد في القطاع امتد لعدة أشهر، حيث لم ينتعش مجددًا إلا مع اتخاذ الحكومة إجراءات أمنية مشددة لحماية المنشآت السياحية بالتوازي مع تدابير عديدة لتحجيم مخاطر التنظيمات الإرهابية في البلاد.

ووفق مؤشرات وزارة السياحة، سجلت عائدات السياحة في عام 2017 نحو 2.8 مليار دينار تونسي (أى ما يوازي 1.07 مليار دولار) وبزيادة بنسبة 18% مقارنة بعائدات عام 2016. ويعود ذلك إلى زيادة كبيرة في أعداد السياح الوافدين لتونس في العام الماضي، إذ بلغوا 7.052 مليون سائح وبزيادة بنسبة 23.2% مقارنة بعام 2016، وبما يتجاوز قليلاً الرقم المستهدف بـ7 ملايين سائح في هذا العام.

واستمرارًا لهذا الأداء المرتفع، سجلت عائدات السياحة نحو 527.7 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2018، أى ارتفاعًا بنسبة 46.1% مقارنة مع العائدات المُسجلة خلال الفترة نفسها من عام 2017، وهو ما يعود إلى زيادة عدد السياح الوافدين لتونس خلال هذه الفترة بنسبة 26% ليبلغ عددهم 3.23 مليون سائح.

مُحرِّكات عديدة 

يمكن تفسير تحسن حركة السياحة بداية من العام الماضي في ضوء عوامل ثلاثة رئيسية: يتمثل أولها، في رفع قيود سفر مواطني الدول الأوروبية إلى تونس، وكان آخرها هولندا في إبريل 2018، وسبق ذلك إقرار وزارة الخارجية البريطانية بعدم منع رعاياها من السفر إلى معظم أنحاء تونس، بما في ذلك العاصمة وكثير من الأماكن السياحية منذ يوليو 2017. 

وفي العام الماضي أيضًا، أقنعت تونس دولاً أوروبية، مثل ألمانيا وفنلندا والدانمارك والسويد وفرنسا وبلجيكا، بعودة حركة السياحة الوافدة منها إلى الأولى. وعلى ضوء هذه الخطوات، عاودت الوكالات السياحية الأوروبية برامجها الخاصة بتونس على غرار شركة "توماس كوك" البريطانية التي قامت بتسيير أولى رحلاتها لتونس في فبراير 2018. ومن المتوقع أن تنظم الشركة نفسها ثلاث رحلات طيران أسبوعية للمدن السياحية التونسية، وهو ما سيمثل دفعة كبيرة لحركة السياحة في تونس.

وعلى ضوء ذلك، شهدت حركة السياحة الأوروبية إلى تونس انتعاشًا ملحوظًا، حيث بلغ عدد السياح الفرنسيين في عام 2017 أكثر من 570 ألف سائح بزيادة 46% مقارنة بعام 2016، في حين وصل عدد السياح الألمان إلى 182 ألف سائح وعدد السياح البلجيكيين إلى أكثر من 50 ألف سائح، وفي الوقت نفسه بلغ عدد السياح الجزائريين لتونس مستويات قياسية بنحو 2.5 مليون سائح، أى بزيادة 38.1% مقارنة بعام 2016.

وينصرف ثانيها، إلى تركيز الحكومة التونسية، خلال الفترة الماضية، جهودها على جذب السياح من أسواق جديدة، مثل روسيا والصين وبعض دول الشرق الأوسط. وبالنسبة للسوق الروسية، فقد بدأت الحكومة في تنظيم حملات ترويجية مكثفة لجذب السياح الروس خلال الفترة الماضية، في الوقت الذي يبحث فيه السائح الروسي عن وجهات سياحية بديلة بعد القيود التي وضعتها الحكومة الروسية أمام السفر لبعض دول المنطقة.

 ويتزامن ذلك أيضًا مع مساعي تونسية لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري مع روسيا، وهو ما يلقى تجاوبًا ملحوظًا من قبل الأخيرة، على نحو دفع وزارة السياحة التونسية إلى ترجيح ارتفاع أعداد السياح الروس إلى نحو 623 ألف في العام الجاري مقارنة بنحو نصف مليون سائح في عام 2017.

وفي السياق نفسه، تحاول الحكومة تنشيط حركة السياحة الصينية الوافدة للبلاد، وهو ما انعكس في توقيع وزارة السياحة اتفاق مع وكالة الشباب الصيني للسياحة، في يناير 2018، لتنظيم رحلات من الصين إلى تونس، وما تبعه من قيام الأولى بتسيير أول رحلة سياحية مباشرة منها إلى الثانية في فبراير الماضي.

وسبق ذلك، أن أعفت الحكومة التونسية السياح الصينيين من تأشيرة الدخول إلى تونس منذ عام 2015، بالتزامن مع تمكينهم من تحويل العملة الصينية (اليوان) مباشرة من خلال البنوك التونسية، وبما رفع من توقعات وزارة السياحة التونسية بشأن زيادة أعدادهم إلى 50 ألف سائح بحلول عام 2020.

وبجانب السوقين السابقين، وفي محاولة لتنشيط السياحة الوافدة من دول أخرى، قررت الحكومة التونسية، منذ عام 2014، إعفاء نحو 20 دولة من أوروبا الشرقية وإفريقيا من التأشيرات للدخول للأراضي التونسية، وتبع ذلك تفعيل إجراءات منح التأشيرة على الحدود بالنسبة للمجموعات السياحية بالنسبة لدول مثل الهند والأردن، في عام 2015، بالإضافة إلى إلغاء التأشيرة لعدد من الدول الأخرى على غرار قبرص وروسيا البيضاء وكازاخستان .وفي غضون أكتوبر من عام 2017، أقرت إعفاء المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي من إجراءات الحصول على تأشيرات دخول للأراضي التونسية في مسعى لجذب السياح العرب.

ويتصل ثالثها، بمجموعة من التدابير الأخرى التي تهدف إلى إنعاش القطاع السياحي، مثل إطلاق حملات الترويج للسياحة التونسية في أغلب الأسواق الأوروبية خلال العامين الماضيين، بعد تخصيص نحو 9 ملايين دولار لهذا الغرض، إلى جانب تقديم تسهيلات ائتمانية لمستثمري هذا القطاع، شملت توفير قروض بآجال 7 أعوام منها سنتين مهلة، بجانب إعادة جدولة قروض المؤسسات السياحية.

آفاق مستقبلية

يبدو من الواضح أن بعض المتغيرات الخارجية، مثل القيود التي فرضتها روسيا أمام سفر سياحها لعدد من دول الشرق الأوسط، كان لها دور جوهري في إنعاش السياحة التونسية، وهو ما توازى مع رفع حظر سفر مواطني الدول الأوروبية إلى تونس. ورغم ذلك يبقى أمام الحكومة التونسية تحدي خاص بالحفاظ على هذا الزخم، من خلال مواصلة جهودها الخارجية لاستقطاب سياح من أسواق جديدة، بشكل يتطلب استكمال حملاتها الترويجية بالخارج، والعمل على استمرار تدفقات السياح من الأسواق التقليدية. لكن العامل الأساسي الذي سيكون له تأثير كبير في استمرار هذا الزخم، يتمثل في تأمين المناطق السياحية ومنع الهجمات الإرهابية، التي عاودت نشاطها مؤخرًا، بعد مقتل 9 عناصر من قوات الحرس الوطني في هجوم مسلح في منطقة غار الدماء شمال غربي البلاد.