أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

السلام المفقود في الشرق الأوسط

24 سبتمبر، 2018


تمر هذا الأسبوع الذكرى الأربعين على اتفاقات «كامب ديفيد»، والتي تمثل ذروة صنع السلام في الشرق الأوسط، فإلى أي قاع سقطنا منذ ذلك الحين.. يا له من أمر يدعو إلى البكاء! فبدلاً من إحراز أي تقدم، يبدو أن الإسرائيليين والفلسطينيين يقتربون أكثر فأكثر من الانهيار الكامل. ومن دون تحقيق أي تقدم جذري، فمن المحتمل حقيقة أن يكون على إسرائيل تحمل المسؤولية الكاملة عن صحة وتعليم ورفاهية 2.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية. وسيكون عندئذ على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستحكم الضفة الغربية بسلطة قانونية واحدة أم سلطتين، وهو ما يعني أن إسرائيل ستختار بين ثنائية القومية والفصل العنصري، وكلا الأمرين بمثابة كارثة لـ«الدولة العبرية». ويتصرف كثير من الناس بصورة سيئة جداً، فحماس تطبق استراتيجية التضحية بالبشر في غزة، فتلقي بموجة تلو الأخرى من المتظاهرين عند السياج الحدودي ليموتوا من دون هدف، وحتى من دون كثير من الملاحظة، فياله من عار. 

وقد كانت «حماس» عبئاً على الشعب الفلسطيني. ففي حين أن مفتاح أي حل للقضية الفلسطينية مع إسرائيل هو أن يجعل الفلسطينيون الإسرائيليين يشعرون بأنهم آمنين استراتيجياً، وغير آمنين أخلاقياً بشأن الإبقاء على الأراضي المحتلة، تقوم «حماس» بكل شيء يجعل الإسرائيليين يشعرون بأنهم في خطر استراتيجي، وآمنين أخلاقياً بشأن الإبقاء على الأراضي المحتلة، وذلك بإصرار «حماس» على الاستمرار في حفر الأنفاق وتنفيذ هجمات حدودية، من دون تقديم أي عرض لحل الدولتين. 

ومن جانبه، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخططاً استراتيجياً ذكياً في مواجهة إيران والتعامل مع التواجد الروسي في سوريا، لكنه على صعيد القضية الفلسطينية، لم تكن استراتيجيته سوى حملة علاقات عامة، فهو يستخدم كل ذكائه في إيجاد سبل لضمان توجيه اللوم إلى الفلسطينيين في الولايات المتحدة عن غياب أي تقدم، وذلك من دون تقديم أية أفكار جديدة كانت أو قديمة بشأن كيفية الانفصال عن الفلسطينيين بهدف تفادي اختياري الثنائية القومية أو الفصل العنصري. 

ويبدو أن نتنياهو في طريقه إلى قاع التاريخ باعتباره رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي فاز في كل جدال، لكنه خسر إسرائيل كديمقراطية. 

ومن جانبه، يعتبر «دونالد ترامب» أول رئيس أميركي ليست لديه استراتيجية موالية لإسرائيل فحسب، ولكن أيضاً استراتيجية موالية للمستوطنين اليهود من اليمين المتطرف. وفي إطار سعيه لإسعاد المسيحيين الإنجيليين وكبار المانحين من يهود اليمين المتطرف مثل «شيلدون أديلسون»، نقل ترامب السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس، من دون أن يطلب أي شيء من إسرائيل في المقابل. وهذا ما يسمى «فن التنازل». ويعكف ترامب الآن على إلغاء المساعدات الأميركية لبرامج التنمية والمستشفيات والتعليم الفلسطينية كعقاب للفلسطينيين على عدم التفاوض استناداً إلى خطة سلام «جاريد كوشنر» التي لا تزال غير واضحة المعالم، في حين لم ينبس ببنت شفة بشأن استمرار الاستيطان الإسرائيلي. 

وأما في الضفة الغربية، عكفت السلطة الفلسطينية على استراتيجية «سأكتم أنفاسي حتى تموت!». ومن ثم ترفض السلطة التفاوض مع إدارة ترامب بدافع الغضب من نهج ترامب أحادي الجانب ونقله للسفارة وبدافع خيبة الأمل من إسرائيل وأميركا. 

تحتاج السلطة إلى استراتيجية جديدة، وبسرعة، لأن استراتيجية التحدي القديمة وتسليط الضوء على أنها ضحية لم تعد مجدية. والوضع الراهن يضر الفلسطينيين لكن الجميع متسامح معه حتى الآن. وهو ما يعني أن على السلطة العودة إلى مائدة المفاوضات. 

وإذا كان لي أن أقدم اقتراحاً فهو كالتالي: يقول فريق ترامب إنه يرغب في جعل الحلفاء العرب يصادقون على خطة السلام. لكن العرب لن يفعلوا ذلك ما لم تلب تلك الخطة الحد الأدنى على الأقل من المطالب الفلسطينية، ولن يوافق الفلسطينيون على الحد الأدنى من المطالب من دون غطاء عربي. 

ويعني ذلك أن الخطة الأميركية يجب أن تشمل معيارين أساسيين: هما الدعوة لإقامة دولة على الأراضي الفلسطينية، وليس فقط على مجموعة من «الكانتونات المنفصلة»، وأن تمنح الفلسطينيين سيادة كاملة على القدس الشرقية، التي يقطنها بالفعل مئات الآلاف من العرب. وسيكون على السلطة الفلسطينية قبول أن تكون الدولة منزوعة السلاح. وإذا لم تتضمن الخطة الأميركية الحد الأدنى لقيام دولة فلسطينية مع السيادة على القدس الشرقية، فلن ينبغي عليها أن تزعج نفسها، لأن الخطة ستكون ميتة بمجرد طرحها في العالم العربي، وليس فقط الأراضي الفلسطينية. 

وإذا ما تبنت إدارة ترامب المبادرة العربية الفلسطينية، وجعلتها جزءاً من خطتها، فإنها ستجبر نتنياهو عندئذ على اتخاذ بعض القرارات، لأن الحقيقة هي أن نتنياهو غامض بشأن قضية الدولة وقضية السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية. 

فإذا تبنت خطة ترامب وكوشنر الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، فسيكون على نتنياهو إما رفضها وهو ما سيكشف الموقف الحقيقي، أو أنه سيتخلص من بعض الأنصار السياسيين من اليمين المتطرف في حكومته، ويشكل حكومة جديدة مستعدة للتفاوض وفقاً للشروط الأميركية. وهو قادر على ذلك إذا أراد. قولوا ما شئتم عن ما فعله أنور السادات ومناحم بيجن وجيمي كارتر قبل 40 عاماً، لكنهم وصلوا إلى مرحلة في كامب ديفيد حيث لم تكن هناك سوى الخيارات الصعبة، وقد نجحوا، واتخذوا الخيارات الصحيحة. 

وها نحن مرة أخرى في مرحلة مصيرية. فعلى الفلسطينيين أن يختاروا بين العدم أو السلام، وعلى الإسرائيليين أن يختاروا بين ثنائية القومية أو الفصل العنصري. وعلى كونشر وترامب إما أن يكونا جادين وأن يتخذا موقفاً صارماً من الأطراف كافة، أو أن يلتفتا إلى شؤونهما. 

وإحراز السلام يتطلب إخبار الجميع الحقيقة، ولي أذرع الجميع، وعدم إفساح المجال لأي شخص كي يغرق السفينة. وإذا لم تكونوا متأهبين لذلك، فالزموا أماكنكم!

*نقلا عن صحيفة الاتحاد