أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الكعكة الصفراء:

لماذا تزايد الطلب العالمي على اليورانيوم في الآونة الأخيرة؟

23 يوليو، 2024


بالرغم من انخفاض الاستثمار في استكشاف اليورانيوم وتطوير المناجم بشكل مُطّرد على مدى السنوات العشر الماضية بشكل ملحوظ، خاصة بعد حادث فوكوشيما في عام 2011، فضلاً عن تركيز الحكومات على مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا مُؤخراً التي أدّت إلى تعقيد عملية استيراد اليورانيوم الروسي، خاصة مع حظر الواردات إلى الولايات المتحدة بشكل كامل، وذلك كله بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة التي أدت إلى زيادة تكاليف مشروعات مناجم اليورانيوم الجديدة والحالية، إلى جانب الاضطرابات في النيجر والتي أدى إلى قطع 5% من اليورانيوم عن العالم، وهو ما يمثل أكثر من 24% من واردات الاتحاد الأوروبي من اليورانيوم؛ فإنه ومع تحول العالم إلى الكهرباء لمكافحة تغير المناخ، من المُرجح أن تصبح الطاقة النووية جزءاً مُتزايداً من مزيج الطاقة وقد وصلت مشروعات الطاقة النووية الجديدة إلى مستوى تاريخي مُؤخراً؛ إذ تعهدت أكثر من 20 دولة؛ بمُضاعفة القدرة النووية العالمية ثلاث مرات بحلول عام 2050 وتخطط الصين وحدها لبناء ما لا يقل عن 150 مُفاعلاً جديداً في السنوات الـ15 المُقبلة، بتكلفة تزيد على 440 مليار دولار أمريكي، كما أعلنت الهند هذا العام عن خطط لزيادة القدرة النووية من 6780 ميجاوات إلى 22480 ميجاوات بحلول عام 2031. 

ازدياد مُضطرد:

ترتبط سوق اليورانيوم بعدد من الأبعاد، يمكن تسليط الضوء عليها على النحو التالي:

1. توقعات بزيادة كبيرة في الطلب: وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ من المُتوقع أن تتوسع القدرة الإنتاجية للطاقة النووية من 24% إلى 100% بحلول عام 2050، وبمجرد تشغيل المفاعلات المُخطط تنفيذها حالياً، فإنها ستستخدم اليورانيوم طوال اليوم لمدة 60 إلى 80 عاماً؛ ومن ثم سيعني ذلك زيادة في التكالب على المعدن الأصفر، الذي يُعد أساسياً في عمليات الطاقة النووية سواء السلمية أم العسكرية.

ويرجع التكالب على اليورانيوم لستينيات القرن الماضي مع إدراك كلٍ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لأهمية اليورانيوم في سباق التسلح النووي، ثم تلا ذلك دخول دول أخرى عصر الطاقة النووية خاصة فرنسا التي بدأت في استغلال نفوذها في إفريقيا للبحث عن اليورانيوم، وحالياً تتكالب دول مثل: الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين على السيطرة على مصادر اليورانيوم خاصة الموجودة في إفريقيا، كما أنه إذا أثبتت المفاعلات المعيارية الصغيرة –التي يمكنها إنتاج ما يصل إلى 300 ميجاوات من الطاقة- فعاليتها وكفاءتها الاقتصادية؛ فسيؤدي ذلك لزيادة الطلب بشكل كبير. 

2. ارتفاع الأسعار تدريجياً: ارتفعت الأسعار الفورية لليورانيوم بنسبة 50% في العام الماضي عمّا كان في السابق، ووصلت نحو 105 دولارات بداية العام الجاري، ويبلغ متوسطها حالياً 84 دولاراً لكل باوند (0.4536 كيلوجرام)، وذلك مع استمرار الطلب في تجاوز العرض، كما أن الحظر الأمريكي الجديد على استيراد اليورانيوم من روسيا؛ سيؤدي أيضاً إلى تشديد المعروض من مرافقها؛ وسيحتاج العالم إلى ما يصل إلى 100 ألف طن من اليورانيوم سنوياً بحلول عام 2040؛ وهو ما يعني مُضاعفة التعدين، وتمثل الطاقة النووية حوالي 5% من القدرة المُركّبة في العالم بقيمة 407 جيجاوات، وتمتلك الولايات المتحدة أكبر قدرة نووية مُثبتة بنحو 95 جيجاوات، تليها فرنسا (61 جيجاوات)، والصين (56 جيجاوات)، واليابان (33 جيجاوات)، وروسيا (30 جيجاوات). 

3. تزايد الاعتماد على الطاقة النووية: توجد حالياً 85 جيجاوات من القدرة النووية قيد الإنشاء (منها 31 جيجاوات في الصين وحدها) و354 جيجاوات قيد التطوير (بما في ذلك 174 جيجاوات في الصين). ومن حيث توليد الطاقة، تمثل الطاقة النووية نحو 10% من إنتاج الكهرباء في جميع أنحاء العالم بواقع 2.677 تيراواط/ساعة، وأنتجت الولايات المتحدة وحدها أكبر قدر طاقة من الطاقة النووية في عام 2022 (805 تيراواط في الساعة)، تليها الصين (418 تيراواط في الساعة)، وفرنسا (295 تيراواط في الساعة)، وروسيا (224 تيراواط في الساعة)، وكوريا الجنوبية (176 تيراواط في الساعة).

خريطة مُتشابكة:

تمكن الإشارة إلى الخريطة الخاصة بإنتاج اليورانيوم على النحو التالي:

1. تركّز أكبر الاحتياطيات في كازاخستان وكندا وناميبيا: تُعد كازاخستان فاعلاً رئيسياً في سوق اليورانيوم العالمي. باعتبارها أكبر مُنتج لليورانيوم في العالم، واستحوذت على حوالي 40% من الإنتاج العالمي في عام 2022، كما تمتلك 12% من موارد اليورانيوم القابلة للاستخراج في العالم. بإجمالي احتياطيات تقدر بـ1.4 مليون طن، وتأتي كندا كثاني أكبر مُنتج لليورانيوم في العالم؛ إذ يحتوي حوض أثاباسكا في كندا على أكبر رواسب اليورانيوم عالي الجودة في العالم، بدرجات تصل إلى 100 مرة أكبر من متوسط رواسب الخام في أماكن أخرى من العالم، كما تمتلك كندا احتياطيات معروفة تبلغ 588.500 طن في جميع أنحاء البلاد، وتوجد مناجم سابقة في أونتاريو وكيبيك، لكن غالبية الاستثمار في الاستكشاف والتطوير يتركز في منطقة أثاباسكا، فيما تُعد ناميبيا ثالث أكبر منتج لليورانيوم في جميع أنحاء العالم؛ وهو ما يمثل ما يقرب من 10 إلى 15% من الإنتاج العالمي.

2. سيطرة قلّة من شركات التعدين على عمليات الاستخراج: تُعد شركة التعدين الحكومية "كازاتومبروم" في كازاخستان أكبر مُنتج على الإطلاق؛ إذ تبلغ حصتها في السوق 23%، وتشمل شركات التعدين الكبرى الأخرى شركة "كاميكو" الكندية (12%)، و"أورانو" الفرنسية (11%)، و"الصين العامة النووية" (10%)، و"يورانيوم وان" المملوكة للدولة الروسية (9%)، ومن المُتوقع أن ينمو إنتاج اليورانيوم العالمي بنسبة 11.7% ليصل إلى أكثر من 60.3 ميجا طن بنهاية العام 2024، وستكون هذه الزيادة مدفوعة في الغالب بارتفاع الإنتاج من المُنتجين الرئيسيين مثل: كازاخستان وكندا. ومن المُتوقع أن تحقق كازاخستان أعلى نمو في إنتاج اليورانيوم في عام 2024، مدفوعاً بالإنتاج المُرتفع المُخطط له من أكبر مُنتج لليورانيوم عالمياً، "كازاتومبروم".

تكالب مُتوقع:

يمكن استشراف عدد من المآلات المُحتملة للطلب على اليورانيوم على النحو التالي:

1. تعزيز الأهمية المُتزايدة للطاقة النووية: تعمل العوامل الجيوسياسية على تفاقم حالة عدم اليقين بشأن اليورانيوم، إضافة إلى تزايد الحاجة له بشكل مُضطرد للاستخدام في إنتاج الكهرباء، وسعي دول لتعزيز احتياطياتها منه لتسريع عمليات إنتاج الأسلحة النووية لدى الفاعلين الاقتصاديين. فعلى سبيل المثال؛ أدّى الانقلاب العسكري في النيجر، ثاني أكبر مورد للاتحاد الأوروبي في عام 2022، إلى تغذية المخاوف من التقارب الروسي والصيني تجاه القادة الجدد في نيامي؛ إذ تتمتع كل من الدولتين بصناعة نووية ديناميكية تتطلب طلباً قوياً على الوقود، ولا تخفيان طموحاتهما التجارية، وخاصة في مجال استخراج وتحويل اليورانيوم، كما أن إيران سعت بشكل كبير للتقارب مع النيجر عقب تغيير النظام فيها، وتوقيع اتفاق لتزويد طهران باليورانيوم، كما سعت تركيا مُؤخراً للتقارب مع النيجر على أمل تأمين وصول أنقرة لـليورانيوم، من أجل دعم صناعة الطاقة النووية الناشئة في البلاد.

2. تحركات أمريكية صينية لتأمين الاحتياجات اللازمة من اليورانيوم: وقّعت كازاخستان والصين اتفاقاً طويل الأجل لتوريد اليورانيوم إلى الصين، يقضي بتزويد الصين بالدفعة الأولى من مُجمعات اليورانيوم. من جهة أخرى حافظت روسيا على نفوذها لدى كازاخستان وأوزبكستان لتأمين حاجاتها من اليورانيوم، فيما سعت الولايات المتحدة لتأمين احتياجاتها عبر كندا القريبة من خلال اتفاقيات مُشتركة تُسهم في تسهيل وصول اليورانيوم الكندي إلى الولايات المتحدة، ولم تقتصر المنافسة على تأمين الاحتياجات؛ إذ سعت أيضاً عدّة دول كبرى للتكالب على مصادر اليورانيوم في مناطق مُتفرقة من العالم.

3. تنافس دولي على احتياطيات اليورانيوم في إفريقيا: يظهر اهتمام الدول الكبرى لتأمين احتياجاتها من اليورانيوم في التنافس الحاد على الفوز بالتنقيب عن هذا المعدن في عدد من الدول الإفريقية، وتظهر هذه التحركات في تنافس الشركات الأمريكية الصينية والأمريكية والفرنسية المُهتمة جميعها بالتعدين في منطقة باكوما المُشهورة بوجود اليورانيوم في جمهورية إفريقيا الوسطى، وفي تنزانيا تتنافس شركات كبرى مُمثلة للولايات المتحدة والصين وفرنسا للحصول على امتيار التنقيب في نهر مكوجو، كما تتنافس القوى الكبرى كذلك على الفوز بمشروعات التعدين في ملاوي وناميبيا وجنوب إفريقيا وتشاد وبوتسوانا؛ مما يُشير إلى احتمالات تزايد التنافس الدولي على اليورانيوم مُستقبلاً مع تزايد الحاجة إليه وسط ارتفاع الطلب المستقبلي على هذا المعدن. 

وفي التقدير، يمكن القول إن المنافسة على شراء اليورانيوم أصبحت على أشدها منذ سنوات، وأسهمت العوامل الجيوسياسية والاقتصادية، بشكل كبير في زيادة حدّة التنافس الدولي، وذلك على خلفية ارتفاع الطلب وزيادة الاعتماد على هذا المصدر من الطاقة، ولا يقتصر الأمر على هذه العوامل فقط لكن قضايا أخرى ساعدت على الوصول لهذه النتيجة من بينها تطور التقنيات التكنولوجية في مجال الطاقة النووية؛ مما قد يعني مُستقبلاً زيادة الاعتماد عليها خاصة مع إثبات المفاعلات المعيارية الصغيرة (SMR)، والمفاعلات المعيارية المتقدمة (AMR)، ومفاعل الطاقة النووية الصغيرة (SNPR)، لكفاءتها ونموذجها الاقتصادي غير المُكلّف، والذي سيكون أيضاً خياراً أكثر جاذبية لوصول الدول لتعهداتها المُناخية، ويتماهى ذلك مع ظهور فاعلين جدد والتوسع في تنفيذ المفاعلات النووية خاصة في آسيا والشرق الأوسط، سواء على المستوى السلمي أم العسكري.