أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

محفزات التمدد:

هل يصبح جنوب الفلبين معقلاً لتنظيم "داعش"؟

05 يوليو، 2017


قبل نحو عامين، وخلال فعاليات قمة الأمن الآسيوي السنوية الخامسة عشرة المعروفة بـ "حوار شانغريلا"، والتي عُقدت في سنغافورة، في يونيو 2015، حذر رئيس وزراء سنغافورة "لي هسين لونغ"، الحضور بقوله إن "جنوب شرق آسيا منطقة رئيسة لاستقطاب مقاتلي داعش".

وربما كشفت تطورات الأحداث الأخيرة التي تشهدها جزيرة مينداناو جنوب الفلبين، خاصةً في مدينة ماراوي، خلال الأسابيع القليلة الماضية عن جانب من نبوءة "لونغ" التي يخشى البعض من أن تتحول إلى حقيقة واقعة على الأرض، لاسيما مع توافر المُحفزات لتمدد "داعش" في تلك المنطقة الملتهبة جنوب شرق آسيا.

مؤشرات مقلقة

على الرغم من إعلان الجيش الفلبيني، في 10 يونيو الماضي، أن قوات أمريكية خاصة تقدم المساعدة الفنية له، كي يستعيد السيطرة على مدينة ماراوي الواقعة جنوب البلاد، والتي يسيطر عليها مسلحون موالون لتنظيم "داعش"، منذ نهاية مايو 2017، فإن الجهاديين لا يزالون يسيطرون على ما يقرب من 1500 مبنى في المدينة، وفقاً لتصريحات رسمية فلبينية في 3 يوليو الجاري.

ومنذ اندلاع الاشتباكات والرئيس الفلبيني يعد بسحق ما وصفه بـ "التمرد" في ماراوي، لكن هذا الوعد ربما تحطم على صخرة المسلحين الذين أبدوا مقاومة كبيرة، في ظل إخفاق الجيش عن الحسم، والذي التمس له وزير الدفاع الفلبيني "دلفين لورنزانا" العذر بقوله "إن عدداً كبيراً من الجنود لم يتدربوا على حرب المدن، لكنهم يتعلّمون خلال القتال".

وبحسب فيليكس هايدوك، الخبير في دراسات جنوب شرق آسيا بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في العاصمة الألمانية برلين (SWP)، فإن "دعاية داعش نجحت في استقطاب العديد من الجماعات الإسلامية المقاتلة في جنوب الفلبين، حتى أنها أيدت علناً الولاء للتنظيم".

وكانت التنظيمات الراديكالية الجهادية في جزيرة ميناناو، جنوب الفلبين، قد وحدت صفوفها تحت راية تنظيم "داعش"، وذلك منذ إعلان رئيس جماعة "أبو سياف"، المحلية، المدرجة على القائمة الأمريكية للإرهاب، "أسنيلون هابيلون"، ولاءه لزعيم التنظيم "أبي بكر البغدادي"، في عام 2014، لتصبح مينداناو منذ ذلك الحين خليطاً مكوناً من عصابات محلية، تقوم بأنشطة إجرامية، تحت راية "جهادية".

ومنذ مايو الماضي، احتل مقاتلو "داعش" مدينة ماراوي الواقعة بجزيرة مينداناو، جنوب الفلبين، بعد هجوم مفاجئ لخلايا تابعة له داخل المدينة، وقد نفّذ الجيش الفلبيني غارات جوية على مواقع المسلحين في المدينة التي ارتفعت الخسائر البشرية فيها إلى عشرات القتلى، بالإضافة إلى نزوح نحو 400 ألف شخص وتدمير أحياء برمّتها، وذلك في محاولة من الجيش لاستعادة السيطرة الكاملة عليها من يد عناصر "داعش" الذين تمكنوا من إخضاع أحياء فيها لسيطرتهم ورفعوا أعلامهم السوداء عليها.

وكانت العاصمة الفلبينية مانيلا قد شهدت مطلع يونيو الماضي مقتل 34 شخصاً، على الأقل، في هجوم نفذه مسلح على مجمع به فندق وملهى ليلي، قبل أن يلقى المسلح حتفه على يد الشرطة، التي أعلنت أن الحادث "ليس إرهابياً"، بينما استثمر "داعش" الموقف لصالحه كما هي عادته بإعلان موقع مقرب من التنظيم انتماء منفذ الهجوم لـ "داعش" في الفلبين. 

محفزات الانتشار

ثمة مخططات "داعشية" لإعادة التموضع في القارة الآسيوية، في ظل خسارة التنظيم معاقله التقليدية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما بعد طرده من قلب المدينة القديمة في الموصل، وعدم استقراره في سوريا مع اقتراب حسم معركة الرقة، إضافة إلى الصعوبات التي يواجهها "داعش" في شمال أفريقيا، خاصةً في ليبيا.

وفي هذا السياق، ثمة عوامل عدة تجعل من جنوب الفلبين بيئة مثالية لتنظيم "داعش" متقلص النفوذ في الشرق الأوسط، ولعل أهم تلك المحفزات ما يلي: 

1- الموقع الاستراتيجي: حتى قبل ظهور رايات تنظيم "داعش" في جنوب الفلبين، كانت مينداناو مرتكزاً للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود في منطقة جنوب شرق آسيا، بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي، إذ تقع الجزيرة على طول الحدود البحرية بين الفلبين وإندونيسيا وماليزيا، مما جعلها الوجهة المفضلة للجهاديين الإندونيسيين والماليزيين الهاربين من قوات الأمن، التي تضيق عليهم الخناق في بلدانهم.

2- صراع الهويات: يعتبر الوجود الداعشي في مينداناو، تطوراً طبيعياً لبيئة مواتية نبتت فيها بذور الإرهاب قبل عقود خلت، لاعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، اختلط فيها القومي بالديني، والأيديولوجي بالعقدي، حيث لا ينمو "داعش" إلا داخل بيئات تمزقها الخلافات العرقية والدينية، ما يسمح باستغلال الظروف الأمنية المتردية والمتعلقة بانتشار الميليشيات في البيئات المنقسمة على ذاتها هوياتياً.

3- انتشار التطرف: تعد الفلبين من أكثر الدول "غير الإسلامية" التي نمت فيها التنظيمات المتشددة منذ أكثر من أربعة عقود، الأمر الذي جعلها أرضاً خصبة لنمو فكر "داعش"، الذي يمتلك حاسة استشعار عالية تمكنه من تحديد بؤر التوتر الملتهبة والتدخل فيها وتحويل الصراعات المحلية إلى صراعات ذات بُعد هوياتي تضاف إلى حسابه، وهو ما يفعله من حين إلى آخر في الفلبين، منذ نحو 3 سنوات، مُقتنصاً الفرص لشن هجمات باسمه.

4- وجود حركات انفصالية: تعاني جزيرة مينداناو، منذ عشرات السنين، انتشار العصابات والمتمردين المحليين والحركات الانفصالية، حيث إن الفقر وغياب القانون والحدود غير المحكمة للجزيرة التي تقطنها أغلبية مسلمة، أمور ترشحها لتتحول إلى قاعدة للمتشددين من جنوب شرق آسيا ومن خارجها، خاصةً مع طرد مقاتلي "داعش" من العراق وسوريا.

5- توافر الموارد المالية: يُتاح التمويل في جنوب الفلبين عبر الحصول على أموال تجارة المخدرات، فمثلما كان تمويل "داعش" في العراق وسوريا يعتمد على النفط المهرّب وبيع الآثار المسروقة، فإن تهريب المخدرات في جنوب شرق آسيا يُعد أداة التمويل الأساسية للتنظيم الإرهابي.

حلحلة سياسية

على الرغم من مُضي نحو 3 سنوات على إعلان جماعات فلبينية محلية الولاء لتنظيم "داعش"، فإن تلك الجماعات في مينداناو، حتى الآن، ما زالت تركز على نشاطها الإجرامي اليومي المعتاد، أكثر من سعيها لتنظيم هجمات إرهابية احترافية تضاهي دقة هجمات "داعش" في أوروبا ومناطق أخرى من العالم.

وإذا تم عمل مقارنة بين جماعات مورو المسلحة في مينداناو، لاسيما "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، و"الجبهة الوطنية لتحرير مورو"، التين أشعلتا نار التمرد الانفصالي ضد حكومة مانيلا لأكثر من 4 عقود، وبين الجماعات الجهادية الأخرى، بما فيها "داعش"، فإن الخطورة الحقيقية ستكون من نصيب الأولى. إذ تُقدر أعداد مقاتلي جماعات مورو المسلحة بعشرات الآلاف، بالإضافة إلى تأثيرها الكبير على الجماعات المحلية كافة التي أعلنت انتماءها لتنظيم "داعش"، حيث تجدر الإشارة إلى أن جل تلك التنظيمات الراديكالية في الفلبين ينحدر من الجماعات المتشددة، التابعة لجبهتي مورو، ومن ثم فطالما بقي صراع مورو قائماً، فإن الجماعات الإرهابية ستجد دوماً ملاذاً آمناً في مينداناو. 

الحل إذن لن يكون في إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية التي فرضها الرئيس "رودريغو دوتيرت" في 23 مايو الماضي لمدة 60 يوماً، والتي أثارت قلق غالبية مسلمي الإقليم الذين باتوا أكثر المتضررين من التنظيمات العنيفة التي تصمهم بالإرهاب، وفقاً لحسين أوروج، عضو لجنة المراقبين المستقلين لاتفاقية السلام بين حكومة الفلبين وجبهة تحرير مورو.

كما أن الحل لن يكون في إطلاق الرئيس "دوتيرتي" نداءً، يبدو عاطفياً، يناشد فيه المسلمين الانفصاليين والمتمردين الذين يقودهم الماويون للانضمام إلى الحكومة في حربها ضد المتشددين المرتبطين بتنظيم "داعش" الإرهابي، عارضاً تقديم أموال أو حتى إيواء مقاتلي الجماعات التي تعارض الدولة منذ أمد بعيد إذا ما شاركوا في الحرب على من وصفهم بـ "العدو المشترك".

ولأن جذور الأزمة في مينداناو سياسية بالأساس، فإن استراتيجية "جز الأعشاب" الداعشية الضارة، ربما تكون هي الوصفة العلاجية الناجعة لتجفيف منابع الإرهاب في ذلك الإقليم المضطرب، من خلال تفعيل اتفاقية السلام التاريخية التي أبرمتها الحكومة الفلبينية، في عام 2014، عندما استجابت لمطالب قادة مورو بنقل السلطة إلى المنطقة ذات الأغلبية المسلمة، وذلك من خلال الموافقة على إنشاء منطقة إدارية ذات حكم ذاتي موسع في "بانجسامورو".

وبدون حلحلة سياسية لأزمة جنوب الفلبين، كحاضنة إقليمية للإرهاب، سيظل تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية تحدياً رئيساً أمام الفلبين ودول جنوب شرق آسيا ككل، لاسيما مع حتمية الجغرافية الطبيعية للمنطقة، والتي تسهل انتشار الأوكار الإجرامية، وإقامة مناطق تدريب نائية في جبال وعرة، خاصةً في كل من الفلبين وإندونيسيا.

ختاماً، يمكن القول إن العلاقة بين الجماعات الإرهابية في الفلبين وتنظيم "داعش"، لا تزال في طور الولاء "الدعائي" أكثر من كونه ولاءً تنظيمياً استراتيجياً، إذ تتمتع التنظيمات المتشددة في مينداناو بالاكتفاء الذاتي من السلاح والعتاد؛ حيث يستولى المقاتلون على الأسلحة إما عن طريق مداهمة المواقع العسكرية للجيش، أو من خلال الاستحواذ عليها خلال المعارك مع القوات الحكومية، إضافة إلى الدافعية للقتال والتي تختلط فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وبناءً عليه، فإن الجماعات الفلبينية المتطرفة لا تحتاج إلى دعم "داعش" لها، بقدر ما توظفه كفزاعة لإكساب تموضعها المحلي بُعداً إقليمياً ودولياً، ولكن تنظيم "داعش" هو الذي يحتاج للتموضع الاستراتيجي في الحاضنة الفلبينية البعيدة نوعاً ما عن حاضنته الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط، والتي باتت تتسم بصعوبات جمة تهدد انتشاره الفكري وتمدده الجغرافي الذي وصل إليه خلال العامين الماضيين.