على الرغم من أن الاهتمام بحروب المدن قد نما بشكل ملحوظ قبل عقود، وتحديداً منذ التسعينيات، وصارت المدن موضع تركيز للمفكرين الاستراتيجيين العسكريين ومجتمعات الدفاع الدولية؛ فإنها في واقع الأمر ظاهرة تاريخية، وكانت أحد الأنماط الأساسية لحروب العصور القديمة. لدرجة أن العديد من القواعد المُعترف بها على أنها تُميِّز حروب المدن في عالم اليوم، كانت قابلة للتطبيق إلى حد كبير في فترات التاريخ.
ولكن هناك اختلاف رئيسي بين المعارك التاريخية والمعارك الحالية على المدن؛ فتاريخياً، دارت المعارك بشكل رئيسي حول المدن في شكل حصار، وكان دخولها أشبه بإعلان رسمي عن انتصار الطرف المُهاجم، بينما يخسر الأخير المعركة إذا فشل حصاره للمدينة وعجز عن دخولها. أما معارك اليوم فتدور بشكل أساسي داخل المدن، وتعتمد على نمط القتال من منزل إلى منزل، وتستهدف بالأساس السيطرة على مفاصل المدينة، وتطهيرها من الخصوم.
ويمكن القول إن حروب المدن قد استعادت زخمها في العقد الثاني من القرن الـ 21، وهو ما ظهر في الموصل بالعراق (2017)، والرقة بسوريا (2017)، وشوشا بأذربيجان (2020)، ثم جاءت المعارك في أوكرانيا (منذ فبراير 2022)، وفي غزة (منذ أكتوبر 2023)، لتؤكد على أهمية حروب المدن في الاستراتيجية العسكرية على مستوى العالم، ولتُسجّل دروساً جديدة تُضاف إلى قواعد حروب المدن الحديثة، وهي الدروس التي ربما تتطور لاحقاً لتُنتج تكتيكات وأساليب جديدة تتحدى القواعد التقليدية لحروب المدن.