أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

من القاعدة إلى داعش:

الحرب العظمى للـ CIA ضد الإرهاب

13 أكتوبر، 2015


إعداد: عزة هاشم


يسود اعتقاد راسخ بأن جهاز الاستخبارات الأمريكية قد نجح في مواجهة الإرهاب في العديد من الحالات، وذلك على الرغم من بعض الأخطاء، لكن لاتزال مواجهة التنظيمات الإرهابية العالمية مثل "القاعدة" و"داعش"، تمثل الأولوية الأولى للأمن القومي الأمريكي، حيث يأتي دور جهاز الاستخبارات في مقدمة أي استراتيجية للتعامل مع تنامي هذا الخطر الإرهاب الذي تفاقم بعد الثورات العربية، والتي فشلت الاستخبارات الأمريكية في توقعها أو توقع ما يليها من تبعات.

ما سبق يمثل تمهيداً للكتاب الصادر تحت عنوان: "الحرب العظمى في عصرنا.. معركة جهاز الاستخبارات الأمريكي ضد الإرهاب من القاعدة إلى داعش"، والذي ألفه "مايكل موريل"  Michael Morell - النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وبمشاركة الناطق السابق باسم وكالة الاستخبارات الأمريكية "بيل هارلو" Bill Harlow.

ويعرض هذا الكتاب من خلال أربعة عشر فصلاً تأريخاً للمعارك التي خاضتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ضد الإرهاب على مدى ثلاثة عقود، ومهمات مكافحة الإرهاب التي قامت بها الوكالة وما تبعها من تداعيات سياسية، بالإضافة إلى عدد من الاعترافات المهمة التي يُدلي بها مؤلفا الكتاب حول قضايا الشرق الأوسط. وتبرز أهمية الكتاب لأنه يطرح قضية الحرب على الارهاب من منظور وكالة الاستخبارات الأمريكية.

انعكاسات هجمات 11 سبتمبر على الاستخبارات الأمريكية

يرى مؤلفا الكتاب أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ربما تكون الأكثر تأثراً من تصاعد وتيرة التطرف الجهادي في أعقاب الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001. ويتطرق الكتاب بالتفصيل لهذه الهجمات عندما كان "مايكل موريل" آنذاك يتلقى مع الرئيس الأمريكي "جورج دبليو بوش" أخبار الهجمات، حيث كان "موريل" بمثابة شاهد على التاريخ في تلك اللحظة، ويوضح كيف تحولت وكالة الاستخبارات الأمريكية بعد هذه الهجمات إلى مرشد شبه عسكري للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب.

وقد تضمن التحول الرئيسي الانتقال من التركيز التقليدي على تجميع وتحليل المعلومات التي جمعتها وكالات الاستخبارات الأجنبية إلى دور آخر أكثر تعقيداً، حيث كتب قائلاً: "لقد غيرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر جهاز الاستخبارات الأمريكي بصورة تفوق أي حدث آخر وقع خلال فترة عملي بالوكالة".

ويعلق "موريل" في الفصل الثالث من الكتاب - وهو بعنوان "الساعات العصيبة" - على أحداث 11 سبتمبر، قائلاً إنه "يمكن للمرء أن يلوم ثغرات محددة في عمل وكالة الاسخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي خلال الهجمات، غير أن الشعب الأمريكي مُشارك في ذلك الفشل"، موضحاً أن الأمريكيين لم يؤيدوا الأفعال الواجب اتخاذها لدرء تلك المخاطر، بل رفضوا زيادة موارد الأمن الوطني في الميزانية، ورفضوا أيضاً خوض الحرب في أفغانستان بعد تفجير السفارتين الأمريكيتين في شرق أفريقيا، والمدمرة كول في اليمن، واختتم "موريل" حديثه هذا بالتأكيد على أن من أبرز سمات الأمريكيين هو ميلهم إلى رد الفعل على الأحداث دون أخذ خطوات استباقية.

الاعتراف بخطأ الغزو الأمريكي للعراق

حاول "مايكل موريل" من خلال الكتاب أن يفسر الخطأ الفادح الذي أدى إلى الإطاحة بصدام حسين، حيث كتب أن "صدام حسين" قد بالغ في تقييم قدرة الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية على جمع المعلومات، فقد أراد الرئيس العراقي نشر خدعة امتلاكه أسلحة دمار شامل لتهديد عدوه الأول "إيران"، ولكنه أخطأ – حسبما ذكر موريل – عندما افترض أن الاستخبارات الأمريكية قادرة على اكتشاف عدم امتلاكه لهذه الأسلحة.

وحول غزو العراق، كتب "موريل" - في الفصل الخامس الذي يحمل عنوان "العاصفة الحتمية" - أنه لا يوجد أدنى شك أن تركيز "بوش" على العراق قد بدأ مع هجمات 11 سبتمبر، وبينما كانت الحرب على العراق حرب اختيارية، فإن "بوش" قاد الولايات المتحدة إليها لاعتقاده بأنها ضرورية لحماية الشعب الأمريكي. ويرى الكاتب أن هذه الحرب قد دعمت روايات تنظيم "القاعدة" عن واشنطن، بل وساعدت على نشر أيديولوجية التنظيم.

وكشف "موريل" عن أنه لا توجد أدلة على وجود أي دور للعراق في هجمات 11 سبتمبر، وأنه حال وجود دعم من أي دولة، فعلى الأرجح ستكون إيران التى كانت مسؤولة عن تفجيرات برج الخُبر في السعودية في عام 1996 والتي راح ضحيتها 19 جندياً أمريكياً ومئات من الجرحى، وذلك قبل أن يضيف أنه لا يوجد دليل أيضاً على وجود اتصالات بين إيران و"القاعدة".

وفي هذا الصدد، يدلي الكاتب بشهادة هامة مفادها أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية أخطأت في غالبية أحكامها بشأن العراق وأسلحة الدمار الشامل. كما قدم "موريل" اعتذاراً إلى وزير الخارجية الأسبق "كولن باول" بسبب تقييمات ما قبل الحرب الخاطئة لوكالة الاستخبارات المركزية بشأن برامج الأسلحة في العراق، واتهم الكاتب نائب الرئيس الأمريكي حينذاك "ديك تشيني" بالضغط على المحللين في وكالة الاستخبارات لإيجاد روابط لم تكن موجودة بين العراق وتنظيم "القاعدة"، بالإضافة إلى محاولة تسييس التقارير الاستخباراتية حول العراق.

ثورات "الربيع العربي".. إخفاق التوقع

يعترف الكتاب بفشل وكالة الاستخبارات الأمريكية في توقع ثورات "الربيع العربي"، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الوكالة وأجهزة التجسس الأمريكية الأخرى تحولت بمرور الوقت إلى الاعتماد بدرجة كبيرة على نظرائهم في حكومات الشرق الأوسط من أجل الحصول على معلومات هامة. وأكد المسؤول الاستخباراتي السابق أن القيادة التي كانوا يعتمدون عليها كانت معزولة وغير مدركة لموجة المد والجزر التي كانت على وشك الحدوث، وأثناء سقوط هذه الحكومات انهارت أيضاً قدرتها على احتواء الجماعات المتشددة التي تستلهم أيديولوجيتها من تنظيم "القاعدة". وأضاف "موريل" أنهم لطالما حذروا لسنوات من أن الضغط يتزايد في منطقة الشرق الأوسط، ومنها الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بيد أن جهاز الاستخبارات فشل في نصح الرئيس بأن هذه الضغوط وصلت لدرجة الانفجار.

واستكمالاً لحديثه عن الثورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في مطلع عام 2011، توصل الكتاب إلى نتيجة مفادها أنه حينما تطيح الثورات بحاكم مستبد، تكون النتيجة وصول جماعات الإسلام السياسي المتطرفة والمتشددة لملء هذا الفراغ السياسي الناتج عن الإطاحة بالحاكم؛ ومن ثم يكون من الصعب على أي حاكم جديد أن يسيطر على المساحات الواسعة من الدولة أو أن يوقف انتشار تنظيمات إرهابية مثل تنظيم "داعش" في ظل نقص الأدوات التي تمكَّنه من ذلك، وفي ضوء التسليح الجيد الذي تحظى به تلك التنظيمات المتطرفة.

كما يشير "مايكل موريل" إلى أنه - وبحكم منصبه - دخل في مفاوضات سرية عديدة مع بعض قادة إقليم الشرق الأوسط في محاولات لتأمين النتيجة النهائية التي ستؤول إليها الأوضاع بعد "الربيع العربي"، لكنها كانت دون جدوى، مما أدى في النهاية إلى الأوضاع التي تشهدها المنطقة من تمدد للإرهاب بشكل كبير وواسع وعدم القدرة على تأمين حدود دول الإقليم.

وفي هذا الإطار، سلَّط الكاتب الضوء على كيفية استفادة تنظيم "القاعدة"، إلى جانب العديد من التنظيمات الجهادية المنبثقة عنه مثل "داعش"، من التغيرات السياسية الدرامية التي وقعت في دول الربيع العربي، مؤكداً أن مساحات الفراغ الأمني بعد تلك الثورات، فضلاً عن الصراعات الطائفية في بعض الدول، جعلت من السهل على تلك التنظيمات التمدد والانتشار الموَّسع داخل الإقليم، مشيراً إلى أن الدول العربية بعد الثورات كانت من الهشاشة إلى الدرجة التي جعلتها غير قادرة على مواجهة تلك التهديدات.

ومن ثم، يعترف الكتاب أن وكالة الاستخبارات الأمريكية قد أخطأت في تقدير مدى قدرة تنظيم "القاعدة" على تحقيق استفادة ما من الاضطرابات السياسية التي خلفتها ثورات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط، بل ذهبت إلى ما هو أبعد عندما تبنت تقييماً متفائلاً مؤداه أن هذه الاضطرابات قد تساهم في القضاء على تنظيم "القاعدة". ويرى "موريل" أنه من منظور مكافحة الإرهاب، فقد تحول الربيع العربي إلى شتاء.

ليبيا ونموذج الدولة الفاشلة

حول ما يحدث في ليبيا، يبدأ "مايكل موريل" شهادته باستعراض الموقف بعد سقوط "معمر القذافي" من وجهة النظر الأمريكية، موضحاً أنه على الرغم من أن رحيل "القذافي" عن الساحة الليبية عام 2011 حدث بصورة جيدة دون إراقة أنهار من الدماء الليبية في الشوارع على يديه، ولكن ما ظهر بعد ذلك أن ليبيا أصبحت نموذجاً للدولة الفاشلة، وهو ما أتاح مجالاً واسعاً لازدهار الجماعات المتطرفة إلى الحد الذي أصبح فيه السؤال الحقيقي هو: هل أصبح الليبيون أفضل حالاً بعد ثورتهم عما كانوا عليه من قبل؟".

يجيب "موريل" قائلاً: "ما جرى فى ليبيا كان دفعة قوية لتنظيم القاعدة على امتداد شمال أفريقيا ومالي وموريتانيا والنيجر، فقد كانت الحكومات التى توالت عقب سقوط القذافي عاجزة عن إحكام قبضتها على الحكم، وسيطرت الميليشيات ذات المرجعيات المتطرفة المختلفة على أجزاء واسعة من البلاد، في الوقت الذي انتشرت فيه أسلحة القذافى في طول البلاد وعرضها، وتسربت إلى الدول المجاورة للحدود الليبية التي تعاني من ضعف أو انعدام السيطرة".

وقد كتب محللو المخابرات المركزية الأمريكية عشرات التقارير التي تصف بالتفصيل كيف يزداد الموقف في ليبيا خطورة يوماً بعد آخر، إلى حد أن وصف تقرير في يوليو 2012 ليبيا بأنها بمثابة معقل "القاعدة".

مُجمل القول، يؤكد الكتاب على أن الحرب ضد الإرهاب ما زالت في بدايتها، وقد تستمر لدى الأجيال المقبلة، حيث يقدم تفاصيل عن المجموعات الإرهابية الناشطة في منطقة الشرق الأوسط والتي استوحت استراتيجيتها وأيديولوجيتها من "أسامة بن لادن"، مضيفاً أن أيديولوجية "القاعدة" انتشرت في رقعة جغرافية أوسع مما كانت عليه، وأكثر ما ساهم في انتشار هذه الأيديولوجية المتطرفة هو "الربيع العربي" الذي خلق لها مناطق آمنة تستطيع الامتداد فيها، وهو ما لم تكن "القاعدة" تستطيع فعله سابقاً، فقد أصبح بإمكانها الآن، ومعها "داعش"، القيام بعملياتها الإرهابية واستقطاب المقاتلين والأموال والأسلحة.


* عرض مُوجز لكتاب: "الحرب العظمى في عصرنا.. معركة جهاز الاستخبارات الأمريكي ضد الإرهاب من القاعدة إلى داعش"، والصادر في مايو 2015.

المصدر:

Michael Morell and Bill Harlow, The Great War of Our Time: The CIA's Fight Against Terrorism -From al Qa'ida to ISIS, (New York, Twelve, May 2015) pp 384.