أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

صحيفة الشروق:

الأوليمبياد كشفت عن صراع جيو رياضى بين الصين وأمريكا

23 أغسطس، 2021


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب أحمد قنديل يعرض فيه صعود الصين فى دورة الألعاب الأوليمبية الأخيرة فى بكين وكيف تمثل الأوليمبياد ساحة صراع جديدة بين بكين وواشنطن.. نعرض منه ما يلى.

حصلت الصين فى أوليمبياد «طوكيو 2020»، التى سيتذكرها العالم باعتبارها واحدة من أكثر الأوليمبياد غرابة فى التاريخ لإقامتها من دون جمهور ووسط جائحة عالمية غير مسبوقة، على 38 ميدالية ذهبية، و32 ميدالية فضية، و18 ميدالية برونزية، بإجمالى 88 ميدالية. بينما تصدرت الولايات المتحدة ترتيب الأوليمبياد بحصولها على 39 ميدالية ذهبية، و41 ميدالية فضية، و33 ميدالية برونزية، بإجمالى 113 ميدالية. وكان الوفد الصينى من أكبر الوفود المشاركة فى هذه الدورة، وتكون من 431 رياضيا، بينما استضافت الدورة حوالى 11 ألف رياضى من 205 دول ومنطقة فى 339 مسابقة عبر 33 رياضة.

ويعد احتلال الصين المركز الثانى فى أوليمبياد طوكيو مؤشرا جديدا على صعود القوة الصينية العالمية وتنامى التنافس بين بكين وواشنطن، وامتداده من المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية إلى الرياضة العالمية. فمنذ أول دورة ألعاب أوليمبية فى عام 1896، فازت الولايات المتحدة بجميع دورات الألعاب الأوليمبية باستثناء 11 دورة، انتزعها منها الاتحاد السوفييتى السابق فى ذروة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو. أما الصين والتى لم تكن قد فازت فى تاريخ الألعاب الأوليمبية بأى ميدالية حتى نالت أول ميدالية لها فى دورة لوس أنجلوس عام 1984، فقد تمكنت بعد 37 سنة من الاقتراب كثيرا من إزاحة الولايات المتحدة من مكانتها المعتادة كرقم 1 فى دورات الألعاب الأوليمبية، وهو الأمر الذى كان قد تحقق مرة واحدة فقط من قبل، خلال استضافة بكين أوليمبياد 2008، وحصلت الصين فيها على 48 ميدالية ذهبية مقابل 36 فقط للولايات المتحدة.

•••

ثمة العديد من العوامل التى تفسر الصعود الصينى فى الدورات الأوليمبية، وآخرها أوليمبياد «طوكيو 2020»، وأبرزها الآتى:

• الاهتمام بالرياضة لتعزيز المكانة الدولية. أدرك صانعو القرار فى بكين أن التفوق الرياضى فى دورات الألعاب الأوليمبية هو أحد الجوانب الرئيسة لبلوغ مكانة القوة العظمى فى العالم، مثله مثل جوانب أخرى كتصنيع حاملات الطائرات وتطوير الأسلحة النووية.. إلخ. وفى هذا السياق، وضع صانعو القرار فى الصين هدفا استراتيجيا بأن تصبح دولتهم «قوة رياضية عالمية بحلول عام 2035»، وتم رصد ميزانية ضخمة لتمويل برامج رياضية كبيرة على مستوى البلاد.

• التركيز على الألعاب الفردية. فى إطار الاهتمام بالألعاب الأوليمبية، أعطت الصين الأولوية لما يُعرف بـ «رياضات النخبة»، والتى تتزايد فيها فرص الحصول على الميداليات الذهبية فى الدورات الأوليمبية، مثل رفع الأثقال وركوب الدراجات والسباحة وغيرها من المنافسات التى يغلب عليها الطابع الفردى، مع الاهتمام بشكل خاص بالعنصر النسائى فى هذه الألعاب. ومن خلال استهداف هذه الرياضات، تمكنت الصين من الحصول على أقصى عائد من الاستثمارات التى تم ضخها فى المجال الرياضى، وهو ما انعكس فى حصولها على المركز الثانى فى أوليمبياد طوكيو.

• توظيف المشاعر القومية. يمكن أيضا تفسير الإنجاز الصينى فى أوليمبياد «طوكيو 2020» بنمو المشاعر القومية، وهو ما يبدو أنه لم يفارق أذهان الرياضيين الصينيين الذين شاركوا فى هذه الأوليمبياد، الأمر الذى حفزهم على حصد الميداليات. ففى اليوم نفسه الذى فازت فيه بكين بأول ميدالية ذهبية لها فى دورة طوكيو، كان الرئيس الصينى «شى جين بينج» يلقى كلمة أمام اجتماع المكتب السياسى للحزب الشيوعى الحاكم فى بكين يؤكد فيها، بحماس شديد، ضرورة تحديث الجيش الصينى، وأن يكون للدولة القوية «جيش قوى وقادر على ضمان الأمن القومى» فى مواجهة التهديدات والتحديات المتعددة التى تواجهها الدولة الصينية.

ولم يكن الخطاب القومى الصينى المتنامى فى «مواجهة الأعداء الخارجيين»، يبعد كثيرا عما كان يدور فى أذهان الرياضيين الصينيين الذين شاركوا فى أوليمبياد طوكيو، خاصة بعد أن طالبهم المسئول الأول عن الرياضة فى الصين «قو زونج ون»، قبل أسبوع من مغادرتهم للمشاركة فى دورة طوكيو، بضرورة «القتال من أجل مجد بلادهم بكل فخر وشرف ومسئولية» فى ضوء أن الرياضة هى «مثال على قوة الدولة وحضارتها»، حسبما نقلت «وكالة شينخوا للأنباء».

وقد برز ذلك بوضوح فى أفعال كثير من الرياضيين الصينيين المشاركين فى منافسات طوكيو. فعلى سبيل المثال، قالت السباحة الصينية «تشانج يوفى»، بعد حصولها على الميدالية الذهبية، «إنها شعرت أن قوة الصين تدفعها للفوز بسباق السباحة لمسافة 200 متر فراشة»، وفى الاتجاه نفسه، قال رافع الأثقال الصينى «شى تشى يونج» إنه «فاز لأنه تنافس فى الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعى الصينى».

•••

إن ملاحقة الصين للولايات المتحدة على قمة الرياضة العالمية، والإنجاز الجديد لبكين فى أوليمبياد «طوكيو 2020»، يعتبر مشابها إلى حد كبير لما يجرى على الساحة العالمية من تنافس شديد بين القوتين الدوليتين، وهو ما يمكن أن يُطلق عليه «الألعاب الأوليمبية الجيوسياسية»، فقد كان الصعود الصينى على الساحة العالمية أكثر دراماتيكية، فقبل عقدين فقط وفى مطلع القرن الـ 21، نظرت معظم دوائر صُنع القرار الأمريكى إلى بكين باعتبارها بعيدة تماما عن أى منافسة جيوسياسية مع الولايات المتحدة.

ومن الناحية الاقتصادية، صنّف الأمريكيون الصين على أنها «دولة فقيرة ونامية»، وبالتالى سُمح لها بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بشروط مخصصة للاقتصادات النامية. ومن الناحية التكنولوجية، لم يكن لدى المواطن الصينى، من وجهة نظر الأمريكيين، ما يكفى من المال لشراء أجهزة كمبيوتر أو هواتف خلوية متطورة.

وعلى المستوى العسكرى، كان الاهتمام الأمريكى محدودا تجاه التحركات العسكرية الصينية، والتى عادة ما كانت تُوصف بأنها «تهديدات أقل شمولا». ودبلوماسيا، لم يلتفت كثير من الدول إلى بكين، خاصة أنها كانت تتابع بهدوء ما كان يجرى فى العالم، التزاما بتوجيهات الزعيم الصينى الأسبق «دنج شياو بينج» الذى أكد مرارا ضرورة «الاختفاء والاختباء» من أجل تحقيق التنمية.

وكما حدث على الصعيد الرياضى فى الأوليمبياد، تغير كل ذلك خلال العقدين الماضيين؛ حيث نهضت الصين اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا بشكل أكبر وأسرع من أى دولة أخرى، ما جعلها منافسا قويا للقوة العظمى الوحيدة فى العالم، وهى الولايات المتحدة. وقد حدث ذلك، على حد وصف الرئيس التشيكى السابق «فاتسلاف هافيل»، بسرعة كبيرة، حيث «لم يكن لدى العالم الوقت ليندهش»، فالصين اليوم هى «ورشة التصنيع الأكبر والأهم فى العالم»، كما أنها أصبحت الشريك التجارى الأول لمعظم دول العالم، وهى أيضا المحرك الرئيسى للنمو الاقتصادى منذ الأزمة المالية العالمية فى عام 2008. وأصبحت الصين أكبر اقتصاد فى العالم، بالمقياس الذى خلص إليه كل من صندوق النقد الدولى ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

وفى الساحة العسكرية، تحولت بكين لتصبح منافسا استراتيجيا للولايات المتحدة فى كل مجالات الحرب المحتملة فى الجو والأرض والبحر والفضاء الإلكترونى، على حد تعبير وزير الدفاع الأمريكى السابق «جيم ماتيس»، ومن جهة أخرى، يرى «إيلون ماسك»، رجل الأعمال الشهير ومؤسس شركة «تيسلا موتورز لصناعة المركبات الكهربائية والأنظمة الشمسية»، أن الصين هى أكبر منتج ومستهلك للسيارات، كما أنها سوف تصبح أكبر سوق للمركبات الكهربائية فى العالم. كما يؤكد «إريك شميدت»، الرئيس التنفيذى السابق لشركة جوجل العالمية، أن الصين هى الرائدة حاليا فى العالم من حيث تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، خاصة فى مجالات التعرف على الوجه والصوت، وأجهزة الكمبيوتر العملاقة والتكنولوجيا المالية.

•••

فى ضوء ذلك، يمكن اعتبار تحقيق الصين للمركز الثانى فى أوليمبياد طوكيو إنجازا رياضيا يعكس حقيقة أن بكين فى طريقها إلى قلب نظام ما بعد الحرب الباردة؛ اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا وسياسيا. وفى هذا الإطار، يتعين على دول كثيرة، بما فيها الولايات المتحدة، إيجاد طريقة ما للتعامل مع عالم جديد تكون فيه الصين على الأقل فى بعض المجالات رقم 1.

ولا يعنى ذلك بالضرورة «انتهاء اللعبة» بالنسبة للولايات المتحدة؛ حيث إنه من المرجح أن تعمل واشنطن خلال الفترة المقبلة بنشاط على مواجهة التحدى الصينى. فمن الناحية التاريخية، كان الأمريكيون أحيانا يتسمون بالبطء فى مواجهة التحديات الكبرى، ولكنهم لم يتراجعوا، فى كثير من الأحيان، عن المنافسة والاستمرار فى مواجهة الخصوم.

ختاما، يمكن القول إن نتيجة «الألعاب الأوليمبية الجيوسياسية» بين بكين وواشنطن قد تظهر مع تنظيم الصين دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية فى فبراير 2022. فرياح التنافس مع الولايات المتحدة لن تجرى، على الأرجح، كما تشتهى الصين، التى تخشى أن يتحول هذا الحدث الرياضى المقبل، الذى تستضيفه بكين للمرة الثانية، إلى بؤرة للصدام مع الولايات المتحدة فى قضايا تتعلق بحقوق الإنسان فى تايوان وهونج كونج وإقليم شينجيانغ ذى الأغلبية المسلمة، فضلا عن اتهام الصين بالمسئولية عن تفشى وباء كوفيد ــ 19. وسيتابع العالم هذا الموعد الرياضى الكبير، لمعرفة مَن سيحطم الأرقام القياسية هذه المرة، واشنطن أم بكين ؟

المقال في صحيفة الشروق