أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مسارات متعددة:

كيف تصاعد "تسييس" قضايا المخدرات في الشرق الأوسط؟

18 مارس، 2021


لم تعد قضايا المخدرات ذات طبيعة جنائية فقط بل صارت تحمل ملامح وتفرض انعكاسات سياسية في تفاعلات الشرق الأوسط، سواء داخلياً أو خارجياً، وهو ما برزت أبعاده في مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي لأغراض طبية وصناعية في ظل الاتفاقية الدولية للمخدرات والأخذ بتوصيات منظمة الصحة العالمية، وتأخر تشكيل الحكومة اللبنانية على نحو يؤجل الاستفادة من عائدات القنب الهندي في وقت تواجه البلاد أزمة اقتصادية حادة، وتصاعد تجارة المخدرات في منطقة القلمون بريف دمشق، وتهريب المخدرات الإيرانية إلى اليمن لاستقطاب وتجنيد الشباب في صفوف ميلشيا الحوثيين وتمويل جبهات القتال، وتصاعد الجدل حول عقوبات تعاطي الحشيش "الزطلة" في تونس والتي تتجاوز ربع قرن في بعض الأحيان، ووضع مصر خطة عربية موحدة للوقاية والحد من أخطار المخدرات.

وقد تعددت الحالات المعبرة عن تزايد ملمح تسييس قضايا المخدرات في دول الإقليم، وذلك على النحو التالي:

فرصة مغربية

1- مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون تقدم به وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت يتعلق بتنظيم إنتاج واستخدام القنب الهندي، وهو ما حدث في 12 مارس الجاري، بعد ما تأجلت المصادقة عليه مرتين خلال اجتماعات الحكومة منذ طرحه في 25 فبراير الماضي، لاسيما أن القانون أثار جدلاً واسعاً داخل حزب العدالة والتنمية الذي يتزعم الائتلاف الحكومي لدرجة وصلت إلى حد استقالة إدريس الأزمي من رئاسة المجلس الوطني للحزب احتجاجاً على القانون، وتهديد عبدالإله بن كيران الأمين العام السابق للحزب ورئيس الحكومة السابق بتجميد عضويته في حال موافقة الأمانة العامة للحزب عليه، بل أعلن عن قطع علاقته بعدد من الوزراء والشخصيات الرئيسية في الحزب في رسالة منشورة في حسابه على "فيس بوك" بتاريخ 11 مارس الحالي.

وقد استند الرأي المخالف لهذا القانون إلى أنه من غير الملائم طرحه في نهاية الولاية التشريعية والحكومية، لاسيما أن البرنامج الحكومي لم يتضمن هذا المشروع بل اعتمدت اللجنة الوطنية للمخدرات التابعة لوزارة الداخلية المنعقدة في 11 فبراير 2020 توصيات منظمة الصحة العالمية، وخاصة تلك المتعلقة بإزالة القنب الهندي من الجدول الرابع للمواد المخدرة ذات الخصائص الشديدة الخطورة. يضاف إلى ذلك تخوف كتلة وازنة داخل الحزب من اتهامه بالازدواجية السياسية، إذ ناهض دعوات سابقة لتقنين القنب الهندي تبناهاً حزبا الأصالة والمعاصرة والاستقلال. غير أن ذلك لم يمنع الحكومة من التصديق عليه وينتظر إحالته إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان).

وتجدر الإشارة إلى أنه يحكم الموقف المغربي من المصادقة على مشروع قانون تقنين القنب الهندي الاستفادة من الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب بعد تزايد توقعات مستويات نموه بتقديرات تتراوح بين 30 في المئة على المستوى الدولي و60 في المئة على المستوى الأوروبي، فضلاً عن تحسين دخل المزارعين المغاربة بعد تصاعد المطالبات بضمان العيش الكريم لهم وتعزيز استقرارهم الاجتماعي ورفع "التجريم" عن زراعة هذه النبتة، وحمايتهم من شبكات منظمة للتهريب الدولي للمخدرات، وكذلك الحد من التأثيرات السلبية التي يفرزها انتشار الزراعات غير المشروعة على الصحة العامة والبيئة.

عائدات الحشيشة

2- تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية، بما يؤجل الاستفادة من عائدات القنب الهندي، الذي أقره البرلمان في إبريل 2020، فقد أدى تعثر تشكيل الحكومة إلى عرقلة المسار القانوني الخاص بزراعة القنب الهندي (الذي يعرف في لبنان بالحشيشة) لأغراض طبية، الأمر الذي أدى إلى خسارة البلاد ملايين الدولارات من العملة الصعبة. ووفقاً لما صرح به وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى لصحيفة "الشرق الأوسط" بتاريخ 14 مارس الجاري، فإن "الوزارة استكملت ما عليها لتنفيذ القانون، لكن القانون يفرض عليها تشكيل هيئة إدارية تعمل على إعداد المراسيم التطبيقية"، لافتاً إلى أن "تعيين هذه الهيئة يحتاج إلى مجلس وزراء، ولا يمكن للحكومة المستقيلة أن تعينه، مما يفرض على الحكومة العتيدة أن تعين الهيئة للانطلاق بالمشروع".

والجدير بالذكر أن السلطات اللبنانية قد استعانت في عام 2017 بشركة "ماكنزي" الدولية للاستشارات الإدارية والمالية، للمساهمة في إعداد خطة للنهوض بالاقتصاد اللبناني، واقترحت ضمن بنودها زراعة القنب للأغراض الطبية بما يسهم في إدخال موارد مالية من العملة الصعبة للموازنة العامة للدولة، والتي تتراوح تقديراتها بين 300 مليون دولار في السنة الأولى ومليار دولار في السنة الخامسة، على نحو دفع الوزير مرتضى إلى وصف القنب الهندي بأنه "ثروة لم تستغل بعد من الدولة اللبنانية" لاسيما في ظل وضع مالي واقتصادي متدهور. وفي هذا السياق، أعدت كتل نيابية اقتراحات قوانين لتشريع زراعة القنب الهندي، وهو ما حدث بالفعل، وينتظر التصديق من الحكومة الجديدة التي لا توجد مؤشرات بقرب تشكيلها.

اقتصاديات الحدود

3- تصاعد تجارة المخدرات في منطقة القلمون الحدودية بين لبنان وسوريا، وهو ما أشارت إليه عدة تقارير ومنها الصادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان بتاريخ 17 فبراير الماضي، حيث يتشارك كل من حزب الله وميلشيات سورية في الترويج للمخدرات وتنتجها عدة معامل، وتوزع في مناطق داخل سيطرة النظام السوري وخارج الأراضي السورية. وفي هذا السياق، يمكن القول أن شحنات الحشيش تدخل من لبنان عبر المعابر غير الرسمية التي يسيطر عليها الحزب في ريف دمشق، كمنطقة سرغايا الحدودية مع لبنان وعسال الورد، بالإضافة إلى المعابر غير الرسمية مع مدينة القصير بريف حمص وبإشراف ضباط وعناصر من قوات الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري.

وكذلك الحال بالنسبة لتجارة المخدرات التي يقوم بها تنظيم "داعش" على الحدود بين سوريا والعراق، والتي تقترب من 600 كم، وتسيطر عليها قوى ذات انتماءات مختلفة، وهو ما يفسر حفر خنادق على الحدود المشتركة، يضاف إلى ذلك أن العراق تعد ممراً رئيسياً للمخدرات العابرة للحدود الشرقية من إيران.

تمويل الميلشيا

4- تهريب المخدرات الإيرانية إلى اليمن لاستقطاب وتجنيد الشباب في صفوف ميلشيا الحوثيين، إذ يشير اتجاه رئيسي في الكتابات إلى تهريب المخدرات القادمة من إيران إلى المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين عبر قيادات تتولى توزيعها – بعد خلطها بمواد معينة ونبتة القات- على المقاتلين في صفوفها، باعتبار أنها "مسكنة للآلام وأدوية لإيقاف النزيف". 

هذا بخلاف شحنات المخدرات التي تم ضبطها من جانب الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الشرعية وهُربت من إيران وحزب الله في لبنان إلى محافظات مأرب والجوف وحجة. وكذلك ما ضبطته القوات البحرية السعودية على الحدود اليمنية. ولم يكن ذلك وضعاً جديداً بل تصنف صعدة معقل الحوثيين منذ سنوات بأنها أهم مراكز تهريب المخدرات إلى القرن الإفريقي وشمال إفريقيا وأوروبا.

عقوبة "الزطلة"

5- تصاعد الجدل حول عقوبات تعاطي الحشيش "الزطلة" في تونس، حيث أثارت الأحكام القضائية الصادرة في حق مجموعة من الشباب التونسي بالسجن لمدة وصلت إلى 30 عاماً (في 20 يناير 2021) على خلفية استهلاك الحشيش (في المؤسسات العمومية) جدلاً واسعاً، وبصفة خاصة في شعارات قوى الاحتجاج في الشارع ولاسيما أمام البرلمان أو على مواقع التواصل الاجتماعي لتنقيح القانون، وفي هذا السياق تطالب منظمات حقوقية ومن بينها منظمة "السجين 52" بمراجعة العقوبات المشددة وتخفيض العقوبة للمتعاطين لأول مرة. 

وفي سياق متصل، انتشر هاشتاغ "#السجن لا.. غير 52"، في إشارة إلى مراجعة "قانون 52" الذي صدر منذ عام 1992 خلال حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وتسبب سنوياً في إيقاف عدد كبير من الشباب في السجون، وهو ما يؤثر على مستقبلهم. ويرى البعض أن المسألة تتطلب تدخل رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي وعد خلال حملته الانتخابية بتنقيح قانون المخدرات، بل وعد مرة ثانية بوقف العمل به في أقرب اجتماع لمجلس الأمن القومي وإقرار قانون بديل.

رؤية القاهرة

6-وضع مصر خطة عربية موحدة للوقاية والحد من أخطار المخدرات، إذ أُعلن في 13 فبراير الماضي أن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي برئاسة الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي ورئيس مجلس إدارة الصندوق وضع الخطة الاستراتيجية الموحدة للدول العربية لمكافحة تعاطى المخدرات بالتعاون مع جامعة الدول العربية وذلك بعد موافقة مجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب على إعداد وزارة التضامن لخطة عربية للوقاية والحد من أخطار المخدرات على المجتمع العربي، ونظم الحماية الاجتماعية.

وتهدف تلك الخطة إلى إنشاء "المرصد العربي" الذي يتضمن الإحصاءات في مجال تعاطى المخدرات وخفض الطلب على المخدرات والاستعانة بتجارب العديد من الدول في علاج مرضى الإدمان وفقاً للمعايير الدولية وتنفيذ برامج توعوية عن أضرار المخدرات، وعرضها في الاجتماع المقبل للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب تمهيداً لتعميمها على الدول الأعضاء. 

مداخل متنوعة

خلاصة القول، إن المخدرات صارت إحدى القضايا الرئيسية التي تساهم في تحديد اتجاهات تفاعلات الإقليم، بأشكال مختلفة، حيث توظفه الدول والفواعل المسلحة من غير الدول مثل الميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية بما يعزز مصالحها. إذ تعمل بعض الدول على إجراء مراجعة معمقة للتشريعات الوطنية والأطر المؤسسية لتقنين استعمال القنب في الأغراض الطبية والصناعية، على المستوى الداخلي، في حين تعمل دول أخرى على التنقيح والتعديل تخفيفاً لعقوبات تثقل كاهل الشباب، في حين تسعى الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية إلى ضمان تدفق تمويلات لها من العائدات المالية التي تدرها تجارة المخدرات.