أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

تحديات متعددة:

لماذا يتوقع البنك الدولي تباطؤ الاقتصاد العالمي في 2019؟

28 يناير، 2019


عرض: محمد بسيوني عبدالحليم - باحث في العلوم السياسية

تتوقع الكثير من المؤسسات الاقتصادية أن يتعرض الاقتصاد العالمي لتحديات رئيسية خلال عام 2019 مرتبطة بالإشكاليات التي تواجه التجارة العالمية، واحتمالات تراجعها في ظل تنامي التوترات التجارية بين عددٍ من الدول، ناهيك عن تزايد الضغوط المالية الناجمة عن الديون بالنسبة للدول النامية وعلى التصنيع. وبموازاة هذه العوامل الاقتصادية، فإن ثمة عوامل مناخية وسياسية تُلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي؛ فالظواهر المناخية تؤثر على أسعار الغذاء العالمي، كما أن الأزمات السياسية الداخلية، على غرار الأزمة الفنزويلية الأخيرة، تعرقل من احتمالات النمو الاقتصادي. 

وفي هذا الصدد، يتناول البنك الدولي من خلال تقريره الصادر في يناير 2019 المعنون "الآفاق الاقتصادية العالمية"، الاتجاهات الاقتصادية العالمية الراهنة، ومحاولة استشراف مستقبل الاقتصاد العالمي خلال هذا العام. ويفترض التقرير أن ثمة إشكاليات من المحتمل أن تواجه اقتصادات الدول، حيث تتفاعل معطيات داخلية (مثل: المشكلات الهيكلية، والأزمات السياسية) ومعطيات خارجية (على غرار التوترات التجارية العالمية، وانكماش بعض الأسواق الرئيسية) لتشكل سياقًا قد يؤثر سلبًا على معدلات النمو الاقتصادي.

تباطؤ الاقتصاد العالمي:

يتعاطى التقرير بدرجة كبيرة من الحذر مع احتمالات النمو الاقتصادي العالمي في ظل التوترات التجارية بين الاقتصادات الرئيسية، التي أثرت بجانب المخاوف المتعلقة بآفاق النمو العالمي على معنويات المستثمرين وقراراتهم الاقتصادية، كما أنها ساهمت في انخفاض أسعار الأسهم العالمية، علاوة على زيادة تكاليف الاقتراض بالنسبة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. وفي السياق ذاته، فإن التذبذب في أسعار الطاقة كان له تأثير اقتصادي ملحوظ، خاصة في الاقتصادات القائمة على تصدير موارد الطاقة.

وشهدت اقتصادات الدول تباينات واضحة خلال عام 2018 في أدائها ونشاطها. ففي الاقتصادات المتقدمة، حيث بلغ النمو خلال العام الماضي نحو 2,2%، وهو أقل من عام 2017 حيث كان النمو 2,3%؛ تصدر الاقتصاد الأمريكي المشهد حيث ظل النمو قويًّا ووصل إلى 2,9%، وهو معدل مرتفع مقارنة بعام 2017 الذي كان فيه معدل النمو 2,2%. 

ويرتبط هذا الارتفاع بالحوافز المالية والسياسات النقدية، وحالة سوق العمل القوية، وانخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له منذ خمسين عامًا تقريبًا. ولكن بالرغم من ذلك، يتوقع التقرير أن يتراجع نمو الاقتصاد الأمريكي خلال عام 2019 ليصل إلى 2,5% وذلك في ضوء احتمالات التراجع عن السياسات النقدية والتحفيز المالي، بالإضافة إلى تأثير زيادة تعريفات التجارة، التي شرعت فيها الإدارة الأمريكية، على النشاط الاقتصادي.

وعلى النقيض، تعرضت الاقتصادات الرئيسية الأخرى لأوضاع غير مواتية خلال عام 2018؛ فمنطقة اليورو شهدت تباطؤًا في النشاط الاقتصادي، ووصل النمو إلى 1,9% بعد أن كان 2,4% عام 2017 في ظل تراجع الصادرات وارتفاع التضخم والمشكلات الاقتصادية التي تواجهها بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا، حيث من المرجّح أن يتزايد العجز على خلفية الضغوط الشعبية من أجل زيادة الإنفاق والإعفاء الضريبي. ومن هذا المنطلق، يتوقع التقرير أن يستمر التباطؤ الاقتصادي في منطقة اليورو ليصل معدل النمو إلى 1,6% في 2019. 

وفي سياق متصل، شهد كل من الاقتصاد الياباني والصيني حالة من التراجع خلال عام 2018، فقد تراجع النمو الاقتصادي الياباني إلى 0,8% بعد أن كان 1,9% في عام 2017، ويرجع هذا التباطؤ إلى سوء الأحوال الجوية والكوارث الطبيعية، ناهيك عن ضعف الإنتاجية والعجز الحكومي. ويُرجَّح أن يتعافى الاقتصاد نتيجة للتعافي من الاضطرابات المناخية المؤقتة في العام الماضي بدرجة ما خلال عام 2019 ليرتفع النمو إلى 0,9%.

وتراجع النمو في الصين إلى 6,5% خلال عام 2018 مقارنة بـ6,9% خلال عام 2017، وهو ما يعكس تباطؤًا في الإنتاج الصناعي ونمو الصادرات، وانخفاض الإنفاق الحكومي على البنية التحتية، وتراجع الاحتياطات الدولية، وتزايد الضغوط على الأسهم والعملة الصينية وذلك في خضم التخوفات من تداعيات التوترات التجارية مع القوى الدولية الأخرى. ولهذا يتوقع البنك الدولي أن يستمر منحى الانخفاض في عام 2019 ليصل النمو إلى 6,2%. 

وعلى صعيد الاقتصادات النامية والأسواق الناشئة، يشير التقرير إلى أن النمو الاقتصادي تراجع خلال عام 2018 ليبلغ 4,2% منخفضًا عن معدل عام 2017 الذي كان 4,3%، إذ عانت العديد من الدول من عجز حاد في الحساب الجاري وضغوطات مالية، فضلًا عن تزايد الديون على الكثير من هذه الدول، وهو ما يقلص من حيز الحركة لدى حكومات هذه الدول للتعامل مع الظروف الطارئة أو حتى المطالب المجتمعية بتحسين الظروف الاقتصادية والتعامل مع ارتفاع الأسعار.

ولا يغفل التقرير انعكاس التباطؤ الاقتصادي في الدول المتقدمة على الأسواق النامية والناشئة، خصوصًا وأن الكثير من هذه الدول مرتبطة بالدول المتقدمة عبر علاقات تجارية واقتصادية متعددة. ومن ثم، يفترض التقرير أن التراجع في الأسواق النامية سيستمر خلال عام 2019، وسيكون النمو الاقتصادي عند معدل 4,2%، وهو ما يعكس -بجانب التباطؤ في الاقتصادات المتقدمة- جزئيًّا عدم اليقين السياسي في بعض الدول، والتوترات الجيوسياسية، والتأثيرات المستمرة للضغوط المالية الأخيرة في بعض الدول مثل الأرجنتين وتركيا.

اتجاهات إقليمية:

يُشير التقرير إلى أن النمو العالمي انخفض خلال عام 2018 ووصل إلى 3% بعد أن كان 3,1% خلال عام 2017، وذلك بالتزامن مع تباطؤ نمو تجارة السلع العالمية خلال النصف الأول من العام الماضي، وتذبذب أسعار السلع بشكل مؤثر على اقتصادات الكثير من الدول. وقد تجلت هذه المعطيات عبر الاتجاهات الإقليمية، التي استعرضها التقرير، والتي يمكن تناولها فيما يلي: 

1- شرق آسيا والمحيط الهادي: بالرغم من أن المنطقة تُعد واحدة من أسرع مناطق البلدان النامية نموًّا في العالم، فقد شهدت تراجعًا في النمو خلال عام 2018 بمعدل 6,3% مقارنة بـ6,6% خلال عام 2017، خصوصًا مع التوترات التجارية العالمية، وتعرض عدد من الدول لخروج رؤوس الأموال، وانخفاض قيمة العملة، وخسائر في الاحتياطي الأجنبي. كما أن العديد من دول المنطقة تُعاني من نقاط ضعف جوهرية متضمنة مستويات مرتفعة من الديون العامة والخاصة والديون الخارجية والعجز المالي والعجز في الحساب الجاري، بالإضافة إلى الاعتماد على تدفقات رأس المال المتقلبة. ويبدو أن لهذه المعطيات تأثيرًا على آفاق المنطقة خلال عام 2019، إذ يتوقع التقرير أن ينخفض معدل النمو إلى 6%.

2- أوروبا وآسيا الوسطى: تعرّضت المنطقة لانخفاض في معدل النمو خلال عام 2018، ووصل إلى 3,1% مقارنة بمعدل 4% عام 2017. ويرجع التقرير هذا الانخفاض بصورة أساسية إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، حيث انخفضت الليرة التركية بنحو 30% على مدار العام الماضي، وتزايد التضخم، وتنامي عجز الحساب الجاري. كما شهدت دول أوروبا الوسطى تراجعًا في النمو. وعطفًا على هذا، يتوقع التقرير استمرار تراجع النشاط الاقتصادي خلال عام 2019 ليبلغ معدل النمو 2,3%. 

3- أمريكا اللاتينية والكاريبي: انخفض معدل النمو في المنطقة خلال عام 2018 ووصل إلى 0,6% مقارنة بـ0,8% خلال عام 2017. وهذا التراجع يعكس أزمة العملة في الأرجنتين، وعدم اليقين بشأن سياسات الدولة في البرازيل. وتفاقم الأوضاع في فنزويلا، والتراجع في التجارة العالمية، والتي تُلقي بظلالها على دول المنطقة. وبالرغم من ذلك، فإن البنك الدولي يتوقع ارتفاع النمو بالمنطقة إلى 1,7% خلال عام 2019، مدعومًا في الأساس بزيادة الاستهلاك الخاص، خصوصًا مع التوقعات الإيجابية بشأن الدول الرئيسية في المنطقة على غرار البرازيل التي من المحتمل أن تسجل معدل نمو يبلغ 2,2%، بافتراض أن الإصلاحات المالية العامة سرعان ما يتم وضعها موضع التطبيق، وأن انتعاش الاستهلاك والاستثمار سيفوق حجم الخفض في الإنفاق الحكومي. 

4- الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: بخلاف المناطق السابقة ارتفع معدل النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط واستقر عند 1,7% خلال عام 2018 بعد أن كان 1,2% خلال عام 2017، ومن المرجّح أن يستمر هذا المنحى خلال عام 2019 ليصل إلى 1,9%. ويرجع هذا التحسن إلى السياسات المحلية والإصلاحات الداخلية التي شرعت فيها عدد من دول المنطقة. 

وتعرّضت إيران لاهتزاز اقتصادي بفعل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ وتجديد العقوبات الأمريكية على طهران. وعلى صعيد الدول المستوردة للنفط بالمنطقة، كانت هناك تطورات إيجابية؛ فعلى سبيل المثال شهد الاقتصاد المصري مؤشرات إيجابية في ظل تحسن النشاط السياحي واكتشافات الغاز الطبيعي، كما انخفض معدل البطالة بشكل عام، وساهمت السياسات الحكومية في رفع التصنيف الائتماني لمصر في أغسطس 2018.

5- إفريقيا جنوب الصحراء: ارتفع معدل النمو في المنطقة خلال عام 2018 إلى 2,7% مقارنة بـ2,6% خلال عام 2017، ويحتمل أن يستمر الارتفاع إلى 3,4% خلال عام 2019 بافتراض تبدد عدم اليقين بشأن السياسات العامة، وتحسن الاستثمار في البلدان ذات الاقتصاد الضخم، إلى جانب استمرار النمو القوي في البلدان التي تفتقر إلى الموارد الكثيفة. وفي هذا السياق، يحتمل أن تتحسن الأوضاع في الاقتصادات الرئيسية بالمنطقة، وفي مقدمتها نيجيريا وأنجولا وجنوب إفريقيا. 

وبالرغم من هذه المعطيات فإن المنطقة لا تزال تعاني من إشكاليات جوهرية بعضها يتعلق بالأوضاع الداخلية والظروف المناخية المعاكسة والصراعات السياسية والديون، والبعض الآخر يتصل بالسياق الخارجي والمخاطر الخارجية المتمثلة في إمكانية حدوث انخفاض حاد مفاجئ في أسعار السلع والمواد الأولية، والتضييق على الأوضاع المالية العالمية، وتصاعد حدة التوترات التجارية بين القوى الرئيسية في الاقتصاد العالمي.

6- جنوب آسيا: يصنف البنك الدولي المنطقة كأسرع مناطق العالم نموًّا، حيث استقر معدل النمو في 2018 عند 6,9% مقارنة بـ6,2% عام 2017، ويرجح أن يستمر هذا الاتجاه في عام 2019 ليبلغ معدل النمو 7,1% مدعومًا بتعزيز الاستثمار والاستهلاك القوي في عدد من دول المنطقة الرئيسية مثل الهند التي يرجح أن تتسارع وتيرة النمو فيها بحيث تبلغ 7,3% بنهاية السنة المالية 2018/2019، خصوصًا وأننا إزاء سوق كبيرة بتعداد سكاني ضخم يعزز الاستهلاك الخاص. 

تحديات رئيسية:

يفترض التقرير أن ثمة تحديات رئيسية تواجه الدول النامية وذات الدخل المنخفض، وأول هذه التحديات يتمثل في نمو الاقتصاد غير الرسمي القائم بعيدًا عن السلطة العامة للدولة لأسباب تنظيمية ونقدية ومؤسسية، ويمثل هذا الاقتصاد نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي و70% من العمالة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. 

وبقدر ما يوفر الاقتصاد غير الرسمي شبكة أمان عبر توفير فرص عمل خلال الفترات التي يتخلص فيها القطاع الرسمي من الوظائف؛ فإنه يؤدي أيضًا إلى تداعيات سلبية بالنسبة لاقتصاد الدول، خصوصًا وأن العمال في القطاع غير الرسمي مستبعدون إلى حد كبير من نظام الضمان الاجتماعي، ويحظون بحماية أقل مقارنة بالعمال في القطاع الرسمي ضد الصدمات السلبية. ناهيك عن أن الاقتصاد غير الرسمي يؤدي إلى تآكل القاعدة الضريبية، ويحد من قدرة الحكومة على توفير الخدمات العامة وتنفيذ سياسات إعادة التوزيع، أو الاستثمار في البنية التحتية أو غيرها من السياسات المعززة للنمو. 

ومن جهة ثانية، تواجه الدول منخفضة الدخل تحديًا متعلقًا بارتفاع الديون خلال السنوات الأخيرة. فمنذ عام 2013، ارتفع الدين الحكومي الوسيط بحوالي 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ونتيجة لذلك فإن مدفوعات الفوائد في معظم البلدان منخفضة الدخل تستنزف نسبة متزايدة من الإيرادات الحكومية. علاوة على المشكلات الهيكلية التي تعاني منها الكثير من هذه الدول والتي تجعلها أكثر حساسية للأزمات الاقتصادية وغير قادرة على الاستفادة بالقروض التي تحصل عليها على النحو الأمثل.

ومن جهة ثالثة وأخيرة، ربما تشكل احتمالات ارتفاع أسعار الغذاء التحدي الأهم بالنسبة للدول في المستقبل، فخبرة السنوات الماضية تكشف عن التداعيات السلبية لهذا الملف. فعلى سبيل المثال، أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في عامي 2010 و2011 إلى نزوح نحو 8,3 ملايين شخص إلى الفقر على مستوى العالم. وبوجه عام، ينعكس ارتفاع أسعار الغذاء على اقتصاد الدول من خلال ارتفاع مستوى التضخم، ووقوع صدمات تجارية تؤدي إلى انخفاض النمو وزيادة الفقر، ناهيك عن الضغوط الاجتماعية التي تفرضها على الحكومات.

وختامًا، يشير التقرير إلى أن هذه التحديات تتطلب من الدول صياغة سياسات للتدخل السريع للتخفيف من حدة الأزمات، ومحاولة الاستفادة من الموارد المتاحة لديها بأقصى قدر ممكن، والشروع في سياسات اقتصادية للإصلاح الفعلي، وتجاوز المشكلات الهيكلية التي تعاني منها، وتعزيز الإنفاق على التعليم والخدمات العامة الأخرى. بالإضافة إلى تقديم حوافز حقيقية لتشجيع المنشآت المختلفة للانتقال من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي.

المصدر:

“Global Economic Prospects: Darkening Skies”, The World Bank Group, January 2019.