أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

جدل سلبي:

تجديد الخطاب الديني وأزمة الإعلام المصري

30 أبريل، 2015


منذ أطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في يناير الماضي، خلال الاحتفال بذكرى مولد الرسول الكريم، دعوته إلى ثورة دينية وتجديد الخطاب الديني بغرض تصحيح صورة الإسلام وإجراء مراجعة شاملة لمفاهيم التعايش مع الآخر؛ دخلت وسائل الإعلام المصرية المختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي في جدل ونقاش حاد حول ماهية هذه "الثورة" أو ذلك "التجديد"، مدفوعة في ذلك بعاملين أولهما محاولة المشاركة في إثراء النقاش حول هذه القضية من جانب، وثانيهما اتخاذها وسيلة لجذب الجمهور من جانب آخر.

وعلى الرغم من أن قضية تجديد الخطاب الديني ليست وليدة اليوم؛ فإن طريقة معالجة الإعلام المصري لها في الآونة الأخيرة أضفت عليها مزيداً من الجدل في ظل طرح بعض الإعلاميين والمثقفين آراء ودعوات لاقت رفضاً من جانب مؤسسة الأزهر ورجال الدين، بل وقطاع كبير من الشارع المصري والعربي.

لكن متابعة القضية خلال الأشهر الماضية تؤكد أن هذا الجدل لم يقد إلى محاولات رصينة وجادة في سبيل طرح إيجابي لمسألة تجديد الخطاب الديني رغم تعالي الأصوات المطالبة بذلك ورغم وجود إرادة سياسية، خاصة بعد أن مثل فشل تجربة حكم "الإسلام السياسي" ممثلاً في جماعة "الإخوان" في مصر وغيرها من البلدان العربية المناسبة الأبرز التي وإن كانت أدت إلى انتشار الجماعات المتطرفة التي يمارس العديد منها العنف باسم الدين، فإنها أيضاً شكلت مرتكزاً جديداً إلى البحث عن خطاب إسلامي أكثر اعتدالاً ووسطية بديلاً عن ذاك الفكر الذي يستند على فهم غير صحيح لآراء وفتاوى موجودة في التراث الإسلامي، ليصبح البحث في هذا التراث أمراً مُلحاً.

وسائل الإعلام ودعوة السيسي لثورة دينية

التقطت وسائل الإعلام المختلفة دعوة الرئيس السيسي إلى تجديد الخطاب الديني، وانطلقت البرامج والصحف المطبوعة والمواقع الإخبارية تناقش هذه القضية، وكان الاحتفاء بدعوة الرئيس المصري هي السمة الغالبة في وسائل الإعلام المصرية؛ فقد أفردت الصحف - سواء كانت قومية أم حزبية أم خاصة – وكذلك البرامج الحوارية التليفزيونية، مساحات واسعة للحديث عن "الثورة الدينية"، وكُتب عدد هائل من مقالات الرأي حول هذه القضية، حيث بدا واضحاً أن الغالبية العظمى منها مؤيد لدعوة "تجديد الخطاب الديني".

وتكشف المراجعة المتأنية لما نُشر بالصحف في الفترة التي أعقبت دعوة الرئيس السيسي وحتى الآن، عن مجموعة من الملاحظات على رأسها غياب الحديث عن استراتيجية واضحة لـ"تجديد الخطاب الديني"، فضلاً عن غياب تعريف محدد لمفهوم "تجديد الخطاب الديني" من الأساس، وهل هي دعوة إلى إحداث ثورة على التراث الديني الموجود؟ أم مجرد "تنقيح" للتراث في خطوة ضمن استراتيجية متكاملة لمواجهة التطرف؟

أما الملاحظة الأخرى فهي أن أياً من وسائل الإعلام لم تحدد من أي نقطة تبدأ عملية "تجديد الخطاب الديني"، وما هي آليات ذلك التجديد؟؛ حيث اكتفت معظم وسائل الإعلام المصرية بالتركيز على بعض النقاط المثيرة للجدل في التراث الإسلامي، وبالتالي كان تأثير هذا التناول سلبياً، إذ ابتعد عن القضية الأساسية، وهو ما يمكن ملاحظته في نموذجي "إسلام بحيري" و"شريف الشوباشي" كمثلين يوضحان ذلك الأمر.

1 ـ نموذج إسلام بحيري: على الرغم من أن برنامج "إسلام بحيري" يُذاع على قناة (القاهرة والناس) الفضائية منذ حوالي عامين، فإنه أثار ضجة كبيرة مؤخراً، حيث انتبه الجميع- بعد دعوة الرئيس السيسي- إلى هذا البرنامج وما يقدمه من تفنيد ونقد لبعض كتب التراث الإسلامي، خاصةً بعد القضية التي رفعها الأزهر الشريف لوقف إذاعة البرنامج.

وبتتبع تناول وسائل الإعلام المصرية للقضايا التي أثارها "بحيري" في برنامجه، يلاحظ أن هذا التناول تركز في نقل أخبار هذا الإعلامي المثير للجدل، وردود علماء الأزهر على كلامه، ثم الدعوة إلى إجراء المناظرات مع "بحيري"، ومن هنا جاءت مناظرته مع الشيخين "أسامة الأزهري" و"الحبيب الجفري" في برنامج الإعلامي "خيري رمضان" على قناة "سي بي سي" الفضائية.

واعتبرت البرامج الحوارية والصحف المصرية "إسلام بحيري" مادة ثرية يمكنها اجتذاب الجمهور، واتخذت وسائل الإعلام في البداية موقفاً محايداً منه، ووصفه البعض بالجريء لدخوله لهذا المعترك الصعب، ولكن بعد ذلك بدأ الإعلام المصري يتخذ اتجاهاً معارضاً لما يطرحه "بحيري"، وبدأ يركز على ردود العلماء ورجال الدين في مواجهته.

وجاءت نهاية البرنامج بإعلان قناة "القاهرة والناس" وقف إذاعته لأن القناة – كما أشارت في بيان لها - لا تشجع المناظرات أو حتى البرامج التي تفرق بين المسلم وأخيه، بعدما أثبتته من نتائج سلبية على المجتمع، وبما قد تؤدي إليه حتماً  من الاحتقان والاختلاف في وقت ينبغي فيه أن تتجه إرادة الأمة إلى التوحد والبناء.

2 ـ نموذج شريف الشوباشي: استغل الكاتب "الشوباشي" مطالبة الرئيس السيسي بتجديد الخطاب الديني، ودعا المصريات إلى خلع الحجاب في تظاهرة عامة بميدان التحرير خلال الأسبوع الأول من شهر مايو الجاري، لأن هذا الأمر في رأيه هو السبيل لمحاربة تيارات الإسلام السياسي. وبعد انتشار دعوة "الشوباشي" على شبكات التواصل الاجتماعي، رأت فيها وسائل الإعلام مادة إعلامية جاذبة للجمهور ومثيرة للكثير من الجدل.

وبتتبع اتجاهات وسائل الإعلام نحو دعوة "الشوباشي"، يلاحظ أن معظم وسائل الإعلام رفضت هذه الدعوة، فعلى سبيل المثال وصفها تامر أمين في برنامجه بـ"الشذوذ الفكري واللوثة العقلية التي أصابت كثير من النخبة والمثقفين"، ودعا الإعلامي محمود سعد في برنامجه لاتباع أسلوب "حوار الطرشان" مع "الشوباشي". وسخر الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق في برنامجه "والله أعلم" من دعوة "الشوباشي"، وطالب المسلمات غير المحجبات اللاتي يردن ارتداء الحجاب النزول إلى ميدان التحرير، وارتداء الحجاب رداً على مثل هذه الدعوات.

وكما كان الحال في القنوات الفضائية التي تبنت إطار الهجوم على "الشوباشي" ودعوته، هاجمت معظم الصحف - سواء القومية أو الحزبية أو الخاصة - هذه الدعوة من خلال مقالات كتَّابها، في حين استغلت الأبواق الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان تلك الدعوة وغيرها للزعم بأن كل ما يحدث من محاولة هدم ثوابت الدين هو نتيجة لدعوة الرئيس السيسي ومطالبته بثورة دينية.

شبكات التواصل الاجتماعي وتجديد الخطاب الديني

انتقلت هذه الصراعات التي خلقتها وسائل الإعلام التقليدية بعد دعوة الرئيس السيسي لتجديد الخطاب الديني، إلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ خاصةً أن هذه المواقع أضحت منبراً لمناقشة القضايا والمشكلات المختلفة.

فمع الاهتمام الذي أبدته وسائل الإعلام المصرية ببرنامج "إسلام بحيري"، بدأ مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي كل منهم يطرح آرائه سواء مع "بحيري" أو ضده، وتم تدشين هاشتاجات على رأسها هاشتاج "#إسلام_بحيري" والذي وصل عدد التغريدات به على موقع تويتر إلى 12 ألف و435 تغريدة في الفترة من 27 مارس وحتى 26 أبريل، وهاشتاج "#الحفلة_على_إسلام_بحيري".

ومع المناظرة الأخرى التي أجراها برنامج "ممكن" بين "بحيري والشيخ "أسامة الأزهري" والشيخ "الحبيب الجفري"، تم تدشين هاشتاج "#الأزهري_ بحيري_الجفري"، والذي وصل عدد التغريدات الخاصة به في الفترة من 15 أبريل وحتى 20 أبريل إلى 17 ألف و232 تويتة.

ومع دعوة "الشوباشي"، ظهر هاشتاج "#الشوباشي" والذي وصل عدد التغريدات الخاصة به في الفترة من 27 مارس وحتى 26 أبريل إلى 8937 تويتة، وهاشتاج "#مليونية_خلع_الحجاب"، وتم تدشين هاشتاج "#سيلفي_الحجاب" للرد على دعوة "الشوباشي".

ما الدور المفترض للإعلام؟

يمكن القول إن الإعلام المصري انشغل بقضية تجديد الخطاب الديني من منظور يقوم على الترويج والدعاية والإثارة بأكثر مما انشغل بالقضية ذاتها، ولم يفلح الإعلام في إثارة جدل بناء حول قضية مهمة ومؤثرة لطالما فتحت أكثر من مرة طوال عقد كامل، ولأن دور الإعلام يبقى حجر أساس في تلك القضية، فمن المهم أن تناقش وسائل الإعلام المختلفة - على سبيل المثال - المسألة الأهم، وهي الجهة التي ستقوم بتجديد الخطاب الديني ومحاولة الوصول لتوافق مجتمعي حولها، خاصةً أن بعض الإعلاميين يرون أن رجال الأزهر ليسوا جديرين بتولي هذه المسؤولية، ويؤكد بعضهم على أنه إذا كان لديهم رغبة في ذلك لما انتظروا دعوة رئاسية للقيام بها، علاوة على أن موقف مشيخة الازهر وإن كان مؤيداً لـ"تجديد الخطاب الديني"، فإنه في الوقت ذاته متحفظ بعض الشيء على بعض الأفكار المطروحة وذات الصلة بهذه المسألة.

وفي هذا الصدد، ثمة بعض الأفكار التي يمكن أن تُؤخذ في الاعتبار لنشر خطاب ديني مستنير في الدول العربية التي تشهد موجات من التشدد والتطرف، ومن بين هذه الأفكار ما يلي:

1 ـ تركيز وسائل الإعلام على الموضوعات والقضايا التي تعكس قيم الإسلام الوسطي المعتدل، والابتعاد عن تناول الآراء الشاذة والمسائل الفقهية محل الجدل، والتي قد تزيد من حدة الانقسامات التي تعاني منها الشعوب العربية.

2 ـ استغلال شبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها) في بث خطاب إسلامي معتدل يبرز تسامح الإسلام ووسطيته، وعدم ترك هذه المواقع ساحة يُساء استخدامها من قِبل الجماعات الإرهابية - مثل "داعش" و"القاعدة" - في نشر أفكار متطرفة أبعد ما تكون عن الإسلام المعتدل.

3 ـ تعزيز دور الأزهر الشريف كمؤسسة دينية وسطية تنشر تعاليم الإسلام السمحة في العالم أجمع، مع استغلال كافة وسائل الإعلام سواء التقليدية أو الإلكترونية في هذا الشأن. وفي هذا الإطار، قد يُصدر الأزهر مجلة عالمية تُعبر عنه بعدة لغات، فضلاً عن تدشين قناة فضائية دينية باسمه ناطقة بلغات عدة.

4 ـ قيام الإعلاميين والصحفيين في كل دولة بوضع ميثاق يحدد أطر النقاش حول قضايا التجديد الديني، وماهيته، وأهدافه، ووسائله، وأدواته، من أجل التوصل لصيغة مشتركة لإثراء النقاش البناء.

5 ـ إن تجديد الخطاب الديني هو مجال متعدد التخصصات لا يحتاج فقط إلى إعلام واع أو علماء دين وسطيين، بل يحتاج إلى مشاركة من علماء الاجتماع والنفس وبعض أساتذة الجامعات، والمثقفين، والشباب، وغيرهم؛ وهو ما يعني أن إثراء وسائل الإعلام المسموعة والمرئية لقضية تجديد الخطاب الديني يستلزم مشاركة طيف واسع من هذه التخصصات، علاوة على مشاركة مجتمعية، وهو ما يقتضي تخصيص برامج محددة بتوقيتات زمنية مناسبة، سواء من حيث وقت البث أو الوقت المحدد للبرامج ذاتها، بحيث تسمح بإثراء نقاش علمي وديني رصين لا يبتعد عن فهم رجل الشارع العادي، ويعمل على تحويل الأمر إلى قضية عامة وليس مجرد قضية نخبوية يختلف حولها المتخصصون من علماء الدين فقط.

مُجمل القول، إن وسائل الإعلام المصرية قد أثارت أزمة في معالجتها لقضية "تجديد الخطاب الديني"، فهي لم تطرح تعريفاً ولا استراتيجية محددة لكيفية هذا التجديد، بل اقتصر دور وسائل الاعلام على إبراز المسائل الفقية الخلافية، وإجراء المناظرات التي تزيد حدة الفرقة بين أفراد المجتمع، وهذا بالتأكيد لن يؤدي إلى تجديد الخطاب الديني، بل إحداث فوضى وبلبلة داخل المجتمع.

ولعل هذا ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى التأكيد مرة أخرى في خطابه بالكلية الحربية يوم 17 أبريل 2015 على ضرروة التعامل بحذر ودقة ووعي شديد مع مسألة تجديد الخطاب الديني؛ فعندما تحدث الرئيس المصري من قبل وطالب الأزهر الشريف بضرورة مراجعة وتجديد الخطاب الديني، لم يكن يقصد القضايا التي أثارتها وسائل الإعلام.

وبالتالي، يتعين على الإعلام أن يلعب الدور الصحيح المنوط به، فبدلاً من إثارة القضايا الجزئية، يجب أن يسعى لتحديد ماهية الخطاب الديني وما الذي نريد تجديده بالفعل، وأن يتابع الإعلام الخطوات التي يتخذها الأزهر والمفكرون في هذا السبيل، وأن يسعى الإعلام لتحقيق دوره في التغيير الاجتماعي باعتباره أحد أهم أدوات هذا التغيير، وأحد أنجح الوسائل في نشر هذا الخطاب الديني الجديد.