أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

حدود التحرك:

كيف ستعالج الحكومة الإيرانية إشكاليات الموازنة العامة؟

03 فبراير، 2018


مثّلت أولويات الإنفاق بالموازنة العامة الإيرانية للعام المالي المقبل أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اندلاع احتجاجات واسعة بعدة مدن إيرانية وعلى رأسها مدينة مشهد، بداية من 28 ديسمبر 2017. إذ أنها لم تعكس تطلعات الإيرانيين لتحسين مستويات معيشتهم، بل قلصت من مخصصات الدعم الاجتماعي المقدم لهم، وزادت من أسعار البنزين بنحو النصف تقريبًا، في مقابل ارتفاع النفقات العسكرية بشكل واضح من أجل تعزيز انخراط قوات الحرس الثوري في صراعات منطقة الشرق الأوسط، وبما عكس فجوة متنامية بين مخصصات النفقات الجارية والعسكرية.

وتعاني الموازنة العامة، في الأساس، من إشكالات أخرى تتعلق بغياب الشفافية والمساءلة وضعف الرقابة على النفقات الحكومية والقطاع العام بشكل أوسع، وهو ما ساهم في انتشار ممارسات الفساد في العديد من الأنشطة الاقتصادية وفق بعض المؤشرات الدولية. ومن هنا، أشارت اتجاهات عديدة إلى أن الحكومة باتت بحاجة لنهج أوسع لاستيعاب المعطيات التي فرضتها الاحتجاجات الأخيرة قد لا يقتصر على إعادة النظر في أولويات الإنفاق العام، وإنما يمتد أيضًا إلى وضع نظام مالي موحد يضمن المساءلة والشفافية، لكن ييدو تحقيق ذلك صعبًا في ظل استمرار سيطرة الحرس الثوري على معظم النشاط الاقتصادي في إيران حتى الآن.

اختلاف الأولويات:

لم تستوعب مخصصات الموازنة العامة للعام المالي (2018-2019) تطلعات كثير من الإيرانيين، وهو ما أثار احتجاجات واسعة امتدت لأيام في عدة إيرانية. وعلى نحو كمي، أعدت الحكومة موازنة متحفظة للعام المالي المقبل بقيمة نحو 104 مليار دولار، أى بزيادة 6% فقط عن خطة ميزانية العام الحالي. ويتوازى ذلك مع ترشيد النفقات الاجتماعية الموجهة للمواطنين، إذ قلصت الموازنة من مخصصات الدعم الاجتماعي المقدم لنحو 30 مليون إيراني علاوة على زيادة أسعار الوقود بنحو النصف تقريبًا.  

ورغم أن رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران في يناير 2016 بموجب الاتفاق النووي، ساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 16.3% في عام 2016 بفضل زيادة صادرات النفط للسوق الخارجية، إلا أن المستوى المعيشي للمواطنين تحسن بوتيرة بطيئة للغاية وبما لم يعكس سقف توقعاتهم، بل استقر معدل التضخم عند مستوى أكثر قليلاً من 10% بالإضافة إلى أن معدل البطالة ظل عند مستوى 12.5%.

وتكمن المفارقة في هذا السياق في أن الموازنة العامة المقبلة زادت مخصصات الإنفاق الحكومي على المؤسسات الإسلامية بجانب الإنفاق العسكري. ووفق بعض التقارير، خصصت الحكومة نحو 853 مليون دولار لـ 12 مؤسسة إسلامية شيعية أى بزيادة قدرها 9% عن الموازنة السابقة، وهى تعادل تقريبًا ضعف مخصصات وزارة الثقافة.

فيما استحوذ الإنفاق العسكري على خُمس ميزانية العام المقبل بقيمة 22.1 مليار دولار، أى ما يعادل تقريبًا المخصصات الموجهة للإنفاق على التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وتوجه نحو 7.7 مليار دولار للحرس الثوري بالإضافة إلى 2.5 مليار دولار للجيش.

وترى الحكومة أن الميزانية العسكرية، التي تقترب من 4% من الناتج المحلي الإجمالي، ليست مرتفعة على نحو لا مبرر له في ظل ظروف الصراعات المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط. لكن ذلك لا ينفي أن قطاعًا واسعًا من الإيرانيين يرى أن ذلك  يعكس خللاً كبيرًا في الإنفاق.

معضلات إضافية:

في واقع الأمر، لا تنطوي الموازنة على فجوة في الإنفاق بين الأوجه المختلفة فقط، وإنما تواجه العديد من الإشكاليات الأخرى التي نوهت إليها العديد من المؤسسات الدولية في تقاريرها، ومنها أن حسابات الموازنة العامة لا تعكس الأداء المالي الحقيقي لمجمل القطاع العام، وهو ما يعود إلى أن أنشطة الحكومة لا تمثل سوى نحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يشكل القطاع العام الأوسع (بما فيه مؤسسات البونياد وشركات الحرس الثوري) حوالي 70% من الناتج.

ومن دون شك، فإن عدم إدراج حسابات كثير من المؤسسات العامة ضمن حساب الحكومة يعني ضعف أداء مجلس الشورى (البرلمان) في الرقابة على النشاط المالي والتشغيلي للقطاع العام، في المقابل تشير الممارسات الدولية إلى ضرورة اعتماد استراتيجية مالية تقوم على توحيد الحسابات المالية العامة في حساب موحد كى يتسنى تقييم الوضع المالي العام للحكومة ككل وضمانًا لكفاءة عمليات الرقابة المالية.

وقد أدى عدم وجود حساب موحد للأنشطة الحكومية إلى انتشار ممارسات الفساد في معظم القطاعات الاقتصادية، بما أضعف من الأداء الحكومي في تقديم الخدمات وتنفيذ العديد من المشروعات الخدمية في قطاعات الإسكان على الأخص مثل مشروع "شانديز" السكني الذي تعثرت الحكومة في تنفيذه وكان أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات في مدينة مشهد، بجانب إفلاس عدد من البنوك في المدينة نفسها وبما تسبب في ضياع مدخرات العملاء.

ويعاني النظام المصرفي حتى الآن من ارتفاع القروض المتعثرة نتيجة التوسع في عمليات الإقراض لشركات الحرس الثوري بمعدلات فائدة أقل من السوق، مما تسبب في ضعف جودة الأصول المالية للبنوك وتدهور المركز المالي للعديد منها خاصة في الآونة الأخيرة.

هذه الاعتبارات في مجملها جعلت العديد من المؤسسات الدولية تشير إلى أن ممارسات الفساد وغياب الشفافية في إيران تمثل أحد الأسباب الرئيسية في انخفاض مستويات المعيشية، بالإضافة إلى تدهور بيئة الاستثمار، وهو ما انعكس في حصول إيران على المرتبة 131 من 175 دولة وفق مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.  

خيارات صعبة:

يبدو أن النظام الإيراني بات مضطرًا لاستيعاب الرسائل التي وجهتها الاحتجاجات الأخيرة، إذ أنه بحاجة لتخفيف حدة الضغوط الداخلية التي يتعرض لها، في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر مع دول الجوار وبعض القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وبناءً عليه، اتجهت اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى إلى تجميد مقترحات حكومة روحاني، حيث تم الإبقاء على أسعار البنزين دون تغيير، كما تم حظر أى زيادة فى الرسوم الجمركية ورسوم الخدمات الحكومية.

وربما يكون بإمكان الحكومة التعايش مع هذه الخطوة في الوقت الراهن دون تحمل أعباء مالية كبيرة، خاصة في ظل وصول الأسعار العالمية للنفط إلى مستوى يتجاوز 65 دولارًا للبرميل، وهو ما يعني الحصول على عوائد حكومية أكبر من مستوياتها في العامين السابقين، وذلك في ظل عجز ضئيل للموازنة العامة لم يتجاوز 2% في الأعوام الثلاثة الماضية، لكن من المتوقع أن يبلغ 2.3% بنهاية العام الجاري.

ويبدو أن الحكومة في حاجة أيضًا لتدشين نظام مالي موثوق فيه يضم حسابًا ماليًا موحدًا، يستطيع من خلاله البرلمان مراقبة كافة الأنشطة الاقتصادية لكل المؤسسات الحكومية، بما فيها الشركات التابعة للحرس الثوري ومؤسسات البونياد. لكن هذا الطرح يبدو صعب التحقق، في ظل استبعاد إمكانية قبول الحرس الثوري أو حتى البونياد الخضوع للحسابات الحكومية العامة، حيث أن غياب ذلك يتيح لهما، وعلى الأخص الحرس، حرية الإنفاق لتمويل الأنشطة العسكرية بالداخل والخارج، من خلال عوائد الأنشطة الاقتصادية دون مراقبة شعبية، وبما يزيد من نفوذههما في النهاية.

ويبقى التحدى الأساسي الذي يواجه الحكومة مستقبلاً مرتبطًا بتحقيق استدامة الموازنة بين النفقات الاجتماعية والعسكرية، بجانب تأسيس نظام مالي حكومي موحد يعالج تشوهات عدم كفاءة الإنفاق العام وممارسات الفساد.