أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مخاطر قائمة:

تأثير انتخاب مادوبي على الصراع على السلطة في الصومال

12 مايو، 2022


صوّت أعضاء مجلس الشعب الصومالي في 28 أبريل 2022 لاختيار شيخ عدن محمد نور، المعروف بالشيخ عدن مادوبي، رئيساً للمجلس الجديد بعد الانتهاء من اختيار غالبية أعضائه، وذلك بعد يومين فقط من اختيار مجلس الشيوخ، الغرفة الثانية في البرلمان، عبدي حاشي عبدالله رئيساً له، مما عكس مؤشرات إيجابية بشأن قرب ملء الفراغ الدستوري القائم بسبب نهاية فترة ولاية الرئيس الحالي، محمد عبدالله فرماجو منذ عام ونصف.

إنهاء الجمود السياسي:

شهد الملف الصومالي جملة من التطورات المهمة خلال الفترة الأخيرة، التي وضعت نهاية لحالة الجمود السياسي التي تهيمن على المشهد العام منذ نحو عام ونصف، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- إنجاز الاستحقاقات البرلمانية: تمكنت الحكومة الصومالية، برئاسة محمد حسين روبلي، من الانتهاء من عملية الانتخابات البرلمانية، وذلك بعد نحو عام ونصف من تعثر إجرائها، والتي كان من المفترض إجراؤها في ديسمبر 2020.

وعقدت أول جلسة للبرلمان الصومالي، في محيط مطار مقديشو الدولي، والتي أسفرت عن انتخاب شيخ عدن مادوبي، إذ حصل على 163 من أصل 252 صوتاً، وهي الخطوة التي سبقتها إعادة انتخاب عبدي حاشي عبد الله مرة أخرى رئيساً لمجلس الشيوخ الجديد.

وسبق أن ترأس عدن مادوبي مجلس النواب خلال الفترة بين 2007 و2010، كما تولى منصب القائم بأعمال رئيس البلاد في ديسمبر 2008 وحتى نهاية يناير 2009، وهو ينحدر من إحدى القبائل الكبرى في الصومال، وهي عشيرة رحنوين، وكان مادوبي عضواً في حزب "هميلو قرن" الذي يتزعمه الرئيس الصومالي السابق، شريف شيخ أحمد.

وتنافس سبعة مرشحين على منصب رئاسة مجلس الشعب، وفشل ثلاثة منهم في الانتقال إلى الجولة الثانية من التنافس، قبل أن ينسحب اثنان لاحقاً، ليخوض مادوبي المنافسة في الجولة الثانية أمام حسب عبدالنور، والذي حصل على 89 صوتاً، مقابل 163 لمادوبي.

2- محاولة فرماجو تعطيل الانتخابات: جاءت عملية انتخاب مادوبي في أعقاب مواجهات حادة شهدتها مقديشو بين قوات حفظ السلام التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال "أتميس"، وعناصر الشرطة الصومالية المواليين للرئيس فرماجو، حيث حاولت الأخيرة منع نواب البرلمان من الوصول إلى مقر عملية التصويت لاختيار رئيس مجلس الشعب الجديد.

وكان روبلي، قد طلب من أتميس تولي عملية تأمين عملية اختيار رئيس مجلس الشعب، وذلك في أعقاب قيام قوات تابعة لفرماجو، بمهاجمة غرفة مجلس الشعب في مقر البرلمان، وإجبار الموظفين الموجودين هناك على المغادرة. 

وأعلن رئيس لجنة تنظيم الانتخابات برئاسة مجلس الشعب، عبد الرازق محمد عمر، أن قائد الأمن في القصر الرئاسي بالتعاون مع قائد الشرطة الفيدرالية، الجنرال عبدي حسن حجار كانا مسؤولان عن هذا الهجوم بغرض تعطيل عملية انتخاب رئيس مجلس الشعب ونوابه.

كذلك، أعلن الرئيس المؤقت للبرلمان الصومالي، عبد السلام حاجي ليبيان، أن عناصر تابعة لفرماجو، حاولت عرقلة عملية أداء اليمين الدستوري لـ 16 من عناصر البرلمان الصومالي الجديد، والذين كان قد تم انتخابهم مؤخراً في مدينة عيل واق بإقليم جيدو، وذلك في 25 أبريل الجاري، كما دعا قائد الشرطة الصومالية، عبدي حسن حجار، إلى تأجيل انتخابات مجلس الشعب بدعوى وجود تخوفات أمنية.

وفي هذا السياق، أعلن وزير الأمن الداخلي الصومالي، عبد الله محمد نور، في 27 أبريل الجاري، عن إيقاف حجار، بسبب محاولته عرقلة عملية انتخاب رئيس مجلس الشعب بإيعاز من فرماجو، وتورطه في أعمال تهدد سلامة كبار المسؤولين الحكوميين وغيرهم من السياسيين في البلاد. كما أصدر وزير الأمن العام أوامره لكل من جهازي الشرطة والمخابرات بالامتناع عن التدخل في الانتخابات.

3- انتكاسة جديدة لفرماجو: لا يعد مادوبي محسوباً على أي من طرفي الصراع الراهن على رأس السلطة، سواء فرماجو، أو روبلي، بيد أن الأول يرتبط بعلاقات وثيقة بقوى المعارضة الصومالية، وهو ما يعكس انتكاسة كبيرة بالنسبة لفرماجو، إذ إن هذا الأمر يعني تراجع احتمالات إعادة انتخابه لفترة جديدة في ظل التركيبة الحالية للبرلمان الصومالي الجديد.

4- ترحيب دولي: أصدر شركاء الصومال الدوليون بياناً في 26 أبريل الجاري، أعلنوا فيه عن ترحيبهم بانتخاب رئيس جديد لمجلس الشيوخ الصومالي ونوابه، وطالب البيان الأطراف الصومالية بعدم السماح للتوترات السياسية والأمنية بتعطيل المراحل النهائية من المسار الانتخابي، وحثوا قادة مقديشو على ضبط النفس وحل الخلافات بطرف سلمية وتجنب أي تصعيد محتمل.

دلالات مقلقة للصومال:

عكس انتخاب البرلمان الجديد، وفشل فرماجو في عرقلة انعقاده عدداً من الدلالات، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- استمرار الصراع السياسي: عكست المواجهات الأخيرة بين قوات فرماجو وأتميس تصاعد حدة الصراع بين فرماجو وروبلي. ويكشف بيان الشركاء الدوليين السابق عن حجم التخوفات الدولية من أي تحركات محتملة قد يقوم بها فرماجو خلال الفترة المقبلة لتعطيل إجراء الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يمكن أن يتبعه حزمة جديدة من العقوبات الأمريكية والغربية على فرماجو.

2- توظيف محتمل للشباب: تصاعدت العمليات الإرهابية لحركة الشباب في الآونة الأخيرة، فقد شنّت، في 18 أبريل الجاري، هجوماً على مقر البرلمان الصومالي المؤقت، وذلك أثناء انعقاد إحدى جلسات البرلمان لجديد، والذي تمخض عنه سقوط عدد من الجرحى من غير نواب البرلمان، كما شنّت الحركة في 25 أبريل الجاري، هجوماً واسعاً من خلال قذائف الهاون على قاعدتين عسكريتين للجيش الصومالي في محافظة شبيلي السفلى.

وتمكنت الشباب من السيطرة على بلدة ماتبان الاستراتيجية بوسط الصومال، ويضاف لذلك تكرار استهداف حركة الشباب لقوات أتميس، والتي كان آخرها في محافظة شبيلي الوسطى، في 28 أبريل الجاري، أسفرت عن مقتل جنديين تابعين لهذه القوات.

وربطت تقارير عدة بين هذا العمليات الإرهابية، وبين محاولات فرماجو عرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية. كما أشار بعضها إلى تورط المستشار الأمني للرئيس فرماجو، فهد ياسين، في فتح المجال أمام الشباب لتوسيع نطاق عملياتها الإرهابية لخلق بيئة داخلية متوترة، تحول دون إجراء الانتخابات الرئاسية. وما يدعم صدقية هذه التقارير اتهام وزير الأمن الصومالي، عبد الله محمد نور، في أبريل، فرماجو بأنه سيعمل على تسليم البلاد إلى حركة الشباب إذا فشل في تأمين حظوظه في إعادة انتخابه لولاية جديدة.

3- تصاعد محاولات الاغتيالات: شهدت الأسابيع الأخيرة محاولات اغتيال متكررة طالت نواب البرلمان الجديد، وكذلك عدد كبير من المسؤولين الحكوميين وبعض السياسيين. وكان أبرزها تلك التي تعرض لها كل من الرئيس المؤقت للبرلمان الصومالي، عبد السلام حاجي ليبيان، ووزير الخارجية الصومالي، عبد السعيد محمد علي، بالإضافة إلى عضو مجلس الشعب السابق، إلياس علي حسن، وهو ما يهدد بتأجيج المشهد الداخلي في مقديشو، وتعطيل الانتخابات الرئاسية.

مسارات محتملة:

يثير الحراك الراهن في الداخل الصومالي حالة من القلق الداخلي والخارجي بشأن المسارات التي يمكن أن تؤول إليها الأمور خلال الفترة المقبلة، ويمكن عرض أبرز هذه المسارات على النحو التالي:

1- إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها: يتوقع أن يضغط روبلي لإجراء الانتخابات الرئاسية، في موعدها المقرر في 17 مايو المقبل، وذلك لضمان استمرار الحصول على دعم الميزانية من صندوق النقد الدولي، حيث من المفترض أن تنتهي تلقائياً حزمة المساعدات التي تحصل عليها مقديشو من صندوق النقد الدولي، والتي تبلغ قيمتها حوالي 400 مليون دولار لمدة ثلاث سنوات، في منتصف مايو المقبل ما لم تكن هناك حكومة جديدة في الصومال تنفذ الإصلاحات المخططة.

وربما يدعم روبلي في ذلك الضغوط الدولية الرامية إلى إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها من أجل التفرغ لعملية صد هجمات حركة الشباب المتصاعدة، في وقت بدأت الولايات المتحدة تعيد التفكير مرة أخرى في إعادة نشر قواتها الخاصة التي كانت قد سحبتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في مطلع 2020.

2- تأجيل محدود للانتخابات: يمكن أن يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية، ولو لفترة قصيرة، ارتباطاً بتصاعد وتيرة التهديدات الإرهابية للشباب، فضلاً عن الصراع المحتدم بين فرماجو وروبلي.

وفي النهاية، تكشف التطورات السابقة عن تصاعد احتمالات أن يسعى فرماجو لعرقلة الانتخابات الرئاسية، وتوظيف القوات الموالية له في ذلك، وهو ما ينذر بتفكك الأجهزة الأمنية في مقديشو، خاصة في ظل انقسام ولاءاتها بين فرماجو وروبلي، كما قد يعمد فرماجو إلى الاستعانة ببعض القوى الدولية والإقليمية لدعم موقفه، وفي المقابل، سوف يعتمد روبلي على دعم أتميس والمجمتع الدولي لإنجاز هذا الاستحقاق، وهو ما يعني أن الفترة المقبلة قد تشهد تصاعداً في وتيرة الاضطرابات السياسية.