أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

الهايبرلوب:

كيف تستفيد الدول من تكنولوجيا "التنقل الذكي"؟

09 أبريل، 2017


تسعى الدول إلى مزيد من الابتكار في التكنولوجيا الحديثة، وتوظيفها في إحداث ثورة في قطاع الصناعة، وخدمات النقل. ومن بين هذه التقنيات المستقبلية، تكنولوجيا "الهايبرلوب" Hyperloop؛ وهي تقنية نقل فائقة السرعة تعتمد على دمج أنابيب منخفضة الضغط وخالية من الهواء، وشهدت تطورات كبيرة خلال الفترة الأخيرة.

ويُتوقع أن تساهم تكنولوجيا الهايبرلوب، أو ما يُطلق عليها "قطار المستقبل"، في نقل الأفراد والبضائع بسرعات عالية جداً، مما ينعكس بشكل إيجابي على توفير وسيلة نقل للأفراد أكثر سرعة وكفاءة وأمان، وانخفاض تكاليف شحن البضائع، فضلاً عن تقديم الخدمات اللوجستية بمستوى متميز، وتخفيض الآثار السلبية الناتجة عن وسائل النقل التقليدية.

 بداية الهايبرلوب 

بدأت الإرهاصات الأولى لتكنولوجيا الهايبرلوب بالاعتماد على نظام النقل عالي السرعة (VHST) الذي تم طرحه في عام 1972، ثم طوره لاحقاً "إيلون ماسك"، رجل الأعمال الشهير صاحب نظام دفع (PayPal) وصاحب شركتي "تسلا للسيارات الكهربائية" و"سبيس إكس"، والذي تُنسب إليه تكنولوجيا الهايبرلوب، حيث أعلن عنها في أغسطس 2013 باعتبارها وسيلة النقل الخامسة للركاب والبضائع (تشمل الوسائل الأربع الأخرى الطائرات والقطارات والسيارات والمراكب). 

وتعتمد الفكرة الأساسية للهايبرلوب على الانتقال بكبسولات هوائية تسير داخل أنابيب مغلقة من الألومنيوم الصلب منخفضة الضغط وخالية من الهواء، وتربط بين المحطات بسرعة تصل إلى ما يقرب من 1200 كيلومتر في الساعة، وذلك بفعل مولد كهربائي على هيئة مروحة يعمل بالطاقة الشمسية، ويزيد قوة الدفع حقل مغناطيسي مثبت على الجدران الداخلية للأنابيب. 

وقد تم إطلاق أول تجربة لتكنولوجيا الهايبرلوب في 11 مايو 2016، وذلك في صحراء نيفادا الأمريكية، حيث تم إطلاق كبسولة بسرعة 100 ميل في الساعة. وقد حازت الفكرة على ثقة الخبراء والمتخصصين. 

مزايا الهايبرلوب

تقدم تكنولوجيا الهايبرلوب مجموعة من المزايا التي تجعلها وسيلة نقل مثالية بين المدن الكبرى، خاصةً في ظل التحديات التي يواجهها قطاع النقل من حيث التكلفة والأمان وعدم الاستدامة، وتتمثل تلك المزايا فيما يلي:

1- السرعة: توفر تكنولوجيا الهايبرلوب معدلات سرعة عالية، تصل إلى حوالي 1200 كيلومتر في الساعة الواحدة، وهو ما يتجاوز سرعة أي وسيلة نقل موجودة الآن، حتى الطائرات التي يمكنها أن تبلغ سرعة نحو 800 كيلومتر في الساعة.

2- الأمان: توفر معدلات أمان عالية من خلال نظم التشغيل الكهربائية، واستخدام الفرملة الكهربائية والوسائد الهوائية. 

3- الاستجابة بناءً على الطلب (On-demand): فالفاصل الزمني بين كبسولات الهايبرلوب قصير جداً، حيث يمكن إطلاق كبسولة للركاب كل (10 إلى 30 ثانية فقط) في الخط الواحد من دون أي مشكلة أو خوف من اصطدام الكبسولات ببعضها أو خروجها عن المسار.

4- عدم التأثر بتقلبات الطقس: حيث يتم إطلاق الكبسولات داخل أنابيب مغلقة، ومن ثم لا يترتب على استخدام هذه التكنولوجيا في النقل والمواصلات أي تأخيرات في المواعيد بسبب الأحوال الجوية تكون ذات تداعيات مكلفة اقتصادياً.

5- تكنولوجيا صديقة للبيئة: إذ لا ينتج عن استخدام الهايبرلوب أي تلوث يُذكر، فهذه التكنولوجيا خالية من انبعاثات الكربون، وتعتمد أيضاً على الطاقة الشمسية. 

6- ذاتية القيادة (Driverless): أي أنه لا توجد حاجة لتوظيف قائد للكبسولات أو التعرض للأخطاء البشرية في القيادة.

7- تكلفة أقل: تشير التقديرات إلى أن تكلفة بناء الأنبوب الواحد تساوي 10% من تكلفة بناء القطارات التقليدية فائقة السرعة.

8- أكثر ملاءمة لنقل الركاب والبضائع: حيث تحتوي الكبسولات الخاصة بنقل الركاب على مقاعد مريحة ومهيأة للركاب، فضلاً عن أن نقل البضائع يتم من دون إحداث أي خسائر أو أضرار.

تأثيرات على الصناعة وخدمات النقل

تطرح تكنولوجيا الهايبرلوب مجموعة من المزايا التنافسية على مستوى نقل البضائع والركاب، وهو ما يُتوقع معه أن يؤثر بشكل إيجابي على قطاع الصناعة عموماً والنقل بصفة خاصة، وذلك على النحو التالي: 

1- إحداث ثورة في قطاع الصناعة: يواجه هذا القطاع العديد من التحديات المتعلقة بخدمات النقل، حيث تفتقد الحلول الموجودة للاستدامة. ولذا فإن الهايبرلوب يقدم حلولاً ذات كفاءة عالية ومستدامة لحل مشاكل الصناعة، والاستحواذ على حجم كبير من الصناعات يُقدر بتريليونات الدولارات.

2- إعادة تشكيل صناعات الشحن والخدمات اللوجستية: فبالنسبة للبضائع، فإن كبسولة الهايبرلوب الواحدة يمكنها نقل حاوية واحدة أو اثنتين ذات حمولة تكافئ 40 قدماً، وذلك من دون أي تأخير، حيث يمكن إطلاق كبسولة كل فترة زمنية قصيرة، مما يحدث نقلة نوعية كبيرة في عالم الشحن واللوجستيات، ويجعل من الهايبرلوب وسيلة فعَّالة من حيث التكلفة وسرعة شحن البضائع في الوقت المناسب. 

3- تقليل الخسائر الاقتصادية، وتحقيق رفاهية الأفراد: تقدم تكنولوجيا الهايبرلوب حلولاً لمشاكل الازدحام المروري، وتوفر وسائل المواصلات في الأحوال الجوية كافة، وهو الأمر الذي لا يتوفر في غيرها من الوسائل ويترتب عليه العديد من الخسائر الاقتصادية.

4- المساهمة في إنشاء الأحواض البحرية والموانئ الجافة (OFF-SHORE DOCKS & DRY PORTS): يتيح الهايبرلوب الفرصة لإنشاء ميناء مستقل يقع على بعد 30 كم من الشاطئ، وجعله متصلاً بالسواحل عبر مجموعة من الأنفاق لخلق مراكز توزيع جديدة. علاوة على القيام بعمليات الشحن والتفريغ على بعد ميل من الشاطئ من دون اقتراب سفن الحاويات، وهو ما يسمح بإعادة تخصيص الواجهة البحرية، وإتاحة الفرصة أمام استغلالها بشكل جيد. 

وبشكل عام، تزيد تلك التكنولوجيا من القدرات الاستيعابية للموانئ وكفاءتها، فضلاً عن تحقيق التكامل التكنولوجي في تقديم الخدمات اللوجستية.

5- المساهمة في التحول نحو المدن الذكية: بالنسبة لنقل الركاب، فإن كبسولات الهايبرلوب مصممة لتشمل تدابير أكثر صرامة فيما يتعلق بالأمن والسلامة، كما تتضمن نظاماً للضوابط البيئية ودعم الحياة ECLS (Environmental Controls & Life Support System). ويمكن لهذه التقنية الجديدة الربط بين المدن الرئيسية في العالم، وتوفير رحلات تستغرق وقتاً وتكلفة أقل.

6- إمكانية الانتقال عبر البر والبحر: يمكن استخدام الهايبرلوب براً وبحراً، ففي البر لا تحتاج هذه التكنولوجيا إلى تمهيد الطرق، ويمكنها المرور بسهولة عبر الحواجز الطبيعية؛ نتيجة للكتلة المنخفضة لكل كبسولة، ومقاومة الأنابيب للضغط الخارجي.

أما عن طريق البحر، فلا يحتاج الهايبرلوب إلى وجود حيز في البحر، ويعمل على تمكين الموانئ البحرية الخارجية من توصيل البضائع إلى الموانئ الداخلية عبر أنفاق صغيرة.

7- المساهمة في نمو الاقتصاد بناءً على الطلب (On-Demand Economy): أصبح توفر الخدمات بمجرد طلبها من متطلبات العصر الرقمي، وهو ما تقدمه تكنولوجيا الهايبرلوب، حيث لا يحتاج المواطنون الانتظار كثيراً، فالكبسولة الواحدة تتسع لـ 28 فرداً أو أكثر، ويمكن إطلاق كبسولة للركاب كل (10 إلى 30 ثانية) في الخط الواحد من دون أي مخاطر، حيث توجد مسافة آمنة بين كل كبسولة وأخرى. 

ويزيد ذلك من معدلات السلامة، خاصةً بالنظر إلى مصرع أكثر من 1.2 مليون شخص، وإصابة نحو 50 مليوناً آخرين سنوياً نتيجة حوادث الطرق في العالم. وتشكل البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل 90٪ من هذه الوفيات على الرغم من أنها تمتلك نصف السيارات العالمية فقط.

8- تقليل استهلاك الطاقة ومعدلات التلوث: تقدم تكنولوجيا الهايبرلوب نموذجاً لكفاءة وتخفيض استهلاك الطاقة، فضلاً عن الاعتماد على مصادر نظيفة للطاقة وهي الطاقة الشمسية، ومن ثم المساهمة في مواجهة تحديات قطاع النقل على المستوى العالمي الذي يستحوذ على نحو 60٪ من الاستهلاك العالمي للنفط، و27٪ من إجمالي استخدام الطاقة، بالإضافة إلى 23٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتعلقة بالطاقة في العالم، وفقاً لبيانات البنك الدولي.

9- توفير فرص عمل: في ضوء الآثار الإيجابية المتوقعة لتكنولوجيا الهايبرلوب على القطاع الصناعي، فإنها ستساهم في توفير فرص عمل. ويتوقع "نك إيرل"، النائب الأول للرئيس للعمليات العالمية في شركة "هايبرلوب ون"، في كلمته خلال القمة العالمية للصناعة والتصنيع التي عُقدت في أبوظبي في مارس الماضي، أن تساعد هذه التكنولوجيا على توفير فرص عمل لحوالي 200 مليون شاب يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

اهتمام إماراتي

على مستوى منطقة الشرق الأوسط، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة زمام المبادرة في تبني تكنولوجيا الهايبرلوب، ودراسة تطبيقها خلال السنوات القادمة، من أجل المساهمة في تقديم خدمات نوعية ومبتكرة تليق بالمكانة الرائدة للإمارات في تقديم الحلول المستقبلية في القطاعات كافة. ويُتوقع أن يتم بناء نظام هايبرلوب في الإمارات خلال السنوات الخمس المقبلة، وفقاً لتصريحات "بوب لويد" الرئيس التنفيذي لشركة "هايبرلوب ون" في نوفمبر الماضي.

وفي هذا الإطار، وقَّع مكتب سمو الشيخ فلاح بن زايد آل نهيان اتفاقية شراكة استراتيجية مع شركة "هايبرلوب لتكنولوجيا النقل" في يناير 2017، في إطار دعم المشروع الاستراتيجي للربط بين مدينتي أبوظبي والعين بالاعتماد على تقنيات هايبرلوب، وهو ما يتناغم مع "رؤية أبوظبي 2030" وتركيزها على تطوير بنية تحتية رائدة على مستوى المنطقة والعالم، وتقديم خدمات تستند إلى الإبداع والابتكار.

وسبق ذلك، إعلان هيئة الطرق والمواصلات بدبي، في نوفمبر 2016، عن إبرامها اتفاقية مع شركة "هايبرلوب ون" لبدء مشروع ثوري في وسائل النقل فائقة السرعة، وذلك في إطار استراتيجية دبي للتنقل الذكي ذاتي القيادة والهادفة إلى تحويل 25% من إجمالي رحلات التنقل في دبي إلى رحلات ذاتية القيادة. وجاءت هذه الخطوة بعد أن وقَّعت شركة "هايبرلوب ون" مذكرة تفاهم بينها وبين وموانئ دبي العالمية في أغسطس الماضي لنقل الحاويات عبر نظام هايبرلوب من البواخر في ميناء جبل علي إلى مستودع للحاويات في دبي.

وتعتزم شركة "هايبرلوب ون" الدخول في استثمارات من هذا النوع في باقي دول الخليج، خاصةً أن خط قطار "هايبرلوب" سوف يساعد على السفر بين المدن في دول الخليج في غضون ساعة أو أقل من الساعة، ما يساعد على إحداث طفرة هائلة في مختلف القطاعات الاقتصادية. كما تنوي "هايبرلوب ون" المنافسة في مجال الشحن الجوي في دول الخليج بنحو 7 مليارات دولار، وفي مجال الشحن البري بحوالي 3 مليارات دولار من خلال الشحن على الطرق والسكك الحديدية، وفي مجال الشحن البحري بقيمة 2 مليار دولار.

إجمالاً، يُتوقع أن تؤدي تكنولوجيا الهايبرلوب فائقة السرعة إلى قفزة كبيرة في صناعة النقل على مستوى العالم، وهو ما دفع عدة دول إلى دراسة تطبيق هذه التكنولوجيا على أرض الواقع في ظل ما تقدمه من مزايا كبيرة فيما يتعلق بمعدلات الأمان العالية، واختصار المدة الزمنية اللازمة لنقل الركاب والبضائع، وإنجاز العمليات التجارية، وزيادة الإنتاجية، وتقليل التلوث البيئي.. وغيرها.