أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

انخراط محتمل:

التكاليف الاقتصادية المرتبطة بالتصعيد الأمريكي في سوريا

11 أبريل، 2017


بدأت اتجاهات عالمية عديدة في الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى رفع مستوى انخراطها المباشر في الصراع السوري، وذلك بعدما قامت، في 7 إبريل 2017، بتوجيه ضربات صاروخية على مطار "الشعيرات" العسكري الجوي قرب مدينة حمص السورية، عقب اتهام النظام السوري بشن هجمات بالغازات السامة على منطقة "خان شيخون" بشكل أسفر عن مقتل عدد كبير من المدنيين، وهى الخطوة التي ربما تتكرر خلال المرحلة القادمة، خاصة مع تلميح بعض المسئولين الأمريكيين إلى احتمال إقدام واشنطن من جديد على توجيه مزيد من الضربات العسكرية ضد مواقع تابعة للنظام. 

وعلى ما يبدو، فإن التدخل العسكري الأمريكي سوف تواكبه إجراءات تصعيدية أخرى على المستوى الاقتصادي، إذ كشف أيضًا بعض المسئولين الأمريكيين عن إمكانية فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري وحلفاءه، ولا سيما روسيا وإيران، بعد أن قدمت كل منهما، خلال الفترة الماضية، مساعدات عسكرية واقتصادية تقدر بمليارات الدولارات للنظام. 

 وعلى الأرجح، فإن هذه العقوبات، في حالة ما إذا تم تطبيقها، سوف تضيف تكاليف أخرى للانخراط العسكري لكل منهما في سوريا، وبما يعني أنها سوف تسهم في زيادة استنزافهما ماليًا واقتصاديًا. 

تحول محوري:

يبدو أن توجيه الولايات المتحدة الأمريكية ضربة صاروخية لمطار "الشعيرات" العسكري الجوي سوف يمثل نقطة تحول جوهرية في السياسة الأمريكية ليس فقط تجاه مسار الصراع في سوريا، وإنما أيضًا إزاء القضايا الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، حيث تتزايد احتمالات اتجاه واشنطن إلى التركيز على إخراج النظام السوري من السلطة بالتوازي مع الحرب ضد التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم "داعش". 

وفي هذا الصدد، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، في 9 إبريل الجاري، إنها ترى أن "تغيير النظام في سوريا إحدى أولويات إدارة الرئيس دونالد ترامب"، وهو ما تزامن مع إعلان الجيش الأمريكي عن استعداده لشن هجمات جديدة في سوريا، إذ قال الأميرال ميشيل هاوارد قائد القوات البحرية الأمريكية في أوروبا وأفريقيا: "إن الجيش الأمريكي مازال مستعدًا لشن هجمات أخرى إذا دعت الحاجة لذلك".

ورغم التصعيد السابق، إلا أن هناك اتجاهات أخرى تشير إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليست بصدد رفع مستوى انخراطها العسكري في سوريا، حيث أن ذلك من المحتمل أن يزيد من الاحتكاك بالدفاعات الجوية الروسية في سوريا، بالإضافة إلى أن واشنطن تركز فقط خلال المرحلة الحالية على تقويض القدرات العسكرية للنظام السوري، ولا سيما ما يتعلق بالأسلحة الكيماوية، التي تتهمه باستخدامها في الهجوم على منطقة خان شيخون. 

ولكن على أية حال، فإن الضربة الأمريكية الأخيرة توجه تحذيرًا للنظام السوري وحلفاءه، ومن المحتمل أن تفرض مزيدًا من الضغوط السياسية على الأول، بشكل قد يؤثر على المسارات المحتملة للصراع الممتد عبر السنوات الماضية.

مسارات التأثير:

تضيف الضربة الأمريكية الأخيرة تكاليف أخرى للصراع السوري، والتي قد يمتد تأثيرها إلى الدول الحليفة للنظام. ويمكن تناول هذه التكاليف على النحو التالي:

1- خسائر عسكرية للنظام: في مقابل التقديرات الخاصة بالتكلفة المالية للهجوم الصاروخي، والتي تشير إلى أن تكلفة إطلاق 59 صاروخ من طراز "توماهوك" تصل إلى نحو 94 مليون دولار، بواقع  1.59 مليون دولار للصاروخ الواحد، فقد تكبد النظام السوري، على ما يبدو، خسائر عسكرية مؤثرة، إذ تشير التقديرات العسكرية الروسية إلى أن النظام فقد 9 طائرات حربية في مطار "الشعيرات" العسكري، وقد تزيد إلى 14 طائرة بحسب تقديرات قوى المعارضة السورية. فضلا عن ذلك، فإن مطار "الشعيرات" يعد أكبر قاعدة جوية سورية في منطقة الوسط، إذ يشكل نحو 25% من القدرات الجوية للنظام السوري، ويحوي 40 حظيرة إسمنتية محصنة تضم 3 أسراب من الطائرات، التي توفر الغطاء الجوي للقوات السورية والفصائل الموالية لإيران وميليشيا حزب الله التي تشارك في المواجهات المسلحة مع قوى المعارضة. وبذلك فإن تدمير هذه القاعدة يمثل تقويضًا مباشرًا للقوة العسكرية للنظام. ومن الواضح أيضًا أن تكلفة تعويض خسائر المعدات العسكرية السابقة سوف تكون كبيرة، وأغلب الظن، سوف تتحملها كل من روسيا وإيران. 

كما يبدو أن الإدارة الأمريكية تتجه نحو اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة ضد النظام السوري على المستوى الاقتصادي. ففي أعقاب الضربة الأمريكية مباشرة، أشار بعض المسئولين الأمريكيين إلى إمكانية فرض عقوبات اقتصادية إضافية على النظام في المستقبل القريب. وفي هذا الصدد قال وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوتشين: "نتوقع أن تلك العقوبات سوف تستمر في أن يكون لها تأثير مهم على منع الناس مع الدخول في تعاملات تجارية معهم... العقوبات مهمة للغاية وسنستخدمها لتحقيق أقصى تأثير".

2- استنزاف الحلفاء: يبدو أن التصعيد الأمريكي في سوريا سوف يكون مكلفًا لكافة الأطراف المنخرطة في الصراع إلى جانب النظام. إذ أن الضربة الصاروخية قد تدفع كلا من روسيا وإيران إلى تقديم مزيد من الدعم العسكري والمالي للنظام، وبما يمثل، من دون شك، استنزافًا ماليًا لهما، وذلك في الوقت الذي يعانى فيه اقتصادهما من صعوبات عديدة نتيحة انخفاض أسعار النفط واستمرار العقوبات الغربية.  

ومن المحتمل أيضًا أن تزيد واشنطن من ضغوطها على هذه القوى من أجل الحد من دعمها للنظام السوري خلال المرحلة القادمة. وفي هذا الصدد قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي أن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدرس إمكانية فرض عقوبات جديدة على روسيا وإيران بسبب سوريا"، وهو ما يتوافق مع الاتجاه الذي تتبناه الولايات المتحدة، لا سيما تجاه إيران، والذي يقوم على رفع سقف العقوبات المفروضة عليها بسبب إجراءها تجارب لإطلاق صواريخ باليستية، حيث فرضت واشنطن، في مارس الفائت، عقوبات على 11 شركة بسبب اتهامها بنقل تكنولوجيا حساسة إلى إيران من أجل برنامجها الصاروخي الباليستي. كما أنه يتزامن مع استمرار العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية منذ عام 2014، والتي من المحتمل أن تكبد الاقتصاد الروسي، حسب بعض التقديرات، خسائر بنحو 170 مليار دولار بنهاية عام 2017.  

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن التكلفة الاقتصادية التي تفرضها الضربة الصاروخية الأمريكية في سوريا ربما تمثل متغيرًا مهمًا سوف يساهم من دون شك في تحديد هامش الخيارات المتاحة أمام النظام وحلفاءه للتعامل مع التداعيات التي يمكن أن ينتجها اتجاه الولايات المتحدة إلى رفع مستوى انخراطها في الصراع السوري خلال المرحلة القادمة.