أخبار المركز
  • يشارك مركز "المستقبل" في الدورة الـ33 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في الفترة (29 إبريل - 5 مايو 2024)، وجناحه رقم C39 في القاعة 9
  • صدور كتاب من تأليف معالي نبيل فهمي بعنوان (قيد التشكُّل.. الشرق الأوسط بين تحولات النظام الدولي والتفاعلات الإقليمية)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الأول من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • صدور كتاب جديد بعنوان (الكوابح والمحفزات.. حروب الشرق الأوسط)
  • صدور كتاب جديد بعنوان ("الديمغرافيا".. كيف تؤثر التحولات السكانية على الأمن القومي للدول؟)

الاستقراءات الخاطئة.. إعادة تقييم اتجاهات 2023

16 ديسمبر، 2023


قبل عام واحد تقريباً، كان المحللون والمؤسسات البحثية يصدرون استقراءاتهم بثقة بشأن القضايا الدولية لعام 2023. وفي حين أنه من المهم تقييم ما إذا كانت هذه الاستقراءات دقيقة أم لا، فمن الأهم تقييم موقفنا الحالي وتحديد الخطوات القادمة خاصةً ونحن نقترب من العام الجديد.

توقعات لم تتحقق:

تركز الاهتمام في شمال العالم حول خمسة أحداث رئيسية كان من المتوقع حدوثها في عام 2023. ففي البداية كان هناك احتمال قيام الحرب في أوكرانيا، وهو الاحتمال الذي رفضه الخبراء الغربيون بشكل قاطع في عام 2021 واعتبروه حدثاً مستبعداً. وبعد قيام الحرب بالفعل في أوكرانيا، افترض الكثيرون أنها ستكون مجرد نزهة سهلة للجانب الروسي مع انتصار سريع، ولكن الواقع أثبت خطأ كلا التنبؤين. فمع اقتراب نهاية عام 2023 ما يزال الجمود العسكري في أوكرانيا مستمراً.

ثانياً، كانت هناك توقعات بشأن انهيار التضامن الغربي حول أوكرانيا وهو ما ثبت خطأه أيضاً، على الرغم من صعود سياسة "أمريكا أولاً" الاقتصادية، التي ينتهجها جو بايدن، والتي ظهرت كنقطة انقسام جديدة مع أوروبا. وقد أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن قلقه بشأن القانونين اللذين يدعمان الصناعة الأمريكية، ويميزان في المعاملة بين المنتجين خارج الولايات المتحدة وداخلها، واللذين من المحتمل أن يؤديا إلى تفتيت وحدة الغرب.

ثالثاً، يعتقد الرئيس بايدن، والعديد من القادة الغربيين أن العالم منقسم بالأساس بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الاستبدادية. وقد أثار هذا المنظور مخاوف استقطابية بشأن الطموحات الغربية للهيمنة على النظام العالمي. أضف إلى ذلك، أن الأزمة الأوكرانية قد أدت إلى التقريب بين روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، على الرغم من اختلاف مستويات التقارب في كل دولة.

رابعاً، كانت التوترات بشأن تايوان مصدراً كبيراً للقلق بسبب التزام الرئيس الصيني شي جين بينغ، بإعادة توحيد الصين. وما زاد من حدة هذا القلق زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، وإعلان الرئيس بايدن الدفاع عن تايوان في حالة وقوع أي عدوان ضدها، وتحذير رئيس العمليات البحرية الأمريكية من غزو صيني محتمل على تايوان قبل عام 2024. ومع ذلك، فقد ثبت عدم دقة هذه التوقعات، وانتهى العام بمحاولة إعادة تنسيق للقمة الأمريكية الصينية في سان فرانسيسكو.

خامساً، كانت الاضطرابات في إيران، والتي تتضمن تحديات مختلفة، بمثابة قضية رئيسية أخرى تركز الاهتمام حولها في عام 2023. وتضمنت التحديات التي كانت تواجهها إيران في خلال العام: اندلاع الاحتجاجات بعد وفاة مهسا أميني، أثناء احتجازها لدى الشرطة، وعموم الركود الاقتصادي، وارتفاع مستوى صرامة العقوبات المفروضة على الدولة. وهكذا فقد كان أحد الأسئلة المهمة هو: هل سيكون باستطاعة الجمهورية الإسلامية أن تصمد حتى نهاية العام وسط التحديات الداخلية التي كانت تواجهها الدولة؟ بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني واحتمالية زيادة العدوانية الإقليمية، وربما تكون هذه النقطة برمتها بمثابة تكتيك لتحويل الانتباه عن القضايا الداخلية. ولكن مرة أخرى، لم تتحقق أي من هذه التوقعات.

زيادة عدم اليقين:

في الواقع لقد تساءل المحللون في البداية عما إذا كان عام 2023 سيكون عاماً للتصعيد أم عاماً للتهدئة التي من شأنها تقليل التوترات الجيوسياسية وتأثيراتها الاقتصادية. وقد نشأت هذه التساؤلات بسبب عدة عوامل هي:

1. أطر الأمن العالمي غير الفعالة: فشلت مفاهيم ما بعد الحرب العالمية الثانية في منع الصراعات، مثل الحرب في أوكرانيا أو في أي مكان آخر من العالم.

2. تصادم التحولات الخضراء مع التحولات الرقمية: فقد أدت العقوبات إلى تعطيل الأسواق وأثرت في أنماط الطاقة العالمية على حساب تغير المناخ.

3. الركود الاقتصادي العالمي المتوقع: على الرغم من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي،  فإن الاقتصادات العالمية والصناعية لم تصل بعد إلى مرحلة الركود.

4. أزمة توفر السلع الأساسية: ما يزال العالم يصارع تداعيات ما بعد وباء "كوفيد19"، مما يثير المخاوف بشأن توفر السلع الأساسية.

5. انتشار عدم الاستقرار والسخط الاجتماعي على نطاق واسع: لقد أدت "الأزمة الدائمة" إلى انتشار عدم الاستقرار والسخط الاجتماعي، مما سلط الضوء على المخاوف بشأن النظام العالمي المحروم.

6. نهاية عصر وفرة الموارد: يقترب عصر المنتجات الرخيصة والوفيرة من نهايته، مما يثير المخاوف بشأن اقتصادات السوق والتدفق الحر للسلع والخدمات.

7. التفتت التنظيمي والعولمة القطاعية: أدى تصاعد الاستقطاب والأزمات إلى جعل التفتت التنظيمي والعولمة القطاعية مشكلة متزايدة، مما يقوض القواعد والأنظمة العالمية التوافقية.

8. اختبار الحدود الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية: من المتوقع أن تؤدي النماذج الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية المتوترة، إلى جانب الأسواق غير الفعالة المتأثرة بالعقوبات، إلى زيادة المخاطر.

إعادة تقييم الأمور: 

أثبتت العديد من استقراءات عام 2023 عدم دقتها، إذ كانت بعض الأحداث أقل دراماتيكية من المتوقع أو على العكس كان بعضها أعلى من المتوقع له بكثير. ولقد نتج عن ذلك ظهور العديد من الادعاءات الكاذبة والسياسات العدوانية التي أثبتت عدم فعاليتها وأدت إلى المزيد من استخدام القوة. ولذلك نرى أنه قد حان الوقت الآن للتفكير والتأمل من أجل إعادة ضبط المسار.

لقد تأثرت التناقضات الكبيرة الخاصة باستقراءات عام 2023 بعدة عوامل. وأول هذه العوامل هو أن تلك الاستقراءات ركزت في المقام الأول، وبشكل غير متكافئ، على القوى الكبرى والنصف الشمالي من العالم، في حين تجاهلت النصف الآخر. بالإضافة إلى ذلك، فقد استندت هذه الاستقراءات إلى مفاهيم وافتراضات لنظام عالمي قد عفا عليه الزمن ولم يعد يعكس النموذج العالمي السائد على أرض الواقع.

ومن الأمثلة التي تدل على خطأ هذه الافتراضات أنه ومنذ بضعة أشهر فقط كان الافتراض السائد هو أن فلسطين لم تعد قضية على الأجندة العالمية، حتى إنه ومنذ شهر واحد فقط نشر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، مقالاً يؤكد فيه أن الشرق الأوسط قد أصبح أكثر أماناً من أي وقت مضى. كانت هذه هي الاستقراءات السائدة بينما ها هو عام 2023 يشرف على الانتهاء وأنظار العالم أجمع متركزة على الحرب في غزة، تلك الحرب التي حصدت الآلاف من الأرواح.

ونظراً لتنوع مصادر التوترات حول العالم، فمن الملح على المجتمع الدولي أن يعود مرة أخرى إلى الدبلوماسية باعتبارها الأداة الأساسية لإقامة علاقات دولية وحل النزاعات. ويُعد هذا أمراً ملحاً، خاصةً مع وجود الصراعات الحالية (أو الوشيكة) مثل تلك التي تدور في: أوكرانيا وفلسطين والسودان واليمن... إلخ.

ويُعد إنهاء حالة الاستقطاب الشديد في النظام العالمي أيضاً قضية ملحة أخرى، فمن الممكن أن يساعد هذا الأمر على وقف الصراعات العسكرية واسعة النطاق، والحروب الاقتصادية والتجارية المدمرة. وفي هذا الصدد بالذات يمكن للدبلوماسية الثنائية ومتعددة الأطراف أن تؤدي دوراً حاسماً لتحقيق هذا الهدف.

إن تجديد الجهود من أجل نزع السلاح العالمي والإقليمي أصبح أمراً ضرورياً. وتُعد هذه النقطة شديدة الأهمية خاصةً في ظل ما شهدناه من التخلي عن اتفاقيات دولية طويلة الأمد، كتلك التي كانت بين الولايات المتحدة وروسيا، بالإضافة إلى رفع مستوى القوة العسكرية من قبل العديد من الدول (كالولايات المتحدة وروسيا)، والمواقف المتصاعدة في الفضاء الخارجي، وتطوير تقنيات جديدة للاستخدام المزدوج.. كل هذا من المحتمل أن يجلب آثاراً مدمرة على الجميع سواءً على الدول الأطراف في تلك التوترات أم على غيرها من الدول.

إن تشجيع وتبني التعايش، كمجتمع عالمي واحد، أمر بالغ الأهمية لمواجهة تحديات التهديدات العالمية غير العسكرية مثل: انتشار الأوبئة وتغير المناخ.

في الختام، من المهم أن نؤكد من جديد أن الدول النامية لديها أسباب مشروعة للطعن والتشكيك في دقة الاستقراءات السنوية بشأن القضايا الدولية، والتعبير عن عدم الرضا إزاء غياب المعاملة العادلة. فالأدلة على أرض الواقع للأسف تدعم هذه الفكرة. ولذلك فمن الأهمية بمكان أن تعالج الدول النامية هذه القضية من خلال المشاركة النشطة مع المحللين والخبراء داخل بلدانها بهدف تطوير وتقديم السردية التي تعكس وجهات نظرها واهتماماتها الحقيقية. وينبغي بعد ذلك مشاركة هذه الروايات وموازنتها مع روايات الآخرين.