أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تصعيد محسوب:

أي سقف للعلاقات بين موسكو وأنقرة؟

07 ديسمبر، 2015


شهد العلاقات التركية ـ الروسية تصعيداً مستمراً منذ 24 نوفمبر الماضي عقب قيام مقاتلات إف 16 التابعة للجيش التركي بإسقاط طائرة حربية روسية من نوع "سوخوي 24" على الحدود مع سوريا، بحجة انتهاكها للأجواء التركية، وعدم استجابتها لتحذيرات الجيش التركي بالمغادرة، لتسقط الطائرة في منطقة "باير بوجاق" أو جبل التركمان بريف محافظة اللاذقية شمالي غربي سوريا، والتي تشهد قصفاً شديداً من قبل الطائرات الروسية وهجوماً من قبل قوات النظام السوري.

وقد أخذ التصعيد بين الدولتين أبعاداً سياسية واقتصادية، وأخرى عسكرية بشكل غير مباشر، خاصة بعد فشل محاولات التهدئة بين الدولتين؛ ما يستدعي بحث أهداف تركيا من إسقاط الطائرة الحربية الروسية وطبيعة التصعيد الروسي، ومحاولات تركيا للتغلب على العقوبات الاقتصادية الروسية، ومستقبل العلاقات بين الدولتين.

أهداف تركيا من إسقاط الطائرة الروسية

على الرغم من إعلان تركيا أن إسقاطها للطائرة الحربية الروسية جاء لانتهاكها الأجواء التركية، غير أنه توجد مجموعة من الأهداف سعت تركيا لتحقيقها من إسقاط الطائرة، ومن أبرزها:ـ

بالنظر لمنطقة إسقاط الطائرة الحربية الروسية، وهي منطقة باير بوجاق (جبل التركمان) شمالي سوريا، يلاحظ أنها منطقة يقطنها غالبية تركمانية (ذات أصول تركية) تدافع تركيا عنها باستمرار. كما تعتبر تركيا هذه المنطقة امتداداً لأراضيها، حيث فقدتها تركيا لصالح الاستعمار الفرنسي لسوريا في عام 1921، عندما وقَّعَت تركيا وسوريا - الخاضعة للاحتلال الفرنسي في ذلك الوقت - اتفاقية لترسيم الحدود، ومن ثم فإن أي اعتداء على تلك المنطقة وسكانها من التركمان يثير حفيظة الأتراك، خاصة أصحاب النزعة القومية.

سعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتدعيم شعبيته في الداخل، خاصة بين القوميين والإسلاميين الأتراك الذين نظموا عدة تظاهرات رافضة للقصف الروسي لمناطق تواجد التركمان بشمال سوريا، وذلك حتى يتمكن من استكمال مشروعه السياسي الهادف إلى تعديل الدستور وتحويل تركيا إلى نظام رئاسي يتمتع فيه بسلطات أكبر من خلال الاستفتاء الشعبي نظراً لصعوبة إقراره من خلال البرلمان لافتقاد حزب العدالة والتنمية لأغلبية الثلثين، وذلك عقب الفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في الأول من نوفمبر الماضي ونجاحه في تشكيل الحكومة منفرداً.

توفير انطلاقة جديدة وإعطاء دفعة قوية للسياسة الخارجية التركية بالمنطقة عقب الفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، استناداً إلى أن تركيا دولة محورية بالمنطقة تحتك مع دولة كبرى مثل روسيا، وأن تركيا هي الدولة المدافعة عن الشعوب الإسلامية بصفة عامة والشعب السوري، خاصة من الاعتداءات الروسية.

طبيعة التصعيد الروسي ضد تركيا

جاء رد الفعل الروسي على إسقاط تركيا لطائرتها ليتخذ أبعاداً متعددة، سياسية واقتصادية وعسكرية. فعلى المستوى السياسي، نفت روسيا انتهاك الطائرة الروسية للأجواء التركية، مؤكدة أن الطائرة تحطمت على بعد 4 كيلومترات من الحدود التركية بعدما أُصيبَت داخل الأراضي السورية على بعد كيلومتراً من حدود تركيا، وأنها لم تتلق أية تحذيرات من قبل الجيش التركي.

وقام وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بإلغاء زيارته التي كانت مقررة لتركيا في 25 نوفمبر، ورفض الرئيس الروسي بوتين لقاء أردوغان على هامش قمنة المناخ في باريس، ووجهت روسيا اتهامات مباشرة لتركيا وعائلة الرئيس التركي أردوغان بتجارة النفط مع تنظيم "داعش" ودعم أنقرة للمجموعات الإرهابية التي تستخدم الأراضي التركية لتنفيذ هجماتها في سوريا وأعمال إرهابية في مختلف الدول.

وعلى المستوى الاقتصادي، وقع الرئيس الروسي بوتين مرسوماً بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا، تضمن تقليص دور الشركات التركية في روسيا، وتقليص استيراد المنتجات التركية، وحظر تشغيل العمال الأتراك في الشركات الروسية بدءاً من شهر يناير 2016. كما تضمنت العقوبات حظر سفر السياح الروس إلى تركيا بمنع مكاتب السياحة الروسية من بيع تذاكر السفر إلى تركيا بدءاً من العام القادم، فضلاً عن تجميد دخول المواطنين الأتراك إلى تركيا بدون تأشيرة مع مطلع العام المقبل أيضاً.

ومن شأن تلك العقوبات أن تؤثر سلباً على الاقتصاد التركي، ‌حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا في عام 2014 حوالي 31 مليار دولار، وبلغ حوالي 18.1 مليار دولار حتى شهر سبتمبر 2015، وتهدف الدولتان لزيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2023.

كما يشكل حظر سفر السياح الروس لتركيا ضربة لقطاع السياحة التركي، حيث زار تركيا 4.5 مليون سائح روسي خلال العام الماضي، وبلغ عددهم حتى شهر سبتمبر 2015 حوالي 3.3 مليون سائح. كما أن تقليص الواردات الغذائية والزراعية من تركيا يهدد الصادرات الزراعية والغذائية التركية إلى روسيا، والتي بلغت مليار دولار في العشرة أشهر الأولى لعام 2015. وتعد روسيا المستورد الأكبر للحوم البيضاء من تركيا، حيث تستورد ما قيمته حوالي 16 مليون دولار، وكان يتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 23.5 مليون دولار في نهاية هذا العام، وهو ما سيمثل خسارة كبيرة لتركيا عقب حظر استيراد اللحوم البيضاء.

أما على المستوى العسكري، فقد استدعت وزارة الدفاع الروسية الملحق العسكري التركي في روسيا، وقررت موسكو قطع علاقاتها العسكرية مع تركيا، كما عززت روسيا من أنظمتها الدفاعية في سوريا لمنع تكرار استهداف طائراتها فوق الأراضي السورية، من خلال تفعيل المنظومة الدفاعية S300 بإرسال طراد "موسكفا" المجهز بمنظومة الدفاع الصاروخية "فورت" المشابهة لمنظومة S300 إلى ساحل اللاذقية، وتوقيع بوتين قرار نشر المنظومة الصاروخية S400 في قاعدة حميميم قرب اللاذقية غرب سوريا، وهو ما يمثل تهديداً للطائرات التركية حال اقترابها من الحدود السورية.

ولم تتضمن العقوبات الاقتصادية الروسية المفروضة على تركيا قطع إمداد تركيا بالغاز الروسي حتى الآن، حيث تعد روسيا أهم مورد للغاز الطبيعي لتركيا، وتأتي أكثر من نصف الواردات التركية من الغاز الطبيعي (حوالي 30 مليار متر مكعب من استهلاكها السنوي الذي يبلغ حوالي 50 مليار متر مكعب) و12% من الواردات النفطية من روسيا، ومن شأن إقدام روسيا على تلك الخطوة التأثير بالسلب على الاقتصاد الروسي ذاته، خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية، علماً بأن النفط يشكل أحد الموارد الأساسية للاقتصاد الروسي.

المحاولات التركية لمواجهة العقوبات الروسية

عقب فشل المحاولات التركية في التهدئة مع روسيا، بدءاً من إعراب عدد من القيادات التركية على رأسهم أردوغان وداود أوغلو عن حزنهم على إسقاط الطائرة، مروراً بالإعلان عن أن الطائرة الروسية كانت مجهولة الهوية بالنسبة لتركيا، وفشل محاولات ترتيب لقاء بين بوتين وأردوغان، والإصرار الروسي على تقديم تركيا الاعتذار؛ تسعى تركيا لمواجهة الأثار السلبية المتوقعة على اقتصادها جراء العقوبات الروسية.

وفي هذا الصدد قام الرئيس التركي أردوغان بزيارة إلى قطر في 2 ديسمبر الجاري، وقع خلالها اتفاقية مد تركيا بالغاز الطبيعي القطري. كما زار رئيس الوزراء داود أوغلو أذربيجان  في 3 ديسمبر، واتفق مع الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" على ضرورة تسريع موعد إنهاء مشروع "تاناب" قبل موعده المحدد في عام  2018، وهو مشروع سينقل إلى أوروبا 16 مليار مكعب من الغاز، وستحصل تركيا التي يمر خط المشروع من أراضيها على 6 مليار مكعب من الحجم الإجمالي للغاز المنقول.

ومن شأن تلك الإجراءات توجيه رسالة إلى روسيا بعدم قطع إمدادات الغاز نظراً لتوافر بدائل أخرى، فضلاً عن الضغط على روسيا بإمكانية التخلي عن غازها حال نجاح الموردين الأخرين في تأمين احتياجات تركيا من الغاز.

واتفق أردوغان خلال زيارته قطر على استقدام عمال أتراك للعمل في المشاريع القطرية للتحضير لمونديال قطر عام 2022، حيث تعاني قطر من عجز في العمالة يقدر بحوالي 500 ألف عامل، وستتولى وكالة التوظيف التركية استقبال طلبات العمال الأتراك الراغبين في العمل في قطر لتوفير أعمال مناسبة لهم، وذلك لتوفير وظائف بديلة للعمال الأتراك الذين سيغادرون روسيا مطلع العام المقبل عقب حظر تشغيلهم، وتسعى تركيا في الوقت ذاته إلى فتح أسواق جديدة أمام منتجاتها واستثماراتها في الدول العربية والأفريقية لمواجهة العقوبات الروسية.

مستقبل العلاقات التركية ـ الروسية

في ضوء التصعيد الروسي ـ التركي وفشل محاولات التهدئة بين الدولتين، تتزايد احتمالات استمرار التصعيد العسكري في سوريا بين الجماعات الموالية لتركيا في الشمال السوري وقوات النظام السوري مدعومة بقصف جوي كثيف من قبل الطائرات الروسية لحسم المعركة في ريف اللاذقية بشمال سوريا، خاصة في منطقة جبل التركمان أحد مناطق النفوذ المباشر لتركيا، وعرقلة المشروع التركي الهادف لإقامة منطقة آمنة تمتد من مدينة جرابلس إلى مدينة أعزاز بشمال سوريا.

وتبقى الورقة الكردية أحد الخيارات القائمة لدى روسيا للرد على حادث إسقاط الطائرة الروسية بزيادة دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي - المصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركيا - بشمال سوريا، وذلك لموازنة نفوذ جماعات المعارضة الموالية لتركيا بالشمال السوري، واستخدام ورقة حزب العمال الكردستاني بالداخل التركي الذي يخوض مواجهات مسلحة مع الدولة التركية.

ومن المستبعد نشوب صراع عسكري مباشر بين تركيا وروسيا، لإدراك روسيا أن أي اعتداء على تركيا قد يستدعي رداً من حلف الناتو، وهو ما انعكس في تصريح وزير الخارجية الروسي بأن روسيا لا تريد حرباً مع تركيا ولن ترد بطريقة عسكرية، ومن المستبعد أيضاً تعليق روسيا تصدير الغاز إلى نظراً للأضرار السلبية هذا الإجراء على الاقتصاد الروسي قبل التركي، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية الأوروبية المفروضة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، والتي لم تنضم إليها تركيا، وهو ما انعكس في تصريح مساعد وزير الطاقة الروسي أن الحكومة الروسية ستستمر في ضخ الغاز الطبيعي إلى تركيا.

ومن المتوقع استمرار المحاولات الهادفة للتهدئة واحتواء الأزمة بين الدولتين في ظل الدعوات الأمريكية والأوروبية وكذلك حلف الناتو بضرورة التهدئة وعدم التصعيد، وهو ما انعكس في الاجتماع الذي تم بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف في العاصمة الصربية بلغراد على هامش مشاركتهما في الاجتماع الوزاري الـ 22 لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.