أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

اللجوء للصندوق:

كيف ستخرج باكستان من المأزق الاقتصادي الراهن؟

22 أكتوبر، 2018


 تفاقمت المشكلات الاقتصادية والمالية في باكستان خلال الأشهر الماضية، خاصة مع اتساع عجز الميزان التجاري مع ارتفاع تكلفة واردات الطاقة من الخارج، وهو ما فرض ضغوطًا غير مسبوقة على العملة المحلية وتسبب في تراجعها بشدة منذ بداية العام الجاري، وبما أثار مخاوف من ارتفاع معدلات التضخم. وعلى ما يبدو، فإن الخيارات المتاحة أمام الحكومة الجديدة برئاسة عمر خان لمعالجة المشكلات السابقة تتمثل في الحصول على الدعم المالي من الحلفاء من دول الجوار مثل الصين، أو اللجوء مرة أخرى لصندوق النقد الدولي للاقتراض، وهو ما سيتطلب منها تدشين برنامج اقتصادي يشمل حزمة من الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي سوف يتأثر بها سلبًا قطاع واسع من السكان.

صعوبات عديدة:

تواجه حكومة عمر خان صعوبات اقتصادية ومالية شديدة، نتيجة اتساع عجز الميزان التجاري وتراجع العملة المحلية. ويأتي ذلك في الوقت الذي تعهد فيه خان في برنامجه الانتخابي بتأسيس دولة رفاهية جديدة وتوفير 10 ملايين وظيفة، على نحو يتطلب مستوى من النمو الاقتصادي لا يقل عن 8% سنويًا، بالإضافة إلى بناء خمسة ملايين مسكن للفقراء.

وفي الأعوام الماضية، تعرّضت باكستان لنفس الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وهو ما ترجعه الأوساط الاقتصادية في إسلام أباد إلى مشكلات مزمنة وليست طارئة تعاني منها البلاد، تتمثل في سوء الإدارة الاقتصادية والتهديدات الأمنية المستمرة بسبب انتشار الجماعات الإرهابية في أنحاء مختلفة من البلاد، بجانب ضعف الحكومة والمساءلة والتهرب الضريبي وتردي مناخ الاستثمار.

ووفقًا لبيانات البنك المركزي الباكستاني، تواجه البلاد حاليًا صعوبات كبيرة يتعلق أبرزها باتساع عجز الحساب التجاري للبلاد الناجم عن زيادة كبيرة لفاتورة الواردات في الفترة الماضية بشكل لم تستطع صادرات البلاد تغطيتها، وبما أنتج ضغوطًا شديدة على النقد الأجنبي في الأشهر الماضية، وأثار مخاوف من زيادة معدلات التضخم.

فقد ارتفع العجز التجاري إلى 26.6 مليار دولار في العام المالي 2016/2017، أى بزيادة بنحو 7.4 مليار دولار عن مستويات العام السابق البالغة 19.2 مليار دولار، كما قد يزيد هذا العجز وفق المؤشرات الأولية إلى أكثر من 37 مليار دولار في العام المالي 2017/2018.

ومما قد يزيد من حدة إشكالية العجز التجاري لدى باكستان أنها تلبي نحو 80% من احتياجاتها من الطاقة من الخارج، ولذلك تبدو البلاد مُعرَّضة بشدة للتغيرات في أسعار النفط الخام العالمية، وهو ما حدث بالفعل مع ارتفاع أسعار النفط عالميًا إلى أكثر من 80 دولار للبرميل منذ منتصف العام الجاري، والتي من المتوقع أن تستمر عند هذه المستويات في العام المقبل، نظرًا لانحسار إمدادات النفط العالمية القادمة من بعض المنتجين.

وقد فرضت الأوضاع السابقة ضغوطًا شديدة على العملة المحلية، حيث انخفضت الروبية الباكستانية بأكثر من 20% منذ ديسمبر الماضي وحتى الآن لتصل إلى 133 مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وبما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، هذا في الوقت الذي استنفدت فيه احتياطياتها من العملات الأجنبية بوتيرة سريعة في الأشهر الماضية، لتصل إلى 8.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر الفائت، أى بتراجع أكثر من 5.5 مليار دولار منذ نهاية العام الماضي.

مسارات محتملة:

بدت السلطات الباكستانية أكثر مرونة في تقبل الخيارات الممكنة لعلاج الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تواجهها. وبدوره رجح رئيس الوزراء عمر خان إمكانية الحصول على مساعدات من ما أسماه "الدول الصديقة"، وذلك لتعزيز الاحتياطات من العملات الأجنبية إلى جانب أى مساعدات يقدمها صندوق النقد الدولي.

وفيما يبدو، فإن باكستان تنتظر من الصين تقديم العون المالي لها، خاصة مع التقارب السياسي بين الدولتين في العقود الماضية. ويدعم ذلك بالأساس المساعي الصينية لتنفيذ ما يعرف بـ"الممر الاقتصادي" بينها وبين باكستان ضمن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والتي خصص لها الجانب الصيني نحو 60 مليار دولار لبناء محطات للكهرباء وطرق سريعة رئيسية وإنشاء وتطوير طرق للسكك الحديدية وزيادة طاقة الموانئ.

وحتى يونيو 2017، تدين باكستان للصين بنحو 7.2 مليار دولار، أى حوالي 13.6% من إجمالي ديونها الخارجية البالغة 42.7 مليار دولار خلال الشهر نفسه. وربما تتنظر إسلام أباد من بكين إعادة هيكلة جزء من هذه الديون، خاصة القصيرة الأجل منها، بالإضافة إلى تقديم مزيد من المنح والدعم المالي للحكومة الجديدة، والإسراع في تنفيذ مشروعات البنية التحتية لدعم النمو الاقتصادي.

 وفي سياق آخر، طرحت الحكومة حزمة أخرى من الإجراءات من شأنها دعم النقد الأجنبي في البلاد، يتمثل أهمها في العمل على استعادة الأموال المودعة في الخارج من قبل بعض المسئولين المتهمين في قضايا فساد وإصلاح القطاع العام ومكافحة التهرب الضريبي وكبح الواردات، لكن مثل هذه الإجراءات تستغرق وقتًا كبيرًا لجنى ثمارها.

الخيار الأصعب:

بجانب الخيارات السابقة، لم تستبعد الحكومة اللجوء لصندوق النقد الدولي، بهدف تنفيذ برنامج لدعم الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي، خاصة أن مثل هذا الاتفاق قد يشجع المؤسسات الدولية الأخرى، مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي، على إقراض باكستان، وهو ما قد يساهم في تلبية احتياجاتها التمويلية التي تتراوح ما بين 10 إلى 12 مليار دولار وفق تصريح رئيس الوزراء عمر خان في 10 أكتوبر الجاري.

وبالفعل، من المفترض أن يبدأ صندوق النقد، وفق تصريح مديرته كريستين لاجارد في 11 أكتوبر، زيارته لإسلام أباد في الأسابيع القادمة، لبدء مناقشات بشأن برنامج اقتصادي مع باكستان، وذلك بعد طلب الفريق الاقتصادي للحكومة المساعدة رسميًا من الصندوق على هامش لقاءه مع لاجارد في الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدولي في إندونيسيا خلال أكتوبر الجاري.

وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها باكستان للصندوق من أجل دعم اقتصادها، حيث تلقت باكستان نحو 12 مرة حزمة دعم مالى من الصندوق، كان آخرها خلال الأعوام الثلاثة الماضية بقيمة 6.4 مليار دولار، والتى كانت تمثل وقتها 216% من حصة باكستان في الصندوق.

وبخلاف المرات السابقة التي لم تبذل فيها الحكومات الباكستانية جهودًا كافية لتطبيق سياسات اقتصادية إصلاحية سلمية، ربما لن يتهاون الصندوق مع الحكومة الحالية في اتخاذها حزمة الإجراءات اللازمة لمعالجة العجز التجاري وضعف موارد النقد الأجنبي.

وعلى ضوء ذلك، سوف يتعين على الحكومة اتخاذ إجراءات للخروج من المأزق الاقتصادي، تنصرف إلى مكافحة التهرب الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية عن طريق إزالة الإعفاءات، وخصخصة بعض الشركات المملوكة للدولة والتي تفتقر إلى الكفاءة، وإصلاح أسواق العمل، وتعديل تشريعات بيئة الأعمال، وهو ما قد يمنح باكستان إمكانية معالجة التشوهات الاقتصادية القائمة وتعزيز الثقة الدولية في اقتصادها خلال الفترة المقبلة.