أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مأزق دبلوماسي:

لماذا قطعت المكسيك علاقاتها مع الإكوادور؟

16 أبريل، 2024


قال الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، في 12 إبريل 2024، إن بلاده قدمت شكوى إلى محكمة العدل الدولية في هولندا، تطلب فيها من الأمم المتحدة طرد الإكوادور من المنظمة الأممية، على خلفية مداهمة الشرطة الإكوادورية، للسفارة المكسيكية في عاصمة الإكوادور، كيتو؛ لاعتقال نائب رئيس الإكوادور السابق خورخي غلاس، الذي طلب اللجوء السياسي هناك بعد اتهامه بتهم فساد.

وكان الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، قد أعلن، في 6 إبريل 2024، قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإكوادور؛ إذ أشارت وزارة الخارجية المكسيكية إلى أن سفارة المكسيك في الإكوادور ستغلق إلى أجل غير مُسمى وتعلق الخدمات القنصلية لأكثر من 1600 مكسيكي ورجل أعمال في الإكوادور.

دوافع الأزمة:

في ضوء ما سبق، يُمكن تفسير القرار المكسيكي من خلال عدّة عوامل، على النحو التالى:

1. منح اللجوء السياسي: تصاعدت التوترات بين البلدين بسبب منح المكسيك، في 5 إبريل 2024، حق اللجوء لخورخي غلاس بزعم تعرضه للاضطهاد السياسي، بعد أن لجأ إلى سفارتها في كيتو منذ ديسمبر 2023، وهو ما دفع الحكومة الإكوادورية للاحتجاج بأن نظام حماية اللاجئين قد منح اللجوء الدبلوماسي في انتهاك للإطار القانوني التقليدي، مُضيفة أن كل سفارة لها هدف وحيد، وهو منح مساحة دبلوماسية لتعزيز العلاقات بين الدول؛ مشددة على أنه لا يمكن اعتبار أي مُجرم شخصاً مُضطهداً سياسياً، وفق تعبيرها.

ولهذا السبب، اقتحمت السلطات الإكوادورية مقر السفارة المكسيكية واعتقلت غلاس، وبعدها تم نقله إلى سجن شديد الحراسة في غواياكيل جنوب غرب الإكوادور؛ وذلك بعد رفض السفارة المكسيكية طلب الإكوادور بتسليمها غلاس.

في هذا السياق، صرّحت وزيرة الخارجية المكسيكية أليسيا بارسينا، بأن عملية اقتحام الشرطة الإكوادورية للسفارة أدت إلى إصابات بالطاقم الدبلوماسي المكسيكي؛ إذ أظهرت تسجيلات مُصوّرة بثتها وسائل إعلام محلية، رئيس البعثة الدبلوماسية المكسيكية روبرتو كانسيكو، وهو رئيس الشؤون القنصلية وأكبر مسؤول دبلوماسي حاضر في السفارة منذ طرد السفير قبل الاقتحام بأيام، يركض خلف مركبات تغادر السفارة، صارخاً "إنها فضيحة!" قبل حدوث تدافع سقط إثره كانسيكو أرضاً.

وجدير بالذكر أن غلاس، شغل منصب نائب الرئيس اليساري السابق رافائيل كوريا، من 2013 إلى 2017، لكنه أدين مرتين في السابق بتهم فساد، أبرزها اختلاس أموال عامة مُخصصة لإعمار مدن ساحلية بعد زلزال مُدمّر في 2016، وبعدها أدين في قضية أخرى، في ديسمبر 2017، وحكم عليه بالسجن 6 سنوات بتهمة تلقي رشاوى من عملاق البناء البرازيلي "أوديبريشت"، مقابل منحها عقوداً حكومية، إلى أن أصدرت حكومة الإكوادور مُذكرة توقيف ضده، وهو ما قوبل بإدانة شديدة من السفارة المكسيكية، التي وصفت الإجراءات بأنها "غضب ضد القانون الدولي".

2. تُهم بالتدخل في الشأن الداخلي: شهدت العلاقات بين البلدين توترات شديدة في الفترة الماضية عقب انتقاد الرئيس المكسيكي الانتخابات الرئاسية الإكوادورية، التي أُجريت عام 2023؛ إذ اتهم السلطات الإكوادورية بالاستفادة من اغتيال مرشح المعارضة فرناندو فيلافيسينسيو، في 9 أغسطس 2023؛ للدفع باتجاه انتخاب الليبرالي دانيال نوبوا رئيساً للإكوادور، على حساب مرشحة اليسار لويزا غونزاليس، وهي التصريحات التي وصفتها كيتو بالعنيفة، وردت عليها بطرد السفيرة المكسيكية راكيل سيرور، من كيتو، كما تمت الإشارة، وهو ما كان دافعاً لموافقة المكسيك على منح اللجوء السياسي لغلاس.

ثانياً: تداعيات مُختلفة:

أسفرت التوترات الراهنة بين البلدين عن عدد من النتائج، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:

1. إدانة دولية واسعة للإكوادور: أدانت الحكومات من مُختلف الأطياف السياسية في أمريكا اللاتينية، بما في ذلك البرازيل وكولومبيا على اليسار، والأرجنتين وأوروغواي على اليمين، اقتحام السفارة واستشهدت معظمها باتفاقية فيينا التي تصون حرمة السفارات.

في هذا السياق، وصف الرئيس الكولومبي غوستافو بترو، انتهاك حق غلاس في اللجوء بأنه "بربري" ودعا إلى فحص انتهاك اتفاقية فيينا، كما أدانت الحكومة البرازيلية تحرك الإكوادور ووصفته بأنه "انتهاك واضح" للمعايير الدولية التي تحظر مثل هذا الهجوم على سفارة أجنبية، وجاء في بيان لوزارة الخارجية البرازيلية، أن الخطوة التي اتخذتها الإكوادور ضد السفارة "يجب أن تواجه بالاستهجان مهما كانت مبررات تنفيذها"، وشددت على تضامن برازيليا مع مكسيكو. من جانبه، وصف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الهجوم على السفارة المكسيكية بالهمجي وبأنه "مظهر من مظاهر الفاشية".

كذلك، دعت رئيسة هندوراس زيومارا كاسترو، التي تتولى الرئاسة المؤقتة لمجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي "سيلاك"، إلى عقد اجتماع طارئ لبحث الأزمة، وكان من المقرر عقده يوم الجمعة 12 إبريل، إلى أن تم إرجاؤه إلى الثلاثاء 16 من نفس الشهر.

على الجانب الآخر، أعلنت نيكاراغوا، قطع أي علاقة دبلوماسية مع الإكوادور، وقالت الحكومة في بيان: "ندين ونرفض الانتهاك الصارخ للقانون الدولي الذي نراه يتكرر من قبل الحكام الفاسدين والخنوعين في ذلك البلد الشقيق"، مُضيفة، بأنه حيال هذا العمل غير المألوف والمدان، والذي يُثير رفضاً لا رجوع عنه، تم اتخاذ قرار سيادي بقطع أي علاقة دبلوماسية مع حكومة الإكوادور". وهو القرار الذى وصفه عدد من المراقبين بأنه رسالة مُباشرة من نيكاراغوا إلى بنما، فالرئيس السابق لبنما ريكاردو مارتينيلي (2009-2014) يلجأ منذ السابع من فبراير 2024، في سفارة نيكاراغوا، التي منحته اللجوء تجنباً لحكم بالسجن صدر بحقه بتهمة تبييض أموال.

أخيراً، شجعت الولايات المتحدة التي نددت بـ"انتهاك اتفاقية فيينا"، المكسيك والإكوادور على حل خلافاتهما بما يتوافق مع المعايير الدولية، بحسب ناطق باسم وزارة الخارجية. كما أصدرت كل من إسبانيا والاتحاد الأوروبي بيانات لاذعة تدين اقتحام السفارة باعتبارها انتهاكاً لاتفاقية فيينا، وهو ما فعلته أيضاً موسكو التي أعلنت تضامنها مع المكسيك.

2. قلق المنظمات الدولية والإقليمية: أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن صدمته إثر اقتحام سفارة المكسيك في كيتو، وشدد على وجوب ضمان حرمة الممثليات الدبلوماسية، مُحذراً من أن أي انتهاك لحرمة أي بعثة دبلوماسية من شأنه أن يقوض مساعي إقامة علاقات دولية طبيعية. ومن جانبها، طالبت المكسيك الأمم المتحدة بطرد الإكوادور من المنظمة الدولية، ضمن شكوى مقدمة إلى محكمة العدل الدولية.

بدورها، أدانت منظمة الدول الأمريكية اقتحام الشرطة الإكوادورية لسفارة المكسيك، وقالت في بيان: "إن الأمانة العامة للمنظمة ترفض أي نشاط ينتهك أو يعرض للخطر حرمة مباني البعثات الدبلوماسية، وتكرر تأكيد التزام جميع الدول بعدم التذرع بقواعد القانون المحلي لتبرير عدم الامتثال لالتزاماتها الدولية".

3. التأثير في الانتخابات الرئاسية بالإكوادور: أصبح نوبوا رئيساً للإكوادور عام 2023؛ إذ كانت البلاد تكافح جريمة غير مسبوقة مرتبطة بالاتجار بالمخدرات، وهو ما دفعه لتصنيف 20 عصابة لتهريب المخدرات كمجموعات إرهابية، وحصل الجيش على تفويض "بتحييدها" ضمن حدود القانون الدولي الإنساني.

في هذا السياق، جادلت بعض التحليلات بأن قرار إرسال الشرطة إلى سفارة المكسيك يُثير المخاوف بشأن الخطوات التي يرغب نوبوا في اتخاذها لإعادة انتخابه بعد انتهاء فترة ولايته في عام 2025، مؤكدة وجود مخاوف من أن يتحول نوبوا أكثر في اتجاه بوكيلي، في إشارة إلى رئيس السلفادور نجيب بوكيلي، الذي تعرضت سياساته الصارمة بشأن الجريمة لانتقادات شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان، وهذا يعني أنه أقل احتراماً لسيادة القانون؛ من أجل تعزيز شعبيته قبل الانتخابات.

يُعزز هذا الرأي، تظاهر حوالى 50 شخصاً أمام سفارة الإكوادور في المكسيك، مرددين عبارة "فاشيّون" اعتراضاً على ما حدث، وهو ما ردت عليه الشرطة الإكوادورية بتطويق السفارة المكسيكية في كيتو وإزالة العلم الوطني عن ساريته في فناء المبنى.

يُضاف إلى ذلك، تصريحات فيرا، محامية غلاس، التي أكدت أنها تخشى أن يحدث شيء ما له، أثناء احتجازه بالنظر إلى سجل مرافق الاحتجاز في البلاد؛ إذ مات مئات الأشخاص خلال أعمال شغب عنيفة خلال السنوات القليلة الماضية، ومن بين القتلى أثناء الاحتجاز بعض المشتبه بهم في اغتيال مرشح رئاسي العام الماضي. كما أضافت: "في الإكوادور، يُعد الذهاب إلى السجن بمثابة حكم بالإعدام، كذلك يجب أن نعتبر أن الشخص السياسي والاعتباري الدولي المسؤول عن حياة خورخي غلاس هو الرئيس دانييل نوبوا أزين".

وفي التقدير، يمكن القول إنه على الرغم من دفاع حكومة الإكوادور عن قرار اقتحامها للسفارة المكسيكية، باعتباره دفاعاً عن السيادة الوطنية وإجراءً يهدف إلى منع الإفلات من العقاب بعد إساءة استخدام الحصانة والامتيازات الممنوحة للبعثة الدبلوماسية التي كان يوجد فيها غلاس ومنحه حق اللجوء الدبلوماسي خلافاً للأطر القانونية المتعارف عليها، فإنه –وفقاً لعدد من الخبراء- لا يمكن تفسير ما حدث سوى أنه انتهاك صارخ للقانون الدولي، وفقاً للمادة 22 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التي تنظم حقوق الدولة المرسلة وكيف يمكن للدولة المُضيفة أن تطبق قوانينها في السفارة؛ إذ نصت بأن تكون لمباني البعثة حرمة، ولا يجوز لوكلاء الدولة المُضيفة دخولها إلا بموافقة رئيس البعثة، كما يقع على عاتق الدولة المضيفة واجب خاص يتمثل في اتخاذ جميع الخطوات المناسبة لحماية مباني البعثة من أي اقتحام أو ضرر، ولمنع أي تعكير لسلام البعثة أو المساس بكرامتها.

وأياً كان الأمر، فمسألة ما إذا كان غلاس يسيء استخدام الحماية الدبلوماسية هي مسألة مُنفصلة عن قرار إرسال الشرطة إلى السفارة. ففي أغلب بلدان أمريكا اللاتينية يُسيء السياسيون استخدام السفارات والسلطات القضائية الأجنبية، ليس للهروب من الملاحقة القضائية ولكن للهروب من المساءلة.