أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

سياسات عدائية:

تصاعد محتمل للتوتر الراهن في العلاقات التركية – الهندية

10 أكتوبر، 2021


تصاعدت حدة التوتر في العلاقات التركية – الهندية مؤخراً؛ وذلك ارتباطاً بدعوات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المتكررة لتسوية نزاع كشمير داخل الأمم المتحدة، والتي كان آخرها تنديد الرئيس التركي أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر سبتمبر الماضي لسيطرة نيوديلهي على كشمير، وما ترتب عليه من تصاعد التوتر الدبلوماسي بين أنقرة ونيودلهي.

أبعاد الموقف التركي العدائي

شهدت العلاقات الهندية – التركية، في الوقت الراهن، تدهوراً سريعاً، للحد الذي جعل الدولتين تتبادلان الهجوم الدبلوماسي العلني. وفي هذا السياق يمكن تناول أبعاد الموقف العدائي التركي تجاه الهند على النحو التالي:

1- إدانة سياسة الهند تجاه كشمير: عمد الرئيس التركي إلى مهاجمة الهند بشأن قضية كشمير التي "تحتلها" نيودلهي، وذلك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك عقب إلغاء رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في أغسطس 2019، المادة 370 من الدستور الهندي، بما يعني انتهاء وضع جامو وكشمير كمنطقتين تتمتعان بالحكم الذاتي؛ وقد أثار ذلك القرار غضب باكستان ودعاها إلى إدانة الخطوة الهندية.

2- التنديد بمعاملة المسلمين الهنود: يتركز هجوم أردوغان ضد الهند على انتهاكاتها لحقوق سكانها من الأقلية المسلمة وتعاملها معهم بعنف، وفقاً للاتهامات التركية. فقد أعرب الرئيس التركي عن قلقه العميق إزاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد المسلمين الهنود، كما أعلن مؤخراً بصورة صريحة عن انتشار المذابح ضد المواطنين المسلمين داخل الهند.

وفي كلمته خلال افتتاح العام التشريعي الخامس للدورة الـ 27 للبرلمان التركي، شدد أردوغان على استمرار تركيا في مساندة ودعم المظلومين والمضطهدين حول العالم في فلسطين والقدس إلى كشمير ومن مسلمي الروهنغيا، وصولاً إلى الذين يعانون الفقر وغياب الأمن في أفريقيا.

3- هجوم موازٍ من الإخوان المسلمين: يلاحظ أن هجوم أردوغان على الهند قد رافقه انتقاد حاد من جانب الإخوان المسلمين لها، فقد أصدرت "الإخوان المسلمون" بياناً في 2 أكتوبر تدين فيه بشدة الحملة الدموية التي يتعرض لها مسلمو ولاية "آسام" الهندية على يد قوات الأمن، وسط تحريض إعلامي واحتفاء من المسؤولين والسياسيين الهندوس، بل ويلاحظ أن البيان عد هذه الانتهاكات سبباً في انفصال باكستان عن الهند منذ أكثر من سبعين عاماً، وما "يجري بحق شعب كشمير المسلمة المحتلة". 

تفسير الموقف التركي:

على الرغم من يقين أردوغان بتحاشي الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وغالبية الدول والمنظمات الدولية التدخل في شأن إقليم كشمير باعتباره شأناً داخلياً للهند، فإنه تبنى هذا الموقف تجاه كشمير جاء إرضاءً لحليفته باكستان، وذلك للعوامل التالية:

1- دعم التعاون العسكري: يحاول أردوغان تطوير وتعميق علاقات تركيا العسكرية مع باكستان على حساب جارتها الهند، خاصة بعد وصول عمران خان لرئاسة لوزراء إسلام آباد، حيث ازداد التقارب والتعاون بينهما، فقد عقدت تركيا مؤخراً صفقات عسكرية كبرى مع باكستان في مجال الصناعات الدفاعية، مما جعلها ثاني أكبر مورد للأسلحة بعد الصين، الأمر الذي أثار قلق الهند.

2- تعزيز العلاقات الاقتصادية: أعلن الرئيس التركي خلال زيارته لإسلام آباد في فبراير 2020، أثناء مشاركته في منتدى الأعمال التركي – الباكستاني، أن أنقرة تتطلع إلى زيادة التبادل التجاري مع باكستان، الذي يبلغ حالياً 804 ملايين دولار فقط، إلى مليار دولار كمرحلة أولى، ثم زيادته إلى 5 مليارات دولار.

كما أعلن وزير التجارة الباكستاني في فبراير 2021، عن إحراز تقدم كبير في محادثات إبرام اتفاقية تجارة حرة مع تركيا، من أجل زيادة المستوى الحالي للتجارة بين البلدين، كما وقعت أنقرة وإسلام آباد عدة مذكرات تفاهم تهدف إلى تعزيز التجارة الثنائية والمشاركة الاقتصادية والعلاقات الثقافية والاتصالية.

3- الالتزام بـ "إعلان إسلام آباد": ثمة تحركات مكثفة تقوم بها أنقرة في الوقت الراهن لتعزيز حضورها ونفوذها في منطقة جنوب ووسط آسيا، وذلك من خلال تعاونها الوثيق مع باكستان وأذربيجان، خاصة عقب التدريبات العسكرية التي جمعت الدول الثلاث والمسماة بـ "الأخوة الثلاثة - 2021" في باكو. 

وجاءت هذه التدريبات عقب اجتماع ثلاثي في إسلام آباد في يناير الماضي لوزراء خارجية هذه الدول، والذي تمخض عنه اعتماد "إعلان إسلام آباد"، الذي ينص على مساندة ودعم أذربيجان وتركيا وباكستان لموقف بعضها البعض بشأن القضايا الإقليمية المشتركة في كل من كشمير وقبرص وناجورنو كاراباخ.

4- تعزيز التعاون حول أفغانستان: تسعى تركيا إلى لعب دور "أمني" في أفغانستان، ومقايضة هذا الدور بتنازلات من واشنطن في الملفات الخلافية، خاصة الموقف من صفقة نظام الدفاع الجوي الروسي "إس 400"، ومحاولة وقف الدعم الأمريكي لأكراد سوريا، وغيرها من الملفات. ولا يمكن أن تلعب تركيا هذا الدور إلا برضاء باكستاني، بالنظر إلى ما تمتع به إسلام آباد من نفوذ على طالبان، غير أن جهودها لم تنجح حتى الآن. 

5- المزايدة على المواقف الخليجية: لعبت السعودية ودولة الإمارات دوراً كبيراً في تهدئة التوترات بين الهند وباكستان حول كشمير، نظراً لما يربطهما بالدولتين من مصالح كبيرة، فقد استضافت دولة الإمارات في مطلع عام 2021 ممثلي الدولتين من أجل تهدئة التوتر بينهما حول كشمير. 

وتسعى تركيا، على الجانب الآخر، للعب دور آخر، وهو الاصطفاف خلف باكستان في مواجهة الهند، ومناصرة المواقف الباكستانية المنادية بضرورة تحرير الأراضي المحتلة من كشمير الهندية، وهو ما يناقض المواقف الخليجية التي ترمي إلى التهدئة، والتي لن يترتب عليها سوى تسكين الوضع، وذلك على الرغم من أن المواقف الدعائية التركية لن تكفل لإسلام آباد تحقيق أهدافها في كشمير الهندية، ولكنها، على الأقل، تضمن شعبية تركية في أواسط الشعب الباكستاني، وتجعل تدخلاتها العسكرية في المنطقة تلقى احتفاءً ودعماً شعبياً.

تصعيد هندي مقابل

صعدت نيودلهي لغة خطابها تجاه أنقرة رداً على المواقف التركية العدائية، وهو ما يتضح في التالي:

1- مهاجمة التحركات التركية: وجهت الهند تهديداً صريحاً لتركيا معلنةً أنه يجب عليها أن تتعلم احترام سيادة الدول الأخرى والتفكير في سياساتها الداخلية بشكل أعمق، كما أدانت نيودلهي الهجوم التركي ضد القوات التي يقودها الأكراد في سوريا.

2- تكوين تحالف مضاد لإعلان إسلام آباد: اجتمع رئيس الوزراء الهندي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة مع رئيس قبرص اليونانية ورئيسي وزراء أرمينيا واليونان، في ظل الصراعات التقليدية بين تلك الدول وتركيا بشأن العديد من القضايا.

كما بحث وزير خارجية الهند مع نظيره القبرصي في اجتماع خاص بينهما، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، طرح قرار في مجلس الأمن حول منطقة شمال قبرص المتنازع عليها والتي تحتلها تركيا، من أجل إعادة توحيد الجزيرة؛ بما قد يمثل محاولة لنزع الشرعية عن الوجود التركي هناك.

وعقدت الهند في وقت سابق صفقة عسكرية مع أرمينيا بقيمة 40 مليون دولار، زودت من خلالها نيودلهي يريفان بأربعة رادارات لتحديد مواقع الأسلحة من طراز "سواثي" (SWATHI)، وذلك في تهديد صريح لتركيا التي تدخلت في صراع مع أرمينيا لصالح أذربيجان عبر ناجورنو كاراباخ.

3- برود العلاقات الثقافية: تسببت الأجواء الدبلوماسية المتوترة بين نيودلهي وأنقرة في حرب ثقافية باردة بينهما، فهناك عزوف شديد من قبل صانعي الأفلام الهندية في السنوات الأخيرة بشأن التوجه إلى تركيا؛ والتي كانت تمثل وجهة مهمة للمخرجين والممثلين الهنود لتصوير أفلامهم هناك. كما تصاعدت مطالبات من قبل بعض المنظمات اليمينية في الهند، خاصة القوميين الهنود، بضرورة وقف التبادل الثقافي مع تركيا وتقليص العلاقات الثقافية بينهما.

4- اتهام أنقرة بتمويل التطرف: أعلنت صحيفة "هندوستان تايمز" أن المنظمات الإسلامية المتطرفة في أجزاء من البلاد، بما في ذلك كيرالا وكشمير، تتلقى الدعم والتمويل من الجماعات التركية المدعومة من حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، كما صرح مسؤول حكومي هندي بوجود محاولة منسقة من تركيا لتحويل المسلمين الهنود إلى متطرفين وتجنيد الأصوليين، هذا وقد أظهرت نتائج استطلاع في نيودلهي كلاً من تركيا وباكستان باعتبارهما مركزين للأنشطة المعادية للهند، وهو ما يعكس تنامي الهواجس الهندية من البلدين.

5- تجميد التعاون العسكري: تتجه الهند لإلغاء عطاء بقيمة 2.3 مليار دولار كانت قد منحته لشركة "أناضول شيبيارد" التركية، لبناء السفن من أجل مساعدة شركة هندية في بناء خمس سفن لدعم الأسطول الهندي حمولة كل منها 45 ألف طن، كما قررت الهند الوقف شبه الكامل لصادراتها العسكرية لتركيا، خاصة الأسلحة ذات الاستخدام المزدوج.

وفي الختام، يمكن القول إن استمرار التصعيد في العلاقات بين البلدين الخاضعتين لسيطرة حكومتين يمينيتين، إحداهما إسلامية والأخرى هندوسية، تسعى كلاهما إلى تأسيس قوميات دينية، تشير إلى أن التوتر بين الجانبين مرشح للتصاعد، خاصة مع وجود هواجس من جانب نيودلهي من دعم تركيا للمتطرفين الإسلاميين داخل الهند.